1 قراءة دقيقة
الحلقة: الواحدة والستون....قبل أن أرحل إلى فترة أحداث 1973


الحلقة: الواحدة والستون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي

قبل أن أرحل إلى فترة أحداث 1973 أود فقط أن أشير إلى شهادة وصلتني من الأخ الفاضل عبد الله الكردي، وهذه الشهادة تبرهن مدى قوة وجرأة وزخم موقع والدي خلال أتفاقية 11 آذار 1970، يذكر الأستاذ عبد الله:(( تم أعتقال 160 عضواً من الحزب الديمقراطي الكوردستاني من مدينة الموصل، وتم نقلهم إلى سجن القلعة في بغداد ثم إلى قصر النهاية وكان والدي (والد عبد الله) معهم وتم إطلاق سراحهم عند توقيع أتفاقية 11 آذار عام 1970، كان صالح اليوسفي في أستقبالهم وكان أحد المعتقلين /عربي / حديدي / أسمهُ (فتحي أبو عبد) حيث كان عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني..
في الباب قال لهم صالح اليوسفي: أين أبو عبد..؟!
قالوا لهُ: لا يشملهُ العفو إنه عربي..
أجابهم صالح اليوسفي: ولكنهُ عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني..؟
أجابوهُ مرة أخرى: لايشملهُ العفو إنه عربي..
أجابهم صالح اليوسفي: إذا لم يطلق سراحهُ الآن سنلغي أتفاقية 11 آذار وإعلان الحرب..!
أجابوهُ: على كيفك أستاذ صالح الصبر..
أجابهم اليوسفي: هذا كلامي وما عندي غيرهُ.. قال للمعتقلين في الباب يجب نقتحم السجن لنخرج المناضل أبو عبد..
قال لهُ: صبراً أستاذ الآن تأخذه معك.. فحينها تم الإفراج عن أبو عبد..
أبو عبد أكثر واحد عُذب في المعتقل كان يقولون لهُ أنت عربي أش جابك عليهم..؟
كان يقول لهم البارتي والزعيم البارزاني يجري في دمي فكان يعذب أكثر..)).

أود خلال هذه الحلقة التطرق إلى الأخوة الفيليين الكورد فلا بد من الإشارة عن دورهم في الحركة التحررية الكوردية ونضالهم الدؤوب، وقد عانوا الكثير من أنظمة الحكم في العراق وبشتى أشكال العنصرية ولاقوا صنوف من حملات التهجير والأعتقالات والتعذيب والأغتيالات وعانوا أنواع جرائم الإبادة البشرية..
بعد أتفاقية آذار حاول والدي بكل جهده حل مشكلة الأخوة الفيليين بشتى الطرق السلمية، خاصة حين أقدمت الحكومة العراقية عام 1971 على حملة ترحيل الكورد الفيليين إلى إيران، وهذا الترحيل لم يكن وليد تلك الفترة بل عانوا الأخوة الفيليين منذ العهد الملكي وواجهُ مثل هذه السياسة المقيتة، وأثر ذلك قدمت القيادة الكوردية بعد أتفاقية آذار عدة مذكرات أحتجاجية إلى النظام دفاعاً عن الأخوة الفيلية بأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة الكوردية ومن العراق، من جانبه كان والدي يعمل جلّ جهده مع الحكومة العراقية من أجل وقف هذه العمليات ومن أجل منح حقوقهم المشروعة في منح الجنسية العراقية بدل أعتبارهم من التبعية، وكان هناك بصيصاً من الأمل في حل هذه المشكلة خلال مفاوضات الجارية وفق الهدنة عام 1974، وهنا يذكر الأستاذ أبو ماهر عبد العال:(( زرتُ العلامة الشهيد الأستاذ صالح اليوسفي برفقة أخي المرحوم وصديق يدعى فريدون زرناهُ في مقر عمله، حين كان (وزير الدولة) وكان مقره وزارة التخطيط حالياً، وتحدث بألم عن معاناة الكُورد الفيلية وتصرفات حكومة البعث أتجاههم، وهو الذي طلب أن يمنحون الجنسية بدل التبعية أسوة بأكراد شمال العراق ولكن فشل المفاوضات في 1974 بين الكُرد وصدام حسين ألغيت هذه الفكرة..)).
