الحلقة الرابعة والثلاثون – الجزء الرابع
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
صوت جريدة التآخي قوة لا تقهر..
لا أريد أن أطيل كثيراً عن مدى صدى وقوة وجرأة جريدة التآخي الإعلامية على صعيد (العراقي والعالمي) في تلك الفترة من حكم الرئيس عبد الرحمن عارف، وإلى حين إنقلاب 17 تموز/ يوليو 1968 بقيادة أحمد حسن البكر، ولكن لا بد أن أمرّ سريعاً على بعض الأحداث المهمة التي واجهت جريدة التآخي والتي أشار إليها والدي سواء عن طريق مقالاته المنشورة في جريدة التآخي أو من خلال مذكرته التي قدمها للرئيس عبد الرحمن عارف، أو إلى وزير الثقافة والإرشاد أو إلى مؤسسة الصحافة العراقية، محذراً ومرشداً إياهم من مغبة الأحداث والمعضلات التي تواجه البلد وتداعياتها القادمة، ولكن للأسف لم يكن هناك مَن يهتم إلى هذه الإرشادات والتحذيرات، فجاءت النتيجة بإنقلاب 17 تموز/ يوليو 1968 بعد أقل من شهرين من تقديم آخر مذكرة من والدي للرئيس عبد الرحمن عارف (والتي أشرت إليها في الحلقة السابقة).
وهنا نستطيع أن نقول لو كانت هناك آذان صاغية لسماع هذه الإرشادات والتحذيرات والعمل بها من أجل السلام ورفاهية العراق، وحل مشاكل البلاد لما دخلنا إلى هذا النفق المظلم..! الذي يبدو لا بصيص أمل لإنفراجها.. ولحد يومنا هذا..!
وقبل أن أنتقل إلى عهد إنقلاب 17 – 30 تموز/ يوليو 1968 ،سأمر بشكل سريع على الأحداث والتدعيات الأخيرة من حكم الرئيس عبد الرحمن عارف، الذي بدأ يضعف شيئاً فشيئاً خاصة بعد نكسة حرب 1967(1)، إضافة لعدم حرص حكومة الرئيس عبد الرحمن عارف ورئيس وزرائه طاهر يحيى على حل المشاكل العالقة في العراق، وعلى رأسها إتمام بنود بيان أتفاقية 29 حزيران، إضافة إلى محاربتها للصحافة والإعلام الحر، خاصة (جريدة التآخي) ومحاولاتهم الحثيثة في كتم ذلك الصوت الحر الذي ألفه جميع أبناء الشعب العراقي بكل قومياته وفئاته وأنتمائاته..!
ولكي تسطيع الحكومة من إسكات صوت التآخي الذي بدأ يزعجها، وحتى لا تصطدم بالحزب الديمقراطي الكوردستاني مباشرة، فكرت بإصدار قانون (المؤسسة العامة للصحافة والطباعة)، رقم (155) لسنة 1967، وقبل صدوره في 3 كانون الأول/ ديسمبر 1967، كتبت جريدة التآخي العديد من المقالات، أنتقدت فيها مماراسات وزارة الثقافة والإرشاد لفرضها قيود جديدة على الصحافة بدلاً من تعديل قانون المطبوعات رقم (53) لسنة 1964 بما يخدم الصحافة في العراق ومن هذه المقالات: (الصحافة والفكر على حبل المشنقة)، (حركة الفكر والتعبير وقضية الرقابة على الصحافة)، (الصحافة في مصلحة نقل الركاب)، (ازمة الصحافة والفكر من حصاد سياسة الارتجال)، (حملة التهجم على الصحف)(2).
التآخي كانت تعلم الغاية الحقيقية وراء إعلان ذلك القانون فكتبت في نفس اليوم الذي إعلن فيه ذلك القانون مقالاً أفتتاحياً بعنوان (أغتيال الصحافة بمقصلة القطاع العام)، لكن الرقابة لم تسمح بنشره مما حدا برئيس التحرير (صالح اليوسفي) بنشر عنوان المقال في طريق التآخي وترك مضمونه بياضاً(3).
