1 قراءة دقيقة
الحلقة السادسة والستون

الحلقة السادسة والستون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي

لا أريد أن أسبق الحوادث في حلقاتي المتسلسلة، ولكن لكون هذه الشهادة من أحد الأخوة الأعزاء وترتبط بفترة أحداث مفاوضات 1974 وما يخص والدي والإتهامات التي روجت حينها حوله مِن مَن كانوا من مجموعة صقور طبول الحرب، ومن الذين كانوا يحملون الضغينة لوالدي.. يذكر أحد الأخوة الأعزاء: (( أختي الفاضلة زوزان في عام 1978 والدي كان مبعداً في السماوة وجاء إلى بغداد لغرض زيارة الأستاذ والدكم، وذهبنا أنا ووالدي إلى بيتكم في مدينة الشرطة.. بعد السلام والترحيب قال الأستاذ والدكم لوالدي: أخ فيصل هؤلاء الذين كانوا يحاربونني زاروني قبل ثلاثة أيام وأحدهم (ع أ) قلت له يا (ع) هل تتذكر إجتماع 1974 عندما قلتَ أنت للبارزاني الأستاذ اليوسفي يرفض القتال مع السلطة لإنه تعود على كرسي الوزارة.. وها أنا جالس في بيتي وأرفض جميع المناصب الذي منحها لي صدام والبكر ولكنك سوف تجلس على كرسي الخيانة في أقرب فرصة، وهذا الحديث كان بحضور كل من المناضلين رشيد سندي ولقمان بارزاني.. وفعلا أصبح ذلك الشخص (ع أ) وزيراً.. والأستاذ اليوسفي شهيداً..)).
كما يذكر الأستاذ فاروق محمود عقراوي: (( كان بعض البسطاء ومن دون الشعور بالمسؤولية وخطورة الوضع يصفون اليوسفي ب (أستاذ الفتح) والحنين لكرسي الوزارة، ويطالبون بوضعه في كهف تصوفي مع مجموعة كتب وأحلامه الخيالية.. ورغم معرفته بذلك فإن اليوسفي ظل عصامياً وصبوراً وهادئاً ولا يهبط إلى مستوى الرد عليهم(1))).
للأسف العديد من الذين كانوا يحملون الحقد والضغينة لوالدي وضد آرائه وأفكاره كانوا يدعون أن والدي كان يريد السلام مع النظام من أجل المنصب..! يا لسخرية القدر وضحالة التفكير..! هكذا كانوا يحاولون هؤلاء المجموعة الإساءة لوالدي وبشتى الأشكال وخاصة أمام الزعيم البارزاني..! لكي يفرضوا آرائهم على القيادة..! وهم نفسهم الذين ندموا بعد نكسة 1975 وصرحوا وأعترفوا ياليتنا سمعنا كلام السيدا صالح اليوسفي..!
مرت الأربع سنوات من أتفاقية 11 آذار، واجه والدي من خلالها الكثير من الأحداث والمحن وأستطاع أن يحل أغلب المشاكل والمواجهات التي حدثت خلال تلك الفترة ما بين القياد الكوردية ونظام بغداد، وكسب خلال تلك الفترة قلوب الملايين من شعبه الكوردي بصورة خاصة وقلوب أغلبية الشعب العراقي بصورة عامة وبكافة أطيافها.
أنتهت فترة هدنة الأربع سنوات وفشلت المفاوضات الأخيرة بين نظام بغداد والقيادة الكوردية، وأصدرت الحكومة العراقية قانوناً للحكم الذاتي لأكراد العراق من طرف واحد دون الرجوع إلى القيادة الكوردية.. وبدأ ناقوس الحرب..!
بقي والدي مع أعضاء القيادة في مقر القيادة الكوردية، حيث كان برفقة آخر وفد كوردي متوجه للقيادة للبحث مع الزعيم في آخر قرار لهم.. والذي عاد بها الأستاذ إحسان شيرزاد الذي كان برفقة الوفد من خلال هذه الجولة الأخيرة للمفاوضات ورافقه الأستاذ دارا توفيق ليخبرا حكومة بغداد بآخر قرار القيادة..
