1 قراءة دقيقة
الحلقة الخامسة والعشرون – الجزء الثالث

زوزان صالح اليوسفي

الحلقة الخامسة والعشرون – الجزء الثالث
بقلم: زوزان صالح اليوسفي

(فرأيت أنه من الأفضل الأقتراح عليه وعلى أعضاء الوفد بمغادرة بغداد بحجة إجراء بعض المشاورات مع البارزاني وقيادة الحزب، فأبى اليوسفي ذلك مبدياً رأيه بأنه سيبذل قصارى جهده للتوصل إلى إتفاق سلمي مع السلطة لحرصه الشديد على مصلحة الشعب الكردي ولحسن نيته ورغبته في الوصول إلى النتيجة ولا يريد أن يكون الكورد هم البادئ بقطع المفاوضات – الأستاذ محسم دزه يى).

يذكر الأستاذ المناضل محسن دزه يى عن ذكرياته مع المناضل صالح اليوسفي عن فترة مفاوضات 1963: (( ليس من السهولة أن تكتب عن صديق قريب إليك زاملته لسنوات طويلة وشاركته السراء والضراء، أقول السراء ولو كان نصيب الكورد منه قليلاً، شاركت اليوسفي أيام الثورة الكردية الصعبة ولاقينا جميعاً الأمرين وذقنا طعم العوز والفاقه بسبب الظروف التي مرت بها الثورة، عرفت الرجل عن بعيد قبل سنة 1963 وسمعت عنه الكثير، سمعت عن نضاله وتفانيه في خدمة شعبه الكردي، وعرفته عن كثب سنة 1963 عندما كان ضمن الوفد الكوردي المفاوض إلى بغداد للحوار مع الحكومة العراقية الجديدة التي أستولت على الحكم بعد الإنقلاب الأسود في شباط / فبراير 1963، كنت في بغداد في أواخر شهر شباط/ فبراير من تلك السنة لمتابعة قضية شقيقي (الدكتور أنور) الذي ألقي القبض عليه بعد الأنقلاب ببضعة أيام مشتبهين به خلال بحثهم عن شخصٍ آخر في نفس المهنة، وبعد أسابيع أخلي سبيله بعد أن لاقى صنوف التعذيب وقد أطلق سراحه ضمن القائمة التي أعدها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأسماء المعتقلين الكورد من أعضاء ومؤيدي الحزب، إذ كانت العلاقة مع الأنقلابين تتسم بنوع من المودة في بادئ الأمر، ذهبنا أنا وشقيقي أنور بعد إطلاق سراحه في أوائل آذار/ مارس من تلك السنة لزيارة الوفد الكردي المفاوض الذي كان يحل في فندق سميراميس ببغداد، قابلنا في الفندق رئيس الوفد السيد جلال الطالباني ثم البعض من الأعضاء المتواجدين في الفندق في ذلك اليوم وكان الأستاذ صالح اليوسفي من جملة من تواجد هناك، بعد الإنتهاء من لقاء رئيس الوفد أجتمعنا بالسيد اليوسفي في إحدى الغرف المخصصة لذلك الغرض، كانت تلك المرة الأولى التي ألتقي باليوسفي وجهاً لوجه، وقضينا معه زهاء الساعة يسرد لنا خلالها تفاصيل المفاوضات مع البعث ومطاليب الكرد ومماطلات السلطة، وجدته إنساناً متواضعاً جداً، طيب القلب، بسيطاً في تصرفاته وملبسه، صريحاً، ومخلصاً لقضية شعبه ومؤمناً بعدالتها.