يذكر الأستاذ فيصل حسون(4) أن مالك دوهان الحسن وزير الثقافة والإرشاد ذكر لي: (( أن من أهم أغراض ذلك القانون هو التخلص من جريدة التآخي..))..! (يبدو أن هذا كان هدف الحكومة الرئيسي هو التخلص من التآخي (صوت الحق والشعب) ضارباً عرض الحائط كل مشاكل ومعضلات البلاد...!)
وحين سألته: (( هل تستطيع الحكومة ذلك..؟ ))
أجاب قائلاً: (( نعم ولكن الحكومة توهم الرأي العام.. ذكرت أسباب أخرى لصدور القانون وهي سد الطريق والثغرات أمام المتسللين إلى صفوف الصحافة...)).
بموجب هذا القانون خضعت الصحافة لسلطة الحكومة وأصبح لها الحق لوحدها إصدار الصحف ونشر المطبوعات داخل العراق وخارجه، وبموجب المادة السابعة منه أليغت أمتيازات جميع الصحف في العراق ومنها جريدة التآخي مؤكداً على أنه: يجوز منح إجازات جديدة بأقتراح من وزير الثقافة والإرشاد وبموافقة مجلس الوزراء (5).
يذكر الأستاذ صالح اليوسفي أن الحكومة بإصدارها لهذا القانون لم تعرض الصحافة العراقية إلى: غزو وتصفية وإنتكاسة لم تشهد مثلها طيلة تاريخها.. لا وبل ألحقت بأصحاب الصحف: أفدح الخسائر المادية والمعنوية وتعرضت أفواج من المواطنين الذين كانوا يعيشون عليها إلى البطالة والتشرد والحرمان(6).
وبدلاً من جريدة التآخي، التي كان الرقيب يمنع نشر مقالاتها، كتبت جريدة (خه بات) السرية مقالاً إفتتاحياً حول ذلك الموضوع بعنوان (أغتيال الصحافة دعم الدكتاتورية)، وجهت فيها لوماً شديداً إلى سياسة الحكومة ووصفتها: (( بالدكتاتورية العسكرية الضيقة الصدر، القصيرة النظر، العاجزة عن إنجاز أي مكسب أو تقدم، أو تطور في حياة الشعب والتي لا تقبل النقد البناء ولا وجهة النظر المغايرة لرأيها وبسبب عجزها وعدم كفاءتها وتأخر البلاد وتقهقرها في ظلها لا يمكن لأية صحيفة تحترم قرائها لا بل ذاتها إلا أن تنحي بالائمة على الحكومة وتوجه إليها النقد وتحملها مسؤلية نتائج أعمالها ))، كما أوضحت خه بات السبب الحقيقي وراء نشر ذلك القانون بقولها: (( وليس لدينا أدنى شك بأن الحكومة ذاقت ذرعاً بالنهج المستقل الذي أنتهجته بعض الصحف في الآونة الأخيرة الذي كان السبب في إقبال القراء عليها دون الصحف الحكومية التي لا شأن لها لصالح البلاد الأساسية وأتجاهات الرأي العام العراقي))، وذكرت خه بات أن الحكومة بإتخاذها ذلك الإجراء ألغت (16) صحيفة ومجلة وأجازت خمسة صحف حكومية فقط ويديرها موضفون رسميون موضحاً بأن حتى(16) جريدة والمجلة قليل جداً ( لشعب العراقي القارئ) إذ هي قورنت مثلاً مع سبع وستين جريدة ومجلة كانت تصدر في العراق عام 1954، وحول تبجح الحكومة بأن دولاً أخرى متقدمة أخذت بهذا النظام، أكدت خه بات بأن ما ينجح ويطبق في دولة ما ليس من الضروري أن ينجح في دولة أخرى مذكراً بأن حتى الدول التي أخذت به بدأت تتراجع عنه، وأختتمت خه بات مقالها الإفتتاحي بالقول: (( أن سن هذا القانون وتطبيقه خطوة رجعية إلى الوراء، تعكس ضعف الحكومة وتسيء إليها بقدر إسائتها إلى الشعب وكان لها ردود فعل سيئة على الأوساط الصحفية العراقية من سرية وعلنية ))، وأضافت: (( بإمكان الحكومة المحافظة على قليل من ماء وجهها وتفسح المجال أمام صحافة حرة ومستقلة وذلك بالإفادة من أحد بنود القانون الذي يسمح بمنح الإجازات لبعض الصحف خارج القطاع العام(7).
