الحلقة: السابعة والخمسون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
كان المناضل صالح اليوسفي لهُ منزلة رفيعة ومميزة عند أكبر عدد من الشخصيات العراقية وعلى رأسهم الرئيس أحمد حسن البكر كما أشرت في الحلقة السابقة، إضافة إلى القيادة الكردية وخاصة عند الزعيم ملا مصطفى البارزاني، وكان لآراء اليوسفي وإرشاداته محل التقدير عند الزعيم البارزاني وعند أغلب أعضاء القيادة الكوردية، كان يعتبر صالح اليوسفي اليد اليمنى للزعيم في بغداد، ومخول لكل ما يقوم به من خطوات وأقتراحات ما بين القيادة الكوردية والنظام العراقي، بعد عرضها على الزعيم، وقد سبق وأن أشار الأستاذ حبيب محمد كريم (سكرتير الحزب) إلى مثل هذه المواقف التي أشرت إليها سابقاً(1)، كما وأشرت إلى عدة شهادات أخرى حية للمناضل اليوسفي، كيف كان يفرض شخصيته في حل المشاكل العالقة بكل جرأة وحكمة ونفس طويل ما بين النظام والقيادة الكوردية.
هذا التقدير من قِبل الرئيس البكر والزعيم البارزاني لوالدي، إضافة إلى شعبيته التي أخذت تزداد يوماً بعد يوم لدى كافة أبناء الشعب الكوردي بصورة خاصة والشعب العراقي بكافة قومياته وأديانه ومذاهبه، كما وأخذت الأضواء الإعلامية تتجه نحو والدي بصورة جلية، فأصبح محور لقاءات الصحف المحلية والخارجية.. هذا بلإضافة إلى منزلته المميزة من قِبل الإتحاد السوفيتي والكرملين حينذاك كشخصية مهمة على الصعيد السياسي(2)، كل ذلك أدى إلى ظهور بوادر الغيرة والمنافسة لدى عدد من أعضاء القيادة نحو والدي..!
ظهور بوادر الغيرة عند بعض القياديين نحو صالح اليوسفي..
ظهرت بوادر الغيرة على مجموعة محددة بين قياديّ أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني أتجاه والدي الذي برز على الساحة السياسية بصورة قوية..!
نحن نعرف أن مثل هذه المشاعر شيء طبيعي، وأنا حين أشير إلى البعض من تلك الشخصيات ليس بدافع أن أفتح المواجع القديمة أو أنتقص من قيمة أحد أو أنتقد أية شخصية أو أحمل أية ضغينة أتجاههم، فالسياسة بصراحة عالم لا يخلوا من أي شيء تتوقعهُ..!، وكما قال المؤرخ والكاتب الفرنسي (أرنست رينان): ((السياسة حرب باردة.. والحرب سياسة ساخنة))، ومثل هذه المواقف كثيرة في التاريخ، والغيرة والمنافسة على السلطة والمناصب شيء طبيعي في عالم السياسة وفي كل مجتمعات الدول حتى الغربية منها.. ويعتبر البعض إن تلك المشاعر والمنافسات هو من باب الطموح شخصي من أجل نيل المناصب العليا، ولكن بإعتقادي أن أية خطوة في إبراز مثل هذه المشاعر والمنافسة على المناصب لا شك سيتحول بعد ذلك إلى نتائج سلبية عديدة تتمخض من خلالها، وحتماً سيؤدي في النهاية إلى إنهيار كل شيء..!
أصبح صالح اليوسفي خلال سنوات ما بعد أتفاقية آذار وإلى حين بدايات 1974، محور المقابلات والحورات الصحفية المحلية منها والخارجية، وكان يلتقي به صحف لبنان والخليج وغيرها من الدول العربية، وحتى العراقية كجريدتيّ الجمهورية والثورة، وأنتشرت شهرة صالح اليوسفي ودوره السياسي المهم وحنكته السياسية وخبرته العالية، وقد أشار أحد الصحفيين العرب في (صحيفة الهدف) في عنوان مقالته من خلال لقائه، مقالة بعنوان: ((صالح اليوسفي الرجل الثاني عند الأكراد.. واحد من أكبر الوجوه السياسية البارزة في عالم السياسة العراقية، ويلي قائد الأكراد مصطفى البرازاني في الأهمية مباشرة، وقد لعب اليوسفي دوراً لا يستهان به في إدارة دفة المفاوضات العراقية – الكردية...))، حيث أجرى حواراً طويلاً ومهماً عن أحداث وفترة الأتفاقية أمتد الحوار إلى صفحتين من جريد الهدف(3).
للأسف تلك الغيرة من بعض أعضاء القيادة تحولت إلى نوع من محاربة ومنافسة والدي سراً وعلناً..! في توقيت وظرف غير مناسب إطلاقاً..! فقد كانت أمامنا مهمة وأتفاقية تاريخية.. ووقت ضيق جداً لإكمال ومعالجة أهم وأخطر قضية تواجه العراق بقوميتيها الرئيسيتين، وكان من الأخطاء الفادحة أن تظهر مثل هذه المشاعر والردود الغير متكافئة والغير مدروسة..! لدى هؤلاء القياديين الذين كانت تقع على عاتقهم مصير أمة كاملة من الشعب الكوردي في ذلك الوقت الراهن والدقيق من قضيتنا، وأغلب هؤلاء المجموعة كانوا من الأعضاء الجدد في القيادة ووصلوا إلى هذه المناصب في زمن قياسي.. وكانوا قليلي الخبرة والحنكة السياسية والحكمة قياساً أمام خبرة ونضال والدي والأعضاء القدماء من رفاقه في القيادة..
