الحلقة: الخمسون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
المسؤوليات التي تسلمها المناضل صالح اليوسفي..
إن الشخصيات الكردية التي تسلمت مسؤولية المناصب التنفيذية في الوزارات طبقاً لمؤهلاتهم العلمية وكل حسب إختصاصه، أما والدي فلكونه كان مسؤولاً للفرع الخامس للبارتي في بغداد، والذي كان مسؤولاً عن جميع المنظمات الكردية الجماهيرية والمهنية في بغداد، ولكونه أيضاً كان يلعب الدور الأول في التنسيق بين قيادة الثورة الكردية والحكومة العراقية طوال سنوات الهدنة الأربعة بعد أتفاقية 11 آذار، فقد أنيطت به وزارة الدولة.
تسلم صالح اليوسفي عدة مناصب متدرجة بعد أتفاقية 11 آذار/ مارس 1970 وخلال أربعة أعوام من الهدنة بين الحكومة العراقية والقيادة الكوردية ( 1970– 1974 )، ومن هذه المناصب التي تسلمها والدي:
1 – بتاريخ 29 آذار/ مارس 1970، تسلم وزارة الدولة.
2 – مسؤول الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد.
3 – نائب رئيس جمعية الصداقة والتعاون العراقية السوفيتية.
4 – رئيس أتحاد الأدباء والكتاب الكورد لسنوات ( 1971– 1972– 1973– 1974 إلى آذار 1975).
5 – رئيس جمعية الثقافة الكوردية.
6 – عضو مجلس السلم والتضامن العالمي.
7 – عضو مجلس السلم والتضامن العراقي.
8 – عضو لجنة السلام المسؤولة عن تطبيق بنود أتفاقية آذار.
9 – عضو غير متفرغ في مجلس التخطيط التربوي.
10 – مسؤول مشرف على أتحاد طلبة كوردستان .
11- مسؤول مشرف على أتحاد الشبيبة الديمقراطي الكوردستاني.
12 – مسؤول مشرف على إتحاد نقابات العمال والجمعيات الفلاحية والتعاونية الكوردستانية.
13 – رئيس تحرير مجلة شمس كوردستان باللغتين العربية والكوردية.
14 – رئيس تحرير مجلة ئستير – النجمة للأطفال باللغة الكوردية.
كان والدي يداوم صباحاً في مقر الوزارة، ومساءاً في مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد، وغالباً ما كان يقوم أيضاً بأستقبال الضيوف في بيتنا عصراً قبل خروجه إلى مقر الحزب، وأغلب هؤلاء الضيوف كانوا من اللذين لديهم طلبات خاصة أو معاملات، فكان يلبي طلباتهم ويقول لوالدتي أي شخص يأتي لا تردوهُ خائباً، لذا دائماً كان بيتنا مقراً إضافياً لعمل والدي لتلبية طلبات الجماهير من كل أنحاء العراق.
سيطرة صدام على نظام الحكم..
بدأ نجم وقوة صدام حسين يظهر شيئاً فشيئاً وأخذ يفرض قرارته وأحكامه وسلطته منذ تسلم نظام البعث لحكم العراق، وكانت طبيعة شخصية صدام منذ البداية وحتى سقوط حكمه عام 2003، هو التخلص فوراً من أية شخصية يشك فيها قيد شعرة دون أي قيد أو محاكمة..! والمشاهد كثيرة لا تعد ولاتحصى..! وبهذا الأسلوب والشخصية فرض صدام نفسه بكل قوة على المسرح السياسي العراقي، وبدأ الشعب العراقي والشخصيات السياسية يحسبون لهُ ألف حساب..! فمنذ نهاية عام 1969 سيطر صدام حسين على جميع أجهزة الأمن والأستخبارات في العراق، خاصة جهاز للأستخبارات أسسه بنفسه بأسم (حنين)، كما أشرف بنفسه على تنظيمات وخلايا حزب البعث بداخل الجيش العراقي وخارجه، كما سيطر على جهاز الأستخبارات المرتبطة بوزارة الدفاع، وعلى مديرية الأمن العامة، كما سيطر على كافة أجهزة الشرطة وشكل مديرية المخابرات العامة في عام 1971.
