الحلقة السادسة والأربعون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
إن فشل المحاولة الإنقلابية لعبد الغني الرواي بتخطيط شاه إيران كانت من الأسباب المباشرة لقيام حكومة بغداد آنذاك بالمفاوضات مع القيادة الكوردية ومحاولة كسب القيادة الكوردية إلى جانبها من خلال الإعلان عن أتفاقية 11 آذار 1970 والتي منحت أكراد العراق الحكم الذاتي.
رغم أن شاه إيران حاول المستحيل من أجل عدم نجاح هذه الأتفاقية وبشتى الطرق وأخذت تغري القيادة الكوردية بالأسلحة والمال وتحرض بعض عملائها بالوقوف ضد تلك الأتفاقية وضد مَن يؤيدها الأتفاقية كما جاء في موقف صالح اليوسفي والذي أشرت إليه في الحلقات السابقة نقلاً عن والدي، كيف وقفوا ضدهُ وحاربوهُ بشتى الوسائل لإبعاده عن القيادة الكوردية..! وعن دوره السياسي المهم خلال هذه المرحلة المهمة..! وعن مشاركته في المفاوضات..! وعن منحه أي مركز أو منصب من بعد أتفاقية آذار في الحكومة العراقية..!، رغم إنها كان لوالدي الدور الرئيسي لإنجاح الأتفاقية وإن لم يذكرها البعض للأسف ممن عاش تلك المرحلة وأشترك فيها.. بل نسبوا نجاح الأتفاقية إلى مَن كان ضدها..!
يذكر الأستاذ شكيب عقراوي: (( بعد فشل المحاولة الإنقلابية فأن شاه إيران كان يحتفظ ببقية من مبالغ مالية كان قد حصل عليها من خارج إيران لغرض القيام بإنقلاب عسكري في العراق))..!!، (( بعد الإعلان عن فشل المحاولة قرر شاه إيران صرف مبلغ (600) ألف دينار عراقي شهرياً (كانت تعادل حوالي مليوني دولار) للثورة الكوردية في العراق، وقد صرف شاه إيران هذا المبلغ الشهري للبارزاني في بداية شهر شباط/ فبراير 1970، وكذلك في بداية شهر آذار/ مارس 1970، ثم توقف الصرف بسبب صدور أتفاقية 11 آذار/ مارس 1970 بين العراق وقيادة الثورة الكوردية(1))).
وظلت أتفاقية 11 آذار 1970 كالشوكة في حلق الشاه وأخذ يخطط إلى أن أستطاع أن ينتقم من القيادة الكوردية من خلال ضربة تعتبر من أشد الضربات ألماً ووجعاً في خاصرة حركة النضال الثوري الكوردي، وذلك من خلال نكسة آذار 1975.
أعلن بيان 11 آذار 1970، أثر عدة جولات ولقاءات من المفاوضات خلال قرابة ثلاثة أشهر أشترك صدام حسين فيها وعدد من أعضاء القيادة والوزراء في حكومة بغداد، ومن خلال عدة جلسات قرر الزعيم مصطفى البارزاني التوقيع على بيان 11 آذار 1970 وبجهود عدد من القيادات الكوردية ومن ضمنهم صالح اليوسفي.... وذلك لعدة أسباب منها: ((
1 - لإحتواء الأتفاقية على وثيقة تاريخية في الأعتراف بالحكم الذاتي للمنطقة الكردية في العراق.
2- لم يكن البارزاني واثقاً من موقف شاه إيران لعدم وجود مصلحة أستراتيجية طويلة الأمد للدولة الإيرانية في دعم الثورة الكوردية في العراق.
3 – أن الظروف الأقليمية والدولية لم تكن تسمح في الحصول على أكثر مما كان يتضمنه بيان 11 آذار 1970 وهو ما عرضه ووافق عليه حزب البعث الحاكم في العراق.
4 – كان واضحاً في ذلك الوقت بأن ظروف المواجهة والعداء بين الدولتين العراقية والإيرانية هي ظروف وقتية قد تزول بمرور الوقت وأنه من الأفضل للشعب الكوردي جني ثمرات ما يمكن الحصول عليه في ذلك الوقت وأن الفرصة السانحة ربما لا تتكرر ثانية(2))).
يعد بيان 11 آذار 1970 أول وثيقة مكتوبة وأعتراف من الحكومة العراقية بالحقوق القومية لأكراد العراق في الحكم الذاتي الذي كان يتضمن مشروعاً ديمقراطياً مبني على أساس المؤوسسات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وكان للمناضل صالح اليوسفي أحد الأدوار الرئيسية لإنجاحها رغم كل تلك المؤامرات التي أحيكت ضدهُ، إلا أن زخم موقعه وشعبيته لدى رفاقه القريبين والشعب الكوردي وإيمان الزعيم البارزاني لآرائه وقدراته الدبلوماسية والسياسية، وعلاقته الشخصية مع الشخصيات السياسية على صعيد العراق والوطن العربي، كل ذلك حال ضد كل تلك المؤمرات الرجعية التي أحاكتها نظام الشاه من أجل مصلحته ومصلحة أمريكا وأسرائيل.
