
الحلقة السابعة عشر: الجزء الأول
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
ثورة 14 تموز/ يوليو 1958
يذكر الأستاذ نوري شاوه يس: (( قبل ثورة 14 تموز المجيدة كنتُ مديراً للأشغال في الموصل وأربيل، كانت منظمتنا في زاخو في حاجة إلى الإشراف، فأنتدبتُ من قِبل قيادة الحزب للأتصال مع السيد صالح اليوسفي بغية تقوية التنظيم هناك والذي كان يشغل وظيفة باشكاتب محكمة في زاخو، ذهبت لأبحث عنهُ فلم أجد إلا شرطياً يدلني على داره، وكنت أحمل بيدي حقيبة مليئة بالمنشورات، ومن الطريف أن صالح اليوسفي شاهدنا من بعيد، فأعتقد أنني معتقل وإنهُ سيعتقل أيضاً.. لكنني أشرت إليه أن الأمر على مايرام.
وكشف الرفيق نوري شاوه يس عن سر من أسرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني فقال: (( كانت قيادة الحزب قد أعدت العدة للقيام بثورة مسلحة ضد النظام الملكي، وكان هناك 500 مسلح عل أهبة الأستعداد، وكان مقرراً أن تجتمع اللجنة المركزية للحزب في السادس عشر من تموز 1958 لإعلان قرار الأنتفاضة المسلحة والبدء بها، وقد عقد هذا الإجتماع فعلاً في 26 تموز، ولكن بدلاً من إعلان الإنتفاضة المسلحة، أتخذت اللجنة المركزية قراراً بتأيد ثورة الرابع عشر من تموز(1))).
كلنا نعرف إن الأنظمة التي حكمت العراق منذ العهد الملكي ومروراً بالعهود الجمهورية، كانت لها سلبياتها وإيجابياتها وبدرجات متفاوتة، ولكن في الحقيقة هناك بعض السلبيات التي ممكن أن تندرج ضمن مُسميات (الجرائم الكبرى) والتي أطاحت ببعض من الوزارات أو الأنظمة في تلك العهود، ولا نستطيع أن نستثني أي من تلك الأنظمة من تلك السلبيات التي كانت تمارسها ضد شعبها، تلك السلبيات التي قظمت ظهر الأنظمة التي حكمت العراق واحدة تلوا الأخرى دون أن تأخذ أية منهما العِبر والموعظة من تجارب الأنظمة التي سبقتها..! وكأن لعنة أصابت الشعب العراقي منذ عقود..!
يجمع المؤرخون على أن العوامل المباشرة لإنقلاب 14 تموز/ يوليو 1958 ضد العهد الملكي، كانت أيضاً لها عدة أسباب من السلبيات التي مارستها النظام الملكي على الشعب العراقي دون أن تأخذ العِبر من بعض التجارب التي مرت عليها كما حدثت أثناء الأنتفاضات والوثبات وحتى الثورات كثورة (رشيد عالي الكيلاني عام 1941) والتي أنقذت حينها الحكومة الملكية بأعجوبة من خلال التدخل البريطاني المباشر لصد ومقاومة ودحر الثورة، وبذلك فقط أستطاع النظام الملكي من العودة على دفة الحكم مرة ثانية.. فيا للعجب إنها لم تستفيد من خلال هذه التجارب..!
ورغم أنني لا أؤيد الطريقة الوحشية التي آل إليها مصير العائلة المالكة صبيحة يوم 14 تموز/ يوليو 1958..! ولكني سوف أذكر بعض الأسباب التي مارسها العهد الملكي والذي حمل من خلالها أغلبية الشعب العراقي مشاعر من العداء أتجاههم..! ومن خلال هذه الأسباب لست بصدد الأنتقاص من الحكومة الملكية والتي في الحقيقة كانت لها العديد من السلبيات ويكفي أن نركز على النقطتين الأساسيتين، وهما إنها وضعت العراق بالكامل تحت سيطرة الشركات النفطية الأستعمارية البريطانية، كما وإنها نشرت الطائفية وهدرت دماء أبناء الشعب بعدم الروية وبقرارات مستعجلة من حكم الإعدامات للضباط العرب والكورد دون معالجة الأمور بحكمة، ودون أن تستوعب بأن مشاعر العداء أتجاه سياساتهم سوف تغلي وتنفجر يوماً..! وكل ذلك أدى إلى أن تقوم ثورة 14 تموز، وأن تصدر قرارها الشهير رقم 80 الذي وضع أراضي العراق النفطية كلها تحت سلطة الحكومة العراقية..