بعد فشل محاولة الإنقلاب عبد الغني الرواي وعبد الرزاق النايف في نهاية عام 1969 والتي أشرت إليها في الحلقات السابقة، ظهرت محاولة إنقلابية أخرى في نهاية عام 1970، بقيادة الفريق الطيار حردان التكريتي (وزير الدفاع).
نقلاً عن الأستاذ شكيب عقراوي: ((في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1970 حاول الفريق الطيار حردان التكريتي الذي كان وزير الدفاع للقيام بمحاولة إنقلابية، ولكن المحاولة فشلت بسبب عدم توفر الجرأءة والإقدام لدى قائد الوحدة العسكرية الذي كان قد عهد إليه حردان التكريتي للتحرك والسيطرة على القصر الجمهوري، فقرر البكر وصدام بعد أن علما بهذا المخطط بإبعاد حردان وتعينه سفيراً في الخارج، وفي آذار/ مارس 1971 أرسل صدام عدداً من مرافقيه لأغتيال حردان التكريتي في الكويت (1))).
محاولة أغتيال السيد أدريس البارزاني..
بتاريخ 6 / 12/ 1970 بينما كان المرحوم أدريس البارزاني عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني يقوم بزيارة إلى بغداد، قام البعض من الكورد الموالين للحكومة بإطلاق النار على سيارته، ولم يكن أدريس في السيارة أثناء المحاولة مما أدى إلى إصابة عضو اللجنة المركزية للحزب (حميد برواري)(2).
ذكر أحد الصحفيين: (( شاهدت اليوسفي عقب حادث إطلاق النار على موكب إدريس البارزاني ببغداد عام 1971 وهو يرفض التصريح لمراسلي الصحف ووكالات الأنباء (الأجنبية) عن الجهة التي تقف وراء الحادث، وعندما قلت له إنها فرصة لنفضح مخططات الزمرة الفاسدة وتآمرها على القضية الكردية ورموزها الوطنية، ردَّ اليوسفي عليَّ: إن هذه الزمرة لا يفيد معها التصريحات الصحفية لأنه من السهل عليها أن تنفي ذلك، إنها تريد جرنا إلى معركة غير متكافئة، دعونا نعالج الأمر بحكمة )).
وحول هذا الموضوع كتب المهندس أحسان شيرزاد في مذكراته: (( أجتمعنا مع صالح اليوسفي، ونوري شاويس، وحبيب كريم، ودارا توفيق، ومحمد محمود، ونافذ جلال في مكتب نوري شاويس، تباحثنا حول موضوع إطلاق سراح الموقفين في حادث الإعتداء على سيارة أدريس، وقد عرض في الإجتماع أن إجراءات الحكومة غير جدية وأن الموضوع لم يأخذ بالجدية والإهتمام اللازمين وقد بين صالح اليوسفي بأن علينا العمل ضمن إطار أن المؤامرة كبيرة وهي ضد التقدمية، ويجب أن تُستعمل الحكمة في المعالجة، وقد أيدته وأيده الجميع... )).
كان من أبرز سمات والدي ذلك الهدوء في التفكير حتى في أحلك الظروف وأصعب الساعات، كان يمثل عنصر تفاوضي هام في القيادة الكردية، وكانت الفترة التي أعقبت آذار/ مارس 1970 مرحلة حاسمة بين قيادة الثورة الكوردية وبين السلطة لذلك حاول والدي جهده لأظهار حسن النوايا ورغبة الكورد بالتعايش السلمي، فكان يحاول جُل قدرته أن تكون الحكمة والصبر وبرودة الإعصاب والنفس الطويل هي الكفة الأرجح في سياسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقيادته نحو كل حدث سلبي أو أنتهاك يحدث من قِبل الحكومة إتجاه الجانب الكوردي.. وذلك ليس معناهُ الخوف أو الإنصياع التام من المواقف المعادية من قبل الحكومة وعدم قدرة تحدي والدي والمجابهة لها.. بل بالعكس كان يقف دائماً بجرأته المعهودة أمام كائن من يكون متحدياً وجريئاً بمواجهاته ويرد الصاع صاعين بوجههم..!!، تجعل المقابل يرتعد خوفاً من شجاعته..! وهناك عدة مواقف ما زال يشهدها العديد من الأخوة سواء نقلاً عنهم أو نقلاً عن أبائهم وأقربائهم.