كان الفندق آنذاك مكتظاً بالزوار الكورد للسلام على الوفد والترحيب به أو لطلب العون في قضاء بعض الأعمال، ترددت على الفندق بعد ذلك عدة مرات لتتبع الأخبار الأخيرة ومدى تقدم المفاوضات، وفي كل زيارة لي للفندق كنت ألتقي باليوسفي وأراه في نفس الهدوء والتواضع، عدت إلى أربيل وبعد فترة وجيزة وقبل حلول عيد نوروز عدت ثانية إلى بغداد للعمل على الحصول على جواز ومواقفة سفر لشقيقي أنور للخروج من العراق، حلَ عيد النوروز وحضرت الأحتفال الذي جرى بمناسبته في قاعة الخلد في بغداد وتحدث الشهيد صالح اليوسفي في كلمة مسهبة بالمناسبة بصفته مسؤولاً عن الفرع الخامس للحزب في بغداد، أجج فيها الروح القومية بين الحاضرين متحدثاً عن مراحل المفاوضات الجارية والعراقيل التي توضع في طريقها وأساليب السلطة الملتوية.. كان لقائي الأخير باليوسفي آنذاك في منتصف شهر أيار/ مايو من تلك السنة حيث كنت في بغداد في زيارة عمل آخر، وبعكس المرات السابقة وجدت الفندق خالياً من الزوار عدا بعض أعضاء الوفد ورجال الأمن المنتشرين هنا وهناك وعلى أبواب الفندق، كان المتواجدون من أعضاء الوفد يقضون أوقاتهم بدون عمل وآثار القلق بادية عليهم، ووجدت الأجواء متوترة جداً وأيقنت بأن الوفد لا يلقى إلا المماطلة والتسويف، كان الأكراد يتجنبون زيارة الفندق أو لقاء أعضاء الوفد بسبب مراقبة رجال الأمن الواقفين في مدخله، في تلك الظروف الدقيقة ألتقيت بالسيد اليوسفي فوجدته في نفس هدوئه وتواضعه مبدياً بعض التذمر وعدم الرضا من أسلوب السلطة ومراوغاتها في التفاوض ومع هذا فقد وجدت بأن اليوسفي لا يزال متفائلاً ويأمل في إيجاد الصيغة المناسبة، سألته عن رئيس الوفد جلال الطالباني، فقال أنه غادر العراق لأجراء بعض الأتصالات مع المسؤولين العرب، وعلمت بأن حبيب محمد كريم أحد أعضاء الوفد قد تمكن من الهرب من الفندق عن طريق خداع رجال الأمن..؟! فرأيت أنه من الأفضل الأقتراح عليه وعلى أعضاء الوفد بمغادرة بغداد بحجة إجراء بعض المشاورات مع البارزاني وقيادة الحزب، فأبى ذلك مبدياً رأيه بأنه سيبذل قصارى جهده للتوصل إلى إتفاق سلمي مع السلطة لحرصه الشديد على مصلحة الشعب الكردي ولحسن نيته ورغبته في الوصول إلى النتيجة ولا يريد أن يكون الكورد هو البادئ بقطع المفاوضات.. غادرت بغداد بعد أن تركت الوفد هناك، وكان الوضع متوتراً جداً ينذر بالشر ولم تمضي إلا أيام قليلة حتى وأن نشب القتال مرة أخرى في كوردستان، ونعرف ما حلَّ بالوفد، إذ أعتقلت السلطة جميع من وقع تحت أيديها من أعضاءه بضمنهم صالح اليوسفي، بخلاف تعهداتها وبخلاف مبادئ الضيافة والشرف، وقد لاقى أعضاء الوفد أشد أنواع التعذيب وأقساها وخاصة الشهيد صالح اليوسفي الذي قاوم كل ذلك مقاومة بطولية رغم وضعه الجسماني ونحافته(1))).
وصادف في هذه الأثناء وقوع إنقلاب عسكري آخر في سوريا يقودها أيضاً حزب البعث العربي الإشتراكي في آذار/ مارس 1963 مما جعل ذلك من النظام الجديد في العراق أكثر غروراً وثقة بالنفس وأقسى وأشد إجراءاً ومعاملة مع جميع الفئات السياسية الأخرى(2).
غادر رئيس الوفد جلال الطالباني بغداد في آواخر نيسان/ أبريل 1963 وبقي أعضاء الوفد الأخرين برئاسة صالح يوسفي لمواصلة المفاوضات وخلال شهر نيسان ولغاية حزيران كانت الأستعدادات العسكرية تجرى على قدم وساق لتطهير الجيش العراقي من بقايا الموالين لعبدالكريم قاسم ونقل القطعات الموالية لأنقلاب البعث ــ عبدالسلام عارف إلى كوردستان تمهيداً لشن الحرب ضد الشعب الكوردي(3)..
