1 قراءة دقيقة
الحلقة: السابعة والثلاثون – الجزء الثالث.

الحلقة: السابعة والثلاثون – الجزء الثالث.
 بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي.

 من خلال مذكرة إنتقاد جريئة من رئيس تحرير جريدة التآخي صالح اليوسفي موجهة إلى وزير الوحدة (د. عبد الله الخضير(1)، بعنوان: (الشعب الكوردي يشجب بشدة أية أتفاقية تعقد وراء ظهره)، حصلت على هذه المذكرة التأريخية من أرشيف والدي وأنشرها لأول مرة من خلال حلقاتي، وأستفردتُ حلقة خاصة بها.. لما فيها من الجرأة المعهودة للمناضل صالح اليوسفي في الرد على أية محاولة أو مبادرة تهضم فيها حقوق شعبه الكردي والشعب العراقي من طبقة الكادحين.. والرسالة واضحة جداً من حيث المفهوم والمحتوى.. وعلى الأغلب المذكرة موجهة أما في نهاية 1968 أو بداية 1969 قبل ثورة 1969، لأن والدي قد أشار إلى ثمان سنوات مرت على الحرب، قاصداً ثورة أيلول 1961..
ومرة أخرى أتسأل يا ترى لو كان والدي حاضراً الآن.. ماذا كان سيكتب عن كل هذا الفساد والسرقات المستشرية على طول البلد..؟؟!!
نص المذكرة:
الشعب الكردي يشجب بشدة... أية أتفاقية تعقد من وراء ظهره..
أذاعت محطة إذاعة بغداد مساء الثلاثاء المنصرم نص ما يسمى بأتفاقية مشروع (451) الخاص بإعمار الشمال بين الحكومة العراقية وبرنامج الطعام العالمي – وقد وقع هذه الإتفاقية الدكتور عبدالله الخضير وزير الوحدة ووزير شؤون الشمال بالوكالة نيابة عن الحكومة العراقية / ووقعها عن برنامج الطعام العالمي/ السيد عمر عبدالحميد عديل/ الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في العراق نيابة عن برنامج الطعام العالمي.
والجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية تنص على قيام برنامج الطعام العالمي بتقديم مواد غذائية تبلغ قيمتها مليونين وثمانمائة وعشرة آلاف دولار لتوزيعها على العمال كجزء من الأجور التي ستقوم الحكومة العراقية بدفعها عن كلفة إنشاء (1330) كيلومتراً من الطرق الريفية في المنطقة الشمالية وإنشاء ثلاثة آلاف دار في (69) قرية إضافة إلى مشروع للرّي سيمدهُ بالماء مساحة تبلغ خمسة آلاف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة (سه روجاوه (2)) في السليمانية التي ستؤدي إلى أستقرار (330) أسرة .
لقد أنبرى الدكتور الخضير الذي أصبح طبلاً أجوفا منذ أن تخلى عن حزبه ومبادئه عشية أعتلائه كرسي الوزارة أنبرى على منصة الخطابة ليشيد بهذه الأتفاقية السخية التي تسيلُ اللعاب فوصفها جرياً على نفاقة المبتذل بأنها تمثل التعاون المتبادل على الصعيد الدولي كرفع المستوى الغذائي للعامل العراقي كما يمثل عزم وتصميم حكومة الثورة على حد زعمه على بناء وإعمار الشمال بالرغم من خطة الإستعمار وأذنابه لعرقلة هذه المسيرة – ثم يمضي في هذيانه فيقول أن هذه الإتفاقية جزء من مخطط واسع أعدته الثورة وحكومتها لتطوير المصادر الطبيعية والقضاء على التخلف التي خلفته الإضطرابات في الماضي – وإن حكومته تدرك جيداً الحاجة الماسة إلى تحسين الظروف المعاشية لسكان هذه المنطقة.
وقد جرى تخصيص المبالغ اللازمة لمشروع السنوات الخمس لهذا الغرض وأخيراً يُعْربُ عن أمتنان حكومته لمكتب الأمم المتحدة على هذه المنحة السخية من أجل إعمار العراق ورفع مستوى المعاشي للعامل على حد تعبيره/ وليس من أجل تسرّب هذه المبالغ إلى جيوبه وزملائه ورؤوس الخونة من الشعب الكردي الملتفيّن حولهم وصرف ما تبقى من أجل حرق القرى والمزروعات والفتك بالعمال والفلاحين الأكراد كما هو الواقعُ المشهود.
