1 قراءة دقيقة
الحلقة الواحدة والثلاثون



زوزان صالح اليوسفي


الحلقة الواحدة والثلاثون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
 تعقيب د. عبد الرحمن البزاز على مقالة في جريدة التآخي ورد الأستاذ صالح اليوسفي عليها..

 سأكتفي من خلال هذه الحلقة بنشر مقالة نشرت في جريدة التآخي بعد عام كامل من بيان أتفاقية 29 حزيران 1966، أي في حزيران 1967، بعنوان (بيان 29 حزيران حجر الزاوية للأخوة التاريخية – دفتر التآخي)، يليها تعقيباً للدكتور عبد الرحمن البزاز على المقالة.. ثم رد الأستاذ صالح اليوسفي على تعقيب البزاز، يوضح اليوسفي بنقد بناء من خلال مقالته الأولى ورده على الدكتور البزاز سياسة الحكومة أزاء بيان أتفاقية 29 حزيران والتماطل في تحقيق بنوده..! ويبدو واضحاً من خلال المقالة الأولى وردّ اليوسفي على د. البزاز (رئيس الوزراء) مدى جرأة وحكمة ودبلوماسية الأستاذ صالح اليوسفي في الكتابة وإظهار الحقائق من خطوات مفاوضات 29 حزيران وبالتفصيل..، وذلك من أجل حقوق قضية أمته ومن أجل نشر السلام والديمقراطية والتآخي والوفاء بالعهد من قِبل حكومة الرئيس عبد الرحمن عارف. 

 عنوان المقالة الأولى: (بيان 29 حزيران حجر الزاوية للأخوة التاريخية – دفتر التآخي) ذكر فيها: (( تمر اليوم الذكرى عام كامل بالتمام، على توقيع بيان 29 حزيران، الذي أستهدف – موضوعاً تفصيلاً – ترصين الوحدة الوطنية وتعزيز التعايش والتآلف الوطني بين أكبر مجموعتين وقوتين تؤلفان في كيان العراق العتيد وهما القومية العربية والقومية الكردية في العراق الحبيب.
وبعيداً عن الإنفعالات المرة نسجل بقلب ملؤها الحب لبلدنا العراق العملاق، إن الأكراد الذين عرفوا دوماً بطيبة القلب وصفاء السريرة، وقعوا على البيان بوصفهم الطرف الثاني للبيان من خلال تقييمهم لمصلحة البلد والشعب الواحد، مؤثرين الحل السلمي للقضية الكردية الواضحة والمشروعة على المبادرات والإتجاهات العنيفة التي يذهب بسببها مئات من المواطنين العراقيين، وتتكبد الدولة خسائر جسيمة، وتتعرض إلى ما لا يحمد عقباه.
ولقد تلقى أبناء الشعب العراقي بكافة هيئاته وقواه السياسية العاملة لمصلحة البلد الوطنية العليا خطوة الأكراد مع السلطة في التوقيع على بيان حزيران بموجات من التأييد والتقويم، كما تلقت جهات مسمومة تتاجر بالدم العراقي وتحاول من خلاله أن تحصل أعمال العنف المؤلمة لمصلحتها ومصلحة المستعمرين، تلقوا هذه الخطوة الكبيرة بألم مسعور وغضب مجنون.
ومصدر ألتفاف القوى الشعبية والوطنية والقومية المخلصة حول الأتفاقية وتأييدها لها – مبدأ وتفصيلاً – يعود على وجه التحقيق إلى التقدير الموضوعي لمصلحة الوطن الذي تجلى في الأتفاقية وفي التوقيع عليها، وفي التوقيع عليها، وفي ضرورة الألتزام بها، وتنفيذها إلى آخر الشوط..
ومبعث تطير القوى السوداء من الأتفاقية والتوقيع عليها، يتأتي من (حرص !) هذه القوى على البقاء التنافر بين العرب والأكراد وتفاقم العلاقات فيما بينهما، وأستشراء الموقف المحلي وضعفه وضموره، لكي تبقى الوحدة العراقية حبراً على الورق ويبقى أعدائها المتاجرون فيها يتحكمون في الموقف ويتصدرون عن مصالحهم الفردية والخصوصية ويبقى الحكم ضغثاً على إبالة(1) كما يقولون.
