1 قراءة دقيقة
الحلقة الرابعة والعشرون (الجزء الثاني) بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي

زوزان صالح اليوسفي

الحلقة الرابعة والعشرون (الجزء الثاني)
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي

بعد إنقلاب 8 شباط / فبرار 1963 تغير الوضع في العراق مما أدى إلى تجميد العمليات العسكرية في كردستان العراق.. ففي البداية وضع الإنقلابيين نصب عينهم تصحيح الأوضاع ومعالجة جميع المشاكل الرئيسة التي تواجه البلاد، وفي مقدمة هذه المشاكل القضية الكردية وحلها حلاً سلمياً يؤمن حقوق الأكراد دون المساس بكيان الجمهورية ووحدة أراضيها، وبادرت في البداية وبعد لقاء الإنقلابيين بصالح اليوسفي من خلال الجلسة التي أشرت إليها في الحلقة الماضية، أصدر بيان من رئيس الجمهورية عبد السلام عارف والزعيم الملا مصطفى البارزاني يعلنان فيه وقف إطلاق النار وفي ما يلي نص البيانين، وهذا نصهما:

بسم الله الرحمن الرحيم
بناء على مقتضيات المصلحة العامة ولإستجابة أخواننا الأكراد لما جاء في نداء الملا مصطفى البارزاني ورغبة منا في إعادة الحياة الطبيعية إلى الجزء الشمالي من وطننا الحبيب ووضع حد لمحاولة الإستعمار وأذنابه وقطع دابر المستغلين والمتصيدين وحقناً للدماء البريئة وبناء على ما تمليه مصلحة الوطن العليا قررنا ما يلي:
أولاً: إقرار الحقوق القومية لإخواننا الأكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية واحدة متآخية وتثبيت ذلك في الدستور.
ثانياً: إطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين والمحكومين بسبب حوادث الشمال وإصدار العفو العام ورفع الحجز عن الأموال المنقولة وغير المنقولة عن الأشخاص الذين سبق أن حجزت أموالهم.
ثالثاً: إعادة الإدارات المحلية إلى المناطق الشمالية.
رابعاً: إعادة الموظفين والمستخدمين.
خامساً: رفع القيود المفروضة على تسويق المواد المعاشية على أختلافها.
سادساً: الشروع بإعادة تعمير المنطقة الشمالية فوراً وتشكيل اللجان المختلفة لتذليل الصعوبات التي تعترضها حول التنفيذ بالأعمال الروتينية مع ملاحظة تعويض المتضررين.
سابعاً: تعويض أصحاب الأراضي الذين غمرت أراضيهم من جراء سديّ دوكان ودربندخان تعويضاً عادلاً
ثامناً: تتخذ التدابير بما يضمن الأمن والأستقرار للمنطقة الشمالية وإننا نهيب بإخواننا الأكراد العودة إلى الحياة الطبيعية لينعموا ببركات هذا البلد وتوحيد الصف الوطني تجاه مؤامرات الاستعمار وأذنابه وليعلم أخواننا الأكراد بأننا سنعمل على ما يضمن حقوقهم المشروعة شأن بقية المواطنين في الجمهورية العراقية والله وراء القصد.
تاسعاً: على كافة الوزارات ذات العلاقة إصدار المراسيم والأوامر والتعليمات المقتضية لتنفذ ما جاء في هذا البيان.
عبد السلام محمد عارف(1)
رئيس الجمهورية - 10/2/1964

بيان الملا مصطفى البارزاني:
بسم الله الرحمن الرحيم
تلبية لرغبة وبيان رئيس الجمهورية المشير الركن عبد السلام محمد عارف بالمحافظة على وحدة الصف الوطني وحقن الدماء البريئة وإنهاء أقتتال الأخوة ولثبوت حسن النية عند السلطة الحاكمة قررنا المبادرة إلى إيقاف إطلاق النار والطلب إلى أخواني العودة إلى محلات سكناهم والإنصراف إلى أعمالهم الحرة الكريمة وبهذا ينفسح المجال للسلطة الوطنية للمبادرة إلى إتخاذ الخطوات الكفيلة بإعادة الحياة الطبيعية والأستقرار إلى المنطقة وتتهيأ لإقرار الحقوق القومية للمواطنين الأكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية واحدة وإرساء الأخوة العربية الكردية على أمتن القواعد بما يصونها من الوهن ويحصنها من دسائس المستعمرين والمتصيدين والطامعين وليعلم الجميع إن سيادة القانون وتأمين الأمن والنظام في المنطقة كفيل بحل كل معضلة مهما كانت مستعصية فليسدد الله خطى المخلصين ويكلل جهودهم بالنجاح فيما يريده الشعب والوطن من وحدة وسؤدد وإزدهار والله وراء القصد.