قبل البدء بمرحلة ما بعد ثورة 14 تموز / يوليو 1958 لا بد من التطرق بشكل مختصر إلى النظام الملكي في العراق وإلى بعض من الأسباب التي أدت إلى سقوطه..؟
- مذبحة سُميل.. وإخماد الأنتفاضة الآشورية بوحشية عام 1933، بعد مطالبتهم من الحكومة العراقية وعصبة الأمم بوثيقة الأعتراف بالآشوريين كملة وطائفة ضمن طوائف العراق، ومنحهم صلاحية تعيين عضو يمثلهم في برلمان المملكة العراقية، وسرعان ما رفضت مطالبهم، وشاركت بريطانيا الحكومة العراقية في إبادة الآشوريين وقصفوا مدنهم بالمدفعية والطائرات وشاركتهم فرنسا، وأسوء المجازر أرتكبت في منطقة سميل وكانت الضحايا أكثر من 5000 ضحية من الآشوريين، وأعتقل (مار شمعون إيشاي) الزعيم الروحي والدنيوي للطائفة الآشورية ثم نفي، وقامت مدينة الموصل بالأحتفال بالقوات التي أبادة الآشورين وحضر ولي العهد (غازي) شخصياً وقام بتكريم أنواط الشجاعة للجيش المتورط بمذابح الأبرياء من الشعب الآشوري(2)، وقد سجل المناضل الآشوري (مالك ياقو) بطولات في المقاومة من خلال المعارك التي دارت بين القوات الآشوريين والقوات العراقية بقيادة (بكر صدقي)، الذي دحر الأنتفاضة بوحشية وتعتبر مذبحة سميل من الجرائم الدولية الكبرى.
- إخماد حركات العشائر العربية في الفرات الأوسط، وأحتدام إحداث العنف في المدن العراقية وخاصة في البصرة والديوانية وسوق الشيخ والموصل والسماوه في أيار عام 1931 بسبب إجراءات وزارة (نوري السعيد) في إقرار قانون رسوم البلديات، وقد عمت البلاد نتيجة ذلك، إضرابات عامة وأغلقت المحلات التجارية فأصبح الشعب على يقين بأن الملك (فيصل الأول) أصبح يكيل الشعب بمكيالين وبأنه يمارس التفرقة وسياسة عنصرية(3).
- إنقلاب بكر صدقي.. في الثلاثينات ظهر أتجاهان سياسيان داخل الجيش العراقي، أحدهما يدعو إلى أن يكون العراق للعراقيين ذات إتجاه يساري، وثانيهما يدعو إلى الوحدة العربية ويؤكد الهوية العربية للعراق، وقد تكتل الضباط المؤيدين للإتجاه اليساري حول الفريق الركن (بكر صدقي) وتكتل الضباط المؤيدين للاتجاه القومي حول العقداء الأربعة صلاح الدين الصباغ ورفاقه، كان لبكر صدقي طموحات سياسية فبدأ يخطط للقيام بأنقلاب عسكري مع أنصاره، وفي نهايات 1936 زحفت وحدات عسكرية من قره غان وبلدروز نحو العاصمة بغداد بقيادة الفريق (بكر صدقي)، وألقت طائرات القوة الجوية منشورات بأسم الفريق (بكر صدقي(4)) ببيان تطالب الدعوة فيها بإقالة وزارة ياسين الهاشمي، فأخذت القوى القومية تشعر بالخوف من أن يبُعد العراق عن محيطه العربي، وحين حلت وزارة حكمت سليمان وشرعت بإجراء أنتخابات، حصل أنصار (بكر صدقي) على 30 مقعداً بينما حصل الإصلاحيون على 12 مقعداً فقط من مقاعد البرلمان البالغة 108، فدب الخلاف بين الاصلاحيين وجماعة (بكر صدقي)، وتحركت الكتلة القومية في الجيش لإغتيال بكر صدقي قي 11 آب/ أغسطس 1937 في الموصل، وسقطت حكومة الإنقلاب وبدأت الكفة ترجح لصالح الضباط القوميين الذي قادوا في أيار/ مايس 1941 إنقلابا جديداً(5).