وتصدت مجلة شمس كوردستان(8) دورها لموضوع غلق جريدة التآخي لمدة ثلاثين يوماً، وكتبت مقالاً أفتتاحياً مطولاً بعنوان(التآخي أمتداد لرسالة شعب ينشد حريته)، أستهله بذكر أهمية الصحافة كإحدى الوسائل المهمة في تطوير المجتمع، وكجزء من الحرية التي تعتز بها الشعوب وتناضل دون كلل للتمتع بها بصفتها حقاً من حقوقها الطبيعية والشرعية، كما وأسرد المقال تاريخ الصحافة الكوردية في العراق وموقف السلطة منها، ومن ثم بحثت بالتفصيل كيفية صدور جريدة التآخي والظروف التي مرت بها وأساليب الحكومة لكبت صوتها، وبخصوص المقالة التي تسببت في غلق التآخي أكدت بأنه كان لا بد أن نبين وجهة نظرنا للفضيحة التي قامت بها الحكومة لتعديل الدستور المؤقت وإلغاء المادة الدستورية بشأن تحديد فترة الإنتقال لتظل دون تحديد دستوري لإدامة الحكم الكيفي، وأنتقد المقال وزير الثقافة والإرشاد موضحاً بأنه رغم موافقة الرقيب المدني والعسكري على مقالنا، أنه اصدر إنذاره العنيد... وأفرغ فيه كل ما لديه من حقد وأباطيل وأختتمت مقالها بالتأكيد على مواصلة التآخي لرسالتها الوطنية بالقول: التآخي سوف تبقى أمتداد لرسالة شعب ينشد حريته بكل ثمن، أما أؤلئك الأغبياء الذين يتحدون جبروت الحرية فسوف ينالون مسبة التاريخ وتتبوء صاحبة الجلالة السلطة الرابعة ومنها التآخي وزميلاتها الوطنية مكانتها السامية من أفئدة الشعب العراقي العملاق على مر الدهر رغم أنف الكائدين(9)..
لم يستمر إسكات الصوت الكوردي العالي، إذ عاودت التآخي الصدور بعد أقل من شهرين والنصف شهر وذلك في 17 شباط / فبراير 1968 بعشرة صفحات منها صفحتان باللغة الكوردية، ونشرت أفتتاحية بعنوان (الإسراع بحل القضية الكوردية وإعادة الحياة الديمقراطية إلى البلاد)، وبذلك أصبحت التآخي الصحيفة الوحيدة التي تتطلع إليها الجماهير المعارضة والداعية إلى إطلاق الحريات الديمقراطية.. ولكن أستمر مالك دوهان الحسن بوضع العديد من العراقيل في طريق التآخي ففرض عليها رقيباً عسكرياً فضلاً عن رقيبها المدني..(10).
كانت هناك معارضة شديدة داخل الحكومة لمنع جريدة التآخي من الصدور وكان على رأس تلك المعارضة مالك دوهان الحسن وزير الثقافة والإرشاد وأعضاء المؤسسة العامة للصحافة الذين هددوا بالإستقالة إذ ما وافقت الحكومة على إصدار جريدة التآخي، لذا لم تكن موافقة الحكومة سهلة وحسب ما يذكر صالح اليوسفي إنها عادت إلى الصدور من جديد بعد مداولات ومماطلات مملة(11)، هدد خلالها الزعيم ملا مصطفى البارزاني بأستئناف البث الإذاعي وبسحب ممثليه من الوزارة(12).
