1 قراءة دقيقة
الحلقة: الواحد بعد المائة (الجزء الأول)



حوار لابد منه حول هذه المرحلة الراهنة.. حاولت قدر الإمكان أن أتجنب الخوض في تفاصيل الأحداث التي سبق وأن أشرت إليها خلال الحلقات السابقة، ولكن كلما حاولت الأبتعاد عنها أجد نفسي مضطرة إلى المرور بها بشكل أو بآخر، لإنها ترتبط بالحركة الكوردية وبمرحلة ما بعد نكسة 1975 وذلك لكي أوضح لقرائي الأعزاء عن دور والدي في هذه المرحلة المهمة والصعبة جداً في تاريخنا السياسي، وبعد تأسيسه للحركة الأشتراكية الديمقراطية الكوردستانية (بزوتنه وى سوشاليست) كما وسأتطرق لأول مرة عن بعض الزوايا المهمة من خلال فقرات معينة من رسائل والدي لقيادة الحركة عبر أجزاء من الحلقات، رداً على بعض التصريحات.عن هذه الفترة يذكر الأستاذ عادل مراد:(( كان لإنهيار الحركة الكردية عام 1975 دور في خلق حالة من الهزات النظرية في فكر النخب السياسية الكردية، ليس في العراق فحسب بل حتى في بقية أجزاء كردستان.. وأصبحت الأفكار اليسارية والماركسية هي المهيمنة على فكر النخب والمجموعات السياسية الصاعدة.. وتنامت وتيرة التنظيمات في جماعة كادحي كردستان (كومله) والحركة الأشتراكية الديمقراطية الكردستانية (حسك) والحزب الديمقراطي الكردستاني (القيادة المؤقتة) والحزب الاشتراكي الكوردي (باسوك) بقيادة جلال حاجي حسين وآزاد محمد وتنظيم وحدة القاعدة بقيادة د.عادل عبد المهدي وفاضل الملا محمود وسامي شورش...)).

الحركة التحررية الكوردية.. والأفكار اليسارية
منذ أن تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1946 وحتى نكسة 1975 لم يبلور الحزب أيدولوجية خاصة به، وذلك لإنشغاله بقيادة الحركة التحررية الكوردية، ولكن عقب نكسة 1975 ظهرت عدد من المنظمات والأحزاب التي تبنت الأفكار اليسارية والماركسية، وأن تلك الأفكار لم تكن وليدة فترة ما بعد النكسة، بل لازمت هذه الأفكار تأثيرتها وتداعياتها على مسيرة الحركة الثورية الكوردية حين تغلغلت في الفكر السياسي ولعبت دوراً قوياً منذ تأسيس حزب هيوا في نهايات الثلاثينات من القرن الماضي، وكان سبباً في إنهيار وإنقسام حزب هيوا، وبعد تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1946 أستطاعت قيادة الحزب الحد من نشرها في الحركة التحررية الكوردية، وإن أغلب الموالين إلى هذا الجناح من حزب هيوا وشورش أما أنظموا إلى الحزب الشيوعي أو تركوا السياسة، في نهاية الخمسينيات حاول الأستاذ (همزة عبد الله) من إعادة نشر الفكر اليساري بين صفوف الحزب مرة أخرى إلا أن الزعيم ملا مصطفى البارزاني وأعضاء قيادته أستطاعوا الحد من طموح الأستاذ همزة عبد الله، خلال عام 1964 مرة أخرى حاولت مجموعة من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية بالإنشقاق عن الحزب الديمقراطي لوجود تناقضات في الأفكار نحو الجناح اليساري وكان راعيها كل من السادة الأستاذ أبراهيم أحمد وجلال طالباني وعمر مصطفى الملقب ب(عمر دبابة) وعلي عبدالله ونوري شاويس وآخرين، ومرة أخرى أستطاعت القيادة من مواجهة هذا الجناح والحد من نشره، وأعاد أغلب الأعضاء الذين أنتموا لهذا الفكر إلى صفوف الحزب الديمقراطي مرة أخرى منهم السادة علي عبد الله ونوري شاويس ومحمد أمين بك وعمر دبابة وعلي عسكري، وكان لوالدي الدور البارز في إعادة هؤلاء الشخصيات، حيث أدرك والدي حينها بأن هذه الأفكار بعيدة عن المجتمع الكوردي وأن تأثيراتها وتداعياتها السلبية التي ستؤثر على مسيرة الحركة الثورية الكوردية خلال تلك المرحلة الراهنة، وبعد نكسة عام 1975عادت نفس الأفكار مرة أخرى بقوة للأجواء السياسية على شكل تنظيمات وأحزاب بين صفوف الشعب الكوردي، وكان على رأسها منظمة كومله ومنظمات أخرى، إضافة إلى تبني الأستاذ جلال الطالباني الفكر اليساري منذ البداية وطبقها في منهاج حزب الإتحاد الوطني بعد تأسيسها في حزيران 1975.
كما هو معروف فأن الأحزاب وأدبياتها تختلف عن بعضها البعض، كانت تعتبر الحركة التي أسسها والدي كخط وسط ما بين القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني وبين بقية المنظمات والأحزاب الأخرى، ووضع والدي أيدولوجية خاصة للحركة وكتب منهاجها ونظامها الداخلي بخط يده وفق خبرة نضاله السياسي والثوري الطويل وقد أزدادت شعبية الحركة وقوتها شيئاً فشيئاً.. ولكن للأسف الشديد الصراع حول السلطة عرضتها إلى العديد من المشاكل والنكبات والمحن..!

