1 قراءة دقيقة
الحلقة: الخامسة والثمانون - الجزء العاشر من أتفاقية 6 آذار/ مارس 1975


مشاهد حية ويوميات من أتفاقية 6 آذار..(4)
يشير المناضل علي سنجاري الأيام الأخيرة من ثورة 1974- 1975 حين كان المسؤول العسكري في محاور مدينة خانقين والذي حاول بكل جهده الأستمرار في المقاومة فيذكر قائلاً: (( في 19/ 3/ 1975 أعلنت محطة إذاعة صوت كوردستان الناطقة بأسم الثورة الكوردية بأنها ستتوقف عن البث لأسباب قاهرة..! وبتاريخ 20/ 3/ 1975 صدرت برقية مشتركة عن مقر البارزاني والمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني موجهة إلى كافة فروع الحزب ومقرات قوات البيشمركة والإدارة في كوردستان جاء فيها مايلي:
(( لقد تعرضت الثورة إلى مؤامرة دولية مما بات من الصعوبة الإستمرار في الثورة.. وتعرض شعبنا إلى الخراب والدمار.. بلغوا كافة البيشمركة والمواطين ممن يرغبون بالعودة إلى العراق والإستفادة من قرار العفو.
أما بالنسبة إلى الكوادر الحزبية والمسؤولين العسكريين فمن الأفضل الإنسحاب إلى معسكرات اللاجئين في إيران، لأنه ليس هناك ضمانات على حياتهم في حالة عودتهم إلى العراق..أنتهت(1))).
ويضيف السنجاري: لقد هزت البرقية هزاً مأساوياً غير متوقع، في الوقت الذي كان شعب كوردستان مستعداً للتضحية بالمال والروح والدم.. وكان البيشمركة على أتم الإستعداد للمضي في النضال حتى الموت تحت شعار (يان كوردستان يان نمان – أما كوردستان حرة أو الموت). وعندما تسلمتُ البرقية المذكورة وأنا في مقر فرع الحزب الخامس في منطقة (به مو) سألت مسؤول محطة الإرسال اللاسلكي الذي سلمني البرقية وكان مرتبكاً فيما إذا كان قد أطلع عليها غيري..؟؟
فأجاب بالنفي.. عندها طلبت منه عدم كشف مضمون البرقية لأي شخص كان لأنني أخذت أشك بأنها صادرة فعلاً عن قيادة الثورة، وربما تكون صادرة عن أستخبارات الجيش العراقي حيث تمكنت من سرقة شفيرة الثورة... ولم يخطر ببالي مطلقاً بأن البارزاني سيقرر إيقاف الثورة وهو القائد العسكري والسياسي المعروف بالرجولة والبطولة والإخلاص لقضية شعبه الكوردي.. وقد ناضل طويلا وعاش في الغربة ولم يستلم للعدو ولا يفكر بالإستسلام في يوم ما.. لقد أخفيت مضمون البرقية المشؤومة عن أعضاء الفرع والمسؤولين العسكريين وأرسلت برقية فورية إلى مقر البارزاني والمكتب السياسي بعد وصول برقيتهم مستفسراً فيما إذا كانت البرقية المذكورة صادرة عنهم أم لا ..؟ إلا أنني لم أتلقى الجواب وظهر بأن محطاتهم اللاسلكية قد أغلقت كلياً يو 22/ 3/ 1975.
وسألني المجتمعون عن رأي الشخصي حول الموقف.. فقلت بأنني أفضل الأستمرار في المقاومة على الإستسلام في ظل نظام الشاه أو لحكومة العراق.. وكانت هناك محطة إذاعة صغيرة موجودة بالقرب من مقرنا بأسم إذاعة البرنامج الثاني التي كانت تعيد إذاعة البرامج من محطة صوت كوردستان الرئيسية.. وطلبت من مسؤول المحطة (عبد الوهاب الطالباني) الإستمرار في البث اليومي وإذاعة الأناشيد الوطنية الكوردية الحماسية للتأكد بأن الثورة الكوردية باقية وستبقى.. وأستمر الوضع في منطقة خانقين.. وكنا نراقب الأوضاع في بقية مناطق كوردستان ومحطة لاسلكي الفرع تتصل وتوجه النداءات إلى كافة المحطات الأخرى للتأكد ممن بقي من المحطات.. وخلال الأيام الأربعة من يوم 22 – 26 /3/ 1975 كان الوضع عندنا كالسابق والإذاعة مستمرة في البث لعدة ساعات يومياً وفي ظهر يوم 26/3/ 1975 جائني (ب . م) مسؤول المحطة اللاسلكية ورمى سماعة ومفتاح الإرسال المورس أمامي وأجهش بالبكاء قائلاً: كاك علي لم يبقى أي مسؤول في كوردستان غيرك.. وليست هناك محطة لاسلكية باقية مفتوحة غير محطتنا ومحطة بتاليون الملازم (علي مصطفى) الموجود في منطقة كفري(2).
في 26/3/1975 توقف الإذاعة عن البث وساد جو مأساوي رهيب بين البيشمركة وكوادر الحزب والمواطنين في المنطقة لا أستطيع وصفه على حقيقته.. حيث تم إطلاق النار في الهواء بشكل عشوائي ومن مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة وكأن هناك معركة حامية الوطيس، وقام البعض بتحطيم أسلحتهم على الصخور وأخذ الأخ يقبل أخاه والصديق صديقه وجرى التوديع بين من يعود إلى أسرته في معسكرات اللاجئين بإيران ومن قرر تسليم نفسه للقوات العراقية.. والخ، من المناظر المأساوية التي لا يمكنني وصفها كما حدثت.. بالنسبة لي شخصياً فقد أنتابني نوبة عصبية هسترية أفقدتني التمسك بأعصابي وأنا أبكي كالأطفال وحاولت الإنتحار إلا أن مرافقي الوفي (كاكه عمر هماوندي) جردني من مسدسي وأمسك بي بحنان.. وقد ألتف حولي ماتبقى من أفراد حمايتي وطلب مني بعض المسؤولين بأن أنسحب إلى إيران قبل حلول الظلام كي لا يقدم شخص على أغتيالي لتلقي مكافأة مقابل ذلك.. إلا أنني رفضت الإنسحاب مهما كلف الأمر حتى وصول الملازم علي مصطفى مع قواته.. (3)
ويضيف المناضل علي سنجاري: كان لجهاز مخابرات شاه الدور التخريبي لنسف أتفاقية الحادي عشر من آذار 1970 من خلال علاقات الأمن الإيراني ببعض المسؤولين في الثورة الكوردية مع إيران والدليل على ذلك حيث ظهرت قائمة بأسماء هؤلاء المتعاطين مع المخابرات الإيرانية بعد سقوط نظام الشاه في شباط 1979 ولدينا القائمة...(4))).

