1 قراءة دقيقة
الحلقة السبعون

الحلقة: السبعون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي 


حين شكلت القيادة المؤقته في المنطقة الخاضعة تحت سيطرة قوات الثورة الكوردية سلمت القيادة مسؤولية العدل والأوقاف للمناضل صالح اليوسفي.. في الحقيقة كانت مفاجأة لأغلبية الذين كانوا يؤمنون بمدى شخصية ودبلوماسية والدي السياسية وعلاقاته الخارجية وبمبادئه ونهجه..

فبدلاً من أن يمنحوهُ صلاحيات أكبر من حجمه وموقعه.. كالمسؤوليات الخارجية على سبيل المثال، وذلك من أجل دعم القضية الكوردية خارجياً في تلك الظروف العصيبة ومهمتنا الصعبة حين ذاك، وذلك نظراً لخبرة والدي وحنكته السياسية والدبلوماسية، هذا بالإضافة لموقعه وعلاقاته ومقابلاته مع عدد من رؤساء الدول حين أستلم منصبه الوزاري بعد أتفاقية 11 آذار، حيث مدّى والدي حينها جذور الصداقة مع عدد من الشخصيات السياسية لكي يكسب ثقتهم من أجل دعم قضية شعبه، من أمثال الرئيس معمر القذافي وحافظ الأسد وولي عهد الكويت سعد سالم الصباح والحبيب بورقيبة وياسر عرفات وكمال جنبلاط، وشخصيات من مصر أمثال محمد حافظ أسماعيل ووزير الثقافة يوسف السباعي إضافة إلى الشخصيات سعودية كالأمير سعود الفيصل.. وغيرهم، وكان لجميع هؤلاء الشخصيات الدور البارز في التأثير السياسي على المنطقة حينها، حتى أن البعض منهم كانوا متعاطفين جداً مع قضية الشعب الكوردي، وأذكر على سبيل المثال أن الرئيس الليبي معمر القذافي صرح في إحدى لقاءاته بوالدي وحوارهُ عن القضية الكوردية قال لوالدي ونقلاً عن والدي: من حق الشعب الكوردي أن يكون لها دولة.. حيث كان والدي من خلال كل لقائاته يعرف الشخصيات بالشعب الكوردي، هذا إضافة إلى علاقات والدي العميقة والودية مع الأتحاد السوفيتي، حيث كان محل تقديرهم وإعجابهم بشخصيته وأفكاره وآرائه السياسية، وسبق وأن أشرت إلى ذلك نقلاً عن أرشيف أخي شيرزاد(1).
وقد جاءت شهرة والدي في عالم السياسية الخارجية منذ ترأسه لتحرير جريدة (التآخي) في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف، الصحيفة التي ذاع صيتها في أغلب الدول العربية نظراً لقوتها وجرأتها الإعلامية في نقد الحكومة، ثم بعدها تسنم المنصب الوزاري (1970 - 1974) فأزدادت وتقوت علاقاته أكثر فأكثر، وكانت تصل والدي بأستمرار العديد من كارتات تهاني الأعياد والمناسبات من الشخصيات السياسية والإعلامية الكبيرة(2).
ولكن يبدو أن شاه إيران ونظامه حينها فرض الأدوار على قيادة الثورة حسب مصالحهم الشخصية..! ولا شك كان من المستحيل أن يسمح الشاه لوالدي أن يتسنم مسؤولية مهمة كالخارجية، وكان مكتب الشاه على العلم بشخصية ونهج والدي وموقفه السلبي أزائهم، حيث كان والدي الوحيد من بين شخصيات القيادة ممنوع من السفر خارج إيران من قِبل نظام شاه منعاً باتاً(وسيأتي الحديث).
كان الشاه يهدف من وراء خططه الماكرة، أما الحصول على شط العرب أو ضم كوردستان العراق وإخضاعها تحت سيطرة إيران..! وهنا يذكر المناضل فاروق محمود:((أستطاع (السافك) الإيراني من شراء ذمم البعض، فقاموا بتوزيع صور (الشاه وعائلته) والترويج لفكرة ربط كوردستان العراق بالجزء الإيران وحصول الكورد على الحكم الذاتي..!!(3)))، ثم أضاف أيضاً:((وكان كورد إيران يستهزئون بنا ويبلغوننا (خفية) عن غباوة تحالفنا مع شاه إيران، الذي أسقط جمهورية مهاباد، وهو لا يسمح بأية حقوق وحريات لشعب كوردستان في إيران..(4))).
وكان والدي يدرك نوايا الشاه، لذا كان يرفض أستلام راتبه بالتومان (العملة الإيرانية)، وهنا يذكر الأستاذ بير خدر: ((كان الشهيد اليوسفي غير راضي من الموقف الإيراني ومشكك من نوايا الشاه وكان يرفض إستلام راتبه بالعملة الإيرانية وقال اليوسفي لفضيلة البابا شيخ: كان رأيي في القيادة أن نختار أهون السيئين أي نؤجل قضية كركوك ولا ننجر إلى هذا الأقتتال لإني أخشى من نوايا الشاه الغير سليمة تجاه القضية الكوردية..)).