البارزاني مصطفى..(2)
يقول الأستاذ شكيب عقراوي: قرر المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني وبموافقة الزعيم البارزاني بأن من مصلحة الثورة الكردية تستجب وقف القتال وعدم محاربة النظام الجديد في بغداد ولعدة أسباب.. ومنها إن القيادة الكردية تلقت بعض الإشارات من سفارات بعض الدول الغربية في بغداد بأن من مصلحة الأكراد تتطلب التفاوض مع النظام الجديد في بغداد، كما أن الإتحاد السوفيتي أيد موقف الثورة الكردية في التفاوض مع حكومة البعث في بغداد...(3).
يقول الأستاذ جلال الطالباني: في ذلك الوقت كنت مع الملا مصطفى في منطقة بشدر، وبعد ثلاثة أيام من المعارك في بغداد ومقتل عبدالكريم قاسم، جاءنا صالح اليوسفي ومعه لقمان البارزاني الذي فرَّ من السجن في خضم تلك الأحداث يرافقهم كريم قرني، وأبلغوا الملا مصطفى بضرورة إرسال وفد من الحزب إلى بغداد للتفاوض مع البعثيين وطرح ما يريدونه منهم.. فسألنا كريم قرني الذي أرسل إلينا كممثل للحكومة الجديدة: ما الذي يمكن أن تعطينا هذه الحكومة..؟ أجاب: قبل مجيئي إلى هنا قابلت طاهر يحيى، وكان يحيى رئيسا لأركان الجيش وعضو بمجلس قيادة الثورة، قال لي: نحن ملتزمون بتعهداتنا وسننفذها، وهذا هو رأي صالح اليوسفي الذي أكد بدوره أنهم سوف ينفذون وعودهم(4).
كان الأستاذ جلال طالباني ذوو طموح كبير منذ بداية مراحل أنتمائه الحزبي والسياسي، وكان يتقن الخبرة للوصول إلى ما يصبوا إليه، وهذا شيء طبيعي عادتاً لنهج بعض السياسيين ممن لديهم طموح وخبرة للوصول إلى القمة، فنجح مام جلال التقرب من الزعيم البارزاني وفرض نفسه بكل قوة خلال هذه الفترة، وكسب ود الزعيم إلى درجة أن الزعيم كان يستشيرهُ في الكثير من القرارات والأمور، كما أختاره ليترأس المفاوضات من خلال مؤتمر كويسنجق في آذار/ مارس 1963..
يشير الأستاذ جلال: عقدنا إجتماعاً موسعاً في كويسنجق يوم 18 مارس وضم شخصيات عشائرية وأعضاء الحزب ومسؤولي البيشمركة، وأقترح الملا مصطفى في الإجتماع أن يتألف الوفد برئاستي، وهكذا أصبحت مشرفاً على الإجتماع.. وقرر المجتمعون تأليف وفد للتفاوض مع الحكومة وتدخل البارزاني مرة أخرى وقال: (أرى أن يترأس الوفد جلال) كما قرر المجتمعون إختيار 14 عضوا سبعة منهم كوفد أصيل، وسبعة آخرون كمستشارين، وضم الوفد كل من، أنا وصالح اليوسفي ومصطفى عزيز، ومن الشخصيات الكردية كلا من كاكة حسين خانقاه ومحمد سعيد خفاف ورشيد عارف ومسعود محمد وبابكر محمود حاجي آغا، ويدالله وحبيب محمد كريم وغيرهم(5)..