أود أن أوضح أن الحركة التي أسسها والدي تبنت (الأشتراكية الديمقراطية) كمنهج للحركة وليست الأشتراكية العلمية التي تضم الأفكار اليسارية والماركسية كما يتصورها البعض، فالأشتراكية الديمقراطية تختلف في منهجها عن منهج الأشتراكية العلمية والأفكار اليسارية.
وتعريف الأشتراكية الديمقراطية:(هي أيدولوجية سياسية تدعوا إلى التدخل الأقتصادي والإجتماعي من قِبل الحكومة لترسيخ العدالة الأجتماعية بين المجتمع ضمن إطار النظام الرأسمالي، تحمي من خلالها الرفاهية الأقتصادية والأجتماعية للمواطنين على أساس مبادئ تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة والمسؤولية العامة على المواطنين الغير القادرين على تأمين الحد الأدنى من المؤن الكافي لحياة جيدة، وتتبع نظام الأنتخاب والإصلاح والتطور) وهي عكس الأشتراكية العلمية لأنها لا تسلك العنف.. وهناك العديد من الدول والأحزاب تتبنى في نظامها الأشتراكية الديمقراطية مثل كندا وأستراليا ودول الأسكندنافية.

ولكي أوضح أكثر لقرائي ومتابعيّ الأعزاء.. يذكر والدي وجهة نظره حول تأسيسه لهذه الحركة من خلال رسائله إلى قيادات الحركة يقول فيها: (( لقد أبديت وجهة نظري عن عمق وروية ودراسة مستفيضة وإدراك وتجربة وضمير حي حول آيديولوجية الحزب الأشتراكي الكوردستاني والنابع عن صميم مصلحة شعبنا وحركته التحررية التقدمية على مدار التأريخ وقد آنيت على نفسي أن أكون تقدميا موضوعيا بكل معنى الكلمة مجردا عن جميع شوائب التضليل والتزييف والتطرف الإنفعالي اليميني واليساري على حد سواء والتي ألحقت ولاتزال تلحق وفي المستقبل بحركة شعبنا ومصلحته ومستقبله ضررا بليغا.. وأؤمن إيمانا جازما بأن البقاء هو للأصلح وإن هذا النهج يسود ليس فقط في كوردستان بل في العالم بأسره وليس علينا سوى القيام بدورنا الإيجابي الموضوعي المتواضع وبقدر ما نملك من الأمكانيات في هذا المجال الصائب النبيل...)).

وقد أشرت في هذه الحلقة إلى هذا الموضوع لكي أبين وجهة نظر والدي نحو المنظمات والأحزاب التي تأسست بعد نكسة 1975، ومحاولات والدي الحثيثة لأستقلالية حركته وحزبه ونهجها وعدم أنجراف قادتها وأعضائها وفكرها من التشتت والضياع ومزجها داخل إي جناح آخر يختلف منهجها وتطلعاتها عن نهج وفكر والدي.. وبعد ذلك يذهب جهود والدي كلها سدى، ورغم ذلك فقد تعرضت حركته إلى تحرشات وتدخلات كثيرة أدت إلى تشتت الأفكار داخل أعضاء القيادة خاصة من الملتحقين..!

فكرة أتحاد القوى كانت للأستاذ المرحوم جلال الطالباني الذي أسس حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني بعد حوالي شهرين من نكسة 1975 وبالتحديد في بداية شهر حزيران من نفس العام، وأن هدف ومحاولات مام جلال كان للسعي وراء أتحاد تلك القوتين (الكومله والحركة الأشتراكية الكوردستانية) تحت جناحه، وذلك حين أسس مام جلال حزبه في البداية لم يكن لديه قوات مسلحة ومفارز في كوردستان العراق كما كان للكومله وللحركة الأشتراكية، بل كان لديه فقط جماعة من مريديه، وبما أن منظمة كومله بقيادة نوشيروان والحزب الأشتراكي الديمقراطي في جبهات القِتال بقيادة كل من علي عسكري ود. خالد وعمر دبابة وتحت قيادة والدي، كان لهذين القوتين حينها قوات من البيشمركة ومفارز في جبال كوردستان، أستطاع مام جلال عن طريق عمر دبابة من أن يقنع القياديين علي عسكري ود. خالد سعيد الإنظمام إلى هذا الأتحاد الذي دعى إليه مام جلال وتحت راية حزبه وبزعامته، دون مشورة والدي بالتفاصيل الدقيقة.... يتبع

هوامش ومصادر:
(1) كوردستان والاتحاد الوطني الكوردستاني ... تأريخ وأفاق - عادل مراد.

تم عمل هذا الموقع بواسطة