تعقيب على مقالة وتحليل مشكور من الأستاذ نزار حنا..
قبل فترة طلب الأستاذ الفاضل نزار حنا أن أبعث لهُ إحدى قصصي لكي يترجمها إلى اللغة السريانية.. فبعثت لحضرته مجموعة لينتقي منها ما يرغب.. فكان من دواعي سروري وأعتزازي أن أرى قصتي (حلم الدراجة- أدب الأطفال) منشورة وباللغة السريانية في صحيفة (العراقية) في أستراليا.. شكرت جهود الأستاذ نزار وطلبت أن أهديه نسخة من كتاب خواطري تقديراً لهُ.. فأسعدتهُ هديتي المتواضعة.. ثم تفاجأت بمبادرته النبيلة وبعد أن أطلع على كتابي (خواطر من ذاكرتي..)، قد أرسل لي رسالة أبدى من خلالها عن رأيه وتحليله النبيل عن كتابي ومضمونه.. وسررت أكثر حين جاء بداية رسالته عن نفس الفترة التي أتحدث فيها عن خلال حلقاتي المتسلسلة وزيارات والدي في فترة بدايات السبعينيات لمنطقة بادينان.. وتحدث الأستاذ نزار بأسلوب وتحليل رائع عن فحوى كتابي.. كما أثار أنتباهي حول سؤاله الأخير: ((كنت أتمنى للكاتبة أن تلحق في نهاية كتابها فصلا مستقلا تستخلص فيه رؤيتها.....)) شكراً لهذه الإشارة أستاذ نزار وسوف أهتم بهذه النقطة في المرات القادمة إن شاء الله..
حقيقة أستاذ نزار ودون أية مجاملة لولا طبعي للكتاب لكان من دواعي سروري أن أضع رسالتك الكريمة كمقدمة لكتابي..! أكرر شكري وتقديري لرأيك الكريم عن كتاب خواطري وأشكرك على مجموعة الدواوين المترجمة القيمة التي أهديتها لي.. مع تحياتي وتمنياتي الطيبة..
زوزان صالح اليوسفي
ملاحظة: كلمات أغنية التصميم للأستاذ نزار حنا وهي عن قريته ديربون، وألحان الأغنية لساندي ريكاني.. الصور في منطقة فيشخابور وديربون بعدستي.
مقالة الأستاذ نزار حنا:
قراءة في كتاب ( خواطر من ذاكرتي ...) للكاتبة زوزان صالح اليوسفي
نزار حنا الديراني
لا أدري ما الذي دفعني لأتلقف هدية الزميلة الكاتبة زوزان صالح اليوسفي بشوق عظيم لأتسارع الغوص بين أسطره باحثا عن ما يرتوي عطشي فيما يخص صفحات من تاريختا المعاصر في العراق ... ربما كان السبب كونه يحمل أسم المناضل صالح اليوسفي وحيث نقلتني ذاكرتي إلى بداية السبعينات يوم ذهبنا نحن طلبة زاخو لإستقباله في (الكلي) وهو وزيراً وحين عاد وكنا قد شكلنا حلقة كبيرة للرقص، سرنا أمامه وكانت الشعارات تزين الطريق لتقول ( تو بخير هاتي سيدا صالح اليوسفي ) وإلى حيث ساحة القائمقامية ليخاطب الجمهور... أو ربما كان السبب يكمن في كونه كتاب مذكرات، وحسب تصوري هذا النوع من الكتب يقوم في عكس الجدلية القائمة بين الذات والتاريخ من خلال تقصير المسافة بين الذاتي (ما تخزنه ذاكرة الكاتب أو المؤرخ أو الراوي من صور حية) والموضوعي الذي يسعى إليه الباحث للوصول إليه... لما إكتسبته الشهادات والسير المدونة في كتاب المذكرات من أهمية خاصة في ردم الهوة فيما هو مكتوب في قاعدة البيانات المدونة في الوثائق وما حفظته لنا ذاكرة من عاش أو عاشر شهودها لهذه الأحداث أو المواقف المخفية التي كان يخفيها الفاعل عن ما هو مكتوب.. ففي عالم السياسة هناك وجهان للفعل الوجه الظاهر والمعلن عنه في الوثائق الرسمية والوجه المخفي الذي يحاول المسؤول تطبيقه سرا لأفشال ما متفق عليه في العلن وهذا ما سنتلمسه في هكذا نوع من الكتب (المذكرات) كما تلمسناه من هذا الكتاب عن أسباب فشل كل هذه المبادرات والأتفقات المعلنة بين الطرفين الحكومي والكوردي. فهذه المذكرات هي شواهد لمقاربة حقيقة الواقع من جميع زواياه لأجيالنا القادمة من خلال من عايشوه.. ومن هنا تأتي أهمية كتابة المذكرات لتكون مصدرا أو مرجعا من خلاله نطل على زوايا الحدث .
