الحلقة: السادسة والخمسون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
بعض المحطات والشهادات عن المناضل صالح اليوسفي..
خلال فترة تواجد والدي في الوزارة، كان يهتم بالكثير من الشؤون العامة وفي كافة المجالات خاصة فيما كان يخص أقليم كوردستان.. يذكر الأستاذ الإعلامي بارزاني ملا: ((عندما أصبح الأستاذ صالح اليوسفي وزيراً بعد أتفاقية 11 آذار كان يهتم بإعمار كوردستان وبناء المدارس والمستوصفات وفتح الطرق في المناطق التي هي تحت سيطرة الثورة، وكان متحمساً لتأمين العيش الرغيد للبيشمركة والحياة السعيدة لإطفال الشهداء، كان دوماً يحاول إقرار السلام العادل في كوردستان ولم يُقّصر في إقناع الحكومات على الأعتراف بكون الكورد هم جزءاً من العراق وعليهم الأبتعاد عن الحرب مع الكورد ويقروا بحقوقهم المشروعة، لم يكن الأستاذ صالح اليوسفي شخصية على نطاق الكورد والمنطقة فحسب بل كان شخصية عالمية وكان عضو لجنة السلام والتضامن العالمية، وكان له أحترام خاص من قِبل الحكومات والأحزاب والشخصيات الديمقراطية والتقدمية في المنطقة والعالم، كان يحسب لهُ ألف حساب حيث كانت آرائهُ وأقتراحاته مكان تقدير من أصدقاء الكورد وأعدائهم، الأستاذ صالح اليوسفي كان عزيزاً لدى الزعيم البارزاني وضمن قيادة البارتي كانت له مكانة خاصة، كان كل شخص يعرفهُ كأخ كبير وإنسان رحيم وعطوف ومعروفاً بصراحته، كان كاتباً بارعاً وأديباً عبقرياً وشاعراً ثورياً كبيراً وسياسي بلا نظير للكورد، وأن الأشعار الوطنية والثورية التي كان ينشرها في أيامه كانت تبعث روح الحماس في البيشمركة والجماهير، إضافة إلى عشرات المقالات القيمة وعدة أبحاث في جريدة خه بات وإذاعة صوت كوردستان العراق دون توقيع عليها، وهذا نموذج آخر يثبت تواضع هذا الكاتب المبدع، كان لا يفرق بين هذا وذاك، وكان همه الأول البيشمركة والجماهير وتنشئة جيل الشعب الكوردي، كان دائماً يوجههم بشكل واقعي وينبههم في مقالاته بإن يحافظوا على الأخوة والتعاون والسلام وأن يتحدوا ويتفقوا، وأن يحافظوا على خصوصيات القيم والعادات والتقاليد الكوردية، وكان لا يكتب شيئاً تفوح منه رائحة الخلافات والقلق، ولا يفرق بين كوردي من كوردستان العراق والكورد في أجزاء كوردستان الأخرى، وكان يُعرف كوردستان العراق بأنها شمعة مضيئة تضيء كافة الأجزاء الأخرى من كوردستان، كان يناشد إلى الصداقة والأخوة بين الكورد والعرب والتركمان والآشوريين وكل فئات الشعب، وكان صديقاً للحركة التحررية الوطنية العربية ولهذا كان عزيزاً من الجمعيات العربية وله أحترام خاص من قِبل الأحزاب الوطنية والديمقراطية العربية ومن رؤساء وحكام الدول العربية(1)))
ويذكر الأستاذ حسين السيد علي: ((السيد القيادي صالح اليوسفي إنه وحسب ما ذكره لي السيد ماركوس مدير تربية دهوك السابق وهو مسيحي قد ذهب مع صديق له مسلم من محافظة دهوك إلى السيد صالح اليوسفي حينما كان وزيراً في بغداد، لكي يتوسط لهم لكي ينقبلوا في إحدى الكليات، فأقترح عليهم كلية الآداب قسم اللغة الكوردية لمصلحة شعبهم الكوردي فوافقوا وتخرجوا وأصبحوا أول مُدرسين كورد من قبل وزارة التربية العراقية بشكل رسمي وتخرجوا على أيديهم أجيال من الأساتذة والطلبة وألف السيد ماركوس وهو أرمني كتاب منهج المرحلة الأبتدائية باللغة الكوردية..)).
يذكر الأستاذ ناصر سورجي: ((ألقى القبض على أبن عمي وكان عسكرياً في بعقوبة بتهمة الإنتماء إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، أخذت كتاباً من فرع الموصل إلى الأستاذ القائد صالح اليوسفي ولكن ولم أستطيع رؤيته في الوزارة، فأخبرني أحد الأخوة يمكنك مقابلته في جمعية الثقافة الكوردية في القصر الأبيض في بغداد، ذهبت هناك وفعلاً ألتقيت به.. وتعجبت من حفاوة أستقباله لي حيث كنت شاباً صغيراً حينها..! فقام هذه الإنسان العظيم من مكانه وزودني بكتاب إلى بعقوبة بعد أن أستمع إلى مشكلة أبن عمي، فأخذت الكتاب إلى بعقوبة وتم إطلاق سراحه بعد أستلامهم لكتاب سيدا صالح اليوسفي وبتوقيعه، وبعد إنهيار الحركة الكوردية عام 1975 سمعت بتأسيس الحركة الأشتراكية الكوردستانية على يد المناضل صالح اليوسفي ومجموعة من رفاقه.. فلم أتردد في الإنتماء إلى هذه الحركة ولا زلت متمسكاً بأمتدادات الحركة لحد الآن وأعتبر اليوسفي قائدي ومعلمي..)).