ثم يُردف السيد عديل الذي يظهر بأنه لم يكلف نفسه مشقة وعناء البحث عن أحوال العراق المتردية وعن حقيقة حكامها الذين يتحكمون برقاب أبناء الشعب العراقي ولم يلمس منهم سوى كرم الضيافة الحاتمية بأبهة في أضخم فنادق بغداد ومطاعمها وباراتها الشهية مقرونة بالألفاظ النفاق والإطناب، مما لابد منه القيام برد الجميل، والتفني بمأثر هذا الحكم (لما لمس منه من عزم على رفع مستوى هذا الجزء من المجتمع البشري مؤكداً ثقته بأن هذه المشاريع ستعمل على تحقيق كل ما فيه الخير والنجاح للعراق بفضل الجهود التي تبذلها حكومة الثورة) على حد زعمه.
هكذا قام كل من مندوب حكومة العراق ومبعوث برنامج الطعام الدولي بتمثيل دور كوميدي غارق في الهُزءِ والسخريةِ، عشية تصديق هذه الإتفاقية الطريفة، الأول يعكس بطولة النفاق والتهريج التي تتسمْ بها حكومتهُ والثاني الغباء والجهل التام بأوضاع العراق وكُنه وحكامهِ، والمصير الأسود الذي يتربص لهذه المبالغ التي تودعها بمزيد الأسف إحدى المنظمات الدولية بدافع الإنسانية. للاستحواذ على الأموال بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة إلى أن أنتهي بها المطاف أخيراً إلى مغافلة إحدى المنظمات الدولية مع الأسف الشديد للعثور على ضالتها المنشودة لديها بهذه الوسيلة المخجلة.
ومن المضحك والمؤسف حقاً إن الشعب الكردي المسكين صاحب المصلحة التي أقيمت هذه الحفلة بإسمه وأنعقدت هذه الإتفاقية على حسابه وهو يسمع لأول مرة في تأريخ حياته المريرة أستدرار عطف إحدى الهيئات الدولية بتخصيص مواد غذائية له ولكن بشكل في غاية الدهشة والإستهزاء، ذلك لالِتقدم تلك المواد إليه مباشرة لإسعاف وتضميد جزء من جروحه الدامية، وتخفيف شيء من مصائبه، بل لتقدم إليه عن طريق جزاريه من حكام العراق، الذين جعلوا كل همهّم ومنذ ثماني سنوات متتالية حتى يومنا هذا على إبادة جنسه وحرق قراه وتدمير ممتلكاته بكل ما يملكون من وسائل البطش والدمار.
نقول والأسى يحزُّ في أفئدتنا تقدمْ هذه المواد من قبل منظمة دولية إلى هؤلاء لا لتنفق في سبيل إعمار جزء بسيط من ألوف قرى كادحي الشعب الكردي المحروقة والمدمرة بقنابل الحريق والنابالم وصحائف التيزاب والمواد الكيماوية شديدة الإحتراق والإنفجار المحروقة دولياً، ولا من أجل دفع أجور شغيلة الأكراد المعرضين مع أطفالهم ونسائهم ومواشيهم إلى الإبادة الجماعية، ولا في سبيل مد الطرق ومشاريع الري المختلفة، ولا لتغذية الشعب الكردي المضروب حوله طوق حصار التجويع الإقتصادي، كما يطيب لحُكام العراق أيهام وخدع البسطاء أمثال السيد عديل بذلك مع الأسف الشديد.
بل لتتحول تلك المواد كما هو معلوم ومعروف لدى الجميع / إلى غنيمة باردة تتدفق في الجيوب، ويصرف الباقي على تعميق ومضاعفة مأساة الشعب الكردي عن طريق شراء الذمم وتجنيد المرتزقة وإثراء الرؤوس الخيانية على حساب بؤس الجماهير وشراء وسائل الدمار الإضافية الأخرى لقهر مقاومة الشعب الكردي من أجل الدفاع عن حريته وحقوقه القومية المهضومة وحقوق الشعب العراقي بأسره، التي عجزت وتعجز مئات الملايين من الدنانير التي صرفت وتصرف للظفر به دون جدوى .