لقد مر العراق شعباً وحكومات بتجارب عديدة ومديدة وعميقة ومتنوعة، خلص فيها المعنيون والحريصون على وحدة العراق الوطنية إلى الأعتقاد والإيمان، بأن حل القضية الكردية بالطرق السلمية وبالأسلوب الديمقراطي هو الذي يعزز كيان العراق ويجمع الكلمة والقوة الضارية والمنتجة البنائة الهادفة لخير العراق بدون أستثناء.
وعلى هذا الأعتبار وجدت القوى المخلصة من كافة الأطراف العراقية، عرباً وأكراداً، إن البيان على توقيع 29 حزيران خطوة أولية في طريق بناء الوحدة الوطنية، تفتقر وتحتاج إلى التنفيذ نصاً وروحاً، بعيداً عن التماطل والتسويف، وبعيداً عن التلكؤ والدوران، خاصة بعد أن تبلورة الدعوة، إلى حل القضية الكوردية وإعطاء الأكراد حقوقهم الديمقراطية المشروعة ضمن الكيان العراقي الذي هو كيان العرب وكيان الأكراد، وكيان كافة أبناء الأقليات الأخرى.
اليوم وقد مرّ على الأتفاقية عام كامل ولا نزال والألم يساورنا ننتقد المسؤولين الذين لم يذهبوا في تنفيذ الأتفاقية إلى أبعادها كلها، إن لم يكن القول: إن بعض المسؤولين لا يتلكاؤن في التنفيذ فحسب، بل يبدو إن من بينهم مَن يريد إرجاع الأتفاقية إلى الوراء، وربما يهدف إلى تجميدها.. فتأمل..!
هل من المصلحة الوطنية أن تجمد هذه الأتفاقية..؟، وأين هي وجوه وجوانب هذه المصلحة..؟ دلونا عليها إن كنتم صادقين.. وهل من مستلزمات الحكم الذي ننشد أن يكون ديمقراطياً غمط حقوق قومية كانت ولا زالت وستبقى، تطوي ضلوعها وكفاءتها وطاقاتها على حب هذا الوطن، والدفاع عنه والأستماتة بالذود عن حقوق شعبه عرباً وأكراداً..؟ إن مرور عام على الأتفاقية وعدم الإقدام من لدن المسؤولين
(هناك سطر أو أكثر ممسوح قد يكون من قِبل الرقابة...)
الجذري والحاسم على تنفيذ بنودها كاملة، يكشف عن حقيقة.... وقاسية، ويكشف عن إن الذين أرادوا وحدة العراق وضحوا في سبيل الوطن لا زالوا على العهد باقين، لا يفرطون على مصلحة الشعب.. إن الذين لا زالوا عن الأتفاقية وروحها والأثار الطيبة التي تعكسها – حالة التنفيذ الكامل لها – لا زالوا عن تقدير الموقف السليم لمصلحة البلد، بعيدين، ولا نقول خياليين.
فليتوجه الجميع إلى تقدير المصلحة العامة للوطن، وليبادروا إلى حسبان الظروف التي تمر بها البلد وما يأمله المستعمرون وأعداء الوحدة الوطنية من البقاء على الأوضاع الأستثنائية في البلاد حتى يكسبوا منها ويضاعفوا جهودهم المحمومة في التخريب وفي التفريق.
إن مصلحة البلاد الوطنية العليا تلح وتلحف بطرح القضية طرحاً جذرياً، وذلك بتنفيذ الأتفاقية وإلغاء التشكيلات التي فرضت أثناء أعمال العنف، وضروررة العمل على ألتزام الدولة بالأتفاقية وأعتبار الدولة (للبيشمه ركه) هيئة حكومية وسحب القطعات العسكرية من الشمال وتجريد الفرسان بكافة أنواعها ومرتباتها وعودتها إلى أماكنها.. والمبادرة بإزالة الأوضاع الأستثنائية الشاذة التي تخيم على المنطقة الشمالية وتطبعها بطابعها السلبي المنفر.
 هذه خلاصة الخلاصة.. وبها نستطيع أن نحقق الوحدة الوطنية على مستوى موضوعي وبأسلوب ديمقراطي بناء، بأعتبار أن تنفيذ بيان 29 حزيران يؤلف حجر الزاوية للوحدة الوطنية وللأخوة العربية – الكردية على وجه اليقين.. 