ويذكر الأستاذ المناضل علي سنجاري من خلال مذكراته: (( في شهر أيار/ مايس 1963 كنت قد خرجت من سجن الموصل بكفالة حيث كان قد تم أعتقالي في 10 أيلول/ سبتمبر 1961 في الموصل قبل يوم من أندلاع ثورة أيلول، وجئت إلى بغداد بأمر من الحزب وأصبحت عضواً في الفرع الخامس للحزب في بغداد، وكان أستاذي الشهيد صالح اليوسفي مسؤولاً لفرع الحزب هناك وكنت موضع ثقته حيث طلب الأستاذ اليوسفي أن أرافقه لزيارة السفير المصري في بغداد وكان السفير أسمه (أمين هويدي) وفعلاً قمنا في إحدى الليالي من شهر أيار/ مايس 1963، بزيارة السفير بداره وقدمني الأستاذ اليوسفي للسفير قائلاً بأن الأخ علي سنجاري من كوادر حزبنا المخلصين يمكن الأعتماد عليه، وأثناء الحديث ذكر السفير بأن الجماعة ويقصد قادة الإنقلاب يستعدون للحرب ضدكم حيث كانت المفاوضات مازالت مستمرة بين الوفد الكوردي وقادة الأنقلاب، فأجاب اليوسفي هذا صحيح وهو أمر مؤسف، لقد أتفق الشهيد اليوسفي مع السفير بأن أراجع أنا القنصلية المصرية في باب المعظم للأتصال مع المسؤول الأمني في القنصلية وكان أسمه (محمد متولي) لأن السفارة مراقبة من الحرس القومي والأمن العراقي، ومراجعة القنصلية أسهل من السفارة(4)...
يذكر الأستاذ الكبير فؤاد عارف عن مضمون مفاوضات 1963 قائلاً: (( أما بصدد تنفيذ المطالب فقد أصدر مجلس قيادة ثورة رمضان بياناً أقرّ فيه الحقوق القومية للشعب الكوردي على أساس اللامركزية وقد وعد البيان أن تعتمد هذه الصيغة في الدستور العراقي المؤقت والدائم، ولم تتضح تماماً صيغة اللامركزية(5) هذه في البيان، وأعتقد (والحديث للأستاذ فؤاد عارف) أن الخلاف جرى من بعد حول مسألتين، الصيغة من جهة، والتلكؤ في التنفيذ من جهة أخرى.. لقد وجدت الحكومة مصطلح الإدارة الذاتية أخف وطأة من الحكم الذاتي(6)، أو أن الإدارة اللامركزية كانت مقبولة في نظرها أكثر من مصطلح الحكم الذاتي، في حين تشبثت القيادة الكوردية بمصطلح الحكم الذاتي أكثر، بالرغم من أنها وافقت بعد ذلك على المصطلحات التي أرادتها الحكومة آنذاك.. فقد تم الإتفاق على الإدارية الذاتية، وفي فترة أخرى وافقت على الإدارة اللامركزية، وكانت وجهة نظري (والكلام ما زال للأستاذ فؤاد عارف) هي: كم يمنح الشعب الكردي من حقوقه القومية..؟ ما معنى اللامركزية إن كان واقع الحال لا يعبر حقاً عن إدارة لامركزية وتمتع الشعب الكردي بإدارة نفسه محلياً، أي لامركزياً، أقول إن العبرة بمدى تحقق المكاسب وليس بالعناوين.. ولعل أهم أسباب الخلاف كما أعتقد، وعدم التوصل إلى نتائج إيجابية في النهاية هي مسألة مدلول هذه المصطلحات في ذهن كل من الطرفين وعلى الرغم من أن أجتماعات جرت مدلولها هذه المصطلحات في ذهن كل من الطرفين، وعلى الرغم من أن أجتماعات جرت بين الوفدين الشعبي الكوردي، إلا إن المفاوضات لم تسفر عن نتيجة لأن السبب كان يكمن في أختلاف مفهوم الإدارة الذاتية لدى الوفدين من جهة وأفتقار الوفد الشعبي إلى صلاحيات حقيقية، مما دفع الحركة الكردية إلى المطالبة بمفاوضة أعضاء رسميين من الجانب الحكومي، وفعلاً