وقع البيان في القصر الجمهوري بحضور الرئيس أحمد حسن البكر وصدام حسين وصالح مهدي عماش ومرتضى الحديثي وعبد الخالق السامرائي والعديد من أعضاء القيادة والوزراء في الحكومة ومن جانب القيادة حضرها صالح اليوسفي ونافذ جلال وروز نوري شاوه يس والدكتور محمود عثمان ومحسن دزه يى وأدريس البارزاني ومسعود البارزاني ودارا توفيق ومحمد محمود عبد الرحمن..
وألقى الرئيس أحمد حسن البكر شخصياً نص البيان وبث من خلال محطات التلفزيون والإذعات والوسائل الإعلامية كافة، لإضفاء مدى الأهمية الكبيرة في هذا البيان التاريخي، وقامت مسيرة طويلة في ساحة التحرير ضمت عدد كبير من الشخصيات المهمة من كلا الجانبين وألقت عدة كلمات، كما قامت عدة مسيرات ومظاهرات حاشدة قادتها عناصر وأعضاء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني وعم الفرح والأبتهاج كل أبناء الشعب العراقي بصورة عامة والشعب الكوردي بصورة خاصة، وقامت العديد من الدول الأجنبية والعربية بمباركة هذه الخطوة التاريخية وفي مقدمتها الأتحاد السوفيتي من الدول الأجنبية وسودان من الدول العربية..
ويذكر الأستاذ شكيب عقراوي عن دور الأتحاد السوفيتي قائلاً: (( أزدادت حاجة الدولة العراقية إلى الأتحاد السوفيتي بصورة كثيفة في عام 1969 وتطورت العلاقات بين البلدين إلى درجة أصبح فيه صدام حسين يتشاور مع الأتحاد السوفيتي في كيفية مواجهة المشاكل التي تواجه الحكم العراق.. وقد بدأ الأتحاد السوفيتي في شهر أيلول / سبتمبر 1969 بحث المسؤولين في نظام الحكم في بغداد بحل المشكلة الكردية في العراق والتفاوض مع البارزاني ومنح الأكراد حقوقاً ثقافية وسياسية والتعامل مع الأكراد كشعب صديق، وفي ذلك الوقت أيضاً عرض الأتحاد السوفيتي على صدام حسين بأن القيادة الكوردية في العراق تضم عناصر تقدمية وأنه يمكن إشراك هذه العناصر في الحكم الوطني في العراق وتحويل الشعب الكوردي إلى شعب صديق لخدمة مصالح الدولة العراقية.. وحث الأتحاد السوفيتي صدام حسين على وقف القتال والوصول إلى حل مع القيادة الكوردية، وبعد أن شعر صدام بالخطر وعن عدم أمكانيته في مواصلة القتال في كوردستان، فأن صدام هو الذي طلب من الأتحاد السوفيتي التدخل لوقف الحرب في كوردستان والوصول إلى حل مع القيادة الكوردية... أرسل الأتحاد السوفيتي (أفغني بريماكوف) لمقابلة البارزاني في منتصف شهر الثاني/ نوفمبر 1969، وقدم بريماكوف تحيات زعيم الحزب الشيوعي السوفيتي (ليونيد بريجينيف) للبارزاني وطلب بأسم (بريجنيف) من البارزاني إجراء المفاوضات مع الدولة في بغداد.. فأزدات حاجة نظام بغداد إلى سد باب الخطر الكوردي وإجراء تفاهم مع القيادة الكوردية لمنع تطور الأمور نحو الأسوأ فيما يخص الحكم القائم في العراق..(3))).
وأعلنت الحكومة العراقية عن أنتخاب وزراء للحكومة الجديدة بعد أتفاقية 11 آذار 1970، وكان أسم صالح اليوسفي من ضمن الوزارة الجديدة..! وكانت ضربة في وجه الحاقدين..!
ولم تنتهي المؤامرات على والدي بل أستمرت مع المؤتمر الثامن للحزب في تموز 1970... يتبع
المصادر:
(1)سنوات المحنة في كوردستان – شكيب عقراوي ص 279 – 280
(2)سنوات المحنة في كوردستان – شكيب عقراوي – ص 281
(3)سنوات المحنة في كوردستان – شكيب عقراوي – ص 291 – 292