ضيفي العزيز خلال هذه الحلقة سيكون الأستاذ يد الله كريم فيلي، الذي كان هو والسيد عبد مراد الفيلي من أعز الأصدقاء لوالدي والأقربين إليه منذ أنتمائهما إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الخمسينيات وظلوا مستمرين على صداقتهم وزيارتهما لوالدي حتى ما بعد نكسة 1975 وإلى حين إستشهاد والدي في حزيران 1981، إضافة إلى زيارات الأستاذ حبيب محمد كريم فيلي، ولا شك كان هناك العديد من الشخصيات الفيلية المناضلة القريبة من والدي والتي كانت تزورنا بأستمرار، عذراً إن كنت لا أعرف أسمائهم..
الأخوة الفيليين جزء من الأمة الكوردية، وهم شعب عريق والحديث عن تاريخهم ودورهم السياسي وعن معاناتهم طويل جداً ولا تكفي حلقة واحدة عن ذكر مآثرهم، عاشوا في (مندلي، زرباطية، بدره، جصان، خانقين، كركوك وبغداد وغيرها من المدن العراقية)، وهم ينحدرون من عشائر كوردية معروفة بشجاعتها وصفاتها الطيبة في الكرم والتسامح والوفاء بالعهود، وينتمون إلى مذهب أهل البيت وهو المذهب الشيعي، وقد عانى الكورد الفيلية من آثار الصراع الكبير بين الدولة العثمانية والفرس، أما عن دورهم في الحركة التحررية الكوردية، فقد كانوا بمثابة خط الدفاع الأول في نضالهم من أجل الحقوق المشروعة في تقرير المصير، وقد تعرضوا إلى التطهير العرقي على يد الأنظمة العراقية، وهي إحدى أشكال الجرائم الدولية، وقد لاقوا صنوف من حملات التهجير منذ العهد الملكي، ففي عهد وزارة رشيد عالي الكيلاني تم تسفير عشرات الآلاف منهم بحجة إنهم من التبعية الإيرانية، ثم تصاعدت موجات التهجير والتسفير، وفي عام 1963 أرتكب الحرس القومي أبشع الجرائم ضد الكورد الفيلية وبخاصة في (حي الأكراد) في بغداد حيث كان الحي معقلا للحركة الوطنية للحزب الديمقراطي الكوردستاني وللحزب الشيوعي العراقي(1).
يذكر الأستاذ يد الله كريم الفيلي: ((كان للكورد الفيليين الثقل الأكبر للحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد حيث كانت حينها معظم التنظيمات الحزبية في العاصمة بغداد، ولكون الكورد الفيليين كانوا الأكثر في بغداد لذا كان لهم الدور الرئيسي في الحزب، وعندما وقع الخلاف داخل جناحي أبراهيم أحمد وهمزة عبد الله، حافظ الكورد الفيليون على بناء الحزب ولم يسمحوا أن يصل إلى مهاو أسوء لحين عودة رئيسه الملا مصطفى بارزاني إلى العراق عام 1958، وكذلك من الناحية المالية لم يكن للحزب مصاريف كثيرة وواردات، فكان يعتمد على المساعدات والتبرعات التي كانت تجمع في بغداد ومصدر تلك المساعدات معظمها من الكورد الفيليين، لم يكن للبارتي في البداية مكتب سياسي ولم يكن نشيطاً بسبب المشكلات الداخلية، ولكن بعد عودة بارزاني وإنعقاد المؤتمر الرابع عام 1959 شهدت طبيعة عمل الحزب تقدماً ملحوظاً وأصبح يملك لجنة مركزية شاركوا الكورد الفيليين فيها، وأصبح كل من حبيب محمد كريم ويد الله كريم وعبد الحسين الفيلي وزكية أسماعيل حقي أعضاء اللجنة المركزية، وشاركوا في اللجان المحلية إنطلاقا من بغداد إلى البصرة، وكان المسؤولون عنها جلهم من الكورد الفيليين، وفي بداية خمسينيات القرن الماضي وعندما كان الرئيس البارزاني في روسيا وكان نائباه الشيخ لطيف الشيخ محمود وكاكه زياد كويي في السليمانية