1 قراءة دقيقة
الحلقة الرابعة والأربعون

زوزان صالح اليوسفي


الحلقة الرابعة والأربعون
 بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي


 أستمر حرب 1969 لقرابة سنة.. يقول الأستاذ علي سنجاري: (( بعد هزيمة قوات نظام حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق في معركة جبل سلباتو في كركوك وهزيمة أخرى كبيرة في منطقة (سه ركه لو) قرب جبل بيره مكرون غرب السليمانية ومعارك أخرى متفرقة في كوردستان وفشل رهانهم الخاسر على جماعة الجلاليين(1))).
كما أشرت فأن والدي كان مسؤول الإعلام في الجبهة إضافة إلى عضويته في المكتب السياسي في القيادة والحركة الثورية(2) وكان مستمراً في كتابة التقارير والمقالات السياسية.. وبالصدفة عثرت على هذه المقالة بخط يديه في أرشيفه المتواضع، ومن محاسن الصدف أنها تشير إلى نهاية عام 1969، التقرير واضح ويشير إلى مدى أهتمام والدي بالأحداث السياسية والعلمية التي حدثت آنذاك ومقارنتها بمعاناة شعبه المضطهد.. فقد كتب المناضل صالح اليوسفي هذا التقرير شهر تشرين الثاني/ نوفمبر1969:
(( البشرية تحقق إنجازين رائعين في غضون يوم واحد – رحلة أبولو – ومنع أنتشار الأسلحة النووية
على الرغم من أن شعبنا الكردي المضطهد يتعرض الآن ومنذ أكثر من ثماني سنوات خلت إلى حرب عنصرية همجية وحشية وخراب ودمار شامل على أيدي جلاوزة البعث الفاشي بدرجة قلما شهدت البشرية لها مثيلاً من الوحشية على الرغم من كل ذلك فإنه لم يسبق قط وفي أحلك الظروف حياته المريرة تطلعات البشرية وإنجازاتها الباهرة.
فقد كان يتابع بأهتمام كبير وأبتهاج بالغ المآثر العلمية المذهلة التي فجرتها الأدمغة بني الإنسان الجبارة المتمثلة في رحلة السفينة الفضائية أبولو (12) بأجهزتها العلمية الدقيقة الخارقة وبالإنجازات الرائعة التي قام بها ملاحوها الثلاثة شارلس كونراد والين بين وكوردون إلى أن تمت نهاية مطافها بالهبوط في المحيط الهادي في منتصف ليلة أمس بعد أن أنجزت جميع أهداف رحلتها الكاملة في الهبوط الملاحين الأولين على سطح القمر وألتقاط عيناته وأنتزاع جزء من السفينة القديمة الرابضة على سطحه وغيرها من الإنجازات الضخمة بدقة متناهية تثير الإعجاب وتخلب الألباب. فإن دلت كل ذلك على شيء فإنما يدل على عبقرية العقل البشري وجبروته في قهر المعجزات.
ومما ضاعف من غبطة وأبتهاج شعبنا هو مصادفة أقتران موعد تحقيق هذا الإنجاز العظيم بإنجاز آخر لا يقل منه أهمية وقيمة لدى البشرية ألا وهو توصل الوفدين السوفيتي والأمريكي في نفس اليوم وفي غضون المحادثة الجارية في هلسنكي إلى منع أنتشار الأسلحة النووية تمهيداً للتوصل إلى أتفاقية أخرى قد تكون فاتحة بشر وخير لتبديد المخاوف والمخاطر التي تحدق بالبشرية وتنغص عيشها وتهدد حياتها وحضارتها إلى الفناء والدمار منذ عشية تفجير عهد الذرة ألا وهي التوصل إلى منع أستخدام الأسلحة النووية وأتلافها علماً بأن هذه المساعي الحميدة توجت في هذا اليوم ذاته على تصديق هيئة البرلمان السوفيتي من جهة والرئيس نيكسن من جهة أخرى على أتفاقية منع أنتشار الأسلحة النووية تميهداً للتوصل إلى أتفاقية أخرى قد تكون فاتحة بشر وخير لتبديد المخاوف والمخاطر التي تحدق بالبشرية وتنغص عيشها وتهدد حياتها وحضارتها إلى الفناء والدمار منذ عشية تفجير عهد الذرة ألا وهي التوصل إلى أستخدام الأسلحة النووية وإتلافها علماً بأن هذه المساعي الحميدة توجهت في هذا اليوم ذاته على تصديق هيئة البرلمان السوفيتي من جهة والرئيس نيكسن من جهة أخرى على أتفاقية منع أنتشار الأسلحة النووية.
وكانت أمنية بني الإنسان بما فيهم الإنسان الكردي وضع حد لإنهاء الحروب بمختلف أشكالها الساخنة والباردة والدولية والمحلية وإزالة جميع آثارها وترسباتها من مخلفات الخوف والقلق والتوتر والكراهية لتحل محلها أجواء رحبة من التعايش السلّمي والإخاء القومي والوطني بين مختلف الشعوب والأقوام والأنظمة والأتجاهات المختلفة وتسودهم روح العدل والحرية والتنافس السلمي في تطوير الحياة البشرية والتفهم السليم بكنه مسؤوليات الإنسانية ومتطلباتها لتصب جميع الطاقات الخيرة الهائلة من أجل إسعاد بني جنسها الحائر المعذب وتحقيق رغباته وطموحه من العيش السعيد ونهضته الحضارية الجبارة.
 وختاماً لا يسعنا ونحن نواجه أقتران هذين الإنجازين العظمين في غضون يوم واحد بمزيد من الإبتهاج والإجلال لا يسعنا إلا وأن نقدم بأسم شعبنا وحزبنا وقائدنا البارزاني أحر التهاني والتبريكات أولاً إلى الملاحين الثلاثة وكل العلماء والعمال الذين ساهموا في إعداد أتقان المركبتين الفضائيتين ومتابعتها الأرضية وإلى شعبي الولايات المتحدة الأمريكية وجمهوريات الأتحاد السوفيتي وكل الشعوب على تحقيق هذين الإنجازين الباهرين اللذين يعدان جزءً هاماً من تطلعات البشرية بأسرها وموضع فرحتها الكبرى(3))).