ما أريد قوله إن لكتابة المذكرات دوراً وظيفيا معرفيا لمعرفة الأخر من زوايا أخرى... لذا فالحقيقة العلمية لا تقتصر على كتاب ما ولا عند مؤرخ ما بل هي عملية تراكمية وتواصلية ونقدية مفتوحة تتغذى على الأضافات الدائمة والأكتشافات التي لا تتوقف عند حد ما، لذا كلما كثرت هكذا أنواع من الكتب كلما توسع مجال معرفة الحقيقة وتفكيك العٌقد المحبوكة والتي تقف عائقا في البحوث التاريخية لذا من خلال هذا المقال أدعوا كل قاماتنا لسرد مذكراتهم بأمانة لمساعدة الجيل القادم لإرتشاف نظرته ومواقفه من تجاربهم.
وكتاب (خواطر من ذاكرتي ..) للكاتبة والقاصة زوزان صالح اليوسفي الصادر في دهوك عام 2018 هو أحد هذه المحاولات التي أفلحت فيها الكاتبة بجدارة لسرد حياتها وحيات شعبها لفترة تزيد عن (20) سنة لتسلط الضوء من خلاله على صفحات من تاريخ النضال والحركة الكوردية بدءً من ثورة عبد الكريم قاسم عام 1958 وأعتقال والدها وحتى إغتياله في يوم 25/حزيران / 1981.
إستهلت الكاتبة مذكراتها بمقدمة تقول فيها (هذا الكتاب يضم مجموعة من ذكريات وخواطر من حياتي ويستعرض بعض المحطات من مرحلة حياة طفلة ثم صبية، كيف عاشت وكيف كان طموحها وأمنياتها وأحلامها ويومياتها وهي تعيش في ظل عائلة عاشت مراحل النضال الكوردي ...) .
ورغم إن الكاتبة لم تبوب كتابها بفصول إلا أنها لسلاسة القراءة قسمته إلى 110 محطة فضلا عن المقدمة وألبوم الصور وبواقع 738 صفحة تروي فيها الكاتبة من خلال ما خزنته ذاكرتها عن بعض جوانب من نظال ومآسي شعبها وعن دور المرحوم (والدها) المناضل صالح اليوسفي في أيام الثورة الكوردية من أجل تحقيق طموحاتهم بالعيش الكريم.
ومن خلال قراءتي للكتاب أقول :
إتسمت الكاتبة زوزان في سردها هذا بالمصداقية الذاتية في التعبير عن الأحداث وكانت أمينة في نقل الحدث وبهذا إستطاعت أن تهدم الهوة بين الذاتي والموضوعي وعلى ما يقع بينهما من إلتباس او شطط من خلال دعم ذكرياتها بشهادة الآخرين الذين كانوا قد عاشروا والدها في النضال والثورة والمفاوضات.. وبهذا أنقذت كتابها من أن يكون تجربة شخصية أي رواية صاحبها، لذا لا يمكن إعتبار كتابها كغيره من المذكرات التي يكتبها أشخاصا بكونها مرآة تعكس صورة الواقع كما رأوها ..
وبشكل عام أستطيع أن أقول إتسمت مذكرات الزميلة زوزان صالح اليوسفي بالكثير من المصداقية والدقة في سردها للوقائع التي عاشتها أو نقلتها ممن عاشها... وما يزيد الكتاب أهمية هو أن الراوية وكما تقول في مقدمتها (لا أدعي بأن لي ممارسة بالعمل السياسي ولم أدخل يوما في أي تنظيم حزبي، ولكن شاء الله وشاءت الأقدار أن أدخل المعتقل وأعيش النفي والترحيل والإقامة الجبرية... وأن أعيش في بيت كان رب الأسرة زعيما وطنيا..) لذا إستطاعت أن توثق بأمانة للعديد من الشخصيات الكوردية والغير الكوردية التي وردت أسماءها في الكتاب..
ويستمد هذا الكتاب أهميته من شخصية مؤلفه التي عاشت الحدث كونها من أفراد العائلة ولإنها كانت صغيرة لذا سطرت الكثير من المشاهد نقلا من والدتها وشقيقتها الكبيرة ومن ثم من مذكرات وشهادات من عاش مع والدها، لذا كانت الكاتبة حريصة أن تنقل الأحداث والمشاهدات كما هي من دون التأويل لتعطي لهذه الشهادات مصداقيتها... حيث كانت حريصة أن تقدم هذه الشهادات بعين التاريخ بعيدة عن الأحتمالات والتأويل فلم أقرأ لها بأنها جيرت هذه الشهادات من خلال إضفاء أناها عليها لذا وجدتها صادقة في السرد .