سبحان الله التاريخ يُعيد نفس السيناريو من خلال مطامع إيران في العراق، حتى بعد زوال حكم الشاه ومجيء حكام لا يختلفون عنهُ في سياستهم وأطماعهم، بكل أختصار المطامع الفارسية والعثمانية ما زالت سارية المفعول..!
شكلت قيادة الثورة في المناطق المحررة الأمانات العامة على الشكل التالي: (( أمانة التربية والتعليم سامي عبد الرحمن، أمانة المالية علي عبد الله، أمانة الأشغال والإسكان نوري شاوه يس، أمانة العدل والأوقاف صالح اليوسفي، أمانة الإعلام والثقافة دار توفيق، وشكل مكتب شؤون البيشمركة والدفاع الشعبي بإدارة عبد الوهاب الأتروشي وكان مرتبطاً بالمرحوم إدريس البارزاني في مقر البارزاني، أما البارستن والأمن القومي كانت بإدارة شكيب عقراوي وبإشراف مباشر من السيد مسعود البارزاني في مقر البارزاني، أما الهيئة العاملة للحزب فتمثلت بالمكتب السياسي السكرتير حبيب محمد كريم والدكتور محمود عثمان إضافة على عمله للإشراف على الأمور الطبية، وسامي عبد الرحمن، أما العلاقات الخارجية فكانت بإشراف مباشر من مقر البارزاني وعضوي من المكتب السياسي الدكتور محمود عثمان وسامي عبد الرحمن وشمس الدين المفتي (ممثل الحزب في طهران، والأستاذ محسن دزه يى (5))).
رغم ذلك كان والدي حريصاً على واجبه ومسؤولياته أمام منصبه، وكان يؤدي مهامهُ على أكمل وجه، يترقب الأحداث بحذر وحرص من مكر الشاه.. يذكر الأستاذ أبو كاوه: ((بعد بدأ ثورة 1974 فی کردستان لازمت الشهيد طوال مدة الثورة فی العدلیة فی منطقة (با بكر آوا) وبعد کل ظهيرة كان یدعونی لزیارته کل یوم فی محیط البیت الذي يسكن فيها هناك.. وکنت أحیانا أصطحب الأستاذ المرحوم فلك الدین کاكائي فی زیاراتي للشیهد، ودامت زیاراتي للشهید تقریباً أکثر أیام الأسبوع.. وقد طلب مني فی أوئل الشهر الرابع فی مأموریة لمحاکم الشورش بأن أقوام بزیارة تلك المحاکم فی المناطق المحررة، بدأنا من رانیة إلی حلپچة وبتنا لیلة فی فندق حلبچه وعند الصباح خرجناعند جبال حلبچه جاءت سرب من طائرات البعث وقصفت المدینة، ووصلنا إلی دوکان وبعد المرور بمدن کثیرة کویسنجق..أحمدآباد.. سید صادق.. ماوت.. حتی وصلنا آخر مکان، وقتها واجهت من صعوبات علی أثر قیام النظام البعثی بالهجوم علی کوردستان..)).
ويذكر الأستاذ الشاعر محمد البدري: (( حين ألتحقت بثورة أيلول عام 1974 كنت أزور اليوسفي في الأسبوع أكثر من مرة في مقر عمله كأمين عام للأوقاف والعدل فكان يقدم لي مقترحات بخصوص ما يبث في الإذاعة من أخبار وتعليقات، ذات يوم سألته هل يتصور سيادتكم بأن إيران ستبيعنا إذا ما حققت مصلحتها أجاب: نعم وبسهولة لأن إيران تريد نصف شط العراق وصدام سيتنازل لها عن ذلك إذا ما صار في زاوية محرجة.. وفعلاً صار ما توقعه اليوسفي..(6)))... يتبع
يذكر الأستاذ حازم اليوسفي: (( يوم 2/8/1974 وصلت إلى (بابكر آوا) حيث مقر الأمانة العامة للعدل والأوقاف ومحل إقامة الشهيد وأقمت في نفس المكان حيث ألتحقت بصفوف الثورة بعد التخرج من الجامعة/ كلية الحقوق، وأذكر هنا أنه بعد استئناف القتال في آذار 1974 كنا ننوي نحن مجموعة من طلاب الجامعة في بغداد الإلتحاق بالثورة ولكن الشهيد أقنعنا بإكمال السنة الدراسية ثم الإلتحاق وذلك في لقاء معه حينذاك، خلال الثمانية أشهر التالية التي قضيتها في بابكر آوا كنت قريباً جداً من الشهيد العم صالح اليوسفي وقد كانت فترة مليئة بالأحداث الجسام والتطورات التي حددت مسار الحركة التحررية الكردية ومستقبل كردستان والشعب الكردي وكان للشهيد المناضل مواقفه وآراءه الجريئة المستقلة والتي أثبتت الوقائع والأحداث التالية صحتها..)).