صالح اليوسفي والرئيس أحمد حسن البكر..
توالت الدعوات على والدتي واحدة تلوا الأخرى ضمن دعوات زوجات الوزراء للتعارف على بعضهن البعض في منازلهن في ظل أجواء من التعارف، فكانت أولى الدعوات في بيت نائب الرئيس صالح مهدي عماش وسعدون غيدان وزير الداخلية، وحماد شهاب وزير الدفاع وهكذا.. وفي إحدى المرات طلبت زوجة الفريق سعدون غيدان من أمي أن ترافقها إلى حيث دعوة للعشاء في بيت رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر، وقد أصرّت حينها زوجة الرئيس البكر على حضور والدتي من زوجة سعدون غيدان، فلبت والدتي هذه الدعوة.. وهناك أجلستها زوجة البكر بقربها وأخبرتها بالنص:(( من كثرة ما يتحدث لي أبو هيثم على أبو شيرزاد ويمدح به.. تلهفت كثيراً أن أراكِ وأتعرف عليكِ.. وزوجتا عماش وسعدون غيدان مدحنا بك كثيراً، لذا تلهفت أكثر في أن أتعرف عليكِ..))، فرحبت بها والدتي وأسعدتها هذه الثقة والكلام، وقالت والدتي جلسنا سوية أنا وأم هيثم نتسامر طوال فترة الضيافة ولم تتركني للحظة واحدة.. وعندما عادت والدتي أثنت على زوجة البكر وقالت بأنها كانت سيدة بسيطة وفي غاية التواضع والوقار، وإنها لم تفارق والدتي طوال وقت الدعوة في سرد الأحاديث والذكريات.
أزداد أحترام وتقدير الرئيس البكر لوالدي خلال فترة الأتفاقية (1970 - 1974)، وفي الكثير من الأحيان كان يختارهُ كمبعوث شخصي عنهُ إلى عدة دول العربية، إضافة إلى أختيارهُ كمبعوثه الشخصي لزيارة مدن ومحافظات الوسط والجنوب، وكانت شاشات التلفزيون ضمن نشرات الأخبار حينها تبث يومياً تفقد زيارة والدي لتلك المحافظات ضمن شريط إخباري يومي (وكنا كعائلة ننتظر ونشاهد بشغف هذه المحطات من زيارات والدي من على شاشة تلفزيون بغداد وكانت تعرضها يومياً ولعدة أيام على التوالي)، وكان يعمل والدي كل جهده على حل مشاكل الشعب في مكان يزورها، وكانت كل المحافظات العراقية بأقضياتها ونواحيها تستقبل والدي ببالغ الحفاوة والتكريم.
يَذكر الأستاذ طالب حسن:((في الأعوام التي تلت بيان 11 آذار، في عهد الرئيس العراقي أحمد حسن البكر قام الوزير اليوسفي بزيارات إلى المنطقة الجنوبية من العراق، وقد زار المناضل الكوردي صالح اليوسفي ناحية الفهود في محافظة الناصرية، فخرجت الناحية بقَضِها وقضيضها لأستقباله، وأطلق شعرائها الأهازيج المُعبرة عن فرحتهم بهذه الزيارة، وكانت من بينها هذه الأهزوجة التي تَكشف الواقع المرير في هذه الناحية: (أرجو تكُل للريس ليش المجلس ناسينا)، ومعناها (أرجو أن تخبر الرئيس أحمد حسن البكر لماذا مجلس قيادة الثورة ناسينا)، فتأثر اليوسفي لحالهم وأخرج قلماً وسجل طلباتهم في دفتر صغير يحملهُ معهُ (2))).
ويذكر الأستاذ صادق الرحمن:((حضر المناضل صالح اليوسفي إلى مدينة السماوه في 11 آذار لتفقد أحوال الكورد هناك، وكنا فقط 12عائله كردية، وأقيمت حفلة في هذه المناسبة في البستان الإمامي، وحضر محافظ المثنى ومعظم المسؤولين، وكانت أجمل أحتفالية، كان الشهيد صالح اليوسفي رجلاً يحمل صفات الرجال من أدب وتواضع ومحبوب جماهيرياً، وقد لبى دعوة العشاء بطيبته المعروفة في بيت أبن عمي رغم بساطة بيته، تحية لكِ ولإهلك والرحمة للشهيد)).