 خلال نهايات عام 1969 وبعد عدة أشهر من حرب متواصل بين النظام العراقي والجماعات الموالية له، وبين ثوار الأكراد وقيادتها.. أدرك النظام أستحالة القضاء على الحركة الثورية في كوردستان العراق، فبدأت شيئاً فشيئاً بتغير سياستها وبادر النظام لفتح باب المفوضات مرة أخرى مع القيادة الكوردية وحل القضية، وبجهود الخيريين من أبناء الشعب العراقي وفي مقدمتهم الأستاذ عزيز شريف، ففي 4 تشرين الأول / سبتمبر 1969 صدر مرسوم جمهوري بتأليف محافظة دهوك، من أربعة أقضية (دهوك وزاخو والعمادية وعقرة) وكان هذا المطلب من ضمن مطالب القيادة الكوردية خلال المفاوضات اللاحقة، وعين الأستاذ عكيد صديق آميدي كأول محافظ لمدينة دهوك.
والخطوة الثانية كان إيفاد الأستاذ عزيز شريف إلى القيادة الكوردية من أجل البحث عن حل المشاكل بين الجانبين والدخول في المفاوضات.. ومن خلال زيارة الأستاذ عزيز شريف للقيادة الكوردية ولقائه بالزعيم البارزاني والقيادة وبصالح اليوسفي.. شرح ووضح له والدي موقفه والكثير من الأمور وشارك في كل المفاوضات قبل أن تعلن أتفاقية 11 آذار، على رغم من المحاولات والمؤامرات العديدة من بعض الإنتهازيين بين أعضاء القيادة الكوردية التي كانت تحاك ضد والدي لمنعه المشاركة في المفاوضات إلى أن زخم موقع والدي في القيادة وقوة شخصيته والكفة الأرجح من محبيه ومريده والمخلصين، ومن خلال محبة وأحترام وتقدير الزعيم ملا مصطفى البارزاني وإيمانه بقدرات والدي وشجاعته ودبلوماسيته السياسية الهائلة مع النظام من خلال المفاوضات أفشلت كل تلك مخططات والمؤمرات رغم أنها أستمرت حتى إلى نكسة 1975..!!
وقد ذكر والدي : (( وربما نقل الأخ عزيز شريف أنطباعاته حول موقفي آنذاك إلى سيادتكم ومن ثم كان دوري الإيجابي الفعال طوال فترات المفاوضات ولحين إصدار بيان 11 آذار علماً بأنه كانت هناك أولاً محاولة تخريبية بعدم إشراكِ في وفد المفاوضات لموقفي السلمي المعروف والودّي وبتحريض الأوساط الرجعية..... ثم بعد توصلنا إلى التفاهم في المرحلة الأخيرة فقمت بدور رئيسي فعال مع بقية الأخوة والأخوان نوري شاوه يس وعزيز عقراوي والمرحوم نافذ جلال ويد الله كريم وغيرهم فأفسدنا المحاولة للمرة الثانية، ومن ثم ركزت جل جهودي وأستخدمت كل قوتي وشخصيتي الحزبية والشعبية مع الرفاق المناضلين ذوي المبادئ والكوادر المتقدمة من بعض مسؤولي وأعضاء الفروع واللجان المحلية المعروفين من أجل إرساء أمتن العلاقات والوشائج المصيرية بين حركة شعبنا وحزبنا وبين الثورة العربية..
 وقد جرت عدة محاولات ضدي شخصياً(4).............. يتبع

 المصادر والهوامش:
(1)القضية الكوردية وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – علي سنجاري – ص 406
(2)كان الأستاذ صالح اليوسفي عضواً منذ بداية تأسيس الحزب في 16 آب 1946، وفي سنة 1964 أصبح عضو مجلس قيادة الثورة الكوردية، وفي المؤتمرين السابع والثامن أصبح عضواً للمكتب السياسي للبارتي – الأستاذ صالح اليوسفي – نجمٌ ساطع في تاريخ الكورد – محمد ملا قادر 4 / 5/ 2004.
(3)من أرشيف صالح اليوسفي (البشرية تحقق إنجازين رائعين في غضون يوم واحد – رحلة أبولو – ومنع أنتشار الأسلحة النووية).
 (4)من مذكرة صالح اليوسفي إلى الرئيس أحمد حسن البكر.




تم عمل هذا الموقع بواسطة