المصادر والهوامش:
(1)كان السفير الروسي يخبر والدي بأن لديه توجيهات من الكرملين بأن يستشيرونه في القضايا والمواضيع التي تهمهم والمتعلقة بالمنطقة، وقد منح شرف وضع أكليل من الزهور على ضريح لينين في موسكو وذلك خلال دعوتهم لهُ في أحتفالات الذكرى الخمسينية لتأسيس الإتحاد السوفيتي، وقد زار الأتحاد السوفيتي عدة مرات في زيارات رسمية.
(2)كان لدينا مجموعة من كارتات المناسبات للعديد من الشخصيات السياسية والإعلامية، ولكن للأسف بعد نفينا الإجباري عام 1974 تلف أغلب أرشيف وصور والدي بعد أن تم حجز بيتنا طوال فترة نفينا، وتصرفوا بالعديد من أرشيف والمقتنيات الشخصية لوالدي، وربما تلاحظون من خلال أرشيف صور والدي كيف مزقت أغلب صوره خلال تلك الفترة من نفينا.
(3)من ذاكرة ناشط بارتي .. فاروق محمود .. ص 82
(4)من ذاكرة ناشط بارتي .. فاروق محمود .. ص 81
(5)من ذاكرة ناشط بارتي .. فاروق محمود .. ص 82، 83
(6)الشاعر محمد البدري: كان ملاكاً في زي إنسان - عبق من سيرة معطرة بالنبل والمبدئية وشرف الكلمة، الشهيد صالح اليوسفي كما عرفه بعض معاصريه - شخصيات مناضلة تتحدث عنه وتدعو إلى دراسته أكاديمياً ( جريدة التآخي ) العدد ( 4709 ) أعد الصفحة: أحمد لفتة علي – شرين البدري

تم عمل هذا الموقع بواسطة