1 قراءة دقيقة
الحلقة: الرابعة والستون


الحلقة: الرابعة والستون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي

كان صالح اليوسفي ومن خلال كل المفاوضات التي شارك فيها يمثل عنصر تفاوضي هام في القيادة الكردية، وقد حرص دائماً على جعل الأطراف المقابلة تلبي مطامح الشعب الكوردي المشروعة، وكانت الفترة التي أعقبت أتفاقية آذار مرحلة حاسمة بين قيادة الثورة الكوردية وبين حكومة بغداد، فبذل والدي جهوداً كبيرة من أجل إنجاح الحوار وتقدمه إلى الأمام في سبيل نيل الكورد لحقوقهم القومية المشروعة عن طريق السلام وحاول جلّ جهده لإظهار حسن النوايا ورغبة الكورد بالتعايش السلمي رغم تعرضه لعدة مضايقات منذ مفاوضات 1970 وزادت مع مفاوضات هدنة 1974(1)، كان والدي خلال مفاوضات 1974 يدفع النقاش والحوار بإتجاه الأبتعاد عن القتال مبيناً المخاطر المترتبة عليه لكلا الجهتين، فكان يصرح إن مصلحة الشعب الكوردي والعربي لا تكمن في الحرب ويجب أن نحافظ على مكتسبات ومنجزات بيان 11 آذار، وكان من جهة أخرى يحذر القيادة من الإنصياع لرغبات شاه إيران أو أية رغبة خارجية، فلم يكن محباً للتدخل الأجنبي والأقليمي في شؤون الكورد بشكل عام، خاصة بعدما وصلنا إلى مرحلة متقدمة من جهود نضالنا وتضحياتنا من خلال أتفاقية آذار.
ظهرت خلال سنوات فترة أتفاقية 11 آذار ما بين (1970- 1974) وحتى ما قبلها بقليل جبهتان في القيادة الكوردية..! جبهة من الساسة المناضلين الذين كان لهم الدور الفعال في الحزب منذ البدايات ومنهم والدي ونوري شاوه يس ونافذ جلال وعزيز عقراوي ويد الله كريم فيلي وعلي عبد الله وآخرين...
والجبهة ثانية من الذين أنظموا إلى الحزب في منتصف وأواخر الستينيات ومِمَن برز نجمهم بعد أتفاقية 11 آذار وبالأخص خلال مؤتمر الثامن للحزب، وأستطاعوا هؤلاء في فرض آرائهم سواء على القيادة الكوردية أو على نظام بغداد وكان على رأسهم محمد محمود عبد الرحمن وحبيب محمد كريم وآخرين...
وقد أشار والدي حول هذه النقطة من خلال مذكراته وسبق وأن أشرت لمثل هذه المواقف في الحلقات السابقة مع بداية أتفاقية 11 آذار وقبلها.
شاءت الأقدار أن يخسر والدي أكثر ثلاثة شخصيات مهمة في القيادة، كانوا الأقرب إلى والدي متفقين معاً في الآراء والأفكار حول مصير الشعب الكوردي، وكانوا على وفاق تام خلال كل فترات المفاوضات ما بين بغداد والقيادة الكوردية، وهم الأستاذ نافذ جلال الذي وافاهُ الأجل في حادث سير خلال تموز 1972، والأستاذ نوري شاوه يس الذي تعرض إلى أزمة صحية مع مرض القلب أضطر إلى العلاج خلال هذا الظرف المهم من مفاوضات 1974 (وعلى ما أظن ربما أستطاع الحضور في جلسة واحدة فقط من مفاوضات 1974)، والشخصية الأخرى كان المقدم عزيز عقراوي الذي أنشق عن الحزب، والذي أشرت في الحلقة السابقة إلى أسباب إنشقاقه، أما المناضل علي عبد الله كان موقفه على حياد..
أصبح والدي بمفرده في الجبهة الأولى مع الوفد البارتي في جلسات مفاوضات 1974 مع وفد بغداد الذي ترأسهُ صدام حسين الذين كان أغلب أعضاء الوفد فيه من الجبهة الثانية..! وكانت الجبهة الثانية يحاولون تهميش والدي وأقتراحاته بشتى الأشكال وبدوافع خارجية خاصة من شاه إيران..! فأستطاعت الجبهة الثانية من فرض آرائها وقرارتها بكل قوة على ساحة مفوضات 1974، وأستطاعت التأثير على القيادة الكردية وعلى عدد كبير من أعضاء القيادة من المدنين والعسكريين..!