- ثورة رشيد عالي الكيلاني.. حين دخلت الحكومة العراقية لجانب بريطانيا في الحرب العالمية الثانية عام 1939، حدا برجال عراقيين أمثال رشيد عالي الكيلاني ويونس السبعاوي والعقداء الأربعة: فهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب وصلاح الدين الصباغ إلى تفجير ثورة نيسان/ أبريل1941 فأسقطوا حكومة الوصي عبد الإله ونوري سعيد، ففرَّ الأثنين من العراق، وبمساعدة من بريطانيا من أجل مصالحها نشب حرب نيسان/ أبريل 1941، وأقضت على هذه الثورة، وأنتهت بعودة الوصي ونوري سعيد وإعدام الثوار الأربعة وفرار رشيد عالي الكيلاني(6).
- التنديد بمعاهدة (بورت سموث) أطلقت القوات الملكية الرصاص على المتظاهرين، وسقطوا العشرات منهم على جسر الشهداء عام 1948، وكان سبب هذه المظاهرات هي تلك المعاهدة التي أبرمتها الحكومة العراقية مع بريطانيا في 15 كانون الثاني/ يناير 1948، وهدف بريطانيا من هذه المعاهدة لتضمن لها الكثير من الأمتيازات في العراق والشرق الأوسط، فقامت مظاهرات أستنكار في عموم العراق سميت بوثبة كانون، مما أضطر الوصي الأمير عبد الإله إلغاء المعاهدة(7).
- مظاهرات على هزيمة الحكومات العربية في حرب فلسطين أبان حرب 1948.
- محاولة العقيد رفعت الحاج سري عام 1950.
- محاولة عبد الغني الراوي سنة 1955م، ولكن قادة التنظيم رفضوها.
- جملة من العوامل الداخلية أخرى كتردي الأحوال المعيشية والأجتماعية وتفشي الفقر، فقد مرَّ الحكم الملكي بجملة من الإخفاقات أدى تراكمها إلى ظهوره بمظهر الحكم العاجز عن تلبية تطلعات الجماهير وتحقيق أهدافها وأن الحكم الملكي ظهر بمظهر النظام المرتبط بمصالح البريطانيين ضد مصالح الشعب.
- المظاهرات التي أجتاحت عموم العراق عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
- تواطئ الحكومات الملكية العراقية مع الشركات الأحتكارية النفطية المستثمرة لنفط العراق.
- إنحصار ممارسة الديمقراطيه في مجموعة صغيره من السياسيين لم تستطع تطوير نفسها.
- تدخل العسكريين في شؤون الحكم.
- منع الحريات الحزبية، وسمح لحزبين فقط العمل في العراق، حزب (الوطني الديمقراطي - هو أحد أعرق الأحزاب السياسية العراقية تأسس عام 1946 برأسة كامل الجادرجي، وكان تيار وسط بين اليمين واليسار) وحزب (الإستقلال – تأسس عام 1942 ومن أبرز شخصياتها محمد مهدي كبة ومحمد صديق شنشل)، عدم مقدرة الحزبين على الإنتشار في المجتمع العراقي، وعدم إتفاق الحزبين فيما بينهما للتباين في توجيهاتهما(8).
- حلف بغداد الذي حصل عام 1958 مابين الحكومة العراقية وبريطانيا، والذي أدى بدوره إلى قيامة القوميين واليساريين على حد سواء، ولم تكن الملكية حكيمة بما فيه الكفايه لمعالجة الموضوع بتوازن.
وكان للشعب الكوردي أيضاً بعض من المواقف مواقف سلبية من العهد الملكي منها:
- سيرت الحكومة المركزية في بغداد حشداً عسكرياً للقضاء على حكم الشيخ محمود البرزنجي، وتمكن من أحتلال السليمانية في تموز/يوليو 1924 فلجأ البرزنجي إلى الجبال، وأستمر في عمله المسلح ضد الحكومة إلى عام 1926 ثم عقد أتفاقا معها يقضي بأن يغادر إلى إيران وأن يمتنع عن التدخل في الشؤون السياسية مقابل رد أملاكه إليه، بقي البرزنجي أربعة أعوام في إيران، وحين نظمت الحكومة العراقية أنتخابات في المناطق الكردية رفضها الكرد فوقعت أشتباكات مسلحة بين المتظاهرين والقوات العراقية قتل على إثرها أكثر من 45 كردياً وجرح حوالي 200، فعاد البرزنجي وقيادته للعمل المسلح من جديد وأعلن عن مجموعة من المطالب منها ترك الحكومة جميع مناطق كردستان ما بين خانقيين وزاخو، وتولي حكومة كردية تكون تابعة للإنتداب البريطاني، لم تعجب هذه المطالب الحكومة العراقية فوجهت حملة عسكرية للقضاء على الثورة الكردية وأستمر حتى آذار/ مارس 1931، أنتصرت القوات العراقية وأنتهت ثورة البرزنجي، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في المناطق الجنوبية من العراق، وظل مقيماً بها حتى نشوب ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، فعاد الشيخ البرزنجي إلى السليمانية هارباً من قيود النفي وهدد مرة أخرى برفع السلاح ما لم يسمح له بالعيش في مدينته إلى أن أستقر فيها بالفعل حتى توفي عام 1956 إثر مرض ألم به(9).