قامت الحكومة بتشكيل وفد مفاوض رسمي مؤلف من الفريق صالح مهدي عماش وزير الدفاع، والعميد ناجي طالب وزير الزراعة، وحازم جواد وكيل وزارة الداخلية مع بابا علي، هذه إضافة إلى الوفد الشعبي الذي أنضم إلى الوفد الرسمي وبدأت الأجتماعات تتخذ طابعاً أكثر جدية من ذي قبل وبدأ الوفدان يعملان على صياغة قانون الإدارة اللامركزية المتبع آنذاك في جمهورية السودان، وخطت المفاوضات خطوات جيدة لمصلحة حل المشكلة وإقرار المشروع وضمان السلام في كردستان، إلا أن المفاوضات تعثرت ووصلت إلى طريق مسدود بسبب إختلاف في تحديد الحدود الجغرافية للمنطقة التي ستخضع إلى قانون الإدارة اللامركزية وكان هذا هو السبب في عودة الأقتتال بعد فشل المفاوضات في حينه، وبدأ القتال قبل منتصف حزيران/ يونيو 1963 وسأت الأحوال النفسية والأقتصادية في كردستان وأضطربت أكثر من ذي قبل(7))).
من خلال هذا الموقف للأستاذ فؤاد عارف.. أستنتجت حسب رأي المتواضع وعبر تعليق لوالدي من خلال مذكراته أن تلك المسؤولية لو قدرّ أن ينجزها والدي بخبرته الدبلوماسية وحنكته السياسية ربما الكثير من الأحداث والكوارث اللاحقة لم تكن لتقع، فقد صرح والدي عبرّ مذكرته من خلال هذا المقتطف: ((... ولكن لم يكن يسمو شيء لديّ فوق العقيدة والمبدأ فكنت أرد عليهم رغم تحمل السلطة مسؤولية كبيرة في تعقيد الأمور فأن مسؤوليتنا لا تقل عنها وسوف يأتي ذلك اليوم الذي تدركون فيها مدى صواب موقفي، وبعد أتفاقية سلام بارزاني في 10 شباط عام 1975 كنت أرد عليهم: الآن تجلت الحقيقة الناصعة – أهل بعد هذا الدمار الشامل هناك أي مقارنة بين البون الشاسع بما تكرمت بها هذه الأتفاقية وبين مشروع اللامركزية عام 1963 والذي كان يضم بين جوانحه ركائز مهمة من الحكم الذاتي وكان بوسعنا الحصول على إطار أوسع وتجاوز هذه المجازر بالمرة فيما لو كنا نتمتع بمرونة وموضوعية أيجابيتين في علاقتنا مع بعضنا البعض..(8))).
من خلال مذكرات مام جلال يتطرق بأن القيادة في نهايات مفاوضات 1963 طالبت بالحكم الفيدرالي(9)، فيذكر مام جلال من خلال آخر مفاوضات القيادة مع حكومة عبد السلام يقول: ((...وجرى الحديث بينهم، قدم البارزاني خلال اللقاء بعض المطالب الجيدة، مثل الحكم الفيدرالي والذي تم إعداده من قبل بعض الأشخاص المقربين منه مثلي أنا والعقيد كافي وعمر دبابة، وحين تقدم البارزاني بهذه المطالب إستغرب معظم أعضاء الوفد لأن ذلك كان أكثر من الحكم الذاتي(10)))..!
رغم أنني لا أملك عُشر الخبرة السياسية من خبرة الأستاذ مام جلال.. ولكن ما أعرفهُ ومن خلال المنطق، كل شيء يبدأ بالخطوة الأولى ثم تليها الخطوات التالية.. فهل كل من مام جلال والعقيد كافي وعمر دبابة ورطوا القيادة بمثل هذا الطلب وفي تلك الظروف..؟! ولماذا..؟! هذا ما لا أعرفه في الحقيقة..! فما ألاحظ أن الفيدرالية حصلنا عليها بعد أربعة عقود من ذلك التاريخ وفي ظروف خاصة وأستثنائية من الأحداث السياسية التي حلت بكل العراق، ومنها الهجرة المليونية للشعب الكوردي بعد أنتفاضة 1991، فكيف الحال حينها بهذا المطلب..؟!