حاول والدي كثيراً إقناع القيادة والوفد الكوردي بنتائج الحرب السلبية على الشعب الكوردي ما توصلت إليه الحركة الكوردية من خلال هذا الإنجاز التاريخي، إلا أن كل محاولاته ذهبت أدراج الريح..! فكان يشرح لهم النتائج السلبية جراء الحرب، ويحثهم على كسب هذه الفرصة التي تتوقف مصير الشعب الكوردي عليه.. كما كان يوضح لهم أطماع الشاه لتحقيق مصالحه الشخصية من خلال خداعنا..! ولكن تعنت الجبهة الثانية في المفاوضات زاد من تعنت وفد نظام بغداد وخاصة صدام حسين..! فأنعدمت المفاوضات من الحكمة والتبصر من كلا الجانبين..! وصعب الأمر على والدي من إقناع كلا الجانبين عن أضرار الأقتتال ونتائجها السلبية..! وهذا ما نراهُ الآن بكل وضوح على الساحة السياسية في عموم العراق من النتائج والتداعيات والإفرازات المستمرة منذ ذلك الحين ولحد الآن..!!!
كان والدي يشعر بأن هناك أعضاء في المكتب السياسي كانوا يدفعون في إتجاه الحرب وأستغلال أي نقطة خلافية مع الحكومة لمواصلة القتال مرة أخرى..! كان يذكر أسمائهم واحداً تلو الآخر، ولكن والدي وعلى عكسهم كان رأيه بأنه ما دام الحزب وقيادة الثورة قد أكتسبت قاعدة شعبية وقوية داخل كوردستان فأنه يجب أستثمار ذلك وتقويته ويتعين جذب الحكومة للاتفاق على المباديء الرئيسية والتوافق معها على أقصى ما يخدم الشعب الكوردي وبدون أي تنازل، أما النقاط الخلاف فيمكن ترك الأتفاق عليها لمرحلة لاحقة، خاصة فيما يخص مسألة كركوك، وكان يدعوا بشدة إلى الأستفادة من رغبة الحكومة لحل المشكلة الكردية وأستعدادها لمنح أقليم كوردستان أغلبية المناطق المتنازعة عليها والتي تقطنها الأغلبية الكردية ما عدا كركوك بحيث تبقى مشتركة بين الجانبين.
يذكر الأستاذ حازم اليوسفي:(( في مفاوضات في آذار/ مارس 1974 لم تتوصل القيادة الكوردية ونظام الحكم إلى نتيجة، تناقشا الجانبين كيف تكون صيغة الحكم الذاتي،فحدثت أختلافات على المناطق المتنازع عليها، كانت للحكومة رأي وللقيادة رأي على مناطق المتنازع عليها، وكانت مدينة كركوك على رأس الأسباب، وما سمعتُ من الشهيد اليوسفي ومن الشخصيات السياسية الأخرى أن الحكومة وافقت أن تكون مدينة كركوك إدارة مشتركة وعلى أن مجلس محافظة مدينة كركوك تتكون من ستة أشخاص، المحافظ تعينها الحكومة، وثلاثة أعضاء تختارهم الحكومة وثلاثة تختارهم القيادة الكوردية، رفضت القيادة على هذا الأقتراح من جانب الحكومة وحصل أختلاف منها على أختيار المحافظ...(2))).
وعلى أية حال فأن مسألة كركوك ومع الأسف مازالت معلقة حتى وقتنا الحاضر..! لقد حصلنا على فرصة تاريخية في أتفاقية 11 آذار، وهذه الفرصة ما زال شعبنا الكوردي في باقي أجزاء كوردستان يستميت للحصول عليها في وقتنا الحاضر، ألم يكن حرب 1974 من أجل كركوك..؟! ألم تبقى مسألة كركوك وبعد مضي أكثر من أربعين عاماً ما زالت عالقة..؟! علماً تخلل هذه الفترة عشرات الضحايا خلال حرب 74 تلتها نكسة 75 التي أثرت معنوياً ونفسياً على الشعب الكوردي وتهجير العديد منهم من مناطق سكناهم إلى الوسط والجنوب وحرمانهم من العديد من مكتسبات أتفاقية آذار.. ثم تلتها تدمير حلبجة بالكيمياوي وكانت الضحايا بالآلاف..! وحملة الأنفال الشاملة ودفن 180000شهيد كوردي في المقابر الجماعية ومنهم البارزانين..! وتدمير أكثر من 4000 قرية كوردية.. وما صاحبها من أنهيار الزراعة والصناعة في كوردستان وإلى الأحداث المؤلمة الأخيرة لما حدث لأخوتنا في سنجار وضواحيها، هذا من جانب الشعب الكوردي أما من جانب الشعب العراقي فبالإضافة إلى تنازل العراق عن شط العرب لإيران والتي كانت السبب في جرّ وتورط العراق في الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات..! والتي كانت من أسبابها غزو الكويت عام 1990..! ثم حرب عاصفة الصحراء (حرب الخليج الثانية 1991) التي شنتها قوات التحالف لتحرير الكويت..! ثم حرب الخليج الثالثة 2003 ..! وأخيراً هذه الفوضى السياسية في حكم العراق وبتدخلات خارجية وأقليمية..!!!