وكويسنجق، كان كل ما يتعلق بالحركة الكورد والتنظيمات الكوردية المتمثل حينها بالحزب الديمقراطي الكوردستاني متمركزا في بغداد، وكانت جميع أعمال وشؤون الحزب يديرها الدكتور جعفر محمد كريم(2)، وفي عام 1956عندما كان مام جلال قد سافر إلى وارشو ممثلا لإتحاد الشبيبة الكوردستاني ومن هناك ذهب للقاء بارزاني في روسيا بجواز كوردي فيلي بأسم محمد حجي موسى، وأن جميع مستلزماته من الألبسة ومصاريف السفر تكفل بها الكورد الفيليون، لإن الحزب كان فقيراً ومعدما، ولكن مكانة الحزب كانت رفيعة وسط الكورد الفيليين..
ويضيف يدالله كريم: بعد صدور بيان 11 آذار عام 1970 حصلت العديد من المكتسبات التي لا يتم الحديث عنها كما ينبغي، وهنا نشير إلى عدد من النقاط المهمة المتعلقة باتحاد الشبيبة الديمقراطي الكوردستاني وكيفية أستقلاله.. نذكِّر بإن إتحاد الشبيبة العالمي الذي أنبثق في المحور الشرقي كان الاتحاد السوفيتي السابق كان مسيطرا عليه، وجميع المنظمات الجماهيرية الأخرى في العراق كان الحزب الشيوعي العراقي مسيطرا عليها، ولم يكن يسمح للمنظمات المستقلة عنه تمثيل العراق في تلك المنظمات العالمية أو في الدعوة إلى المناسبات العالمية وكانت هذه النقطة جلية للعيان، ومع مجيء حزب البعث وسيطرته على الوضع، أيضا لم يتم السماح للكورد بالمشاركة بشكل مستقل، وفي ظل أتفاقية آذار جزمنا بإن أتحاد الشبيبة الديمقراطي الكوردستاني، أن يكون معترفاً به من جهة شؤونه الحكومية، وأشترطنا أن نكون منظمة رسمية ومعترف بها، وكانت مشكلتنا نحن الكورد أن الفرصة للنشاط السياسي أتيحت أمامنا إلا أن الموانع القانونية للعمل المنظماتي بقيت كما هي، فالقانون المعمول به لا يسمح بوجود منظمتين مهنيتين متشابهتين في مجال واحد لتمثيل بلد واحد في الوقت نفسه، ونحن ومن أجل المشاركة في أي نشاط خارجي كان لزاماً علينا أن نرافق المنظمات العراقية كجزء منها، وفي نهاية عام 1970 وفيما يخص بإتحاد الشبيبة قدمنا طلباً بهذا الصدد إلى وزارة الداخلية عندما كان سعدون غيدان وزيرا لها، إلا أنه رفض الطلب بداعي أن العراق يملك إتحاد شبيبة والكورد جزء من العراق، وعلى الرغم من إصرارنا على أننا لنا الحق أن تكون لنا منظماتنا المستقلة والمشاركة في النشاطات الدولية بشكل منفصل، إلا أن هذا لم يجد نفعاً أيضاً، وأخيراً ومن دون العودة إلى مرؤسينا في الحزب الديمقراطي، لجأنا إلى مجلس الشورى العراقي كأعلى جهة قانونية، وهكذا أصدر المجلس عام 1971 قراراً حاسماً أجبر وزارة الداخلية على منحنا الإجازة.. وتم الأعتراف الرسمي بالإتحاد، حتى أن الحكومة وكحق قانوني صرفت مبلغ 500 دينار سنوياً لصرفيات الإتحاد.. ويضيف الأستاذ يد الله: النقطة الثالثة والأخيرة وللتاريخ نقولها، إن الأشخاص الخمسة الذين قدمنا الطلب كهيئة مؤسسة كنا جميعاً من الكورد الفيليين والأسماء تضمنت (قاسم ملك علي داد وضياء حسين علي وعبد الرزاق عزيز وشوكت حسن وأخير أنا عبد الكريم مراد المعروف باسم (يد الله كريم) حيث كنت صاحب مشروع الطلب وتم تسجيله باإمي وأستمر الإتحاد بالعمل والنشاط المستقل لغاية إنتهاء أتفاقية الحادي عشر من آذار، وبعد إنتكاسة ثورة أيلول تم إيقافه عن العمل من قبل حكومة بغداد..)) يد الله كريم فيلي.
