مشاهد حية ويوميات من أتفاقية 6 آذار..(10)
في البداية أهنئكم بمناسبة عيد الفطر المبارك.. راجية من الله القدير أن يعيدها علينا بالخير والسلام والمسرات..
محطات مؤلمة مع اللاجئين بعد النكسة.
سوف أخصص هذه الحلقة إلى جانب من الشهادات والمشاهد الحية لبعض الأخوة الأعزاء من الذين عاشوا محنة مرحلة ما بعد نكسة عام 1975، ومشاهد عن الذين أختاروا العودة إلى العراق وعن مَن أختاروا اللجوء في إيران.. وكلاهما كان مرّ المذاق بعد تلك المحنة وما كنا نحمل من مشاعر اليأس والحزن والإحباط..
يذكر الأخ الفاضل عثمان سورجي: ((هكذا بدٲت عوائلنا صغارا وكبارا بالبكاء علی الآمال التي عقدناها علی الثورة وعلی فقدان كل ما نملكه من وسائل العيش السابقة من أجل هذه الثورة وعلی ضياعنا بين مخيمات اللاجئين في الجنوب الإيراني أهواز وتهديدات الإيرانية بتوزيعنا متفرقين في أنحاء إيران..)).
يذكر المناضل حسن نزاركي: (( في يوم 19/3/1975 حين أجتمع المرحوم أسعد خوشڤي بقيادات الپيشمه ركه وقال وصلتني برقية من الرئيس البارزاني محتواها كل شيء قد أنتهى وهنالك طريقان.. أما اللجوء إلى إيران أو الإستسلام إلى حكومة بغداد..؟ رد والدي على المرحوم أسعد خوشڤي وقال له: ((هل تتذكر حديثي معك حول الوضع في العام الماضي عندما قلت لك أنني متشائم إستناداً على حديث وآراء سيدا صالح فكان جوابك لقد وصل عدد الپيشمه رگه إلى مائة ألف ومنحنا شاه إيران أسلحة متطورة فأين هذه الأسلحة والپيشمه رگه..؟! وأنا لدي أقتراحين.. الأول أستمرار القتال والثاني الإستسلام.
أجاب المرحوم أسعد خوشڤي لوالدي: (( أخي فيصل يسعدني أن تأتوا معنا إلى إيران مع قواتكم وعوائلكم.. ولكن والدي رفض ذلك الطلب وسلم نفسه مع قواته بدون قيد وشرط وبعد عشرة أيام أبعد المرحوم والدي إلى محافظة السماوة وبقينا في المنفى إلى عام 1980 ولم يتراجع عن مبادئه إلى أن غادر الحياة ونحن بدورنا نفتخر بتاريخه النضالي تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته..)).
ويذكر المناضل عوني البرزنجي: (( بقينا في جومان..ورأينا تجارة الأسلحة بين العشائر بكميات كبيرة وبعدها أتجهنا نحو الحدود الإيرانين عبر (حاج عمران) ورأينا بيشمركة يرمون أسلحتهم في الوديان ويدمرونها، وصلنا (پيرانشهر) وبقينا يومين وصدر بيان إيراني بأن يتجمع كل من دخل إيران في الحديقة الكبيرة في الساعة الثامنة صباح غد.. وفي الصباح رأينا جموع غفيرة قد تجمع، وبعد دقائق جاء رتل من السيارات العسكرية الكبيرة ومعهم مأمور مسلح وقال كل أربعون شخص يركب في سيارة وبعدها أتجهت إلى (كرمنشاه)، حينها أدركنا أنهم يريدون أن نبتعد من حاج عمران..! وصلنا كرمنشاه ومنحونا ساعة إستراحه في المطعم، فرأينا أرتال من السيارات العسكرية العراقية في نفس المكان يتجهون إلى (پيرانشهر) ومنها إلى حاج عمران..! وبعدها توجهوا بنا إلى مخيم يسمى (سراب نيلو فر)، يبعد من كرمانشاه عشرون كم.. وبعد أيام جأئتنا لجنة من القيادة الكوردية لتوزيع رواتبنا وكان رئيس اللجنة القيادي السيد (رشيد سندي) وألقى كلمة على الحشود الغفيرة من البيشمركة وكنا قد تجاوزنا الألف، وقال: (( أن مصطفى البارزاني يبلغكم السلام ويشد أياديكم وأراد أن يأتي بنفسه ولكن أسباب منعه (وكان الدمع ينهمر من عيني رشيد سندي) وأستمر قائلاً: وأنا أتأسف أن أراكم بهذه الحالة.. أنتم أبطال وقفتم بوجه أكبر دكتاتور في المنطقة، وسوف أمنحكم بدل راتب راتبين لكون عدد كبير من البيشمركة ألتحقوا في العراق.. وهذا المبلغ أمانه في عنقي من قبل الزعيم بارزاني وقد وصاني أن أوزعها كل المبلغ عليكم..)).
