الحلقة: الرابعة والخمسون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
أتحاد أدباء الأكراد (الفصل الأول)
سأتطرق بالحديث في هذه الحلقة عن أتحاد أدباء الكورد، نظراً لتأسيس هذا الإتحاد المهم ولأول مرة في العراق بعد أتفاقية 11 آذار 1970، وكذلك لترأس والدي لرئاسة الإتحاد منذ السنة الثانية لتأسيسها ولسنوات (1971، 1972، 1973، 1974 إلى حين نكسة آذار/ مارس 1975)، وسأستضيف في هذه الحلقة الضيفان العزيزان الأستاذ مصطفى صالح كريم، والدكتور بدرخان السندي.
عقد الأتحاد خلال هذه السنوات الأربع للأتفاقية، أربع مؤتمرات الأول في بغداد (حزيران/ يونيو 1970)، والثاني في أربيل (تموز/ يوليو 1971)، والثالث في بغداد/ القصرالأبيض (تشرين الثاني/ نوفمبر 1972)، والرابع في بغداد/ الجامعة المستنصرية (كانون ثاني/ يناير 1974)، ومنذ المؤتمر الثاني أنتخب الأستاذ صالح اليوسفي رئيساً للأتحاد وتجدد أنتخابه في المؤتمر الثالث والرابع أيضاً.
يذكر الأستاذ مصطفى صالح كريم: (( بعد ثورة 14 تموز/ يوليو عام 1958 تأسس إتحاد الأدباء العراقيين، الذي أنتمى إليه الأدباء العراقيون الرواد والشباب بمختلف قومياتهم، وفي المؤتمر الأول أنتخب (محمد مهدي الجواهري) رئيساً للإتحاد والأديب الكردي المعروف (رفيق حلمي) نائباً للرئيس، أنضم عدد كبير من الأدباء الكرد إلى هذا الإتحاد، المؤتمر الثاني عقد في حزيران/ يونيو عام 1960، وكان المؤتمر تظاهرة أدبية رائعة، وكان هناك أهتمام كبير لدى الإتحاد بالأدب الكردي وبالأدباء الكرد، فقد أقام الإتحاد أحتفالية للشاعر الكبير (بيره ميرد) وأحتفالية أخرى للشاعر (فائق بيكه س)، كما أقام مجلس العزاء للأديب رفيق حلمي الذي توفي في بغداد في الرابع من آب/ أغسطس عام 1960، وكانت هناك لجنة خاصة في الإتحاد يديرها الأدباء الكرد تعنى بالأدب الكردي، لقد أصبح الإتحاد آنذاك خيمة ضمت معظم الأدباء والكتاب العراقيين وبالأخص التقدميين والديمقراطيين، يذكر أن الأدباء الكرد المحسوبين على الحزب الديمقراطي الكردستاني والمتعاطفين مع الاتجاه القومي طالبوا بتأسيس إتحاد مستقل لأدباء كردستان وقد جمعوا تواقيع لهذا الغرض، لكن الإتجاه السياسي السائد آنذاك لم يتفق مع تلك المطالبة بحجة وجود إتحاد واحد أنضم إليه الأدباء العرب والكرد والتركمان والسريان، وهكذا بقي إتحاد الأدباء العراقيين يمثل أكثرية أدباء العراق بمختلف قومياتهم حتى الثامن من شباط/ فبراير 1963 الدامي، بعد هذا الإنقلاب الأسود، أغلق إتحاد الأدباء العراقيين بقرار من الحاكم العسكري العام وأصبحت هوية الإتحاد التي كنا نحملها إحدى المبرزات الجرمية التي يستند عليها المدعي العام لإدانتنا وإتهامنا بأننا كنا فوضويين ومشاغبين.. بعد إنقلاب البعث الثاني في عام 1968 أراد البعث أن يوحي للآخرين بأن ماحدث عام 1963 لم يتكرر وإنهم أستفادوا من تلك التجربة، وهكذا حاولوا بمختلف الوسائل الدعائية والحوار مع الفئات الديمقراطية تجميل وجههم، وأستمروا في العمل على إستمالة التقدميين والمحسوبين على اليسار، ومن هذا المنطلق عاد إتحاد الأدباء العراقيين ثانية إلى الواجهة بقيادة الجواهري، غير أن الأدباء الكرد لم يكونوا متحمسين للإنتماء والعودة إلى إتحاد أدباء العراق وذلك أستناداً إلى تجاربهم السابقة والظروف التي مرت بكوردستان وكانوا يخططون لتأسيس إتحاد مستقل للأدباء الكرد(1))).