يتبع
المصادر والهوامش:
(1)الكورد الفيليون تاريخهم المشرف ونضالهم الوطني- مقالات فيلي - شفق نيوز
(2)الدكتور جعفر محمد كريم: من مواليد زرباطية ومن وسط عائلة وطنية كوردية فيلية، والده أحد الشخصيات الاجتماعية المعروفة وأحد مؤسسي جمعية الكورد الفيليين في العاصمة بغداد عام 1946، والدكتور جعفر أحد المؤسسين للحركة التحررية الكوردية إلى جانب (حمزة عبد الله وصالح اليوسفي ورشيد باجلان) وغيرهم من الرواد، عرف الدكتور جعفر بتواضعه ومحبته للفقراء، وكان يصف العلاج لكثير من مرضاه مجاناً مراعاة لحالتهم المعيشية وكانت عيادته في محلة (باب الشيخ)، وقد كانت عيادة الدكتور جعفر ملتقى للعراقيين والكورد، أنضم إلى منظمة (هيوا) في نهايات ثلاثينيات القرن الماضي، ساهم بشكل رئيسي في جريدتي (شورش) و (رزكاري) في عام 1945 وأنخرط في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني (البارتي)، وأنتخب في (المكتب السياسي) في المؤتمر التأسيسي المنعقد ببغداد عام 1946، ألتحق بصفوف ثورة البارزاني وعمل في مهاباد وربطته علاقات وثيقة مع الشهيد (قاضي محمد) رئيس جمهورية مها باد، فكان نشاطه بارز في الحياة السياسية الوطنية العراقية وعلاقاته كانت وثيقة مع الحزب الوطني الديمقراطي وخاصة رئيسه المرحوم (كامل الجادرجي)، ونتيجة لنضاله تعرض إلى الإعتقال عدة مرات حيث أعتقال في أربيل عام (1942) بسبب إنتمائه الى منظمة هيوا وأرسل إلى معتقل العمارة، كما أسقطت عنه الجنسية العراقية عام 1948 بذريعة التبعية الإيرانية رغم إنه عراقي الولادة مما أضطره الانتقال إلى طهران، وفي طهران أيضا أعتقل لمدة ثلاث سنوات لإنه ساهم في خدمة جمهورية مهاباد، ثم عاد ليعتقل مرة أخرى بعد سقوط حكومة محمد مصدّق الوطنية وتعرض لعمليات التعذيب في معتقلات الشاه، وبعد قيام ثورة تموز عام (1958) في العراق أصدرت حكومة عبد الكريم قاسم قراراً بإعادة الإعتبار للمناضلين العراقيين من العرب والكورد الذين أنتهكت حقوقهم المدنية وذلك عن طريق منحهم الجنسية العراقية التي أسقطت عنهم، إلا أنه رفض العودة لإنه أفنى حياته كأحد الناشطين المعادين للوجود الاجنبي والمطالبين بالحياة الديمقراطية والحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي ، وهكذا أستمرت حياته إلى أن توفي عام 2000 - شاكر الفيلي جريدة آفاق الكورد، العدد: 51

تم عمل هذا الموقع بواسطة