1 قراءة دقيقة
الحلقة: الخامسة والسبعون

الحلقة: الخامسة والسبعون
بقلم: وتصميم زوزان صالح اليوسفي

يذكر الأستاذ فاروق محمود ئاكره يى: (( في هذه الفترة حقق البيشمركة أنتصارات متميزة على قوات العدو خاصة في (قه شه فر) بدهوك و(سه ر تيز)، (كه رء ئه مر آغا)، ورانية وبشدر. وكانت فرصة سانحة لفرض وقف لإطلاق النار على بغداد حيث بدت قواته منهوكة القوى. خاصة بعد إسقاط الطائرات الحربية الإستراتيجية الروسية (توبوليف) بواسطة صاروخ من قاعدة إيران في (جومان – راوندوز) مما غير من (الحسابات الدقيقة لصدام حسين) بعد تكبد قواته خسائر فادحة في المعارك وحدوث حالة الإستحالة في القضاء على حركة شعب كوردستان بالحديد والنار. فأعتبر (صالح اليوسفي) هذه الأحداث فرصة سانحة لإيقاف القتال والضغط على الحكومة العراقية بتنفيذ بيان 11 آذار 1970 دون مساوومة!!(1))).
نقلاً عن أخي شيرزاد: "قبيل اتفاقية الجزائر، اجتمع وزيرا الخارجية العراقي والإيراني في أنقرة، وفشل اجتماعهما الأول في تقريب وجهات النظر. حينها قابل والدي الزعيم البارزاني وقال له: إنهم يجتمعون.. وحتى إذا فشل الاجتماع الأول والثاني فإنهم في الثالث سيتفقون! لذلك الأولى بنا نحن أن نسبق الإيرانيين بفتح الحوار مع الحكومة العراقية".
بدأ يشرح والدي تحليلاته وبُعد نظره لما سيحصل خلال الأيام القادمة والأحداث التي بدت تجري سريعة وصادمة، وكان يحاول مدى الإمكان أن يبحث عن حلول.. ولكن في الحقيقة كان يبدو وكأنهُ لوحده يواجه معركة مصيرية قادمة لا محالة..! ومرة أخرى بدأ يفكر بالسفر وبأي ثمن وبأية وسيلة من أجل إيجاد حل لقضية أمته.. بعد منع الشاه ونظامه لهُ من السفر عن طريق إيران بحجة العلاج، أخذ يفكر بأن يذهب سيراً عبر الجبال إلى زاخو ومنها إلى سوريا للقاء بالرئيس حافظ الأسد وسفارة الأتحاد السوفيتي للتباحث حول هذا الشأن.