بعض المواقف عن جرأة صالح اليوسفي..
يذكر الأستاذ القاضي كاوه فتحي: (( يذكر الأستاذ القاضي كاوه فتحي معصوم عن ذكرى تعود إلى عام 1971 حين كان والده المناضل (فتحي معصوم) مسؤول الحزب الديمقراطي الكوردستاني في منطقة الفرات الأوسط وهي تشمل كل من محافظات (الحلة وكربلاء والديوانية)، ونقلاً عن والده أنه حدثت مشاكل بين منظمة البارتي مع نقابة المعلمين في محافظة الحلة (بابل)، أضطر صالح اليوسفي لزيارة مدينة الحلة ومقر نقابة المعلمين لحل تلك المشكلة العالقة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبين نقابة المعلمين، وبعد أجتماع والدي مع الطرفين وبحثهما في موضوع الخلاف وعندما أحتد النقاش بينهما، فأن الشهيد صالح اليوسفي قال للهم صائحاً وبالحرف الواحد: (( أسمعوا... إذا أنتم حكومة... فنحن ثورة.. ))، وأضاف الأستاذ كاوه قائلاً: قال والدي (المناضل فتحي معصوم) عندها وبهذه الكلمات تنفست الصعداء وغمرت قلبي الفرحة.
ويقول الأستاذ أبو علي: (( أختنا الفاضلة.. الحق يجب أن يقال.. والدك كان يدافع عن الحق وعن المظلومين، حين كان في موقع مسؤولية في الحزب والدولة آنذاك، وأنا ألتقيت بهِ في مقر الفرع الخامس، وكنت حينها في بعقوبة، وكنا عندما تضيق علينا السلطة، وخاصة الدوائر الأمنية في المحافظة، كان والدك كالنسر يحضر ويتصل بالسلطات العليا أو السلطات المحلية ويبقى أحياناً إلى ساعات من الليل إلى أن يتم الإفراج عن المعتقلين.. وأتذكر أحد الأيام كان لدينا أستعراض السنوي لمدارس المحافظة، وكانت المدارس في أقضية خانقين ومدينتنا قد حصدت أكثرية الأوسمة، وكانت الجماهير الطلابية سعيدة بهذا الفوز، فتدخلت القوات الأمنية.. وتم إلقاء القبض على الكثير من الطلبة..!، وكنت على أتصال بوالدك لكوني مسؤول إتحاد طلبة كوردستان .ل.م. بعقوبة وعضو فرع ديالى في خانقين، ظل والدك معنا إلى أذان الصباح حتى تم الإفراج عن كل الطلبة..! )).
صديق آخر من زاخو يذكر: (( زار والدك (رحمه الله) مدينه زاخو مع وفد حكومي في السبعينات وبعد إلقاء الخطب الوطنية والحماسية وبعد فترة من الإستراحه في القائمقامية القديمة نزلوا هو والوفد الحكومي التي كان يرافقه، وكان فضولي يومها دفعني أن أتقرب منهم لكي أرى الوالد عن قرب، فدار بين الوفد الحكومي حديث، وطلبوا من الوالدك زيارة جسرالعباسي لأنه فرصة لهم في زاخو يومها.. وقال أحد الموفدين من الحكومة قائلاً: (( نريد أن نزور الجسر الذي بناهُ أجدادنا العباسيين.. )).
فرد عليه الوالد قائلاً: (( الجسر ليس للعباسيين أي دخل في بناءهُ.. بعد أستعماركم لكوردستان زار أحد خلفاء العباسيين فتعجب من بناءهُ لذلك سموهُ بالعباسي.. في الحقيقه هو (جسر دلال) بأسم أبنة أمير زاخو كوردي يومها..))... يتبع
المصادر:
(1)سنوات المحنة في كوردستان – شكيب عقراوي – ص 310، 311.
(2) القضية الكوردية وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – علي سنجاري – الجزء الأول.