وهنا أود أن أتطرق إلى موقف نقلاً عن العقيد طه البامرني(6) عن مدى تأثير قرارات الأستاذ جلال الطالباني على الزعيم البارزاني يقول: (( بعد إنقلاب 8 شباط / فبراير1963 مباشرة ألتحقت بالقيادة، نظراً لموقعي ومنصبي الحساس من جهة، ومن جهة أخرى رغبتاً للإنضمام إلى صفوف الحزب والنضال وإيماناً مني أن أضع خبرتي تحت قيادة الثورة والحزب، وفي أحد الأيام طلب منا الزعيم البارزاني ونحن في منطقة (ماوه ت) بأن نبحث عن مكان حصين وأمين للقيادة يتوفر فيها الأمان التام من كهوف وينابيع المياه.. تمثلنا لأمر الزعيم بكل فخر وأعتزاز على هذه المهمة التي أنيطت بنا وقررنا البحث بكل رغبة وكنا مجموعة ما يقارب من حوالي ثمانية رجال كلنا شخصيات مقتدرة وبنفس العمر.. وبعد عدة أيام وبحث وجهد متواصل دون توقف عثرنا على منطقة أستراتيجية رائعة ومكملة لكل المواصفات المطلوبة من قبل الزعيم.. من كهوف وينابيع مياه عذبة وأودية أمينة وجبال شاهقة..! ففرحنا بأن جهدنا المضني وتعبنا كل هذه الأيام من البحث المتواصل لم يذهب سدى.. وأسرعنا بفخر لإخبار الزعيم بهذا الموقع الأستراتيجي..! وعندما وصلنا إليه وبشرناهُ بهذا الموقع.. أنصدمنا من رده..! فقد أخبرنا إن (جلال) رأى مكاناً وقررت على أن يكون المكان الذي أختارهُ جلال هو الموقع، وهنا قال العقيد طه بامرني: تأثرت من خلال هذا الموقف في الحقيقة فطالما كلف سيادته هذه المهمة لجلال وطالما فضل رأيه..! فلماذا كلفنا بهذا الجهد المضني ولعدة أيام أخذنا نبحث حباً وتقديراً لتحقيق رغبته وعثرنا على موقع أستراتيجي، فشعرتُ (والحديث للعقيد طه) إن فرض رأي شخص واحد على مجموعة، خاصة وإن خبرتنا تفوق عليه سناً وتجربتاً في الحقيقة كان من الصعب أن أتقبل ذلك، ومن يومها تركت الحزب والسياسية وعدت إلى بيتي..!
وقد صرح مام جلال مراراً حول علاقته بالزعيم مصطفى البارزاني قائلاً: (( كانت علاقتي جيدة جداً بالزعيم بارزاني، وكنت من أشد الموالين له، وكان يكن الكثير من المحبة لي، وهو الذي رشحني وبإقتراح منهُ لأترأس الوفد الكردي المفاوض مع الحكومة العراقية، وكنت غالباً ما أمزح معه ويتقبل هذا المزاح.. وهكذا أصبحت أنا بترشيح من العشائر ممثلاً عن الحزب والملا مصطفى للتفاوض مع القادة الجدد في بغداد، وهكذا ذهبت إلى بغداد ممثلا عن الحزب والملا مصطفى.. فأرسلنا بطائرة مروحية إلى كركوك ومن هناك إستقلنا سيارة وذهبنا إلى بغداد وكنا أنا وصالح اليوسفي وكريم قرني... عندما وصلنا إلى بغداد أنزلونا بفندق بغداد الذي كان أفخر فنادق بغداد في ذلك الوقت(7)..
