الحلقة: الرابعة والسبعون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
محاولات والدي للسفر لحل قضية أمته قبل وقوع الكارثة..
بدأ والدي يخطط للسفر وبتشجيع الأستاذ نجيب بابان على أساس العلاج من آلام ظهره، وقدم طلب السفر بعد إعلامه للمكتب والقيادة الكوردية.. فكلف الأستاذ نجيب بابان بهذه المهمة، وكذلك طلب لأخي شيرزاد أيضاً موافقة السفر ليكون برفقته وبحجة إكمال دراسته، وبعد أيام جاء رفض الطلب من قِبل نظام الشاه لوالدي وأستطاع نجيب بابان الحصول على الموافقة لأخي شيرزاد فقط.
رغم أنهُ كان حينها مسموح لكل مسؤول أو قيادي في القيادة الكوردية بالسفر.. إلا والدي كان محظوراً من السفر والخروج من إيران..! حيث علِم نظام شاه حينها عن طريق عملائه بموقف والدي وآرائه السلبية أزاء سياسة وموقف الشاه من قضيتنا ودوره الفعال في إشعال حرب 1974، من جهة، ومن جهة أخرى كان يعلم نظام الشاه أيضاً زخم موقع والدي السياسي وعلاقاته مع الشخصيات الدولية العربية والأجنبية، وحتى دوره المهم في الحكومة العراقية حين كان وزيراً، وكان يدرك الشاه ونظامه إذا ما حاول والدي السفر سيكون هدفهُ الوصول إلى أية جهة لحل قضية أمته من أجل وقف الحرب وفتح باب المفاوضات مع الحكومة العراقية من أجل السلام.. سواء ألتقى برؤساء الدول العربية أو الإتحاد السوفيتي الذي سبق وأن أشرت نقلاً عن أخي شيرزاد على مدى تقدير الإتحاد السوفيتي حينها لشخص وآراء والدي.. وكان الشاه على يقين من نجاح والدي في مثل هذه المهمة ومدى قوة شخصيته، وأدرك الشاه بأنه من خلال تلك الخطوة والمبادرة إذا كتب لها النجاح سوف يفشل في كل ما خطط إليه من أجل مصالحه الشخصية وتحقيق أهدافه ومطامعه، ولا شك سوف ترفض أمريكا بدورها أيضاً هذه الخطوة من والدي لإنها حليفة الشاه.
ونقلاً عن أخي شيرزاد: (( طلب والدي السماح له بالسفر إلى جمهورية مصر العربية للعلاج وهو في إيران أيام الثورة، ولكن الحكومة الإيرانية كانت ترد بأننا مستعدون أن نوفر له المكان في (أردبيل) حيث المصحات والمكان الخاص بشاه إيران وحاشيته، ولكن والدي رفض ذلك وبشدة، وبالرغم من سفر عدة مسؤولين أكراد خارج إيران إلا أن السلطة الشاهنشاهية كانت تعلم أنهُ سوف لن يذهب مصر ولكن إلى موسكو..)).
ويذكر اللواء شيرزاد محمد صالح جبرائيل: (( لقد سمعت من المرحوم والدكم شخصياً قصة منعه من قبل حكومة شاه ايران من السفر إلى خارج العراق عبر إيران، وكان متأثرا جدا من ذلك حتى أنني لاحظته مرتبكا من شدة ألمه لهذا المنع.. ولكي أكون أمينا لم يحدد وجهة سفره ولم يسمي البلد الذي ينوي السفر إليه وكل ما سمعته كان يقول لدي أصدقاء وعلاقات جيدة مع بعض الأطراف المؤثرة والتي قد يكون بإمكانهم مساعدة حل المشكلة الكردية وتجنب خيانة الشاه، الذي كان الشهيد يتوقعه ببعد نظره وجاءت الأحداث لاحقا لتثبت صحة آراءه حينما قال لي حرفيا: "انا لست خائفا من العراق بل خوفي هو من شاه إيران الذي سوف يقدم على نكث وعوده مع القيادة الكردية آنذاك وخيانتهم.." وهذا ما حصل..)).
ويضيف الأستاذ محمد ملا قادر: (( أتذكر أن الأستاذ صالح اليوسفي تحدث في أجتماع بحضور أغلبية أعضاء اللجنة المركزية في شهر تموز عام 1974 في (حاج عمران) عن إقامة علاقة مع الأتحاد السوفيتي وكان البارزاني آنذاك خارج كوردستان بسبب المرض، ولكن لم يتم تلبية طلب الأستاذ وتقرر عند عودة البارزاني إلى كوردستان طرح هذه المسألة في أجتماع اللجنة المركزية..(1))).
ظل الشاه ونظامه يحاولان إغراء القيادة الكوردية بشتى الأشكال لكسب ثقتهم وودهم لتحقيق مآربهم الخبيثة.. وغالباً ما كان يرسل بعض الهدايا والعطايا لقيادي المكتب أو يحثهم على السفر إلى أي مكان في إيران لقضاء إجازة أو علاج وعلى حساب نظام الشاه، وقد شجع العديد منهم أن تعيش عوائلهم في المحافظات القريبة كونها مدن أرقى للعيش فيها، وقد سكن البعض منهم فيها، خاصة في محافظة الرضائية، ولكن كان والدي دوماً يرفض أية هبة أو عطايا من نظام الشاه، وكما أشرت سابقاً كان يرفض حتى أستلام راتبه بالعملة الإيرانية.