بدأت الزميلة زوزان صالح اليوسفي كتابها (خواطر من ذاكرتي...) بإلقاء الضوء على سيرة حياتها مستهلة كتابها بالحديث عن والدها أبان العهد الجمهوري وفترة إعتقاله ومن ثم إعتقال والدتها وحيث عاشت معها في سجن الموصل وهي لا تتجاوز الـسنتين تحت محطة (أصغر سجينة سياسية في العراق) لتعيش مع والدتها مع سجينات أغلبهن من المنتميات إلى الحزب الشيوعي مادحة دورهن في تقديم الرعاية لهما وخاصة حين عرفوا إنها زوجة أحد قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني. ولم تخفي شعورها تجاه أولئك الكورد المنضويين تحت راية السلطة بسبب مصالحهم وكونهم السبب في قيام السلطة في زاخو لمضايقتهم وأعتقالهم رغم ما أبداه قائمقام زاخو من تعاطف معهم.. وكذلك لفتت نظرنا إلى ما حمله الإنشقاق داخل صفوف الحزب من ضعف في الموقف الكوردي تجاه المفاوض الحكومي، وكذلك تسرد في كتابها عن طيبة أهل شرقاط الذين عاملوهم بكل محبة دون النظر كونهم إكراد ورب الأسرة من اللذين يحاربون السلطة الحاكمة.. وكذلك تسرد بما حملته ذاكرتها والعائلة في بغداد وحيث والدها وزيرا ورئيس تحرير جريدة التآخي التي كانت دائما تزعج السلطة لمواقفها المتشددة تجاه قرارات ومواقف الحكومة آنذاك ورئيسا لأتحاد الأدباء الكورد ومسؤولا للفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستناني الذي كان يستقطب الكثير من المواطنين ومن مختلف الأعراق لحمل قضاياهم الى الجهات المعنية، وفي محطات أخرى كشفت لنا ما كان يدور في أروقة القصور من مناسبات للم شمل زوجات القادة والوزراء من خلال دعوات غداء أو عشاء يجمعهن في دار إحداهن كما الحال في بيت الرئيس أحمد حسن البكر و... وسلطت الضوء أيضا على لقاءات والدها مفوضا ووزيرا مع قادة السلطة بدءً من عبد السلام ثم عبد الرحمن وأحمد حسن البكر إنتهاءً بالرئيس صدام حسين... وتحدثت بأسهاب وشوق عن رحلتهم المؤلمة حين طردهم النظام وتركهم في الجبال والوديان مع عشرات العوائل الأخرى وهي بهذا كشفت الستار عن الوجه المظلم لحكوماتنا القمعية، ثم كشفت النقاب عن ما بعد إنهيار الثورة الكوردية كنتيجة لاتفاق الجزائر المبرم بين الحكومة العراقية وشاه أيران بوساطة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين وعودتهم إلى بغداد... وبهذا تكون الكاتبة قد تحدثت عن طفولتها وفترة شقاء الأسرة أبان كون المناظل في الجبال أو في السجون وعن فترة الرخاء حين كان والدها وزيرا وخصوصا بعد إتفاقية آذار والحكم الذاتي... ومن ثم أنهت كتابها بيوم إغتيال والدها في بغداد بطرد بريدي.
إنه كتاب شيق تستحق الكاتبة كل التقدير لجهودها القيمة في جمع كل هذه المعلومات وخصوصا كما قلنا لم تكن من قادة الحزب وكذلك لم تسجل لنا ما لقنه أياها والدها بل من جهودها وصبرها لذا كان من الأجدر أن ينال الكتاب رعاية حكومة الأقليم أو الحزب الديمقراطي الكوردستاني من خلال طبعه ونشره بدلا من القيام به كمجهود فردي. وبدوري أحث القراء لقرائته ليكون دافعا للآخرين ليحذوا حذوها رغم أني كنت أتمنى للكاتبة أن تلحق في نهاية كتابها فصلا مستقلا تستخلص فيه رؤيتها من خلال قراءتها لهذه المسيرة عن أسباب فشل كل هذه المفاوضات إن كان بسبب تصرفات الحكومة ومفاوضها او تصرفات الحركة الكوردية ومفاوضها بعيدا عن العواطف ليستقيد من ذلك سياسيونا الجدد، إلا أنها تركت ذلك للقارئ كي يحلل ويستنتج على أمل أن تقوم الكاتبة في خطوة لاحقة بهذا المشروع في مؤلف اخر.
نزار حنا الديراني