الحلقة: الرابعة والثمانون - الجزء التاسع من أتفاقية 6 آذار/ مارس 1975
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
مشاهد حية ويوميات من أتفاقية 6 آذار..(3)
رسائل إلى الحكومة العراقية بعد أتفاقية 6 آذار 1975
بعض الأصدقاء أستفسروا عن حقيقة الرسائل التي أرسلت إلى الحكومة العراقية خلال فترة ما بعد أتفاقية 6 آذار 1975، وذلك من أجل المحاولة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث ظن البعض من الأخوة بإنها كانت رسالة واحدة فقط عن طريق والدي، وأنا بدوري أود أن أوضح للأخوة الكرام بأن ثلاثة رسائل أرسلت إلى حكومة بغداد في تلك الفترة الزمنية القياسية والتي نستطيع أن نحددها مابين 12- 13 آذار أي بعد عودة الزعيم إلى القيادة من طهران ولقائه بالشاه.. وإلى 19- 20 آذار 1975، وتعتبر هذه المبادرة وردة الفعل شيء طبيعي في ظل تلك الظروف العصيبة نظراً لحجم الكارثة التي واجهتنا وعن مدى الفترة الحرجة التي تعرضت لها القيادة والشعب الكوردي، من حالة الصدمة والإنهيار النفسي والعصبي التي تعرضت لها..! لذا حاولت القيادة بشتى الأشكال من محاولة إيجاد حل مقبول مع الحكومة العراقية حتى وإن قدمت تنازلات لكي لا تنهار القيادة وتذهب تضحيات كل تلك السنين، ولكي لا ينتقص الشاه ونظامه من سيادة العراق في شط العرب.
أرسلت ثلاثة رسائل إلى نظام بغداد.. الأولى من المكتب السياسي والثانية من الأستاذ فؤاد عارف والثالثة من والدي بأربعة نسخ، حصلت على نص رسالة المكتب السياسي وبتاريخها من كتاب المناضل علي سنجاري(1)، كما حصلت على نص رسالة الأستاذ فؤاد عارف من مذكراته(2)، أما رسائل والدي التي أرسلها بيد الطيار الأسير صفاء شلال فللأسف الشديد ليس لدي أية مسودة عنها، وبكل ظني إن مسوداتها ربما دفنت مع الأرشيف الذي أفاد به الأستاذ صبحي جميل والتي ذكرتها في الحلقة (81)، حيث أن والدي كان دائماً يحتفظ بمسودات رسائله..
وهنا أنشر الرسالتين.. للمكتب السياسي ورسالة الأستاذ فؤاد عارف..
يذكر المناضل علي سنجاري: (( حاول البارزاني إنقاذ الموقف ولو في لحظاتها الأخيرة.. وفسح المجال أمام حزب البعث كآخر محاولة لإيجاد صيغة للإتفاق مع البعثيين دون التنازل لشاه إيران عن حقوق الشعب العراقي الوطنية.. وأرسل المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني البرقية التالية:
إلى/ مجلس قيادة الثورة المحترمين... التاريخ 18/ 3/ 1975
من/ المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
إن المأسي الماضية التي ولدتها الحرب بين أبناء البلد الواحد والأضرار البالغة التي نتجت عنها وضرورة حقن المزيد من الدماء والحرص على مصلحة البلاد العليا والوحدة الوطنية تستوجب أن نكون جميعاً في مستوى المسؤولية كي نعمل على تجاوز كل السلبيات والأخطاء ونجد حلاً نهائياً للمشكلة الكوردية وبالشكل الذي يخدم قبل كل شيء مصلحة البلاد العليا.
أننا نعتقد بأنه يمكن إيجاد حل ثابت ومعقول بيننا بشكل لا يمكن أن يستغله الغير.. نحن على أستعداد للدخول في حوار فوري مع الحكومة وحزب البعث العربي الإشتراكي لهذا الغرض، وإرسال مندوب من قبلنا إلى طرفكم في حالة أستعدادكم لذلك.. أنبؤنا رجاءاً...(3).
كان هذا نص برقية المكتب السياسي.. ولكن للأسف الشديد جاء الرد سلبياً على هذه الرسالة جاء فيه مايلي:
إلى/ ما يسمى بالمكتب السياسي للمتمردين - 19/3/ 1975
برقيتكم المرسلة عن طريق قائد الفرقة الثانية لا زلنا حريصين على تبرئة الضمير من عثرات الطيش والغرور بما لا يرضاه الله والشعب.. وقد بصرانكم بصدق لا حدود له قبل 11 آذار 1974 بصورة المستقبل المظلم الذي ينتظركم والخسائر التي ستلحق بالشعب جراء ركوبكم مركب السير في طريق معاد للشعب وأهدافه بما في ذلك شعبنا الكوردي وأمانيه.. إننا نواجه الأعمال الإجرامية اليوم بقلوب عامرة بالإيمان بالنصر وبأن الله والشعب والرأي العام والعالمي معنا.. لا مجال لإختبار نواياكم بعد الآن لفقد الثقة بها بسبب التجارب المرة السابقة.
أن المجال الوحيد المفتوح أمامكم والذي سيحقن الدماء هو الأستفادة م العفو الصادر عن مجلس قيادة الثورة والذي سينتهي في 1 نيسان وبدون قيد وشرط أن الحل الثابت والمعقول لقضية شعبنا الكوردي يتم في قانون الحكم الذاتي الذي أعلن في 11آذار 1974 ولا مجال للتسلل إلى المواقع الخلفية(4).