ونقلاً عن الأستاذ الشاعر يونس سلطان: ((بعد أتفاقية آذار، وحين صار العم صالح اليوسفي وزيراً لم ينسى شرقاط أبداً ولم ينسى أحمد سلطان الجبوري، بل كان حريصاً على الوفاء وهو أهل لهُ، فقد قام بعدة زيارات للشرقاط وفي كل زيارة كان يأتي إلى والدي ليسلم عليه، كان مسجد مدينة الشرقاط مسجد طيني فأمر اليوسفي بإعماره ووضع حجر الأساس بنفسه، وهو الذي طالب بأن يتحول الشرقاط من ناحية إلى قضاء فأصبح قضاءاً..))، هذا وقد سبق وأن ذكرت تفاصيل أحداث مدينة الشرقاط حين نفينا إليها في الحلقات السابقة، وكيف كانت معاملة أهالي المدينة لنا التي أتصفت بالكرم والجود وببالغ الأهتمام والرعاية، وبالأخص والد الأستاذ يونس (السيد أحمد سلطان الجبوري، ولم ينقطع هذا الرجل الطيب الشهم عن زيارة والدي في بغداد طوال فترة سنوات الأتفاقية محملاً بالفواكه والتمور من بساتينه في مدينة الشرقاط.
كما يذكر الأستاذ علي محمد الجيزاني من خلال مقالة: ((الشهيد الوزير صالح اليوسفي خُلقاً وعاطفة من أيام الزمن الجميل، لا أنسى أول مرة رأيت فيها الأستاذ صالح اليوسفي رحمهُ الله وهو وزير الدولة ومكتبه في بغداد قرب الباب الشرقي، فقد كان الفضل له عندما راجعته في مكتبة أبحث عن عمل في بداية السبعينيات بعد تسريحي من الجيش العراقي، وبعد ما جلست في مكتبه وهو كان يحل بعض من مشاكل الناس المحتاجة فكان منهم الكورد ومنهم العرب، بعد ما جاء دوري وشربت شاي في مكتبه ألتفت لي وقال: تفضل..؟ أخبرته: أنني تم تسريحي من الجيش ولم أجد عمل..
نظر إلي، كنت شاباً وأرتدي قاط جديد رصاصي من بالات الباب الشرقي.. فأمسك الورقة والقلم وكتب رسالة إلى مدير عام أحدى الشركات وكان أيضاً كوردي وهو محمد أمين الجاف.
وكتب اليوسفي ما يلي:(بعد التحية حامل الرسالة عاطل أرجوك أن توفر له عمل..) ذهبت للشخص المعني وفعلاً تم تعيني هناك، لم يكن الشهيد صالح اليوسفي مختلفاً عن أقرانه سوى بذلك الهدوء الذي كان أحد أبرز سماته، معاملته للناس معاملة لا تخلوا من الإنسانية، لم يكن يسأل الشخص عن دينه أو مذهبه أو قوميته، بعد مدة من الزمن ذهبت إلى مكتبه لأقدم له الشكر والعرفان، وإذا مكتبه مزدحم بالبشر..! وأنا في الباب قدمت لهُ تحية، وقلت له: أشكرك.. أبتسم لي.. ولم ألتقي به بعدها رحمه الله.. زوزان صالح اليوسفي تذكرت والدها رحمه الله.. أيضا مسكتُ القلم لأكتب رسالة حب وعرفان وذكريات أيام زمان لهذا الرجل رحمه الله والمثل يقول: الخلف ما مات.. كان الوزير في السابق بابه مفتوح على مصراعيه للصغير والكبير، حارس واحد في الباب والله سبحانه وتعالى واحد.. أما الوزير الآن لا مقابلة له، ثلاثة سواتر من الحراس أو ثلاثة مصدات حمايه للوزير.. ولم يعين أحد سوى أقربائه أو توصية من رئيس حزبه أو من رئيس كتلته أو يدفع مبلغ كبير لتعينه لشخص وسيط سختجي.. إذاً الفقراء إلى أين يتجهون ياحكومتنا..؟! إلى الله المشتكي يا زوزان..لا يسلم من الموت أحد، قال سبحانه وتعالى لحبيبه وسيد أنبياءه:إنك ميت وإنهم لميتون وقد تعددت الأسباب لكن الموت قادم، لا يعرف السن فإنه ينال الصغير والكبير، ولا يعرف المنزلة فإنه ينال الوزير والفقير، ولا يعرف الحالة فإنه ينال الصحيح والسقيم.. وهكذا الدنيا يا زوزان حَلٌّ وأرتحال، وأجتماع وأفتراق، ويوم لك ويوم عليك، لروحه ولأرواح الشهداء الرحمة والخلود، ولكم يا زوزان ولأهله وذويه وأصدقائه الصبر والسلوان، لو أعرف مكان قبره لذهبت أقراء الفاتحة ومعي البخور والشموع وماء الورد والمصحف الشريف..الأستاذ علي محمد الجيزاني..)).
المصادر:
(1)الإعلامي بارزاني ملا في مقالته (في ذكرى الشهيد صالح اليوسفي).
(2)كتاب(حكومة القرية – طالب الحسن)