 تعليق د. عبد الرحمن البزاز على هذه المقالة (بيان 29 حزيران حجر الزاوية للأخوة التاريخية) من خلال هذا التعقيب ذكر فيه:
(( نشرتم في العدد 59 والمؤرخ في 29 حزيران/ يونيو1967 في جريدتكم الغراء بعض المقالات حول بيان 29 حزيران/ يونيو 1966 حَوَت أخطاء وتعبيرات عديدة غير دقيقة، فحرصاً على الحقيقة، وتنويرا للرأي العام، وعملاً بحرية النشر أرجو نشر ما يلي في العدد القادم من جريدتكم.
أستعمل كاتب مقال (بيان 29 حزيران حجر الزاوية للأخوة التاريخية) تعبيرات مثل: (توقيع البيان) و(الأتفاقية وتأييدها) كما كرر ألفاظ (الأتفاقية) و(التوقيع) و(التأييد) مراراً في المقال المذكور، كذلك جاء في المقال الأفتتاحي المعنون (ذكرى مرور عام على بيان 29 حزيران) هذه الألفاظ كلها وغيرها مثل (الوفد الكردي)، (التوصل إلى هذه الأتفاقية)، (بنود الأتفاقية وملحقاتها)، ثم أن كاتب مقال (الديمقراطية مفتاح المسألة القومية) كان أكثر إيغالا في مجانبته للحقيقة حين أستعمل تعبير: (كما أكد في بنوده المذاعة والغير المذاعة)، حيث أن كل هذه التعبيرات توحي للقاريء بما يلي:
أولا- بوجود إتفاقية
ثانيا - وجود بنود سرية لهذه الإتفاقية
ولقد علمت أن جريدتكم سبق لها أن أدعت هذا الإدعاء، ووعَدَت بنشر ما سمته بالمواد السرية، فأول ما أود أن أوجه الإنتباه إليه إنه ليس هناك ما يسمى أتفاقية بل هناك بيان وهو جزء من منهاج وزارة سابقة، أن هذا المعنى واضح كل الوضوح من مقدمة البيان ذاته التي جاء فيها (أن هذه الحكومة رغبة منها في وضع حد للوضع غير الطبيعي في أنحاء من شمال الوطن – وسيراً وراء ما جاء في الفقرة الرابعة من كتاب التكليف عند تشكيل الوزارة - في الحفاظ على وحدة التربة العراقية وتحقيق الوحدة الوطنية - وتأكيدا للروابط القائمة فعلا بين العرب والأكراد، تعلن المنهاج التالي).
فجلي من هذا كل الجلاء أن البيان لم يكن إلا جزءاً من منهاج الوزراة التي ألتزمت به، وسعت حثيثا إلى تحقيقه، ولقد نفيت أن تكون هناك مفاوضات، وأعلنت ذلك صراحة في الكلمة التي مَهدتُ بها للبيان المذكور والتي جاء فيها بالحرف الواحد: (أن لقاءات قد حدثت وأتصالات وأجتماعات ومشاورات، ولكن واحد لم يحدث: ما كنا نتفاوض..) ومرة ثانية أكدت هذا المعنى قبل أن أنهي حديثي في 29 حزيران حين شكرت الذين أظهروا رغبة مخلصة في التعاون (ممن رضوا أن يلتقوا مع حكومتهم ولا أقول أن يتفاوضوا) بعد هذا كله ليس من الحقيقة في شيء، وليس من المصلحة العامة في شيء، التحدث عن المفاوضات، والأتفاقية، وما يزعم لها من ملحقات أو بنود سرية.