- إخماد ثورة الشيخ أحمد البارزاني 1931 – 1932 العراق من قِبل القوات البريطانية أيام الحكم الملكي، محاربة أي نشاط سياسي للقومية الكوردية داخل العراق، كما أشرتُ في بداية الحلقات منها محاربة وإخماد ثورات بارزان في منتصف الأربعينيات بالمدفعية الثقيلة وقصف الطائرات.
- عملت السياسة البريطانية في العراق على تعميق الخلافات والإنشقاقات داخل حزب هيوا، مــن خلال إدخال العناصر الموالية لسياسة بريطانيا وتشجيعهم على تشكيل تكتلات داخل الحزب وفرض آرائهم، خاصة بعدما شاهدت بريطانيا تزايد سمعة حزب هيوا وأتساع رقعة نشاطه خاصة بين الطلبة والطبقة المثقفة، وتقدم الحزب بخطوات سريعة وأخذت تطالب بحق تقرير المصير للشعب الكوردي، وكانت تساند الثورات الكوردية ومنها ثورة بارزان، فبدأت مخاوف بريطانيا أنه من الممكن أن يهدد هذا النشاط مصالح بريطانيا في العراق عاجلا أو آجلا(10).
- مجزرة كاورباغي.. في الأول من تموز 1946 نفذ شغيلة العراق بدمائهم الزكية ملحمة بطولية في منطقة (كاورباغي) بكركوك من أجل تحقيق أهدافها في سبيل الحرية والديمقراطية، إن إضراب عمال النفط في كركوك العاملين في شركة نفط العراق المحدودة (آي.بي.سي.) أمتاز بالمظاهرات والإعتصامات اليومية التي يعقدها العمال كل يوم في ساحة بستان كاورباغي، وأشتهرت هذه المنطقة بسبب هذا الإضراب والمجزرة التي أرتكبت فيها في 12 تموز 1946 وشارك في هذا الاضراب جميع العمال وجماهير كركوك كما ألقيت الخطابات والكلمات بمختلف لغات القوميات، على أثره وجهت الشرطة دون سابق إنذار على المتظاهرين نيران أسلحتها وأرتكبت أبشع مجزرة هزت ضمير الشعب العراقي والعالم حيث فسقط 16 شهيداً وعشرات الجرحى ودام الاضراب 13 يوماً، وكان الشهداء والجرحى من مختلف القوميات والأديان حيث أختلط الدم العربي والكردي والتركماني والآشوري(11).
- إعدام كوكبة من الضباط الكورد الأربعة (مصطفى خوشناو – عزت عبد العزيز – خير الله عبد الكريم – محمد محمود قدسي، أعتقلوا وقدموا إلى محكمة عسكرية أقرت حكم الإعدام الصادر بحقهم غيابياً منذ أواخر عام 1945، وجرى تنفيذ الحكم صبيحة 19 حزيران/ يوليو 1947 على الرغم من المظاهرات الصاخبة في مناطق كردية مختلفة للمطالبة بعدم تنفيذ حكم الإعدام(12).
- منع الكورد من القيام بأي نشاط حزبي أو سياسي.