فأتسمت العلاقات بين الحكومة وملا مصطفى البارزاني خلال النصف الأول من عام 1968 بالخوف المتبادل، فكلا منهما كان يحاول تقوية موقعه والعمل على إثارة المتاعب للآخر، وكانت الحكومة تعلم أنها لا تنجح في أي عمل عسكري ضدهم ما لن تغلق إيران حدودها بوجه البيشمركة..! لذا كانت تعلن تمسكها بأتفاقية 29 حزيران وفي نفس الوقت تدعم جماعة أبراهيم أحمد وجلال الطالباني، وتخلق المشاكل بين الطرفين(13))).
أخيراً وبعد هذه الضجة جاءت موافقة الحكومة على مضض في إصدار جريدة التآخي، وحاول مالك دوهان الحسن بوضع العديد من العراقيل في طريق جريدة التآخي أولها فرض عليها رقيباً عسكرياً فضلاً عن رقيبها المدني... فعادت جريدة التآخي من جديد لتصبح مصدر إزعاج للسلطة، وصارت مقالاتها تثير أعصاب الحاكمين، وعندما أقدمت الحكومة على تعديل الدستور المؤقت، كتبت التآخي مقالاً أفتتاحياً بعنوان (تعديل الدستور المؤقت مخالفة صريحة خيبت آمال الشعب) وقد أتهمت وزارة الثقافة والإرشاد التآخي بأنها خالفت قانون المطبوعات وأساءت إلى الوحدة الوطنية وبالحقد على كل من أسهم في قيادة هذا الشعب منذ ثورة 14 تموز/ يوليو حتى اليوم، لذا قررت تعطيلها بتاريخ الثامن من أيار/ مايو 1968 لمدة ثلاثين يوماً(14)..!
وفي اليوم التالي، رد صالح اليوسفي على مزاعم وزير الثقافة والإرشاد برسالة جوابية له، فند فيه الأسباب التي وردها الوزير بشأن تعطيل التآخي لمدة ثلاثين يوماً وإنها أساءت إلى المساواة بين المواطنين، ولم تكن مع نقل الصحافة من القطاع الخاص إلى العام، ولم تهتم بالنضال ضد الإستعمار، موضحاً على أن المذكرة مليئة بالأخطاء وبتزوير الحقائق ولا تعبر إلا عن حاقد على هذه الجريدة الوطنية التي أصبحت محل صدق وأحترام الناس(15)، ولم يتوقف الأمر بالنسبة لصالح اليوسفي على تلك المذكرة وإنما قدم مذكرة أخرى بتاريخ 25 أيار 1968 إلى رئيس الجمهورية..(ذكرت تفاصيلها في الحلقة السابقة).
وهكذا وبعد إنتهاء المدة القانونية لتعطيل جريدة التآخي، عادت من جديد لتقدم رسالتها وهاجمت في مقالها (خير الصحافة من ترشد وخير الحكومات من تسترشد)،المؤسسة العامة للصحافة لقيامها بوضع العديد من العراقيل في طريق التآخي ومنها منع الإعلانات الرسمية والشبه الرسمية عنها، كذلك أتخاذ مجلس الوزراء قراراً بحصر أستيراد الورق وبيعه بمطبعة الحكومة، والطلب من وزارة المالية أستثنائها من الحصر ومن ثم الطلب منها شراء كافة الورق المستورد لحسابها رغم وصول كميات كبير منه، إلا أن المؤسسة ماطلت بتسلمه فحرمت الصحف الأخرى من الإستفادة منه، وأختتمت التآخي مقالها مؤكداً: إننا في الوقت الذي نعرض الصعوبات التي تواجهنا في إصدار جريدتنا التآخي نضع هذه الحقائق أمام الرأي العام والسلطة معاً ونطلب وضع حد لها، ونؤكد أن على وزارة المالية وضع حد لموضوع ورق الصحف والزامها ببيعه وفق أسعار مطبعة الحكومة وأما ترك الأمر للمطبعة ذاتها(16).