ويضيف الأخ عوني البرزنجي: (( بعد إنتكاسة ثورة أيلول لجئنا إلى إيران في إحدى الأيام في مخيم (سراب نيلو فر) قريب من كرمانشاه جاء وفد من العراق برئاسة نعيم حداد رئيس المجلس الوطني العراقي لإلقاء كلمة على حشد من الپيشمه ركه بحماية القوات الشاهنشاهيه المسلحة وبمعية سيدة إيرانيه من العائلة المالكة..! فقال نعيم حداد.. أن العفو الصادر من القيادة مستمرة لكم وعودتكم إلى العراق والعفو يشمل الجميع العقوبات المترتبة عليكم وكل واحد يعود إلى عمله....
وكان رد فعلنا قوي بشعارات وضجيج وإهانات إلى قيادة البعث ورميه بالحجارة.. وكانت إهانة إلى شاه إيران وقد تفرق الجميع من المنصة وركبوا طائرة هليكوبتر وغادروا المكان وأفسدنا عليهم هذا الإجتماع..)).
في البداية أشكر الأخ عوني البرزنجي عميق الشكر والتقدير لتوضيحه لهذه النقطة المهمة، حيث كنت أسمع حينها عن بعض المواقف التي كان لها تأثير سلبي على مجموعة الكورد العائدين إلى العراق.. ولكنني وفي ذلك العمر الصغير لم أكن أستوعب أو أفهم ما يجري حينها..! وهنا أود أن أعلق على هذا المشهد الذي ذكرهُ الأخ عوني.. فرغم التقدير لمشاعر هؤلاء الپيشمه ركه أمام النكسة التي مررنا بها.. ولكن كان من المفروض وقبل أن يتصرفوا بمثل هذه المواجهة التي أشار إليها الأخ عوني أتجاه نعيم حداد.. كان عليهم أن يفكروا بمصير العشرات من الكورد من أمثالهم من الذين أختاروا العودة إلى العراق..؟! فمثل هذا الموقف كان من الأسباب الذي دفع نظام بغداد إلى إتباع سياسية صارمة أتجاه الكورد العائدين بعد هذه المواجهة وذلك من خلال عمليات النفي والتهجير والأعتقالات فيما بعد.. وأيضاً كان سبباً من عدم تعاون النظام مع محاولات والدي الحثيثة للوصول إلى حل مشرف.. فرغم أن كل شيء أصبح في يد صدام حينها.. إلا أن نعيم حداد ومعهُ الرئيس أحمد حسن البكر ومجموعة أخرى من النظام كانوا يقدرون وجهات نظر والدي، وكان بين نعيم ووالدي صداقة طيبة وكانا يلتقيان معاً في الكثير من المناسبات والإيفادات الحكومية (حين كان والدي في الوزارة قبل حرب 1974)، وقد أشرت في الحلقات الماضية على بعض مشاهد اللقاءات بينهما.
وهنا يذكر الأستاذ نور علي: (( الشهيد صالح اليوسفي هو الذي أخذ من الحكومة العراقية في وقتها (حزب البعث) المواثيق والعهود بعدم التعرض للعائدين من أيران بحسب العفو الحكومي الذي أصدره أحمد حسن البكر بحق كوادر وأعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولا يزال من بقي على قيد الحياة من يترحم على الشهيد صالح اليوسفي..)).