ونقلاً عن الأستاذ فاروق ئاكره يى: (( بدأت الجموع تتوجه نحو الحدود الإيرانية واللجوء إليها ورغم برودة الجو وصعوبة طرق المواصلات بسبب الأمطار والثلوج، وتدريجياً ترك البيشمركة مواقعهم، وأطلق سراح الأسرى.. كما أن البعض من المسؤولين أستحوذوا على أموال مؤسسات الحزب والثورة، ونهب (فروشكاه - سوق) الثورة في جومان ومقرات البارزاني ومكاتب الحزب والأمانات العامة ونقلت إلى إيران، ووسط أجواء من الفوضى وعدم المسؤولية ساد جو من عدم الثقة ومع فقدان قرار مركزي لتوضيح مقنع لسير الأحداث، وقيل بأن وفداً من إيران أجتمع بالبارزاني في مقره في منطقة حاج عمران ليلة 18/ 3، وفي صباح اليوم التالي أعلن البارزاني عن تجميد النشاطات العسكرية لأن هناك مؤامرة كبيرة وتحالف دولي مع الإيران والعراق خاصة من أمريكا، لإنهاء المقاومة الكوردية... ساهمت طائرات هليكوبتر إيرانية في مساعدة بعض العوائل ونقلهم إلى إيران خاصة الهاربين من منطقة بهدينان، وأستقبلنا بعضهم في (شنو) وكانوا منهوكي القوى ومذهولين من هول الحدث.
دعاني اليوسفي وبدافع الثقة إلى أستلام مالية الأمانة العامة للعدل والأوقاف من مدير الحسابات (شاسوار) ومعاونه (بايز الطالباني) كأمانة لحين معرفة القرار النهائي، لكني وبأحترام رفضت الطلب بدافع العفة من أموال الشعب وممستقبلي. فأيد ذلك وأقتنع بترك ذلك للمقادير، وعلمت لاحقاً أن كوادر جماعة (أبراهيم - جلال) أخذوا ما تمكنوا منه من أموال مكاتب عملهم وتوجهوا إلى منطقة السليمانية وأعلنوا الكفاح المسلح بأسم (الكومه له) بعد ذلك، وأستشهد شاسوار وعرف بالشهيد (آرام) بعد مقاومة شرسة منه ورفاقه للقوات العراقية..(5))).
ويضيف المناضل شيرزاد محمد صالح: (( قمت بزيارة خاطفة لوالدكم المناضل الكبير صالح اليوسفي في مقره في باوه كراوه، وحينما دخلت عليه كان الغضب والألم بادياً عليه... وأخيراً جاء وقت الانسحاب إلى إيران، وكنت حينها قد حلقت رأسي صفراً على أمل البقاء ضمن قوات بيشمركة رشيد سندي... وكنت أمتلك في جيبي خمسة دنانير فقط، وقبل انسحابي إلى إيران التقيت بأخيكم شيرزاد وعلم بوضعي المالي السيء وأعطاني خمسة دنانير من جيبه (دون طلب مني) وأعتذر لي بأنه لو كان يملك أكثر لما قصّر معي، تاريخ والدكم ونضاله سوف يبقى على مر التاريخ درساً من دروس التضحية والوطنية والفداء للأجيال القادمة.. )).
وكذا أضطرت القيادة الكوردية الإنصياع لأوامر الشاه مُرغمة، وأعلنت رسمياً وقف الحرب في 19 آذار 1975 في ظل ظروف صعبة ومؤلمة جداً.. فدمر البيشمركة ما يمكن تدميره من أسلحة ومعدات وفجروا إذاعة صوت كوردستان لكي لا تقع في أيدي أي من الجانبين سواء نظام الشاه أو بغداد، وأتلفوا ما يمكن إتلافه من الوثائق المهمة والسرية.. وهناك من أنسحب نحو إيران وسلم سلاحه للسلطات الإيرانية، وهناك مَن فضل العودة بعد قرار العفو الصادر طبقاً لأحد بنود أتفاقية الجزائر وسلم سلاحهُ للقوات العراقية.. وفي كلا الحالتين كانت مُرة المذاق..! وعاد والدي إلينا في مدينة نغدة محملاً بالآلام والحزن واليأس... يتبع
المصادر:
(1،2،3،4)القضية الكوردية وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – علي سنجاري. ص 77،78، 79،80،84.
(5) من ذاكرة ناشط بارتي - فاروق محمود ئاكره يى ص 92، 93


تم عمل هذا الموقع بواسطة