في حديث للمناضل الأستاذ علي عبد الله: (( لقد شارك حزبنا مشاركة فعلية في جميع النضالات البطولية التي خاضتها الجماهير العراقية في سبيل خبزها وتحررها الوطني وحرياتها الديمقراطية، ومن أجل حكم وطني ديمقراطي معاد للأستعمار، فساهم بصورة فعالة في لجنة التعاون الوطني في كانون عام 1948 وشهدت معارك الجسر أروع الصور النضالية المشتركة بين جماهير حزبنا المتآلفة مع القوى الوطنية التقدمية وبين أجهزة القمع الملكية، وساهم حزبنا في أنتفاضة تشرين عام 1952، وفي عام 1954 ناضل حزبنا من أجل إقامة حكم برلماني، ودخلنا معارك الأنتخابات ضد الإرادة السعيدية، وفي عام 1956 ساهم حزبنا مع القوى الوطنية الأخرى في النضال لتأيد شعب مصر في كفاحها العادل ضد الأستعما وأستنكار المعاهدات والأتفاقات الأستعمارية، وفي عام 1957 ساندنا جبهة الأتحاد الوطني التي كانت إيذاناً بتفجير أعظم ثورة شهدها التاريخ الحديث، تلك هي ثورة 14 تموز التي وضع حزبنا جميع إمكاناته تحت تصرفها، وساهمنا مع القوى الوطنية في الدفاع عن جمهوريتنا الفتية، جمهورية العرب والأكراد ولدرء الأخطارعنها وهكذا فأن تاريخ حزبنا النضالي يؤكد يؤكد عن إسهامه مع القوى الوطنية التقدمية في جميع الأنتفاضات والوثبات التحررية(13).
في مقالة للمناضل الأستاذ صالح اليوسفي(14): إن أهداف تموز كانت واضحة محددة في بيان الثورة الأول وهي منبثقة من صميم مصالح الشعب العراقي بكل أتجاهاته الوطنية والقومية والديمقراطية، وبسبب من هذا الوضوح فقد أنطلقت القوى التقدمية للقومية الكردية إلى التجاوب مع قيادة الثورة، لذلك بوسعنا القول أن ثورة تموز وطدت حسن النية والتألف والوحدة الوطنية وعززت من التعاون المثمر بين العرب والأكراد، لقد كانت ثورة تموز في حقيقتها ودوافعها وأهدافها ثورة العراق كله لذلك لم يغفل البيان الأول للثورة أي مطلب شعبي وقومي للعرب وللأكراد إلا ثبته ووضحه فكانت المادة الثالثة من الدستور المؤقت الذي شرعته حكومة الثورة الركيزة المكينة للأخوة العربية الكردية حيث أعترفت بالحقوق القومية للشعب الكردي وأقرت شراكتهم في هذا الكيان، ولم يقتصر مكاسب الثورة بالنسبة للأكراد على مبدأ الشراكة في الوطن فحسب بل إنها عمدت إلى إعادة المغتربين من الأكراد والبارزانيين منهم بصورة خاصة وعلى رأسهم السيد مصطفى البارزاني وأطلقت للأكراد حرية التنظيم السياسي والمهني وعمدت إلى تأليف مديرية الدراسة الكردية وعقد مؤتمر للمعلمين الأكراد، فكان مناخ تموز بحق مناخ الديموقراطية المتفتحة البعيدة عن الشوفينية والحقد والتحيز والأفكار السقيمة المعادية للشعب.
أما على صعيد العراق كله فقد أستطاعت ثورة تموز أن تعيد للوطن حريته وللمواطن كرامته فحطمت حلف بغداد وكسرت الطوق الأستعماري الذي كان يكبل حركة التحرر الوطني في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره وحررت النقد من التبعية للاسترليني وفجرت ثورة الإصلاح الزراعي التي هي بحق عماد الثورة الأجتماعية الكبرى الذي ظل شعبنا يناضل من أجل تحقيقها، وآخر ثورة كبرى أستطاعت الثورة من إنجازها وتفجيرها هي الثورة النفطية التي كان فتيلها قانون رقم 80 لسنة 1961، وشركة النفط الوطنية وفأنتزعت الأراضي العراقية غير المستثمرة من قبضة الشركات الأحتكارية وخلقت للقطاع العام مجالاً رحبا للاستثمار النفطي في البلاد، وقد سعت الثورة منذ أيامها الأولى إلى تنمية الأقتصاد الوطني والتفتح على كل الدول لتصنيع البلاد وبناء أقتصاد وطني متطور فعقدت المعاهدات الفنية والثقافية والتجارية مع دول غلقت أسواقها بوجه العراق فوضعت الخطة الخمسية للتنمية الأقتصادية وأستوردت المعامل وأقيمت المشاريع الصناعية وشقت الترع والأنهر وأقيمت المدن السكنية ووزعت الأراضي الزراعية على الفلاحين والسكنية على الكسبة والمهنيين وما إليها من منجزات لا حصر لها ولا حد، إن الفضل الأول والأكبر لمنجزات الثورة ولتفجيرها ونجاحها يعود بالدرجة الأولى إلى الشعب العراقي ووحدته الوطنية التي تجسدت في الجبهة الوطنية التي أخذت على عاتقها تجسيد المطاليب الشعبية بتضامنه المتين مع جيشه المقدام الذي بادر في تفجيرها، ولهذا فإن ثقتنا بأستمرارية الثورة كامنة بثقتنا بهذا الشعب العملاق فالشعب لا يموت ولا يقهر ولا يكل عن مواصلة النضال.