يذكر الأستاذ صلاح مراد: (( حقيقه كان يوماً عصيباً لنا جميعاً بعد نكسة 75، حيث أتذكر ذلك اليوم حين أجتمعت العائلة حول والدي والدتي (رحمهما الله) وأخد الوالد يسأل كل فرد من العائلة حول المصير وأتخاذ القرار، أما البقاء في إيران أو اللجوء إلى أوربا، حقيقة كان كل أفراد العائلة على أتفاق ورأي واحد هو اللجوء إلى المانيا الغربية حين ذاك، لكن والدي قال وبنص العبارة: ( أنا لا أترك صديقي صالح اليوسفي، هو في بغداد للمفاوضات من أجلنا وقد ضحى هذا الرجل بنفسهِ وعائلته من أجلنا، والله أعتبرها خيانه عظمى بحق الرفاق والوطن عندما نتنعم نحن بالأمان والرفاهية في أوروبا في حين لدينا رفاق بين فكيّ العدو، لذلك قررنا العودة إلى بغداد وترك إيران وأوروبا للكثيرين من القيادات السياسية، هذا ما حدث بالفعل في تلك الفترة العصيبة من تاريخ حركتنا الثورية، حقيقتاً كانت مأساة في تلك الفترة وبالأخص عند الرحلة الأخيرة من نغده إلى قصر شيرين ومنها إلى بعقوبه وكامپ اللاجئين في منطقة بلدروز، ومنها زودنا بكتاب الأكراد العائدين إلى الصف الوطني، يا لها من أيام تعيسة سيدتي زوزان أنتِ تعلمين كيف كان حجم المأساة والمعاناة، فنحن ومن كان هناك يدركون جيداً معنى الخوف واليأس والإحباط.. أذكر ذلك اليوم عندما كنا متواجدين في محافظة بعقوبة حيث أستلم رجال الأمن زمام الأمر بأستقبال اللاجئين الكورد وقد تم تزويدنا بالوثائق الرسمية من قبل محافظ ديالى عيادة كنعان، وللأمانة والتاريخ أقولها.. كانوا رجالات الأمن بكل أحترام وتقدير يستقبلون العوائل العائدة للصف الوطني ولم يتعرض أحد لا للإهانة ولا للإساءة.. وهذا كله بفضل الشهيد والدكم لان رجوعه للوطن كانت بادرة خير وأمان للجميع، وهذا لا يخفى على أحد حيث كان القائد اليوسفي محل ثقة وأحترام وتقدير من قبل الرئيس أحمد حسن البكر وكل رجالات الدولة العراقية، نعم أختي زوزان لقد ترك الشهيد اليوسفي خلفه رصيداً من كفاح طويل أمتدت قرابة أربعين عاماً أو أكثر، كان فيها مناضلاً وسياسياً وموجهاً وقائداً.. شهد كأي مناضل التشرد والمعاناة والسجن والتعذيب، وكسياسي كان منسجماً مع مبادئه النضالية التي أورثته الأحترام والمعاناة في نفس الوقت، وكموجه كان نموذجاً للثوري الذي يربط القول بالفعل حتى في أصعب المواقف.. رحم الله الشهيد صالح اليوسفي وجميع شهداء الحركة الثورية الكوردية سلمت يداك على النشر، نسأل الله أن يتغمد شهيدنا اليوسفي في فسيح جناته، وأن ويوفقكم..)).