وما لدي من المعلومات المتواضعة إن الفيدرالية والحكم الذاتي واللامركزية هي ببساطة تعني أن تقوم منطقة محلية ومحددة بإدارة نفسها بنفسها بعيداً عن سلطة المركز، وهي في الحقيقة تختلف من دولة إلى أخرى وذلك حسب التفاصيل الكثيرة والدقيقة التي يتم الأتفاق عليها بين حكام الإدارة المحلية وحكام المركز ولذلك أنا شخصياً لا أفضل أي نوع منها على الآخر إلا بما تتضمنه التفاصيل من صلاحيات.
كما يذكر مام جلال خلال مذكراته عن فترة المفاوضات وآخر لقاء لهُ مع الزعيم ناصر: ((وهنا كشف لنا الرئيس عبد الناصر معلومة مهمة، وقال: (الحكومة العراقية) سيقاتلونكم على أي حال، وهم من سيبدأ، بعدها نصحني بعدم العودة إلى بغداد وقال: سوف يعتقلونكم إذا عدتم إلى بغداد، ونصحني بالذهاب إلى بيروت وعقد مؤتمر صحافي(11).
...!! وكيف عرف الرئيس عبد الناصر بهذه المعلومات الدقيقة والموثقة..؟! وأصلاً مام جلال عرف منذ البداية بنوايا النظام العراقي عن طريق السفارة الأمريكية في بغداد، وقد أشار في مذكراته بزيارته للسفارة الأمريكية قبل سفره إلى مصر..! فأقنع حينها الوفد العراقي بالحصول على تأشيرة السفر لمرافقتهم بالسفر إلى القاهرة للمرة الثانية..! فكيف ولماذا سنحت لهُ النظام العراقي بالسفر مرة ثانية..؟ وأصلاً النظام كان يخبئ نوايا سيئة في أجندتها حول المراحل النهائية في المفاوضات..!، خاصة بالنسبة لتخطيطها الخبيث عن مصير الوفد وإلقاء القبض عليهم كما صرح الرئيس جمال عبد الناصر..؟؟!! فهل من المعقول أن الزعيم ناصر عرف بمصير الوفد المفاوض قبل علم النظام العراقي..؟؟!! وكل ذلك يتجلى أمامنا بوضوح لم يكن بوسع الرئيس ناصر التدخل في الشؤون العراقية لا من قريب ولا من بعيد..!! فحتى سفر مام جلال الأول يبدو إنها أصلاً كان لا أساس لها في مصلحة الثورة والقيادة الكردية..! ومام جلال واثق من ذلك وحتى القيادة وقد سبق وأن صرح الزعيم ملا مصطفى البارزاني وقال حينها: (( أنا أرسلت جلال ليتفاوض مع النظام العراقي وليس مع مصر والجزائر..))، وهكذا لاذ مام جلال بالفرار وترك بقية أعضاء الوفد يلاقون مصيرهم المحتوم..! وأخذ يلف ويدور في الدول الأوربية ولبنان بحجة المؤتمرات دون حتى أن يتطرق إلى مصير أعضاء الوفد الذين كانوا يواجهون أشد وأروع أنواع التعذيب..!
ومن خلال إحدى المواقف والحوارات وفي عام 1963 بين مام جلال والزعيم ملا مصطفى البارزاني حين أراد مام جلال التدخل.. فرد عليه الزعيم البارزني: (( قال الملا مصطفى: أسكت أنت يا جلال، فأنت ستخرب كل شيء(12)))..؟!