يذكر الأستاذ الدكتور بدرخان السندي: (( في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969 وخلال المفاوضات بين قيادة الثورة الكوردية والحكومة العراقية تقدم عدد من الأدباء والمثقفين الكورد في بغداد بطلب رسمي إلى وزارة الداخلية لغرض تأسيس إتحاد للأدباء الكورد، وصدرت الموافقة على تأسيس الأتحاد في 9 شباط / فبراير 1970 بكتاب رسمي (رقمه 405 شعبة الجمعيات) حمل توقيع صالح مهدي عماش وزير الداخلية آنذاك وأصبح اليوم التالي يوم إعلان هذه البشرى وإنتزاع هذا الحق التاريخي، وقد أُجيز وشكل أتحاد الأدباء الكورد في العاشر من شباط / فبراير 1970 أي قبل شهر من إعلان اتفاقية 11 آذار/ مارس 1970، بعد جهود كثيرة بذلتها الهيئة التأسيسة مشكورة وقد بارك تأسيسه الشاعر الكبير (محمد مهدي الجواهري) الذي كان حينها رئيساً لإتحاد الأدباء العراقيين، وفي 23 و 24 حزيران/ يونيو عام 1970 أنعقد المؤتمر التأسيسي في بغداد في قاعة الخلد (وهي أكبر قاعات بغداد) وأنتخب الشاعر المعروف (هژار موكريانى) رئيساً للأتحاد في المؤتمر الأول لأتحاد أدباء الكورد، وكنا ضمن أول هيئة إدارية وكان من مقرراته إنشاء فروع لهُ في كل من أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك، وشهد المؤتمر حضوراً كبيراً من أهم الشخصيات الثقافية والسياسية في البلاد وكبار الأدباء الكورد والعرب والتركمان أذكر منهم: الشهيد صالح اليوسفي عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني ووزير الدولة، والأستاذ مكرم الطالباني والشاعر الكبير الجواهري ومرتضى الحديثي وعزيز شريف والمناضل دارا توفيق والوزراء الكورد في الحكومة العراقية ورئيس المجمع العلمي العراقي وشخصيات كثيرة أخرى، وقد شارك أبرز الأدباء الكورد في ذلك المؤتمر ومنهم من رحل عنا أمثال (د. معروف خه زندار وسعيد ناكام وممدوح البريفكاني ومحمد أمين عثمان) وغيرهم..(2))).
ونقلاً عن الأستاذ مصطفى صالح كريم: (( أقام أتحاد الأدباء الكورد خلال هذه السنوات المهرجان الشعري الأول في كركوك الذي حضرهُ الشاعر الكبير الجواهري وعدد كبير من الأدباء العراقيين المعروفين، فيما أقيمت مهرجانات فرعية في المحافظات فضلاَ عن إقامة حلقات دراسية في بغداد لأدب الشباب، وندوات عن الأصالة والتجديد، كما بادر فرع السليمانية بتقديم برنامج أدبي أسبوعي بأسم (الأدب والحياة) من تلفزيون كركوك، كان برنامجاً ناجحاً شارك فيه عدد كبير من الأدباء والشعراء البارزين بحيث أستطاع أستقطاب جمهور واسع من المشاهدين، من جانب آخر كثرت الزيارات الأدبية المتبادلة بين الفروع، وصدرت عن الأتحاد مجلة (نووسه ري كورد- الكاتب الكوردي) حيث أهتمت بنشر مقالات وقصص وقصائد الشعراء والأدباء الكورد إضافة إلى عرض نشاطاتهم الفكرية.
أهداف إتحاد أدباء الكورد تنقسم إلى أهداف عامة وخاصة حيث كانت تتمثل الأهداف العامة بنشر الروح الوطنية وتوطيد النظام الجمهوري وترسيخ أواصر الأخوة بين الشعبين العربي والكوردي والأقليات القومية في البلاد، وتوفير عرى الصداقة والتعاون بين الأدباء والكتاب الكورد خاصة والعراقيين عامة فضلا عن رفع مستوى أدب الشعب الكوردي بكل فنونه وتطوير لغته في متعدد ميادين علم اللغة والمعنية بتاريخه القومي وذلك بتدوينه ودراسته على أسس علمية وإحياء تراثيه القومي بجميع أشكاله وتأسيس مكتبة وثائقية عصرية خاصة به للإستفادة منها في التأليف والتوجيه والدراسات وتشجيع حركة الترجمة من اللغات الأجنبية.. أما الأهداف الخاصة فكانت تؤكد السعي لإصدار قانون تقاعد الأدباء الكورد وكذلك السعي إلى مساعدة الأدباء إنسانياً ومادياً فضلا عن تسهيل أمرهم في طبع مؤلفاتهم وكذلك الإسهام في إبداء المشورة للجامعات والمدارس في تطوير اللغة الكوردية فضلا عن تطوير العمل للحفاظ على تراث القومي(3))).
وخلال المؤتمر الثاني للحزب أنتخب اللأستاذ المناضل صالح اليوسفي رئيساً لإتحاد أدباء الكورد بالإجماع في أربيل (تموز/ يوليو 1971)، إضافة إلى أنتخابه رئيساً لجمعية الثقافة الكوردية... يتبع
المصادر:
(1)إتحاد الأدباء الكرد وعلاقته بإتحاد أدباء وكتاب العراق - مصطفى صالح كريم - مؤوسسة النور للثقافة والإعلام.
(2)شموخ الثقافة الكردية عبر التاريخ وتجليات الواقع - مع بدرخان سندي - جريدة الزمان.
(3)إتحاد الاُدباء الكرد وعلاقته باتحاد أُدباء وكتّاب العراق - مصطفى صالح كريم - مؤوسسة النور للثقافة.