وهكذا ظل الحوار والإنتقاد والجدل طويلاً ما بين جريدة التآخي ووزارة الثقافة والإرشاد والمؤسسة العامة للصحافة وذلك لأستمرار الحكومة من وضع العراقيل والمشاكل أمام جريدة التآخي وبشتى الأشكال، فكانت تحاصرها حتى على حصتها من أوراق الطبع..!!
وأدرجت التآخي الكتب المتبادلة بين وزارة المالية ووزارة الثقافة والإرشاد موضحاً: (( عند مراجعتنا مطبعة الحكومة لشراء ورق التآخي أشعرتنا المطبعة المذكورة بعدم وجود ورق لديها وأن موضوع بيعه أصبح من أختصاص المؤسسة العامة الأمر الذي دفعنا إلى تقديم طلبا إلى المؤسسة العامة لتزويدنا بكمية من الورق، ووافقت على أن يكون سعر البند الواحد بـ 1,150 دينار فوافقنا على السعر رغم أنه يزيد عن سعر مطبعة الحكومة بـ 150 فلساً للبند الواحد، وبعد أستلام الورق توضح لنا وللرأي العام ولقراء الجريدة إنه لا يصلح لطباعة الصحف نظراً لصغر حجمه عن الورق الأعتيادي ولكونه من أردء أنواع الورق نوعية)) وأضافت: (( يتضح من الكتب المثبة أعلاه أن المؤسسة المحترمة طلبت من وزارة المالية تسليمها كافة الورق الواصل إلى بغداد ومقداره 122,448 طناً وأشترطت أن يكون الدفع مؤجلاً ومقسطااً..!!
وأختتمت التآخي نقدها للمؤسسة تقول: (( أننا في الوقت الذي نحرص فيه أشد الحرص على أن تكون علاقتنا بالمؤسسة العامة علاقة موضوعية طيبة نود أن نؤكد للجميع بأننا تطرقنا إلى موضوع الورق كنموذج للمضايقة التي تعاني منها صحافة القطاع الخاص ولم نقصد من ذلك الإساءة للمؤسسة أو النيل منها وما دام المؤسسة المحترمة عمدت إلى تشويه ما كتبناه عمدنا آسفين إلى تثبيت الوقائع المذكورة في هذا التعليق حرصاً منا أولاً وآخراً على ثقة القراء بالأفكار التي نطرحها وصحة الآراء التي نذهب إليها(17).
إن ما سبق يظهر مدى تذبذب الحكومة التي تعاقبت على الحكم خلال 1967-1968 في مواقفها حيال المسألة الكوردية، فبقدر ما يتعلق الأمر بجريدة التآخي نجد أن الحكومة لم يكن بمقدورها إزاحتها، وحتى أنها لم تنجح في ألتفافها القانوني بإصدار قانون مؤسسة العامة للصحافة لأجل غلق جريدة التآخي، وكان صدورها من جديد محل نقد شديد للحكومة وحتى من وزرائها، فأنتقد (عبد الهادي الراوي) وزير الرعاية والشباب، الحكومة وعدا ذلك تنازلاً من قبل حكومة طاهر يحيى وعلى حساب هيبة الحكومة وكرامتها..!
وتسبب ذلك الرخاء والتهاون الحكومي بلبلة وإنقساماً كبيراً بين ضباط الجيش والأحزاب والحكومة، سيما إذا عرفنا أنها لم تكن تملك رصيداً شعبياً واسعاً، فمن جهة لم تكن تريد أن تحصل أي تقدم في القضية الكوردية بعد أتفاقية 29 حزيران، ومن جهة أخرى لم تكن تملك خيارات عديدة لإنهاء المسألة عسكرياً
لذا كانت تنتقد بأستمرار من قبل الأحزاب، إلا أن جاء إنقلاب 17 تموز 1968 الذي أطاح بالرئيس عبد الرحمن عارف ونفي إلى خارج العراق وتسلم حزب البعث العربي الإشتراكي السلطة، وأصبح أحمد حسن البكر رئيساً للجمهورية وعبد الرزاق النايف رئيساً للوزارة، وللحيلولة دون أي رد فعل كوردي سريع أزاء النظام الجديد، أكدوا على حل القضية الكوردية بشكل سلمي في العراق(18)...(يتبع)
ملاحظة: أقدم شكري الجزيل للأستاذ فرهاد محمد أحمد، لإستفادتي من بحثه ((مقص الرقابة:علاقة جريدة التاخي بالسلطة 1967– 1968 )) خلال هذه الحلقة.
