صدام حسين: صالح اليوسفي مثل عود الكبريت أذا سمحت له بالخروج سوف يحرقني..!
خلال عام 1977 كانت لدى والدي خطة يأمل تحقيقها وهي تكاد تكون مشابهة لتلك الخطة التي طلبها من الزعيم ملا مصطفى البارزاني بعد أتفاقية 6 آذار 1975 مباشرتاً أثر عودة الزعيم البارزني من طهران يوم 10-11 آذار والتي ذكرت تفاصيلها(1)، وذلك حين طلب والدي من الزعيم بأنهُ سوف يكتب أربعة رسائل وسيأخذها عن طريق سوريا ليقابل كل من رؤساء الدول (الأسد وعرفات والسادات والأخرى إلى الأتحاد السوفيتي حينها) ووافق الزعيم حينها إلا أن الأخبار وصلت لشاه إيران عن طريق عملائه فحال دون تحقيق ذلك وفي صبيحة يوم سفر والدي..!
نعود مرة أخرى لعام 1977حاول والدي مرة أخرى للقيام بنفس الخطة للخروج والسفر وعن طريق رسمي، ولم يعرف بها أحد سوى والدتي وأخي شيرزاد، وكنت أسمع بخطة والدي حينها ولكن لم يكن يسمح لي أن أستفسر عن ذلك فكنت أكتفي بالإصغاء، وقد طمأنهما والدي بأن هذه المهمة الذي ينوي القيام بها ستكون على طريق السفر الرسمي إذا ما سمح به النظام بعد تقديمه لغرض العلاج.. وهناك سيحاول اللقاء برؤساء وشخصيات بعض الدول وخاصة الأتحاد السوفيتي لعل وعسى أن يصل إلى حل مشرف لقضية أبناء شعبه، وسيكون طلب السفر بغاية العلاج من آلام ظهره(2) كما طمأنهما بأن لا يخافا من أية ردود سلبية من جانب الحكومة لأنه يعرف جيداً ماذا سينوي العمل به وكيف ومع من.. وأنه سيعود في كل الأحوال وفي أقرب وقت، في الحقيقة لم تمانع والدتي حيث كانت الأوضاع تقريباً مستقرة حينها في عهد الرئيس أحمد حسن البكر ولم تكن هناك أي شكوك حول والدي من قِبل النظام، كما لم تكن حينها لا والدتي ولا أخي شيرزاد على علم بنشاط والدي السياسي، حيث كان قد مرّ على تأسيس والدي للحركة عام فقط وبشكل سري جداً.. لذا لم ترفض ولم تمانع والدتي من قيام والدي بهذه المهمة وبطريقة رسمية وهي تعلم جيداً إذا تحققت هذه المهمة سوف يكون لها تأثير بالغ على تحسين أوضاع الشعب الكوردي، ومن ناحية أخرى كانت والدتي تشعر بمدى شعور آلام والدي النفسي والمحبط أتجاه شعبه بعد نكسة 1975 وكانت تعرف أن والدي في كل الأحوال لن يكف عن محاولاته للوصول إلى حل مشرف لقضية شعبه، كما كانت على ثقة وإيمان كبير من نفوذ ودور والدي في تحقيق الأفضل لشعبه إذا ما كتب لهُ النجاح في هذه المهمة، ولا أعتقد أن أخي شيرزاد أيضاً كان له رأي مخالف لمثل هذه المحاولة.
قدم والدي طلبه للسفر على أساس العلاج من آلام ظهره المستمرة وإنه ينوي السفر إلى مصر عند أبنه لاوين لغرض العلاج، وعلى ما أذكر قدم الطلب عن طريق فاضل براك لأن والدي يعلم جيداً أن شخصية مثله لا شك يجب أن يقدمها بهذه الطريقة حتى لا تأتي الشكوك عليه، فأخبر براك والدي بأنه سوف يحاول تلبية طلبه مدى الإمكان بعد إطلاع وسماح الجهات العليا.. ولكن جاء الرد بعد فترة بالرفض من الجهات العليا دون ذكر الأسباب.