نرى من خلال مذكرات الأستاذ جلال إنهُ يركز الأضواء على نفسه وآرائه وقرارته فقط..! وكأنه في كفة وبقية الشخصيات من ضمن الوفد المفاوض من 14 عضواً في كفة أخرى..! وليس لديهم أي أعتبار أو رأي أو تصريح..؟! فنلاحظ من خلال هذا الحوار كلمات وجمل مستفردة بشخصه فقط مثل فيذكر مام جلال:
في المساء جاء فؤاد عارف ومعه طاهر يحيى للترحيب بنا.. وقال يحيى: يبدو أنكم جئتم لتنفيذ الوعود..؟
فأجبته: بنعم... قال: إذن سنتباحث حول ما إتفقنا عليه وهو الحكم الذاتي ولاشيء غير ذلك..
قلت: نعم هو الحكم الذاتي وتطبيقه.. فقال: هذه أمور سهلة إن شاء الله فأهلا وسهلا بكَ..
أستغليت الفرصة لإعاتبه وقلت: إن مجلس قيادة الثورة ليس فيه أي شخص كردي..؟
فأجاب طاهر يحيى: شلون ما بيها أكراد، لعد آني شنو، أنا كردي..
في الصباح الباكر أخذوني وأنا بملابسي الكردية إلى رئيس الجمهورية، وكانت تلك أول مرة ألتقي بعبد السلام عارف، رحب بنا ولأول مرة أسمع منه يتحدث عن كردستان ويقول: شعبنا في كردستان والأخوان أشلونهم..؟ (وما إلى ذلك من المجاملات.. إستغربت أن يتحدث عبدالسلام هكذا فقد كان مشهوراً بروحه القومية التعصبية الشوفينية)، وقال: الإتفاق الذي وقعناه سابقاً سنلتزم به ونطبقه..
ثم توجهت بعدها إلى أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش الذي كان وزيراً للدفاع وكانوا جالسين معاً فرحبوا بي بحرارة وقالا: نحن مازلنا على موقفنا وإن شاء الله سنجلس ونتفاوض وننجز العمل معاً..
وبعد المجاملات قالوا لنجلس، وقلت حسناً فلنبدأ.. لم أكن أحبذ أن أفاوضهم وحدي ولذلك طلبت مشاركة كل من بابا علي وفؤاد عارف اللذين إستوزرا حديثاً إلى جانب صالح اليوسفي(8)، (الحمد لله.. وأخيراً سمح لبعضهم المشاركة..!).
يضيف الأستاذ جلال من خلال بعض المقتطفات من المفاوضات: تحدثنا في الإجتماع عن وضع الشيوعيين، وكانت هذه المسألة أحد أسباب إنهيار المحادثات، وفي اليوم التالي حضر أيضا أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وقال البكر: نحن جديون وعلى إستعداد لتنفيذ وعودنا... وقال صالح مهدي عماش(9): من المهم جداً أن يمنح الكرد حقوقهم ولسنا ضد ذلك، بل نحن نأمل أن يأتي يوم يتوحد فيه كل الكرد ويؤسسون جمهورية كردستان المستقلة، وكان أكثرهم وداً الأستاذ حازم جواد(10)، وهو أحد الشخصيات المهمة في حزب البعث آنذاك وقال: أنا لن أناقش مسألة الحكم الذاتي، لأني بالأساس أؤيد تأسيس دولة كردستان الإشتراكية، وأنا مع تلبية مطالب أكبر من ذلك، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ومتى يمكننا العمل لتحقيق ذلك، ودار النقاش حول ما إذا كان الوقت ملائما لتنفيذ مطالبنا الآن أو تأجيله الى مابعد.... قالوا: نحن نخاف أن نحسم هذه الأمور من دون علم عبد الناصر، وعلينا أن نشاوره فيما نحن عازمون عليه، كان ذلك يوم 17 نيسان 1963 وهو ذكرى قيام الوحدة المصرية السورية وقالوا: لنذهب جميعاً إلى مصر وتعال أنت معنا أيضاً، وهناك سنحسم الأمر مع عبدالناصر ومن هناك نذهب إلى الجزائر ونناقش الأمر مع أحمد بن بيلا فإذا حصلنا على الدعم العربي عندها سنصدر البيان ونعلنه..(ما زال الحديث للأستاذ جلال) وفي الحقيقة لم يكن عندي لا تلفون أتصل به ولا سبيل لإرسال برقية لأخبر الملا مصطفى، وكان الوقت ضيقاً ولم أحبذ أن أذهب بدون علم البارزاني والمكتب السياسي ولكن مع ذلك فرحت جداً بالسفر..(11)، (هنا أرى من خلال هذا الموقف مَن يُحلل لنفسه إقتراحه وقراره الشخصي..! ويُحرم على غيره مثل هذا المواقف، فحين واجه والدي نفس الموقف في تأييده برفقة الأستاذ فؤاد عارف كما أشرت في الحلقة السابقة.. أقاموا الدنيا عليه..!).

