1 قراءة دقيقة
الحلقة: الخامسة والتسعون

في البداية وبمناسبة ذكرى أستشهاد والدي أهدي إلى روحه الغالية هذه الرسالة..
أبي الحبيب مع كل ذكراك لي وقفة أشعر بالحنين للحوار معك..

أبي الحبيب.. عندما كنتُ في مرحلة طفولتي وأنت بعيد مع رحلة نضالك إلى حيث كهف (سه رديمان) وأنا حينها لم أراك بعد.. كنت أتخيلك ذلك البطل الأسطوري كما كنت أسمع في حكايا جدتي، فمع كل حكاية كنت أجسد بطولاتك في مخيلتي الصغيرة وأغيب في عالمك لا مرأي وأنا أتحرق شوقاً للقاء بك يوماً.. وحين بلغت السادسة ألتقيت بك لأول مرة كان لقاءاً ويوماً مميزاً لا يمحو من ذاكرتي.. وحين كنت تضم رأسي إلى صدرك الحنون كنت أسمع نبضات قلبك فأقول لك بكل براءة أن نبضات قلبك تنبض مع نبضات قلبي.. فكنت تبتسم ملئ وجهك الحبيب وأنت تستمتع ببراءة حديثي وتقبل جبيني ومن حينها آمنت (حين تتكلم عن عمق الحب.. فقط أنظر إلى مكانة الأب في قلب أبنته) هكذا حمل قلبي الصغير حبي لك وما زال هذا الحب يكبر ويكبر إلى ما لا نهاية.. وحين كنت تغيب أيام النضال كنت أرسمك فقط لأشعر أنك بقربي دوماً.. وفي مرحلة صِبايا.. كنتُ الأقرب إليك.. وبمجرد الإحساس أنك معنا طوال الوقت، كان يمنحني قوة وسعادة لا حدود لها.. كنت أراك في كل شيء وكأنه لا وجود لغيرك في عالمي.. وأدركتُ من خلال نضالك السري الذي دام خمس سنوات.. أنك لم تكن بطلاً فقط بل كنت أكبر من ذلك بكثير الكثير.. إلى أن طالتك يد الغدر من أشخاص كانوا يرتعدون خوفاً من مجرد ذكر أسمك في مجالسهم.. يا لها من مهابة..!! ولا أريد أن أقول لك كيف كانت الأيام من بعدك لأنني لا أريد أن أرسم الحزن على وجهك الحبيب حتى أتخيلك دائماً بتلك الأبتسامة الحنونة.. سلاماً عليك أبي الحبيب في جنان الخلود.. ولك ألف تحية من أبنتك المحبة ومن محبيك ومريديك الذين ما زال ينبض قلوبهم حباً لك..
وقفة..
إلى كل الأخوات العزيزات والأخوة الأعزاء الذين يتابعون حلقاتي بشغف..
أنا حين أكتب هذه الحلقات لست بصدد أن أفتح المواجع أو أنتقد الأخطاء أو الشخصيات.. وإن آراء الزعماء والشخصيات القيادية هي آراء شخصية حسب منظور تلك الفترة الزمنية وحسب وجهات نظر كل زعيم وقائد سياسي من الأحداث.. جميع الأخوة المطلعين على شخصية والدي يعلمون أن أبي أختار كعادته الطريق الأصعب والأخطر حين فكر بمصير عشرات الألوف من الأكراد اللذين ألتحقوا بالثورة بل وحتى بمصير الثورة والحركة الكوردية بشكل عام بعد نكسة 1975.. ولا يستطيع أحد أن يقنعني بأننى قد حصلنا على مرادنا الآن.. لأنني حينها سأذكرهُ بعشرات الألوف الذين دفنوا أحياء في الأنفال ومثلهم من اللذين ألقوا أحياء من الطائرات وآلاف القرى التي دمرت ومأساة حلبجة وبرواري ووو...الخ، إن ما حصلنا عليه الآن هو نفس ما كان يريد الشهيد صالح اليوسفي قبل حرب 1974 وعندما عاد إلى بغداد بعد نكسة 1975 قبل أكثر من أربعين عاما.
أخوتي الأعزاء.. إذا كنتم ترغبون بأن أنقل الأحداث التاريخية ناصعة البياض دون أية مجاملات أو رتوش ودون تملق ورياء فأنا مستعدة للأستمرار.. وأنتم تدركون جيداً بأنني أبتعد قدر المستطاع عن المواقف الحساسة والذي قد يثير جدلاً نحن في غنى عنها.. بالرغم من أن بترّ أية معلومة من هذه الأحداث لا شك يفقد جزءاً من طعمه التاريخي ورأي الشخصيات القيادية كرأي والدي على سبيل المثال.. فمحنتنا في نكسة 1975 لم تكن بتلك السهولة التي يتوقعها البعض من خلال المنظور الزمني الحالي وبعد مرور أكثر من أربعة عقود عليها.. ومن يمرّ على حلقاتي يلاحظ جيداً مدى أبتعادي عن التفاصيل الحساسة.. وهذه قناعة شخصية مني لكي لا نثير المسأل الحساسة التي نحن في غنى عنها خاصة ونحن نمر في ظروف قد تكون هي الأصعب والأكثر غموضاً من خلال المصير القادم..