ثانياً ولما كان ما صدر في 29 حزيران ليس إلا بياناً عن سياسة حكومة قائمة حينذاك، وليس هو بمعاهدة أو أتفاقية أو أي شئ من هذا القبيل، فيكون القول بوجود بنود سرية والحالة هذه تَوَهمْ محض، إن المسألة ببساطة هي أن الوزارة – وقد التزمت بتحقيق وحدة الوطن – كان لابد لها من أن تضع منهاجاً مفصلا لتحقيق هذه الوحدة، أعلنته بعد أن أجرت الأتصالات والمشاورات مع كل من يعنيهم الأمر، وبعد أن عملت على الصعيد الرسمي مع كل الجهات المدنية والعسكرية، فثبتت منهاجاً بالمواد الأثنتى عشرة التي أعلنتها شخصياً للشعب نظراً لأهميتها، وأكدت في حينه أن تلك المواد هي جزء من المنهاج الوزاري الذي ألتزمت به الحكومة وأمام الشعب العراقي كلهُ، أن أية محاولة في إسباغ صفة تعاقدية على مواد ذلك المنهاج تزييف للتاريخ وبعبارة أدق أن أية وزارة جاءت إلى الحكم بعد الوزارة التي لي الشرف رئاستها حُرة من حيث المبدأ في الألتزام بهذا المنهاج أو عدم الألتزام به وطبيعي أني لأحس بالسعادة حين أرى الوزارات المتعاقبة تلتزم بالمنهاج المذكور بحيث يصبح بمثابة السياسة القومية التي يقرها الجميع، ولكن ذلك لا يغير من جوهر الحقيقة وهي أن المواد الأثنتى عشرة التي كانت قد أعلنتها في التاسع والعشرين من حزيران الماضي لم تكن إلا سياسة حكومة قائمة، كنت كما أعلنت هذا صراحة، سأتحمل مغبة الفشل لو قدر لتلك السياسة الخذلان.
ومن هنا أنتقل إلى النقطة الأكثر أهمية وهو الزعم بوجود بنود سرية، وأود أن أعلن على رؤوس الأشهاد أن ليس هناك بنود سرية، وليس من حق أي رئيس للحكومة أن يتفق سراً بشأن سياسة تخص كيان الوطن وسلامته، وأحسب أن الأمر أشتبه على بعض أخواننا، فأنا حين كنت أشرح بعض مواد البيان أستاذنني بعضهم في تدوين ما أقول على أنه التفسير المعقول لبعض فقرات المنهاج، وإذا لم تخني الذاكرة فأن ذلك حدث بالنسبة لمادتين أو ثلاث مواد، كما جرى حديث حول كيفية تنفيذ هذا المنهاج، ونقطة البداية والمراحل المتعاقبة التي يجب أن تتولى ليصبح ذلك المنهاج المعلن حقيقة واقعة ليتم حل المشكلة التي أساءت إلى العراق ولم يفد منها آخر الأمر غير أعداء العرب والأكراد.
وفي الختام أني لعلى يقين من أن تنفيذ ذلك المنهاج بنصه وروحه ليس مما يحقق وحدة الوطن العراقي ويقضي على مأساة أستنزفت الدم الكثير والمال الوافر حسب، بل كان سيساعد على (أن ينصرف الجنود الأساوش إلى الأعداء إلى المرحلة الكبرى في بنيان جيشنا وتحضيره لمعركتنا الكبرى حينما ينادي المنادي لإسترجاع الوطن السليب) على حد ما قلت يومذاك، أفليس من حق المواطن العراقي المخلص عربيا كان أو كرديا أن يتسأل اليوم: ترى لو نفذ ذلك المنهاج كما كان يجب أن ينفذ، أما كان بالأمكان أن نتفادى بعض الآثار المفجعة التي أوجدتها النكسة أو على الأدق النكبة الثانية التي ربما كانت أكثر إيغالا في الشر من النكبة الأولى ؟!
 عبد الرحمن البزاز

 رد رئيس تحرير التآخي (صالح اليوسفي) على تعقيب البزاز:
أطلع القارئ في هذا العدد من الجريدة على التعقيب الذي بعث به إلينا الأستاذ عبد الرحمن البزاز حول مانشرناه في العدد 59 من التآخي المؤرخ في 29 حزيران/ يونيو1967 بمناسبة مرور عام واحد على صدور بيان 29 حزيران والذي تم على أثره إيقاف حرب أقتتال الأخوة الذي كلف الشعب العراقي بعربه وأكراده خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات.
والشئ الواضح في هذا التعقيب هو أن الأستاذ البزاز يشعر بالمضايقة وعدم الأرتياح من تسمية البيان المذكور بالأتفاقية ومن قولنا بأن للبيان المذكور بنوداً غير مذاعة وهو لهذا السبب ينفي أن تكون هناك مفاوضات جرت في حينه ويوجه إنتباه الرأي العام إلى عدم وجود أتفاقية بهذا الخصوص وينتهي إلى القول بأن الإدعاء بوجود بنود سرية والحالة هذه تَوَهُمْ محض.
وحرصا منا على إيضاح الحقائق وتنوير الرأي العام وجدنا من الواجب علينا كتابة هذا التعليق على النقاط الوارد أعلاه وعلى غيرها من النقاط الواردة في تعقيب الأستاذ البزاز.