يذكر أحد الأخوة الأفاضل: (( في بدايات عام 1974 نقلتُ رسالة من المناضل علي السنجاري إلى صالح اليوسفي، فرأيناهُ متشائماً جداً من الوضع السياسي الداخلي ويبدو إنه كان ضد الحرب آنذاك وقال كان من المفروض أن نستمر مع الحكومة العراقية وأن نرضى بالحكم الذاتي على علته وللمحافظات الثلاثة، وقال إن قيادتنا لم تستفد من تجربة العرب مع إسرائيل حين قالوا سنمحوا إسرائيل من الخارطة إلا أنهم بعنادهم وإصرارهم على الحرب خسروا الضفة وسيناء وجولان والأراضي الأخرى..! وهذا ما حدث معنا لم نرضى بالمحافظات الثلاث وأصرينا على كركوك وشنكال وخانقين فخسرنا أربيل والسليمانية ودهوك..! ثم سألت الشهيد اليوسفي لماذا نحن شعب وحيد لا يساعدنا أحد..؟ قال يا أبني لو كان عندنا بحر ومصالح دولية أقتصادية لرأيت لنا أصدقاء كثيرون.. ثم أختتم حديثه بعد أن سألته عن نتيجة هذه المعركة قال لا أرى غير خسارتها..!)).
تقبل والدي أمر الواقع والقرار من القيادة فلا خيار آخر لديه..! وظل ملتزماً بآرائه الشخصية ومصمماً أن يكون مع شعبه إلى آخر المشوار.. وهو على يقين بأن قيادة الثورة ستتعرض إلى أكبر نكبة، وهذا ما كان يصرح به والدي دائماً وأمام الجميع.. مما أدى للقيادة الكوردية أن تجمد وتحدد نشاط والدي خاصة من خلال إجتماعاتهم وقراراتهم..! وفي أغلب الأحيان لم يدعوهُ للمشاركة.. وهنا أود أن أشير نقلاً عن والدتي وأخي شيرزاد والأستاذ حازم اليوسفي:((إن والدي تعرض إلى النقد من خلال الإجتماعات الأخيرة للقيادة الكوردية من قِبل أحد القياديين القريبين من القيادة.. منتقداً سياسة والدي.. فتأثر والدي كثيراً وقال لهُ: تنتقد نهجي وآرائي..! أنا حينما كنت أناضل كنت أنت جنيناً في رحم والدتك..)) وهنا صمت الجميع..!.
يذكر الأستاذ فاروق محمود عقراوي: (( واكبت حيثيات وقائع الوضع من خلال عملي المباشر مع المناضل صالح اليوسفي وأظن أن الملاحظات التالية قد تكون مفيدة للذكر: أولاً.. كان اليوسفي في الحقيقة مؤمناً بقيادة البارزاني التاريخية والواقعية لمسيرة الكفاح الكوردستاني وكان يصفه (بالجنرال البارزاني) وبدون قيادته وحب الجماهير لهُ لما كانت هناك حركة كوردية تحريرية تتبنى مطاليب الشعب وتحقق طموحه، لكنهُ كان مرتاباً من التحالف ورغم المبررات بإيران، ويعتبر الإعتماد على النفس صانعة للمعجزات.. ثانياً في الفترة الأخيرة من المرحلة كان اليوسفي يصفها (بالفخ الإقليمي والدولي) ولا بد من الإحتياط منهُ قبل الوقوع والسقوط في معادلات الدول الأقليمية ومطامح الغرب في خيرات المنطقة، ولم يثق مطلقاً بدعم إيران ومطامع شاه إيران وأحلامه (2))).
بالنسبة لنا وبعد إلتحاق والدي عم الحزن والقلق والترقب في البيت.. وأدركت والدتي أننا أمام محنة أخرى..! فساد الخوف والقلق عليها وعلى أخي شيرزاد حول مصيرنا القادم.