المصادر والهوامش:
(1)حرب 1967: حرب شنتها أسرائيل في 5 يونيو/حزيران 1967 على ثلاث من دول جوارها العربي (مصر، سوريا، الأردن) شاركت العراق فيها وعدد من الدول العربية، دامت ستة أيام وهزمت فيها الأطراف العربية هزيمة ساحقة، وكان من نتائجها خسائر بشرية ومادية كبيرة، وأحتلال أجزاء واسعة من الأراضي العربية، وتدمير أغلبية العتاد العسكري العربي.
كل هذه النتائج العسكرية والإستراتيجية التي أسفرت عنها هزيمة يونيو/حزيران 1967 لا تزال تداعياتها متحكمة في الكثير من معادلات الصراع العربي الإسرائيلي.
(2)تنظر إلى هذه الأعداد من جريدة التآخي، العدد 6 في 4 أيار 1967، العدد 53 في حزيران 1967، العدد 67 في 7 تموز 1967.
(3)جريدة التآخي، العدد 215 في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1967
(4)الأستاذ فيصل حسون: كاتب وصحفي من بغداد، عمل في الصحافة العراقية في العام 1944، أنتخب نقيباً للصحفيين العراقيين لثلاث مرات، ونائباً لرئيس إتحاد الصحفيين العرب عام 1964، نشر أربعة مؤلفات: (خسرناها معركة فلنربحها حرباً في العام 1967) و(مصرع عبد السلام عارف في العام 1995) و(شهادات في هوامش التأريخ - في عام 2002 ) و(صحافة العراق ما بين 1945-1997)، لديه مخطوطة كتاب من أربعة أجزاء بعنوان (قصتي مع الصحافة- ومخطوطة بعنوان رحلات إلى أقاصي الدنيا- ومخطوطة بعنوان الكويت في التأريخ)، حضر عدة مؤتمرات صحفية وترأس وفوداً في عدة عواصم، عمل في دمشق مديراً لمكتب وكالة الأنباء العراقية لعام 1968 وكتب للصحافة الكويتية والسعودية، وباحثاً أول في وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بالكويت منذ سنة 1979وحتى 1999.
(5)مليح صالح شكر، الذكرة العراقية ليست انتقائية.
(6)مذكرة صالح اليوسفي الى رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف في 25 أيار/ مايو 1968
(7)جريدة خه بات، العدد (419) كانون الأول / ديسمبر 1967.
(8)مجلة صوت كردستان، لم يرد في المصادر الكوردية معلومات وافية عن هذه المجلة، سوى أنها صدرت من قبل الفرع الأول للحزب الديمقراطي الكوردستاني في شتاء 1967، وصدر منها خلال الاعوام 1967-1969 أربعة عشرة عدداً.
(9)مجلة صوت كردستان، العدد (9)، أيار/ مايو 1968
(10)فيصل حسون، شهادات في هوامش التاريخ، نقديم نجدة فتحي صفوة (ص – 356).
(11)مذكرة صالح اليوسفي إلى رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف.
(12- 13)سعد ناجي جواد – المسألة الكوردي من 1958 إلى 1970 ص 136
(14)جريدة التاخي، العدد (279)، 7 أيار/ مايو 1968
(15)فائق بطي صحافة تموز وتطور العراق السياسي ، ينظر إلى نص الكتاب الذي قدمه صالح اليوسفي ص 183- 189.
(16)جريدة التآخي، العدد (303)، 2 تموز/ يوليو 1968
(17)جريدة التآخي، العدد (306)، 5 تموز/ يوليو 1968
(18)مقص الرقابة:علاقة جريدة التآخي بالسلطة 1967– 1968 فرهاد محمد أحمد، أستاذ قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة دهوك.