يعود تاريخ الإتصالات الأولى التي جرت بين ممثلي الحكومة والقيادة الكردية والتي أنتهت إلى التوقيع على بيان 29 حزيران يوم 8 شباط / فبراير1966 حيث حضر في ذلك التاريخ إلى قرية جناران السيد حميد ملا توفيق مبعوثا من قبل الحكومة وقد جاء لإستطلاع الوضع حول أمكانية الوصول إلى أتفاق يضع حداً للحرب الأهلية المدمرة التي كان يعاني منها شعبنا العراقي بأكمله وأعقب ذلك وصول السيد محمد حسن دزه يى إلى قرية بوله ى يوم 2 نيسان/ أبريل 1966 للغرض نفسه.
وقد بدأت تلك المداولات تكتسب شيئا من الجدية يوم 28 نيسان/ أبريل 1966 عندما وصل إلى منطقة كلاله الأستاذ المحامي زيد أحمد عثمان مرسلاً من قِبل الحكومة وبعض الشخصيات الوطنية الكردية لعين السبب، وبتاريخ 15 يونيو/ حزيران 1966عاد الأستاذ زيد ثانية يحمل معهُ مشروعاً من قِبل السيد رئيس الوزراء في حينه الأستاذ عبد الرحمن البزاز لكي يكون أساسا للبحث بيننا وبين الحكومة وبعد ذلك بيومين أو ثلاثة وصل إلى منطقة كلاله وفد مختلط من الشخصيات الرسمية والشعبية وقد أشترك في المداولات وتبادل وجهات النظر معهم ممثلون عن الأكراد وعلى رأسهم السيد مصطفى البارزاني وقد عاد قسم من الوفد المذكور إلى بغداد بعد التوصل إلى تثبيت بعض الإسس المشتركة التي تصلح أن تكون أساسا للبحث مع الحكومة في بغداد، ولم يمض على ذلك يومان أو ثلاثة حتى ورد إشعار من بغداد يشير إلى ترحيب الحكومة بحضور وفد كردي إلى بغداد للإتفاق معهُ بصورة نهائية على جميع نقاط الخلاف، وقد توجه الوفد بالفعل إلى بغداد يوم 22 حزيران/ يونيو 1966 وقد أستقبل الوفد في معسكر سبيلك والقاعدة الجوية في كركوك وبغداد إستقبالاً أخوياً كريماً على الصعيديين الرسمي والشعبي وحل ضيفاً على الحكومة في القصر الأخضر في بغداد، وقد أشارت إلى ذلك مختلف الصحف والإذاعات..
وبالنظر للأهمية البالغة التي أسبغتها الحكومة على تلك المداولات فقد وجد الأستاذ البزاز في حينه أن من الضروري أن يأخذ الموضوع على عاتقه فقط لذا فأننا لو أستثنينا بعض الإجتماعات التي حضرها قادة الفرق وممثلو قيادة قوة الميدان ووزير الدفاع في حينه فإن جميع المداولات جرت بين الوفد الكردي والأستاذ البزاز فقط، والذي كان في إتصال مستمر مع السيد رئيس الجمهورية ومجلس الدفاع الوطني ومجلس الوزراء يزودهم بكل ما توصل إليه من المداولات في تلك الإجتماعات المتعاقبة بغية إستحصال موافقهم حولها ومن ثم تأخذ صيغتها الأخيرة المتفق عليها من كلا الجانبين.
فعليه فقد تم وضع كل حرف في بيان 29 حزيران بالتفاهم والأتفاق بين الجانبين وقد سبق خلال المداولات أن حدث نوع من عدم الأتفاق على كتابة صيغة عبارة واحدة في البيان فقط أضطرت الحكومة من أجل ذلك إلى إرسال رئيس الوفد الكردي بالطائرة إلى المنطقة الشمالية لتحديد صيغة مقبولة للعبارة المذكورة، وبعد الإنتهاء من كتابة مسودة البيان بشكله النهائي تم عرضه للمرة الأخيرة على الجانب الكردي للموافقة عليه.