وهنا أود أن وضح رأي والدي الذي كنت سمعتهُ لاحقاً نقلاً عنهُ وعن والدتي، بأن والدي كان مع ثورة 14 تموز ولكنه كان ضد الطريقة الوحشية الذي آل إليه مصير العائلة المالكة في تلك المذبحة وكان يفضل أن تعامل العائلة المالكة حينها كما تعاملت مصر مع ملكها في إنقلاب 1952 وذلك بأن تعزلهم وترحلهم خارج العراق، وقد تناقش والدي في هذا الأمر من أبن خاله (العقيد طه بامرني – وكيل آمر الحرس الملكي) الذي كان في ليلة الثورة يتولى مسؤولية قيادة الحرس الملكي، وقد صرح العقيد طه بامرني بأنه عندما بدأت بعض من الوحدات العسكرية المشاركة في الثورة بالإقتراب والمباشرة في إطلاق النار على مبنى ومحيط قصر الرحاب وهو مقر إقامة الوصي والذي كانت العائلة المالكة متواجدة فيه في تلك الليلة أستعداداً لسفرهم صبيحة 14 تموز إلى تركيا ومن ثم إلى لندن، عندها هرع العقيد بامرني إلى الأمير عبد الإله طالباً منه الأذن بالرد على هذه القطعات وسحقها إلا أن الأمير عبد الإله طلب منهُ عدم الرد عسكرياً وأخبرهُ بأنه مع بقية أفراد العائلة المالكة سوف يقومون بتسليم أنفسهم إلى قادة وحدات الجيش المهاجمة.. وستأتي التفاصيل في الحلقة القادمة.. (يتبع)
المصادر والهوامش:
(1)نوري شاويس - من دفتر مناضل حزبي يروي ذكرياته عن تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني – التآخي العدد 1412 )
(2 - 3)(الملك فيصل الأول أول مَن كرس الطائفية في العراق ونفذ الإبادة الجماعية بحق الآشوريين عام 1933- فؤاد الكنجي – الحوار المتمدن).
(4) نص المنشور (إيها الشعب العراقي الكريم: لقد نفذ صبر الجيش المؤلف من ابنائكم، من الحالة التي تعانونها، من جراء اهتمام الحكومة الحاضرة لصالحها، وغاياتها الشخصية، دون ان تكترث لصالحكم ورفاهكم. نطلب إلى صاحب الجلاله الملك المعظم اقالة الوزارة القائمة ، وتأليف وزارة من ابناء الشعب المخلصين. قائد القوة الوطنية الاصلاحية الفريق بكر صدقي العسكري)
(5)إنقلاب بكر صدقي 29 تشرين الثاني 1936 أول إنقلاب في الشرق الأوسط والعالم العربي - د. أبراهيم خليل العلاف.
(6) ثورة نيسان / مايس 1941 – ومضة وعبرة – موقع كتابات).
(7)جسر الشهداء – موسوعة ويكيبيديا.
(8) الأحزاب السياسية العراقية في العهد الملكي – مجلة كاردينيا.
(9) حركة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي - جزيرة نت.
(10) الجمعيات واالحزاب الكردية في العراق 1921-1947 دراسة تاريخية سياسية م.م. كافي سلمان مراد الجادري ص 46 – 47 .
(11) في ذكرى مجزرة كاورباغي الأليمة عام 1946 – كريم حنا وردوني.
(12) إعدام كوكبة من الضباط الكورد الأربعة (مصطفى خوشناو – عزت عبد العزيز – خير الله عبد الكريم – محمد محمود قدسي.
(13) حديث المناضل علي عبد الله عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني إلى التآخي - التآخي العدد 1412 - ص الأولى).
(14) مقالة للأستاذ صالح ا