يذكر الأستاذ فاروق محمود ئاكره يى: (( في الفترة الأخيرة من المرحلة كان اليوسفي يصفها (بالفخ الإقليمي والدولي) ولا بد من الأحتياط منه قبل الوقوع والسقوط في المعادلات الدولية الإقليمية ومطامع الغرب في خيرات المنطقة، ولم يثق اليوسفي مطلقاً بدعم إيران ومطامع شاه إيران وأحلامه.. في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1974، كان اليوسفي متفائلاً من أقتراحهُ للبارزاني بالسفر إلى خارج العراق عن طريق زاخو ولكونه عضو في منظمة السلام العالمي برئاسة (شنايدر) وعلاقاته مع المنظمات الفلسطينية النشطة في العراق. وأحترام (السوفيت) لتوجهاته السلمية. وحيث كان ممنوعاً من السفر عن طريق الحكومة الإيرانية. فإنه في حالة موافقة البارزاني سيحاول إيقاف القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات، لأن الحكومة حينها وصلت إلى حالة اليأس في القضاء على الحركة الكوردستانية! وطلب مني مرافقته إلى زاخو وسورية. لم أتردد في الموافقة لشدة أحترامي لإخلاصه وتاريخيه(1)).
في نهايات 1974 بدأ الشاه ونظامه يحاولان إغراء القيادة الكوردية بشتى الأشكال خاصة من ناحية التسليح والمعدات العسكرية وأخذ يرسل الأسلحة الأمريكية الحديثة لقوات البيشمركة، لا من أجل سواد عيوننا ولكن من أجل خططه الجهنمية والإسراع في تحقيق مآربه الخبيثة، وذلك للضغط على العراق من أجل تحقيق مطامعه الشخصية بأسرع وقت ممكن فيبدو وأنه قد نفذ صبره لتحقيق مآربه الخبيثة.. وربما كان يعلم بمحاولات والدي وتخطيطاته..
يذكر الأستاذ محمود باني: (( أختي العزيزة التاريخ يشهد ومنهم المناضل والدك.. حقاً كان جبلاً صامداً بوجه كل المؤامرات التي حاكت ضد نضال شعبنا الكوردي، وعندما فشل بيان آذار عام 1974 ألتحقت بالثورة الكوردية كسائر المناضلين وتعرفت على والدك من قريب ومن خلال دخولنا دورة مقاومة الطائرات وكانت المعارك فى قمة ذروتها وجلبوا من إيران مقاومات طائرات حديثة.. وقال والدك (رحمة الله) حينها: هنا بدأ الغلط بدخول هذه كان يجب أن لم نخطو هذه الخطوة..! وبعدها حصل الكارثة والله كان لديه كاريزما قوية..)).
نقلًا عن اللواء شيرزاد محمد صالح جبرائيل ومن خلال إحدى زياراته لوالدي في مقره وقبل شهرين من نكسة الثورة في 1975، حيث كان عائدًا من جبهات القتال، سأله والدي عن الأحوال في جبهات القتال..؟
فأجاب اللواء شيرزاد: والله يا عم لقد تم تزويدنا بصواريخ سلكية موجهة ضد الدبابات لا تخطئ الهدف وتحول الدبابة إلى كتلة نار ثم تنصهر إضافةً إلى تزويدنا بصواريخ موجهة حراريًا ضد الطائرات.
ردّ والدي بقلق: تلك الصواريخ هي التي ستعجل بانهيار ثورتنا! لأن حكومة بغداد لن يكون بمقدورها إلحاق الهزيمة بنا ونحن نمتلك مثل هذه الأسلحة المتطورة! والتي ستضعف من قدرتها على مقاومتنا وستضطر للاتفاق مع شاه إيران.
فسأل شيرزاد: وكيف ذلك يا عمي؟! وإن تلك الأسلحة قد وضعت لمجابهة تقدم دبابات الجيش نحونا؟
فأجاب والدي: ابني.. أنا لست خائفًا من العراق، بل خوفي هو من إيران التي ستقوم عاجلًا أو آجلًا بإيقاف مساعداتها للحركة وتتفق مع حكومة بغداد وستغلق الحدود بوجهنا.. لقد قدمت مذكرة بهذا الصدد للقيادة الكوردية وذكرت فيها تخوفي من أن يقوم شاه إيران بالتخلي عنا وغلق الحدود بوجه الحركة وسوف يبيعوننا بأبخس الأثمان.
أضاف شيرزاد: حينها لم أستطع أن أفهم حنكة وبُعد نظر سه يدا صالح اليوسفي تلك، وكنت أقول مع نفسي كيف يقول عن تلك الأسلحة إنها ستعجل بنهاية الثورة في الوقت الذي حققنا بواسطتها انتصارات مذهلة في سهل ديانا وگةلى عمر آغا.. وفي جبل سةرتيز، وانتصارات أخرى في جيل زوزك.. ولكن بعدها أدركت معاني كلمات ذلك الإنسان العظيم، نعم لقد تنبأ مسبقًا بأن حكومة بغداد لن تستطيع إحراز انتصارات على قوات البيشمركة وستضطر إلى الاتفاق مع شاه إيران لوقف ثورة الكورد.. بعد شهرين من هذا اللقاء جاءت اتفاقية الجزائر وانهارت أكبر ثورة في تاريخ الكورد!
أقبل العام الجديد 1975 ونحن في المنفى في إيران والثورة مستمرة، بدأ والدي يشعر برائحة الغدر والخيانة تقترب. ونقلًا عن الشاعر محمد البدري: ((حين ألتحقت بثورة 1974 كنت أزور سيدا صالح اليوسيفي أكثر من مرة في الأسبوع، في مقر عمله كأمين عام للأوقاف والعدل فكان يقدم لي مقترحات بخصوص ما يبث في الإذاعة من أخبار وتعليقات، ذات يوم سألته: هل تتصور سيادتكم أن إيران ستبيعنا إذا ما حققت مصلحتها؟
أجاب: نعم وبسهولة لأن إيران تريد نصف شط العراق وصدام سيتنازل لها عن ذلك إذا ما صار في زاوية حرجة)).
وجاء اليوم المشؤوم وتحققت نبوءة والدي من خلال صفقة أتفاقية 6 آذار 1975... يتبع

مصادر وهوامش:
(1)من ذاكرة ناشط بارتي – الكاتب فاروق محمود ئاكره يى ص 85، 86.
(2) من ذاكرة ناشط بارتي – الكاتب فاروق محمود ئاكره يى ص 84، 85.

تم عمل هذا الموقع بواسطة