هذه هي بالتفصيل الخطوات والمداولات التي نسميها نحن بالمفاوضات التي جرت قبيل صدور البيان المذكور، وإذا كان كل ما تقدم ليس بالمفاوضات فكيف يمكن أن تكون المفاوضات يا ترى..؟ حقاً أننا لم نذهب مع الأستاذ البزاز للتوقيع على البيان لدى الكاتب العدل إلا أن جميع الدلائل والأعمال التمهيدية للبيان المذكور كانت مفاوضات دون أدنى شك، ثم أننا نشعر بالأستغراب الشديد من عدم إرتياح الأستاذ البزاز من كلمة مفاوضات، إننا لا ننفي بطبيعة الحال أن المفاوضات التي جرت لم تكن بين دولتين أو بين جهتين متعاليتين يضمر إحدهما للأخر الكراهية والحقد بل كان يشعر الجميع ومنهم الأستاذ البزاز نفسه بأننا كنا جميعاً أخوة نهدف في كل مسعى نبذله إلى خير شعبنا ووطننا الذي كابد الكثير من المآسي والآلام دون مبرر، إن المفاوضات في الدول الديمقراطية تجري بين حزب وآخر وبين حكومة وحزب معين أو بين رئيس دولة وحتى منظمة نقابية كما نلاحظ ذلك بين فترة وأخرى وعند حدوث إضطرابات أو ما يشبه ذلك في كثير من الدول، وليس في ذلك عيب أو سبة أو ما ينم عن إنتقاص هيبة تلك الدولة بل على العكس من ذلك فهي مظهر من مظاهر إحترام الدولة لمواطنيها ومن صلب الحياة الديمقراطية القائمة على أستمزاج الحكومة لرأي الشعب كلما كان ضرورياً ومفيداً سيما في مثل تلك الظروف والأوضاع غير الطبيعية وما يتعلق بها ضرورة أستحصال موافقة فريق كبير من المواطنين.
أما بالنسبة إلى قول الأستاذ البزاز (أن ليس هناك بنوداً سرية وليس من حق أي رئيس للحكومة أن يتفق سراً بشأن سياسة تخص كيان الوطن وسلامته)، فإننا نقول بصراحة وعلى رؤوس الأشهاد بأن هناك ثلاثة بنود ملحقة ببيان 29 حزيران مكتوبة على نسختين الأولى موجودة في الأضبارة الحكومية الخاصة بالموضوع في مجلس الوزراء والثانية موجودة عند الوفد الكردي وقد فضلت الحكومة في حينه عدم إذاعتها وهي لا تضر بكيان الوطن وسلامته بل تدعمه وتقويه، وهنا أيضا نشعر بالغرابة والعجب من تحرج الأستاذ البزاز من التطرق إلى وجود بنود سرية في البيان مع العلم أن هذه
البنود ليست خطيرة ولا تلحق الآذى بأحد، وإتماما للموضوع نرى من الضروري إلقاء الضوء على هذه البنود غير المذاعة.
يتعلق البند الأول بأستخدام لواء بأسم لواء دهوك يضم الأقضية الكردية من لواء الموصل فيما لو رغب سكان المنطقة في ذلك أما ثانيا فيخص تبني الحكومة لسياسة إصدار العام عن جميع السجناء والمعتقلين السياسيين على أن يجري ذلك بصورة تدريجية وعلى مراحل مع مراعاة المصلحة العامة في ذلك، أما البند الأخير فيتعلق بإجازة الحزب الديمقراطي الكردستاني ليمارس نشاطه بصورة قانونية عند صدور قانون الجمعيات الجديدة.
هناك نقطة آخرى آثارها الأستاذ البزاز في تعقيبه مفادها أن بيان 29 حزيران ملزما لحكومته فقط وأن أية وزارة تأتي إلى الحكم بعد وزارته حرة من حيث المبدأ في الإلتزام بهذا المنهاج أو عدم الإلتزام به.
وعلى الرغم من تبني السيد رئيس الجمهورية للبيان المذكور والتزام الحكومات التي أعقبت وزارة الأستاذ البزاز به رغم ما رافق تنفيذها من تعثر وتلكؤ إلا أن هذا القول يفرض على الشعب الكردي أن يكون على بينة من هذا الأمر ويبحث له عن ضمانات قوية تكون كفيلة بتطبيق مواد البيان بصرف النظر عن زوال الحكومة وتبديلها.
صالح اليوسفي
رئيس تحرير جريدة التآخي
 ... يتبع

 (1)الإبالة‏:‏ الحزمة من الحَطب، والضِغث‏:‏ قبْضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس،ومعنى المثل بَلية على أخرى.
 ‏




تم عمل هذا الموقع بواسطة