1 قراءة دقيقة
الحلقة: السابعة والسبعون – (الجزء الثاني من أتفاقية 6 آذار/ مارس 1975).

الحلقة: السابعة والسبعون – (الجزء الثاني من أتفاقية 6 آذار/ مارس 1975).
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
الأيام العصيبة بعد أتفاقية 6 آذار 1975
منذ تاريخ 6 آذار 1975 عند إعلان الأتفاقية المشؤومة وإلى حين قرار إعلان وقف إطلاق النار من جانب القيادة الكوردية بعد ضغوط نظام الشاه وتهديداته.. كانت تعتبر هذه الفترة من أصعب المراحل التي مرت على تاريخ نضال الثورة الكوردية.. حيث أنهارت الآمال.. وتحطمت النفسيات.. وضاعت سنين النضال الدؤوب.. وتشتت القيادة.. وزهقت الآلاف من الأرواح وهدرت الدماء الزكية.. وأتلف العديد من الأرشيف التاريخي لأمة الكورد.. وكأن الزمن توقف عند هذه الفاجعة الكبرى..!!
يذكر الأستاذ علي سنجاري: (( في مساء 7- 8 آذار 1975 وصلت برقية من الزعيم البارزاني يذكر فيه.. بأن الجنرال نعمت الله نصيري مدير الأمن العام الإيراني(سافاك) قد أخبرهُ بأن الشاه قد أتفق مع صدام حسين نائب الرئيس العراقي على حل الخلافات العالقة بين إيران والعراق وبما يخدم مصالح الشعبين الإيراني والعراقي والخ.. وأن الأخ محسن دزه يى في طريقه إليكم لشرح التفاصيل والله معنا... وفي مساء 8 آذار 1975 وصل محسن دزه يى إلى حاج عمران وذكر بأن إيران سوف تغلق حدودها أمام الثوار إعتبارا من الأول من شهر نيسان القادم. وطلب البارزاني أن يقرر أعضاء قيادة الحزب والثورة مواقفهم من إتفاق الشاه مع نظام البعث بغية تقرير مصير الثورة..(1))).
في يوم 11 من آذار 1975 قابل الشاه الزعيم البارزاني الذي كان موجودًا في طهران في قصر نياوران مقر إقامة الشاه، يرافقه د. محمود عثمان، د. شفيق قزاز (ممثل الثورة الكوردية في طهران)، والأستاذ محسن دزةيي، وقال لهم الشاه:" إن الحدود الإيرانية ستُغلق بوجه الثوار الكورد، وأن أمام الحركة الكوردية ثلاثة خيارات فقط وهي.. إما العودة إلى العراق، وقد أصدرت الحكومة العراقية حينها عفوًا عامًا على الجميع. أو اللجوء إلى إيران..أو الاستمرار في القتال دون توقع أي مساعدة من إيران، وإنه اتخذ القرار وسائر في تحقيقه حتى النهاية!. لم يتجاوز اللقاء نصف ساعة ثم غادر الشاه معلنًا انتهاء المقابلة..!
ذكر الدكتور محمود عثمان في مقابلة: (( الشاه أستقبلنا بأسلوب مختلف، وحدثنا بلغة مختلفة تماماً عن لغته الناعمة التي كان يخطبنا به، وقال: " وقعنا أتفاقية مع صدام حققت لإيران حلماً كانت تنتظره زمناً طويلاً.. وجوبهنا نحن الوفد الكردي بجملة الشاه الجارحة: بعد الآن لا دعم لكم.. أنتهت اللعبة.."..!! ووضع الشاه القيادة الكوردية أمام ثلاث خيارات.. أما إلقاء السلاح وتسليم الرقاب إلى الحكومة البعثية، أو الأستمرار في القِتال بما في أيديكم من غير دعم إيراني، أو اللجوء إلى إيران..(2))).