فقرر مام جلال السفر مع الوفد العراقي إلى كل من مصر وجزائر دون إبلاغ وموافقة الزعيم البارزاني.. ومع ذلك لم يستلم أية إنتقاد أو لوم من قِبل الزعيم..! وأقتنع الزعيم بكل آراء الأستاذ جلال عن سفره بعد عودته ولقائه به..! رغم أنه لم تتقدم خطوة واحدة لا مصر ولا جزائر حينها لا في حل المشكلة ولا حينما إندلع الحرب مرة ثانية بعد شهرين من زيارة هذا الوفد..! ولم تحاول مصر أو جزائر حتى من إنقاذ تقريباً عشرة أعضاء من الوفد وقعوا بأيدي نظام الدكتاتور عبد السلام عارف ولاقوا أشد أنواع التعذيب..! حين لاذ رئيس الوفد الأستاذ جلال بالفرار حينها بعد أن أقنع الوفد العراقي بحجة مشاركته للسفر بصحبتهم ..؟!
ثم يضيف الأستاذ جلال أريد أن أٌقول: أن (دانا شميدت) في كتابه (رحلة إلى رجال شجعان) أشار إلى أنه كان هناك رأيان داخل الحركة الكردية، الأول جسدهُ جلال طالباني، والآخر الملا مصطفى البارزاني، ويقول دانا: كان البارزاني معارضاً لعقد مثل تلك العلاقة مع عبد الناصر وغضب كثيراً حينما سمع بأن جلال ذهب مع الوفد، وقال ما علاقتنا بعبد الناصر وأحمد بن بيلا..؟ فلماذا يذهب إليهم، أنا لم أرسله لذلك..؟ ويقول دانا: أنا كنت في المطار حين عاد جلال طالباني، ولما أبلغته بمعارضة البارزاني أصفر وجهه من الخوف..! يضيف مام جلال: عندما عدت إلى الملا مصطفى، لم تعلن الحكومة أي شيء، وكان المكتب السياسي قد أصدر توجيهات شكك فيها بنوايا الحكومة، وعلمت الحكومة بذلك، لذا سارعت بإيفاد طاهر يحيى إلى الملا مصطفى وجرى لقاء بينهما في (كاني ماران)، وكانت نتيجة المحادثات هي نفسها حين قالوا سنرجع نحن وسنبعث اليكم وفدا آخر.. وأرسل النظام وفداً شعبياً ضم وجهاء عراقيين وكرد يرافقهم زيد أحمد عثمان، وجاءوا إلى (رانية وجوار قرنة) وإلتقوا بالملا مصطفى، وجرى الحديث بينهم، قدم البارزاني خلال اللقاء بعض المطالب الجيدة، مثل الحكم الفدرالي والذي تم إعداده من قبل بعض الأشخاص المقربين منه مثلي أنا والعقيد كافي وعمر دبابة، وحين تقدم البارزاني بهذه المطالب إستغرب معظم أعضاء الوفد لأن ذلك كان أكثر من الحكم الذاتي، فالموضوع تشعب إلى الحديث عن الجيش والعمل بداخله، عاد هؤلاء وطلبوا منا إرسال وفد كردي إلى بغداد(12).

وهنا أتوقف كيف ولماذا تحول المطلب من قِبل القيادة الكوردية من الحكم الذاتي إلى الحكم الفيدرالي..؟! بينما يشير الأستاذ فؤاد عارف في كتاب مذكراته بأن الحكومة العراقية كانت تنادي باللامركزية وسيأتي الحديث عن ذلك في الحلقة القادمة.. (يتبع)

المصادر والهوامش:
(1- 2)مذكرات العقيد الركن هادي خماس - مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق..