بعد عدة أيام من إلتحاق والدي جائتنا سيدة تدعى (سه من گول(3)) بشكل سري من جبهات القتال، حاملة لوالدتي رسالة من والدي ومن أختي نارين التي كانت قد أقترنت قبل الحرب بحوالي شهر بالمناضل شكيب عقراوي، حقيقة لا أتذكر تفاصيل رسالة والدي ولكن نقلاً عن والدتي.. أنها كانت مفعمة بالمشاعر نحونا وكان والدي متأثراً وأبلغ والدتي أنهُ خذل في إقناع القيادة من أجل السلام، وأضطر أن يستسلم أمام هذه القوة المعارضة لهُ..! وأوصى والدتي بنا وأخبرها أنه سوف يظل على نهجه لأنهُ واثق من هذه الخطوة ومدى خطورتها ونهايتها العسيرة..!
يذكر الأستاذ حسن نزراكى: ((أختي الفاضلة زوزان في شهر نيسان/ أبريل 1974 ذهبت مع المرحوم والدي إلى قرية زيوه في منطقة بامرني حيث مقر المناضل أسعد خوشڤي(4) بعد السلام والترحيب تحدثوا عن الوضع قال له والدي إنني متشائم على الوضع وتجدد القتال مع السلطة ولو إنني رجل عسكري ولست سياسياً ولكن أستند على حديث سيدا صالح ومؤمن بكل ما يقوله سيدا صالح فأجابه المناضل أسعد خوشڤي.. أنت متوهم لقد حصلنا على أسلحة متطورة جداً ووصل عدد نفوس الپيشمرگه إلى مائة ألف.. ضحك المرحوم والدي وقال له سأذكرك ولا تنسى قول سيدا صالح... فألف تحية على روحك يا أسطورة الحركة التحررية الكوردية، مع تقديري وإحتراماتي للعائلة المناضلة..)).
يذكر الأستاذ عبد الله بشدري: (( في عام 1974 عند تجدد القتال وقيام شاه إيران بفتح حدوده أمام كل عوائل الثوار الكورد ليدخلوا إلى الأراضي الإيرانية وبحجة الحفاظ عليهم وإبعادهم من نار الحرب لكن الإستاذ صالح اليوسفي لم يكن مؤمناً بمواقف الشاه وكان دائماً يؤكد على مقولته المشهورة.. إن شاه إيران ينصب لنا فخاً وعندما نقع في هذا الفخ سيمسك بنا، والفخ الذي كان يقصده اليوسفي كما كان يذكره هو مايسمى بالكوردية (تبكه) وهو يستخدم للصيد في فصل الربيع، حيث يقوم الصيادون في كوردستان بحفر حفرة وبعمق متر واحد، ومن ثم تغطى هذه الحفرة بألواح من الخشب والقش، وعندما يأتي طائر (القبج -الحجل)، هذا الطائر الجميل ويحط على هذه الألواح والقش تنفتح الألواح الخشبية ويقع الطائر في الحفرة وبهذا يكون صيداً سهلاً للصيادين، ولكن للأسف لم تكن هناك آذان صاغية من القيادة العليا لهذه المقولة المأثورة للأستاذ صالح اليوسفي وكانت النتيجة أتفاقية الجزائر المشؤومة عام 1975 ثم نكسة ثورة الكورد وهكذا وقعت الثورة في (الفخ – ته بكه) الذي نصبه شاه إيران والذي تحدث عنه اليوسفي سابقاً..)).
في فجر يوم 24/4/1974 داهمت مفارز الأمن العام بيوت عدد عوائل المسؤولين الكورد في بغداد وكانت عائلتنا من ضمنهم.. يتبع
المصادر والهوامش:
(1،2)من ذاكرة ناشط پارتي.. الأستاذ فاروق محمود ئاكريى.. ص 84، 85
(3) سه من گول: سيدة من مدينة زاخو كانت إمرأة جريئة وشجاعة وتتقن ثلاث لغات العربية والكوردية باللهجتين (السوراني والكرمانجي) وكذلك اللغة التركمانية، تطوعت منذ منتصف الستينيات في العمل السياسي بشكل سري، وكانت غالباً ما تنقل الرسائل والأخبار خاصة بين المحافظات، للأسف هناك العديد من الرجال والنساء الذين نضلوا بشكل سري وما زالوا مهمشين.
(4)أسعد خوشڤي: المسؤول العسكري العام للبيشمركة في منطقة بادينان (محافظة دهوك).

تم عمل هذا الموقع بواسطة