وبعد عدت تحريات من جانبي في الوقت الحاضر مع بعض الأخوة الأفاضل حول هذا الحدث وهذه الفترة الزمنية التي أشرت إليها من محاولة والدي للسفر، توصلت إلى بعض الحقائق، فقد علمت أن صدام شخصياً رفض طلب والدي.. وقبل أن أسرد ما سمعتهُ أود أن أذكر أن شخصين آخرين أيضاً كانا يعلمان بهذه المهمة التي ينوي والدي القيام بها وهما الشهيدان (علي هزار وكاردو كلالي) وكانا شديدا الحماس من أجل قيام والدي بهذه المهمة وحقيقة لا أعرف إن كانت شخصيات أخرى من قيادات الحركة على علم بها ولكن لا شك وصلتهم بعد ذلك، فبعدما جاء رفض الحكومة لسفر والدي.. هنا يبدو أوصلت الحركة وبشكل سري إلى قيادات الحركة (السوشاليست) في المنفى للمحاولة من أجل دفعة لهذا الموضوع للسماح لوالدي بالسفر عن طريق بعض الشخصيات، فحصلت مبادرة من جانب بعض قيادات الحركة في المنفى الذين كانوا على علاقة صداقة مع بعض الشخصيات المعتدلة مع القضية الكوردية من الدول العربية، فحاولوا التوسط إلى إحدى الشخصيات السياسية العربية للتوسط لوالدي من أجل السماح لوالدي بالسفر من أجل العلاج، فقيل لي بأن هؤلاء القيادات ألتقت بالشخصية السياسية الفلسطينية المعروفة الدكتور (جورج حبش) وعرضوا عليه التوسط لدى نظام بغداد بخصوص هذه المسألة لمنح الأستاذ صالح اليوسفي تأشيرة السفر للعلاج..؟ فوعدهم د. جورج حبش بالخير وإنه سيحاول، وكان حينها د. جورج حبش لديه نشاطات وعلاقات سياسية وثقافية في العراق، وقيل أنه في إحدى لقائاته الرسمية مع صدام حسين عرض عليه هذا الطلب.. بالسماح لوالدي بالسفر من أجل العلاج..؟ لكن صدام رد عليه قائلاً: لا أستطيع أن أسمح لصالح اليوسفي بالخروج من العراق لأنه مثل عود الكبريت أذا سمحت له بالخروج سوف يحرقني..!!
ياترى ماالذي كان يقصدهُ صدام حسين حينها..؟! وهل كان يخشى من قوة نفوذ صالح اليوسفي لهذه الدرجة..؟!
كان والدي يؤمن بأن الكورد كثوار عليهم النضال على جبهتين الجبهة الثورية حين يتطلب الأمر وجبهة المفاوضات مع الحكومة حين يتطلب، فكان وخلال هذه الفترة ينصح قيادات الحركة.. علينا أن لا نحارب على طول الخط، ولكن بما أننا كثوار وحركتنا حركة ثورية فعلينا عندما نقاتل أن نفتح أبواب المفاوضات في نفس الوقت.. أولاً كان يدرك بخبرته السياسية وحكمته صعوبة إيجاد حل أفضل من ذلك بالنسبة لوضع القضية الكوردية بشكل عام، وهذه النصيحة الأمينة كان يوجهها دوماً خلال مشوار نضاله السياسي الطويل لقيادة، ثانياً كان يكره أن تسيل قطرة دماء زكية من أبناء شعبه طالما يكون هناك بصيصاً من الأمل لمعالجة القضية بالسلام والتعايش السلمي بين كل فئات وقوميات الشعب العراقي، حيث كان يدرك مدى هذا التنوع الكبير بين أبناء الشعب العراقي من قوميات وأديان ومذاهب مختلفة.
خلال عام 1977 أثبتت الحركة الأشتراكية الديمقراطية الكوردستانية قوتها على الساحة الثورية بكل قوة، فقد حث والدي منذ البدايات قيادات الحركة على النضال الثوري في الجبهات وذلك من أجل الضغط على النظام لكي يحثه على فتح أبواب المفاوضات ولكي يشعره بأن الشعب الكوردي قوة لا يستهان بها مهما حاول النظام أو فعل ضدها.. فلابد أن يعود إلى المربع الأول ويضطر إلى فتح أبواب المفاوضات لحل قضيتهم، وهذا ما حدث فعلاً خلال صيف 1977..! حيث دارت مفاوضات بين قيادة الحركة الأشتراكية والحكومة العراقية، وكان والدي ومن داخل منزلنا في قلب العاصمة بغداد وبشكل سري تماماً يدير هذه المفاوضات ويبعث بتوجيهاته للقيادة في المناطق المحررة وعن طريق مناضلين ستبقى الذاكرة الوطنية تخلد أسمائهم مدى الحياة ومن بينهم الشهيدان علي هزار وكاردو كلالي اللذان كانا يقومان شخصياً بإحضار الرسائل إلى والدي وينقلان عنه الردود إلى القيادات الكوردية في المناطق المحررة.. ويذكر الأستاذ عادل مراد: (( طلب صدام حسين التفاوض مع الحركة الكوردية المسلحة الجديدة، لأحتوائها والحد من طموحاتها وتحجيمها، وكان ذلك بعد أن سافر في القيادي علي العسكري إلى بغداد بطائرة مروحية والتقى بصدام حسين وعرض مطالب الحركة الكردية على الحكومة والتي كانت تتمحور في ثلاث نقاط..
1-تطبيق الحكم الذاتي في كردستان العراق
2-صدار قانون الاحزاب بهدف اشاعة الديمقراطية في البلاد
3-تطبيع الاوضاع على الحدود العراقية الايرانية والعراقية التركية واعادة سكان القرى المهجرة الى مناطقهم... يتبع
مصادر وهوامش:
(1)تفاصيلها في الحلقة الثمانون من سلسلة حلقاتي.
(2)أن آلام ظهر والدي فعلاً كانت مستمرة من آثار التعذيب وقد سبق وأن أشرت إليها وغالباً ما كان يستعمل العلاج بالمسكنات.