يذكر الأستاذ كاميران قره داغي: (( قال لنا القنصل طارق عبد الجبار (الذي كنت أعرفه منذ عملنا معاً في إذاعة بغداد، أنا في القسم الروسي وهو في القسم الإنكليزي)، قال لنا: إن عدداً من البيشمركة المقاتلين الذي وصلوا إلى طهران بعد إتفاق الجزائر في طهران، جاءوا إلى السفارة أثناء زيارة صدام حسين، وطالبوه بأن يقدم لهم ضمانات بسلامتهم في حال عادوا إلى العراق، ورداً على طلبهم كتب صدام بياناً بخطه ووقعه بصفته نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، أكد في فقرته الأولى أن العفو العام يشمل الجميع، بأستثناء قائد الثورة مصطفى بارزاني و3 آخرين من أعضاء عائلته، وأنهم سيعودون إلى مناطقهم الأصلية وقامت السفارة العراقية بتوزيع نسخ مصورة من البيان على العراقيين في طهران.. هكذا بدأت العلاقات بين حزبي قاسملو والبعث العراقي. وكانت نشأت علاقات وثيقة بين قاسملو وجلال طالباني وحصل تعاون بين حزبيهما، وفي مطلع الثمانينات توسط قاسملو بين طالباني وبغداد، فبدأت بين الطرفين مفاوضات لم تنجح في النهاية. في المقابل، توسط طالباني بين قاسملو وطهران(1))).
يذكر الأستاذ نصير حسين: (( والدي حسين علي أحمد المندلاوي ومعروف عند البيشمركه بأسم (حسين علي كاكي) وهو ضابط مدفعية، تم تسليمه منصب أمر سرية أسناد (به مو) بأمر من الزعيم ملا مصطفى البارزاني بدل عن فاخر ميركه سوري، وكان الشهيد صالح اليوسفي أول من أيد تسليمه قاطع منطقة به مو، بعد نكسة 1975 سكنا بالمخيمات الإيرانية في منطقة (أنزل دو) وبقينا أكثر من سنتين بالمخيم، وبعدها عدنا للعراق عن طريق الصليب الأحمر وتم ترحيلنا من مندلي إلى بغداد وهدم بيتنا وصادرت ممتلكاتنا وأراضينا وسجن والدي في مديرية الأمن العام ببغداد وبعد ستة أشهر أطلق سراحه.. وأستمر بعدها بالعمل النضالي في بغداد وكان يقود تنظيمات سرية هو والشهيد ملازم جوامير مندلاوي ومجموعة كبيرة من القيادات السياسية وبقي مسمراً إلى يوم سقوط النظام)).
مع الفنان الكبير محمد شيخو: في خريف 1974 ألتحق بثورة أيلول حتى نكسة أتفاقية الجزائر 1975، وضمن صفوف المهجرين بقي في في إيران، وكان أول تسجيل له من مهاباد وقدم مقدمته بصوت حزين قائلاً: (من مهاباد نبع دم الشهداء.. أهديكم هذه الأغاني الحزينة)، لم يعجب السافاك (الأستخبارات الإيرانية) أغاني محمد شيخو وخاصة أغنية (ئةى فةلك..) فحققوا معهُ وسألوهُ.. كيف تقول بأنكم لا تملكون أصدقاء وأنتم تمكثون عندنا..؟ وطلبوا منهُ إلغاء هذه الأغنية..! ولكن محمد شيخو رد عليهم قائلاً: ( لو كان لنا أصدقاء وقاموا بحمايتنا لكنا في وطننا كوردستان)، فتم نفيه إلى أقصى الشمال في إيران في (كنبد كاووس) البعيدة عن كوردستان إيران بصفة لاجئ من أكراد العراق، فقضى سبع سنوات هناك وكان لهُ أتصال مع الشاعر مصطفى أتروشي فغنى 24 أغنية من قصائده، في أحد الأيام زارهُ وفد من إحدى الإذعات الكوردية وطلبوا منه العمل في الإذاعة مقابل راتب مغري وشقة وسيارة، بمقابل أستبدال كلمة كوردستان بكلمة كولستان، فرد محمد شيخو ضاحكاً: ( هذه الكلمة هجرتني إلى هذا المكان ولن أغيرها)، فتعرض أكثر من مرة للإغتيال، فنصحوه أن يترك إيران، فعاد إلى سوريا ولم بالأفضل حيث تعرض إلى عدة مضايقات وأعتقالات وتعذيب إلى أن توفي في آذار 1989، تغمد الله فناننا المناضل البطل بواسع رحمته(2).
مصادر:
(1) كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد (10): العام اليتيم وما بعده..
(2) سيرة الفنان الكبير محمد شيخو من عدة مواقع.