ويقول مام جلال: ((عندما كنت في بيروت تلقيت عدة أتصالات من الحكومة العراقية التي أصرت على عودتي إلى بغداد لأستكمل المباحثات، وكنت دائماً أقول لهم سآتي عما قريب، لكنني سافرت إلى أوروبا، بينما جدد البعثيون القتال في العاشر من يونيو (حزيران).. ثم يضيف مام جلال: عندما أتصلوا بي لغرض مواصلة المفاوضات، كنت في منطقة جمي رازان (أطراف السليمانية)، وقلت لهم إن الوفد الكردي موجود لديكم رهن الأعتقال في بغداد، فأخرجوهم من المعتقل وتفاوضوا معهم، ولستم بحاجة إلى أن نبعث لكم بوفد آخر(13))).
هل هذا هروب من المسؤولية..؟! المفروض أنت رئيس الوفد والراعي لهُ بأختيار القيادة وبرضاك الكامل وتقع على عاتقك المسؤولية الكبرى.. كيف سيتفاوض النظام على صخمان وجوههم(14)، مع أعضاء وفدك الذين أضناهم التعذيب لحد الموت..؟؟؟!!!

المصادر والهوامش:
(1)كيف عرفت الشهيد صالح اليوسفي - محسن دزه يي - صلاح الدين 6 – 6 – 2004
(2)أحداث عاصرتها الجزء الثاني – الأستاذ محسن دزه يى.
(3)الأستاذ علي سنجاري – الجزء الثاني من مذكراته.
(4)صفحات من العلاقات الكوردية المصرية - علي سنجاري (عاشت مصر العربية صفحات من العلاقات الكوردية المصرية) - (المركز الثقافي للبحوث والتوثيق – صيدا).
(5) اللامركزية: هي صيغة من صيغ الإدارة في الدولة تعتمد على أمرين هامين، أولاهما إعادة تركيب الهيكل الإداري والتسلسل الهرمي في الدولة على أساس زيادة إبراز التركيب الإداري للأقاليم وللمقاطعات والمناطق والبلديات، ثانيهما زيادة تفويض الصلاحيات من الهيئات المركزية إلى الهيئات والمستويات الأدنى كالمحافظات والأقضية والنواحي، من مزايا اللامركزية تحُد من الإنفراد بالسلطة - تزيد من المشاركة في إتخاذ القرارات - تيسّر وتسهّل الإجراءات والعمل ككل - تعزز الوحدة الوطنية - تساعد على مشاركة أهالي الإقليم أو المحافظة في مشاريع التنمية - تخفف العبء عن الإدارات العليا - تحقق السرعة في إنجاز العمل بكفاءة وفعالية - تسهّل التنسيق بين دوائر الدولة - ترفع الروح المعنوية للإدارات الدنيا وتزيد خبراتهم.
(6)الحكم الذاتي: نظام سياسي وإداري وأقتصادي يحصل فيه إقليم أو أقاليم من دولة على صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها بما في ذلك إنتخاب الحاكم والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الأقاليم على قدم المساواة، وبناء عليه تكون الفدرالية شكلا متقدماً من أشكال الحكم الذاتي، والحكم الذاتي نقيض للمركزية، حيث تحتاج الدول التي تمارسه إلى أن تتخلى سلطاتها المركزية عن جزء مهم من صلاحيات تدبير الأقاليم أقتصادياً وسياسياً وأجتماعياً لتتم ممارسته على المستوى المحلي، ونماذج الحكم الذاتي في العالم كثيرة متعددة، وحجم الصلاحيات التي تتمتع بها الولايات والأقاليم موضوع الحكم الذاتي يختلف من حالة لأخرى، ويخضع للتطور.
(7)مذكرات الأستاذ فؤاد عارف – ص 202 – 203.
(8)من أرشيف صالح اليوسفي.
(9) الفيدرالية: شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية أو أتحادية) وووحدات حكومية أصغر (الأقاليم،الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة، ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية، الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالميا، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فدرالي. وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة والعراق حالياً، أما على المستوى العالمي فهي الولايات المتحدة الأمريكية.
(10 – 11 – 12 – 13 ) حوار العمر – مذكرات الأستاذ جلال الطالباني.
(14) صخمان (باللهجة العراقية): سخام، سواد القدور.

تم عمل هذا الموقع بواسطة