يذكر الأستاذ نادر نوما:((إن شخصية عظيمة كسيدا صالح اليوسفي لم تنجب منطقة بادينان مثله، حاول مرات تصحيح مسيرة حركة التحرر الكوردستاني في باشور، وكان دوماً يصطدم بتعنت القيادة، وآخر نصيحة أبداهُ للقيادة عام 1974 في شهر آذار أرضوا بالحكم الذاتي، حتى لو وافقت الحكومة على محافظة واحدة، لإن تلك المحافظة سيتحول إلى كيان وسيتطور ذلك وستضم إلى حدود جبال حمرين ذات يوما..)).
يذكر الأستاذ إحسان شيرزاد عن بدأ المفاوضات ما بين القيادة الكوردية والنظام في بغداد خلال شهر شباط/ فبراير 1974: (( يوم الأربعاء أجتمعنا هذا اليوم لبدأ الحوار حول قانون الحكم الذاتي، وكان الحاضرون من البعث.. صدام حسين، ونعيم حداد، وغانم عبد الجليل، وطارق عزيز.
ومن الشيوعيين.. كريم أحمد مهدي، ومكرم الطالباني، ورحيم عجينة.
ومن المستقلين.. عزيز شريف، وهشام الشاوي، وفؤاد عارف، وإحسان شيرزاد.
ومن الديمقراطي.. حبيب محمد كريم، وصالح اليوسفي، ودارا توفيق، ومحمد محمود.
بدأ صدام بالترحيب والتأكيد على نية الجبهة لإنهاء موضوع الحكم الذاتي قبل 11 آذار/ مارس 1974 وعدم التأجيل..
أجاب حبيب بالترحيب وأكد على إعطاء الأهمية وبحت كيفية تقديم المشروع ودعا إلى التفهم والإنفتاح خاصة إن الحركات التحررية سائرة في العالم..
كريم أحمد أكد أهمية المشروع الذي قدم من قبل الجبهة وإن الشيوعيين يبذلون جهودهم لإنهاء القضية مشيراً إلى أن حل القضية كمثلها من القضايا ذات القوميات المتعددة وأشاد بجهود حزب البعث.
بين صدام تعليقاً على كلمة حبيب محمد كريم بأن موضوع التحرر في العالم يختلف لإن الموضوع هو الإستعمار وهنا موضوع تعدد القوميات، ثم بدأ محمد محمود ببيان وجهة نظر الحزب الديمقراطي..
يوم الخميس.. أجتمعنا مع حبيب محمد كريم، وصالح اليوسفي، ومحمد محمود عبد الرحمن، ومحسن دزه يي، ودارا توفيق، وقد بينت رأيي في كثير من القضايا.. شعرتُ أن محمد محمود (سامي عبد الرحمن) يريد فرض آرائه فعارضته.. يجب أن يكون هناك تساهل وواقعية في الموضوع لإن القوانين قابلة للتطوير(3)... يتبع

مصادر وهوامش:
(1)يذكر صالح اليوسفي من خلال مذكراته:((كرست كل جهودي عبر ظروف الأقتتال ولحين مجيء الأخ عزيز شريف ومن بعده من أجل السلم والتآخي والوفاق وربما نقل الأخ عزيز شريف أنطباعاته حول موقفي آنذاك إلى سيادتكم ومن ثم كان دوري الإيجابي الفعال طوال فترات المفاوضات ولحين بيان 11 آذار علماً بأنه كانت هناك أولاً محاولة تخريبية بعدم إشراكي في وفد المفاوضات لموقفي السلمي المعروف والودّي بتحريض الأوساط الرجعية... ثم بعد توصلنا إلى التفاهم في المرحلة الأخيرة فقمت بدور رئيسي فعال مع بقية الأخوة والآخوان نوري شاويس وعزيز عقراوي والمرحوم نافذ جلال ويد الله كريم وغيرهم فأفسدنا المحاولة للمرة الثانية، ومن ثم ركزت جل جهودي مع وأستخدمت كل قوتي وشخصيتي الحزبية والشعبية مع الرفاق المناضلين ذوي المبادئ والكوادر المتقدمة من بعض مسؤولي وأعضاء الفروع واللجان المحلية المعروفين من أجل إرساء أمتن العلاقات والوشائج المصيرية...)).
(2)قناة فلوجة - برنامج شهادة خاصة - مقابلة مع الأستاذ حازم اليوسفي - د. حميد عبد الله.
(3)من مذكرات الأستاذ إحسان شيرزاد.

تم عمل هذا الموقع بواسطة