تحولت هذه الغيرة إلى نوع من المؤمرات..!، في البداية كان هدفهم ومن خلال محاولة يائسة من سحب عدد من المسؤوليات التي كانت مخولة لوالدي وتحت أمرته تلك المسؤوليات التي كانت في كل الأحوال من مهامات ومسؤوليات الفرع الخامس للحزب، نظراً لكون والدي كان مسؤولاً عن الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني، من أهم فروع الحزب الوحيد الذي يترأس الشعب الكوردي في العراق حينها، لذا وكما هو معروف ومتداول فإن مهام جميع المنظمات والجمعيات الكوردية كانت تحت قيادة هذا الفرع، فكان من الطبيعي أن يكون والدي المسؤول والمشرف عن كل الجمعيات والمنظمات الكوردية من (إتحاد أدباء الكورد، وجمعية الثقافة الكوردية، وأتحاد الشبيبة وطلبة كوردستان، وأتحاد نقابات العمال والجمعيات الفلاحية والتعاونية الكوردستانية.... الخ)، ورغم أن والدي كان يقوم بكل هذه الأمور ويتحمل مسؤوليتها على أكمل وجه، إلا أنه تعرض إلى محاولة عديدة لسحب هذه المسؤوليات من تحت إدارته..! إلا أن تلك المحاولات بأت بالفشل..! ولكن لم تنتهي تلك المؤمرات..!
مراقبات صدام لصالح اليوسفي..
لم تكن تلك المعادات من قِبل بعض أعضاء القيادة الكوردية لوالدي فقط..! وإنما مثل هذه المشاعر ظهرت على صدام أيضاً أتجاه والدي..! حيث يذكر الأستاذ هارون محمد: (( بعد أتفاقية آذار/ مارس 1970 وبعد أن أستلم اليوسفي منصبه الوزاري بالأضافة إلى مسؤولية الفرع الخامس للحزب ومقره في العاصمة بغداد وهو أكبر فروع الحزب خارج المنطقة الكردية في تلك الفترة.. لم تنقطع زيارات اليوسفي لعدد من الشخصيات الوطنية القومية العربية والديمقراطية التي كان صدام يضرب حصاراً عليها ويبدو أن صدام الذي كان يتلقى تقارير أجهزة الأمن عن نشاطات اليوسفي وزيارته المتكررة إلى منازل حسين جميل (الحزب الوطني الديمقراطي) وناجي طالب رئيس الوزراء الأسبق والدكتور إبراهيم كبة الوزير الأسبق وصديق شنشل أحد قادة حزب الأستقلال، لم يستطيع صدام كتم غضبه وإنزعاجه من هذه النشاطات التي وصفها في إجتماع مشترك بين وفدين لحزب البعث والحزب الديمقراطي الكوردستاني، فصب جام ثورته على اليوسفي الذي كان حاضراً ضمن أعضاء وفد حزبه وأتهمهُ بأنه يسعى إلى أستقطاب تلك الشخصيات..؟
فرد عليه اليوسفي ضاحكاً: إنهم أصدقائي أزورهم بالمناسبات وأسلم عليهم وهذا حق وواجب عليَّ ولكني لا أفهم مسألة الأستقطاب التي تتحدث عنه... ماذا تعتقد هل يقبل حسين جميل أو صديق شنشل الإنخراط بحزبنا..؟ّ! هؤلاء رجال البلد خدموا العراق حسب إمكاناتهم سواء نتفق معهم أو نختلف... ثم نحن الأكراد أصحاب وفاء لا ننسى أصدقائنا... وهنا سكت صدام ولم ينبس بكلمة ))... يتبع
المصادر والهوامش:
(1)ذكر الأستاذ حبيب محمد كريم:(( في الجلسات الختامية لكل مؤتمر كما هو معلوم تتم صياغة قرارات وتوصيات المؤتمر لعرضها على التصويت وعند إجراء عملية التصويت كنا نلاحظ إن مندوبي الفرع الأول يتطلعون إلى معرفة رأي الأستاذ صالح، فإذا رفع يدهُ بالموافقة يسارع الجميع إلى التأييد، وهذا لا يعني بطبيعة الحال التأييد العشوائي لرأي كاك صالح في كل شيء، بل إن الأمر كان يشير إلى مدى ثقة المندوبين بقدرته السياسية والمبدأية وتقديره الصائب لسير الأحداث ومجريات الأمور..)). المناضل صالح اليوسفي كما عرفته - حبيب محمد كريم - 5 حزيران 2004
(2)نقلاً من أرشيف أخي شيرزاد: ((كان السفير الروسي يخبر والدي بأن لديه توجيهات من الكرملين بأن يستشيرونه في القضايا والمواضيع التي تهمهم والمتعلقة بالمنطقة..)).
(3)ألتقى الصحفي (غازي جاسم) من صحفية الهدف الكويتية في لقاء طويل مع صالح اليوسفي من خلال مقالة تحت عنوان: (وزير الدولة العراق – والرجل الثاني عند الأكراد – البيشمركة أصبحوا جزءاً من الجيش العراقي) (ص – 10) عام 1971.