وقفة وأنتقاد حول تصريح لمام جلال.
أشرت في الحلقة السابقة عن رسالة الأستاذ جلال الطالباني الشخصية إلى والدي عن طريق الأستاذ نجيب بابان.. من المؤسف أن مام جلال قد تحدث في مذكراته عن كل شيء وحتى الأشياء البسيطة جداً..! وأنه لم يمر على أية واردة وشاردة إلا وأشار إليها.. ولكن عجبي أنهُ لم يشير ولو بمرور عابر إلى تلك الرسالة الشخصية التي أرسلها إلى والدي..! وهو يحث والدي من خلالها على ترك القيادة..! بينما هو كان يحاول الأقتراب من القيادة..! حيث أشار في مذكراته.. بأن السيدين أدريس ومسعود البارزاني قد كلفاهُ بفتح مكتب مع كل من عزيز شيخ وكمال فؤاد... ونقلاً عن مذكرات مام جلال جاء فيه بالنص: ((بقيت في مصر الى أن جاء عزيز شيخ رضا ليسلمني رسالة من مسعود وإدريس يطلبون مني العمل معهم، فأجبته بالموافقة، وقالا بأنهما أسسا مكتبا للشؤون العربية في الخارج يترأسه عزيز شيخ رضا ونريدك أنت وكمال فؤاد أن تعملا معه. فقلت "حسنا" وبدأنا العمل معا، وأبلغني دكتور كمال لاحقا بأنهم بتكليفهم هذا أرادوا أن يضعوني تحت أعينهم للمراقبة، ورغم ذلك قمنا بعمل ممتاز ونجحنا في تأسيس علاقة قوية مع المصريين، وبقيت في مكتب الشؤون العربية بلبنان الى إنهيار ثورة أيلول عام 1975 وأصدرنا هناك مجلة كنت أحرر معظم موادها ويتولى عزيز شيخ رضا تكاليف طبعها، ولكن رفاق البارتي لم يهتموا بها كثيرا(2))).
ومن جهة أخرى يذكر مام جلال في مذكراته وفي نفس الوقت.. بأن السادات قد أطلعهُ: (( ان العراق بصدد التصالح مع إيران، وانه سيطرح هذا الموضوع على القمة العربية، أقتراحي (قاصداً السادات) هو أن يأتي وفد كردي وأن يكون معه أحد أبناء البارزاني(3))).
ثم يضيف مام جلال بالنص:((لم تكن سمعة صالح اليوسفي ومحمد محمود عبدالرحمن طيبة عندهم في ذلك الوقت..(4)))..؟؟!!
هنا أتوقف والعديد من الأسئلة تراودني.. وتمنيت لو كان مام جلال على قيد الحياة لأستفسر منهُ شخصياً عن هذه العِبارة.. ماذا كان يقصد بأن (سمعة صالح اليوسفي ومحمد محمود عبد الرحمن لم تكن طيبة)...؟؟!! وعلى أي أساس صرح بذلك التصريح الغير متزن والعشوائي من ذكر أسم والدي...؟؟!! وأصلاً كل القياديين في الحزب الديمقراطي الكوردستاني على علم تام.. بأن والدي والأستاذ محمد محمود عبد الرحمن كانا متناقضين تماماً في آرائهما وتصريحاتهما بشأن حرب 1974، خاصة وأن محمد محمود عبد الرحمن كان من ضمن مجموعة صقور الحرب والداعين لها.. بينما والدي كان ضد وعكس ذلك الرأي تماماً..! كما وأود أن أضيف.. حين زار والدي مصر عام 1973 ونقلاً عن أخي شيرزاد، ألتقى والدي بالسيد (حافظ أسماعيل) مستشار الرئيس أنور السادات وكان اللقاء ودياً وناجحاً ورحب بوالدي كثيراً.. وتناقشا معاً عن الأوضاع السياسية السائدة وأعجب بآراء وحوار والدي، إلى درجة أن السيد حافظ أسماعيل أخبر والدي: ((لو كان السيد الرئيس السادات موجوداً في القاهرة كان من المحبذ لقائك به إلا أنهُ وللأسف الآن في مصيفه في مرسى مطروح)) ولولا إنتهاء إجازة والدي حينها وعودته لكان السيد حافظ أسماعيل قد رتب لهُ اللقاء مع الرئيس أنور السادات ليدلي لهُ بآرائه التي أعجب بها السيد حافظ أسماعيل...
فيا للعجب من تصريح مام جلال تلك...!! ...يتبع
المصادر والهوامش:
الأستاذ صالح اليوسفي - نجم ساطع في تاريخ الكورد - محمد ملا قادر
مذكرات الرئيس جلال الطالباني - اعداد صلاح رشيد.