ذكر الأستاذ حازم أحمد اليوسفي في مقابلة: (( كنا جالسين مساء يوم 6 آذار 1975 في حوالي الساعة العاشرة مساءاً مع سيدا صالح اليوسفي وكنا قرابة 20 شخصاً في مقره في بابكر آوا.. نستمع إلى الأخبار عبر الإذاعة.. فجأة سمعنا بإعلان أتفاقية جزائر ما بين شاه إيران وصدام حسين بوساطة رئيس الجزائر هواري بومدين.. في الحال صرح سيدا صالح اليوسفي وبحزن عميق:(( ژ دةستئ مه جو - راحت من يدينا) أي أنتهى كل شيء.. أتفقوا من وراء ظهرنا.. وتاجر بنا الشاه كبضاعة أجل هذه الصفقة..! وفي صباح اليوم الثاني (7 آذار 1975) ذهبت إلى أتحاد الشبيبة الكوردستاني رأيت هناك سالار عزيز و ره نج نوري شاوه يس وسربست بامرني.. سألوني بلهفة وحيرة ماذا يقول سيدا صالح اليوسفي عن الاتفاقية..؟! (في البداية ألتزم حازم بالصمت حتى لا يكون مصدرا لنقل رأي والدي الصريح والمقلق.. إلا أن المجموعة ألحت على حازم اليوسفي لمعرفة رأي والدي وكأنهم كانوا جميعاً ينتظرون وجهة نظره من خلال هذا الخبر المفاجئ..! هل هو خير لأمة الكورد أم هي نقمة..؟.
وبعد إلحاحهم لسماع تصريح والدي على أحر من الجمر.. قال حازم اليوسفي: نقلت لهم حقيقة تصريح سيدا صالح فتفاجؤا ولم يصدقوا..! حيث كانوا في حالة نشوة وفرح بهذه الأتفاقية التي توقعوا إنها لا شك في صالحهم أيضاً من أجل السلام ووقف الحرب..(3))). حيث كانت القيادة الكوردية حينها قد صرحت واشاعت بإنه سيتم حل قضيتنا وإن الشاه سيفرض على صدام ما هو في صالحنا أيضاً..!.
بعد أن شرح حازم اليوسفي للمجموعة بتفاصيل رأي والدي ساد الجميع القلق والحيرة والفزع، خاصة وإن العديد منهم كانوا متفألين على هذه الخطوة ظناً منهم أن الشاه قد حل قضيتنا أيضاً مع حل مشكلته مع العراق من خلال هذه المؤتمر كما أفهم القيادة سابقاً..!.
وقد علق حينها البعض الكثير من التعليقات الساذجة على مستوى عقولهم عن والدي على أساس إن والدي شخص متشأم وتعبان ووو....! ويذكر الأستاذ فاروق ئاكره يى: ( كان بعض البسطاء ومن دون الشعور بالمسؤولية وخطورة الوضع يصفون اليوسفي ب (أستاذ الفتح).. ويطالبون بوضع اليوسفي في كهف تصوفي مع مجموعة كتب وأحلامه الخيالية.. ورغم معرفته بذلك ظل عصامياً ولا يهبط إلى مستوى الرد عليهم..(4))
تحققت كل توقعات والدي التي أعتبروها خيالية وأضغاث أحلام.. ليجرعوا بعدها مرارة السم الذي سقانا شاه إيران من خلال وعوده الكاذبة ونواياهُ الخبيثة.. (وهنا أتوقف حين يصرح البعض من الشخصيات والكُتاب بأن صالح اليوسفي كان حسن النيات..! وعند هذا الموقف المفجع لأمتنا أسأل مَن الذي كان حسن النيات..؟! هل والدي أم مَن بنى الآمال على وعود الشاه.. فوالدي وطوال رحلته النضالية لم يكن يثق بالشاه وبنواياه وكان يُحذر القيادة منه بأستمرار.. وهو الوحيد الذي تحدى تدخلات الشاه ونظامه منذ الستينيات وإلى حين ثورة 1974- 1975 وحتى ما قبل ذلك حين غدر الشاه بالزعيم قاضي محمد 1974).
يذكر الأستاذ فاروق ئاكره يى: ((في البداية فرح جموع الحاضرين.. كانت الفرحة لعدد من رفاقي (حيث سهرنا حتى ساعات الصباح)، لا سيما وأن عدد منهم كانوا مشتاقين للقاء عوائلهم وزوجاتهم وأطفالهم في المدن التي هربوا منها منذ سنة، لم أحاول نقل التشائم إليهم. لكن لم أنام تلك الليلة.. وفي الصباح الباكر ليوم 7 آذار/ مارس 1975 خرجت على أصوات قافلة من السيارات. حيث شاهدت في إنعطافات طريق هاملتون المؤدي إلى حاج عمران والحدود الإيرانية. سيارات عسكرية إيرانية محملة بالجنود وهي تسحب ورائها قطع من المدفعية ومقاومات الطائرات.. كانت أضواء السيارات خافتة. والإنسحاب سريع وغير منظم حيث شاهدت حبال الخيم وهي متدلية بكثرة من السيارات بشكل عشوائي...(5))).
يذكر الأستاذ فؤاد عارف في مذكراته ج2: (( في شهر آذار/ مارس 1975 عقدنا اجتماع خاص للتشاور حول ما يجب أن نعمله في الظروف القاسية التي استجدت مع التوقيع على اتفاقية الجزائر، وكان عددنا يربو على حوالي أربعين شخصية من النخبة الكوردية، وفي آخر الاجتماع تقرر إرسال صالح اليوسفي وأنا إلى البارزاني لإخباره أننا عازمون على البقاء والمقاومة شرط أن لا يتدخل هو في أمرنا، مع العلم أخبرناه أننا سوف نواصل نضالنا باسمه، إلا أنه لم يستجب لطلبنا..))... يتبع

المصادر والهوامش:
(1)القضية الكوردية وحزب البعث العربي الإشتراكي - علي سنجاري - ص 437.
(2)مقالة - محمود عثمان الكوردي الذي لا يبتسم - المسلة.
(3)فضائية الفلوجة - برنامج شهادات خاصة.
(4)من ذاكرة ناشط بارتي – فاروق ئاكر ه يى – ص 85.
(5)من ذاكرة ناشط بارتي – فاروق ئاكر ه يى – ص 87.

تم عمل هذا الموقع بواسطة