(3)سنوات المحنة في كوردستان – شكيب عقراوي – ص 111
(4)كتاب مذكرات الأستاذ جلال الطالباني – صلاح رشيد
(5) مؤتمر كويسنجق: عقد مؤتمر كويسنجق في شهر آذار/ مارس 1963 أثر أحداث إنقلاب 8 شباط/ فبراير 1963، حضر المؤتمر حوالي ألفين من الكورد،و165 مندوباً من اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وقدموا من خلاله مطالب جديدة من الحكومة العراقية وشكلت لجنة لصياغة المقترحات، وأنتخب من خلالها لجنة للقيام بالمفاوضات مع الحكومة الجديدة برئاسة الأستاذ جلال الطالباني.
(6) العقيد طه مصطفى بامرني من مواليد 1917 من مدينة بامرنى، وهو أبن خال المناضل صالح اليوسفي، تخرج من الكلية العسكرية في بغداد، وتسنم منصب آمر الحرس الملكي في العهد الملكي، وبعد نجاح ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 تم أستحداث قوات تشكلت من مليشيات مدنية والذين كانوا أغلبهم من ذوي الميول الشيوعية وقد سميت بقوات المقاومة الشعبية وقام الزعيم قاسم بأختيار العقيد طه بامرني قائداً لقوات المقاومة الشعبية وذلك بعد أن تم إطلاق سراحه من الأعتقال بعد أن ثبت عدم تورطه بأي جريمة إتجاه الشعب العراقي عندما كان يشغل وكيل آمر الحرس الملكي حتى وقت الثورة.
(7)كتاب مذكرات الأستاذ جلال الطالباني – صلاح رشيد
(8)من كتاب مذكرات الأستاذ جلال الطالباني – صلاح رشيد
(9) صالح مهدي عماش: مؤرخ وشاعر، ووزير وسياسي عراقي، ولد في بغداد سنة 1924 من أسرة متواضعة، وبعد إكماله دراسته الثانوية ألتحق بالكلية العسكرية، ليتخرج منها ضابطاً عسكرياً، شارك في حرب فلسطين عام 1948 ثم أنظم إلى حركة ضباط الأحرار في الخمسينيات، شغل منصب وزير الدفاع بعد إنقلاب 8 شباط، ثم أقصي من منصبهِ بعد عدة أشهر ونفي إلى القاهرة، وشغل منصب وزير الداخلية عام 1968 وعين نائبًا لرئيس الوزراء إضافة إلى منصبهِ وزيراً للداخلية من 1968 – 1970 ثم عين نائباً لرئيس الجمهورية عام 1970، ثم أستبعد بمؤامرة وجرد من جميع مناصبهِ، وعين سفيراً في مركز وزارة الخارجية في عام 1971، وصار سفيراً في كل من روسيا وفرنسا وفنلندا، توفي عام 1985 لهُ الكثير من الأعمال الأدبية، وترجم شعره إلى الأنكليزية والروسية والفنلندية وله مؤلفات تجمع بين الاستراتيجية السياسية والخبرة العسكرية والقراءة الحضارية.
(10)حازم جواد: من مدينة الناصرية من مواليد 1936، أحد قيادات حزب البعث في العراق وأبن أخت مؤسس فرع البعث في العراق فؤاد الركابي، أعتقل في نوفمبر 1958 في عهد عبد الكريم قاسم لكنه تمكن من الفرار إلى سوريا في يناير 1959، رشح وزيراً للداخلية ووزيرا للدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بعد إنقلاب 8 فبراير / شباط 1963 أسهم بالانشقاق المعروف في الحزب، ونجح بنفي خصمه علي صالح السعدي مع مجموعته إلى أسبانيا.. لديه مؤلف عن مذكراته..
(11) من كتاب مذكرات الأستاذ جلال الطالباني – صلاح رشيد
(12) من كتاب مذكرات الأستاذ جلال الطالباني – صلاح رشيد

تم عمل هذا الموقع بواسطة