وأخيراً يطيب هؤلاء الحكام أستغلال عطف بعض الجمعيات الخيرية والجهات الإنسانية في العالم على الشعب الكردي وهو يجتاز محنته القاسية على أيديهم .
فيلجؤون إلى تلك الجهات مرتدين موج النفاق، يُذرفون أمامها دموع التماسيح معربين عن أستعدادهم المبني على النوازع الإنسانية لتأمين إيصال ما يتكرمون من مواد غذائية وطبية إلى ضحيتهم الشعب الكردي، فيعبثون بها وفق مشيئتهم كما بيناه آنفاً.
ولعل مصير المعونات الغذائية العينية التي قدمتها مؤسسة كيرا الخيرية الأمريكية عام 964/ وكذا المواد الغذائية والطبية التي قدمها قسم من الجمعيات الخيرية في العالم والصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر السوفيتي وغيرها من الجهات الإنسانية الأخرى لضحايا الحرب في كوردستان والتي غدت كلها نهباً مقسماً فيما بينهم وبين خونة ومرتزقة الشعب الكردي – نقول أن مصير تلك المعونات المقدمة سابقاً خير شاهد على فضح هذا الدور الإجرامي المشين الذي يقوم به حكام العراق في الوقت الحاضر.
ختاماً نتطلع إلى هيئة الأمم المتحدة / وكل منظماتها الدولية التي تقاعست حتى الأن عن أبسط واجباتها الإنسانية / أزاء المجازر القائمة / وسياسة الأرض المحروقة بحق الشعب الكردي ومنذ ثماني سنوات خلت حتى يومنا هذا / والتي أستخدمت وتستخدم منها حالياً كل وسائل إبادة الجنس البشري المروعة المحرومة دولياً دون أن تنبث ببنت شفة حول إيقاف هذه الجرائم المنكرة على الأقل والقيام بالإضافة إلى ذلك بعقد مثل هذه الإتفاقية المشينة مع أولئك الحكام لمضاعفة بؤس وشقاء الشعب الكردي.
فعليه نستجب بشدة هذه الإتفاقية اللإنسانية المعقودة ظلماً وزوراً وتضليلاً على حساب الشعب الكردي للمزيد من إضطهاده وفتح أبواب الخيانة والارتزاق والنهب والاثراء على مصراعيه.
ولا نشك في أن سفر الدكتور عبدالله الخضير الذي يزور المنطقة الشمالية في الوقت الحاضر يتعلق بفضيحة تحويل أتفاقيته العتيدة الى التطبيق الإجرامي كما بيناه آنفاً.
وأخيراً لايسعنا إلا أن نعرب عن بالغ أسفنا لما بلغت إليه هيئة دولية محترمة إلى هذا المستوى من الغفلة والذهول بدرجة تنطلي عليها هذه المكيدة، دون أن تكلف نفسها عن التحري عن حقيقتها، وعليها ان تتدارك غفلتها وهفوتها والمبادرة بفسخ هذه الأتفاقية التي تلوث الى سُمعتها وتجعلها من عِداد من بين أعداء الشعوب المضطهدة بدلا ان تكون نصيرة ومعينة لها وحامية للدفاع عنها وعن حقوقها وقيمها الانسانية كما هو مفروض عليها .
صالح اليوسفي
 ما أروعك أبي الحبيب حين تغضب وتنادي بالحق..! فديت التربة التي وارتك..

 المصادر والهوامش:
(1)الدكتور عبد الله خضير تسنم منصب وزير الوحدة بعد حركة 30 تموز/ يوليو 1968.
 (2)سروجاوه: يقع في أقليم كوردستان العراق في شمال غرب محافظة السليمانية، إلى الغرب من قضاء رانية بمسافة (15) كم بين ناحيتي (حاجي آوا) و(شكارتة)، وهى منطقة سياحية جميلة ويوجد فيه سد حيث يأتي مصدر المياه من ينبوع.




تم عمل هذا الموقع بواسطة