أما الرسالة الأخرى التي ذكرها الأستاذ فؤاد عارف في مذكراته يعلق عليها قائلاً: ((حاولت بذل المستحيل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذهُ فقررت أن أبعث برسالة شخصية إلى صدام حسين أحثه على التراجع من الأتفاقية، مبدياً إستعداد الكورد التام للتعاون معهُ في هذا المضمار، وعرضت الفكرة على أدريس ومسعود نجلي البارزاني وعلى عدد من أصدقائي المقربين الذين شجعوني على تنفيذها دون أي تردد، وحينذاك طلبت من المرحوم خسرو توفيق أن يقوم بصياغة الفكرة التي رحب بها أيضاً، وتمت صياغة الرسالة الآتية:
الأخ العزيز..
تحية أخوية خالصة..
لما أتوسم فيكم من الشهامة والوطني والإخلاص، رأيت من واجبي أن أكتب لكم هذه الرسالة، في الوقت الذي أأسف فيه على عدم كتابتها بخط يدي وذلك للظروف التي لا تخفى على نباهتكم.
تعلمون بلا شك نزوعي إلى السلم وعدم قناعتي بإمكانية حل المشاكل المستعصية بين قوميتينا بقوة السلاح، ولابد أنكم تتذكرون جهودي في هذا الشأن سنة 1969، وماولاتي معكم عندما كان الصراع في أوج شدته في ذلك الحين، ورأيي الواضح أثناء المقابلات المتعددة معكم قبل أتفاقية آذار 1970 ومفاوضات آذار 1974، والتي كان آخرها محاولتي السلمية غير الموفقة والتي جئت إلى هنا على إثرها وبقيت من أجل متابعتها وإيصالها إلى نتيجة مرضية، وقد بقيت مستمراً على تلك المساعي إلى أن وصلت الأمور إلى هذه النتيجة المؤسفة، أي إلى حد القبول بمثل هذه الأتفاقية التي ليست في مصلحة العراق، عراق العرب والأكراد، والتي لم تستطيع إيران إنتزاعها في كل العهود السابقة.
ولما كنت أثق بكم شخصياً وبوطنيتكم وإخلاصكم، فأنني أفهم بوضوح عمق الجرح الذي ينزف من قلبكم من جراء توقيع هذه الإتفاقية، وأفهم كذلك الدوافع التي أدت بكم إلى سلوك هذا السبيل.
ولكوني لا أرغب، نظراً لمحبتي لكم، أن أرى توقيعكم على أتفاقية تمس بحدود العراق الذي حلفت كعسكري مخلص أن أصون حدوده، وحيث إنه لا تزال هناك فرصة للتخلص من هذه الإتفاقية نظرا للدرس القاسي الذي تعلمه الطرفان من هذا النزاع الدامي، وجدت من واجبي أن أناشدكم لإيجاد طريقة للتملص منها بالنص على بعض الشروط التعجزية التي لا يقيل بها الطرف الآخر، وبذلك لا تحرجون أمام الجهات الآخرى.
لقد تحدثت مع العديد من الإخوان هنا وإستمزجت آراهم التي لها وزن كبير، ويزيدها وزناً دعمكم لي في جهودي كما عودتموني دائماً، وكما نريدها، رغبة الإخوان هنا أن لا يكونوا سببا في فرض شروط قاسية على العراق وسلخ جزء من أرضه.
بالإضافة إلى الرغبة في عدم إستمرار الكراهية وإحتدامها بين الشعبين بأستمرار القِتال، حيث أن أحداث الأيام لا تترك مجالاً إلا لإستمرار هذا القِتال الدامي لسنين أخرى، إذا لا طريق للأكراد غير هذا الطريق المؤسف، وإنني أؤكد لكم عن قناعة تامة بأنكم إذا أبديتم المرونة المناسبة فأنكم ستجدون الإيجابية الكافية للوصول إلى نتيجة سريعة وشريفة تحفظ كرامة العراق والشعب العراقي.
لذا أناشكم مرة أخرى بذل جهودكم وذكائكم للتملص من الأتفاقية حيث لا يزال هناك متسع من الوقت قبل محادثات وزراء الخارجية في طهران مؤكداً لكم قناعتي التامة بإستقبال أية مبادرة منكم هنا بإيجابية تامة وعقل منفتح للحفاظ على كرامة العراق ووحدة أراضيه.
إني أرى أن هناك مسألتين تخلقان كراهية دائمة بين الشعبين، هما قبول الإتفاقية وأستمرار القِتال، وكلاهما مرتبطان الواحد بالآخر، ويمكن حلهما لو بذلتم جهدكم، وبهذا يسجل لكم التاريخ هذا المسعى النبيل.
وفي الختام إني بأنتظار نتيجة سريعة منكم بالطريقة التي تجدونها مناسبة، وتقبلوا فائق إحترامي وتحياتي للجميع.
المخلص
فؤاد عارف
آذار 1975
يذكر الأستاذ فؤاد عارف: بعثت الرسالة إلى بغداد بواسطة ضابط عراقي هو الملازم أول يعقوب موسى من أهالي محافظة ذي قار، مع العلم إنني أصبحت على علاقة طيبة به بعد عودتي إلى بغداد إذ كان يزورني بين الحين والآخر.. أهمل صدام حسين الرسالة ولم يرد عليّ، مع العلم كنتُ ولم أزل أثق بصواب رأيي، وكنت أتوقع منهُ رداً إيجابياً أو أي رد منهُ(5).... يتبع
المصادر:
(1، 3، 4) القضية الكوردية وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق - علي سنجاري - ص 73، 74.
(2 ، 5) مذكرات فؤاد عارف - ص 281، 282.