أخوتي الأعزاء.. أنا أستطيع أن ألملم الأحداث من هنا وهناك وأن أجامل هذا الحزب على حساب الآخر أو هذه الشخصية على الأخرى لكي أرضي بعض الأطراف.. ولكن عذراً مثل هذه السياسة والنهج في كتاباتي بعيدة كل البعد عن شخصيتي ومبادئي وقناعتي وما تربيت عليه من خلال نهج والدي..
أخوتي الأعزاء.. سبق وأن أشرت أنني أحترم كل الزعماء والشخصيات السياسية والأحزاب الكوردية.. وليس لي إي أنتماء لأي حزب أو طرف ولست بشخصية سياسية ولا أحب السياسية مطلقاً.. أود فقط أن أدون وأسجل تاريخ الأحداث السياسية وما يخص نضال والدي الشهيد.. فالرجاء الرجاء حينما تناقشوا عن أمر أو حدث أو موقف وتعقبون بآرائكم ناقشوها حسب منظور تلك الفترة الزمنية مع المحنة الأليمة التي مررنا بها.. ولا تنتقدوا أو تعارضوا المواقف والأراء حسب رأيكم الشخصي فمن له رأي شخصي فليحتفظ به لنفسه.. أنتم تدركون جيداً أن لكل زعيم وجهة نظر لتقيم الأمور السياسية حسب خبرته التي مارسها مع مراحل الأحداث التاريخية.. كما هو الحال مع والدي ومحاولاته الحثيثة لإنقاذ شعبه من الأختناق الذي واجهت أمته بعد نكسة 1975 ثم محاولاته الحثيثة لتصحيح الوضع بكل جهده وبأي ثمن للبحث عن الحلول الجذرية والحقوق العادلة لشعبه في ظل تلك المأساة.
من حقي أن أكتب ما أريد ولا يستطيع كائن من يكون أن يردعني عن ذلك أو أن ينتقدني عليها أو على ما أشير عليه من الأحداث والمواقف.. التاريخ تاريخ لا مساومة عليها ومواقف الزعماء مواقف تاريخية يجب أن يدون وفقاً لآراهم الشخصية ولمعاير ذلك الزمن.
أستشرت عدد من خيرة الشخصيات السياسية المعروفة ومن الباحثين.. أفادوني جميعاً أن هذه الأحداث التاريخية قد مرّ عليها أكثر من أربعة عقود ومن الأفضل نقل الأحداث كما هي للأستفادة منها.. فهناك العديد من المواقف التي لا بد التوقف عندها سواء تلميحاً أو مروراً بها.. وذلك لكي نعيد حساباتنا ونبتعد مدى الإمكان عن الزلات والنكسات.. فعذراً أن أقول.. أي صديق يحبط من معنوياتي في سرد الأحداث من خلال بعض الأنتقادات أو الآراء الشخصية.. سأضطر حينها على التوقف.. لا هزيمتاً من المواجهة.. فالهزيمة ليست من شيمتي وأنتم تعلمون ذلك جيداً وبامكاني الرد على كل الحقائق.. ولكن يحصل لدي إحباط تجعلني أن لا أبدع في سرد الأحداث وعندها لا أعرف التعبير كما أريد وكما يتطلب.. ونظراً لإحباط معنوياتي ورغبتي في إكمال الرسالة.. وحتى لا أثير من القناعات الشخصية والردود الأنفعالية لبعض من الأخوة حول ما تكتنفها رسالة والدي من حقائق تاريخية بالغة الحكمة.. سوف أكتفي من الرسالة إلى هذا الحد.. وسوف أضيف فقط الجزء الأخير من رسالة والدي للرئيس أحمد حسن البكر:
(( سيادة الرئيس: سامحوني فيما إذا وجهت شيئاً من أنتقادي الموضوعي إلى بعض مواقفكم بالنسبة لمعالجة مجمل المشكلة الكردية سيما بعد أتفاقية الجزائر، لأني رغم تقديري إلى قيامكم بجانب إيجابي مهم في حقل التشخيص والمعالجة فيها ومع ذلك فإني أعتقد إن موقفكم بالنسبة لأستكمال تشخيص ومعالجة الجانب الآخر منها لم يكن دقيقاً وموضوعياً كما ينبغي، سامحوني إذا قلت حتى عادلاً ومنصفاً فقد أتسم ببعض شحنات الإنفعال والأستعلاء أزائه فأعتقد بأنه لم يتم من قبلكم ولحد الآن كما يبدو التشخيص والأفراز الدقيقين بين مركز......... وبين موقفكم الدقيق والموضوعي أزاء الحركة وحزبها..... وأتجاهاتها والجماهير الواسعة المنضوية في صفوفهما بدافع شعورهم الوطني وإحساسهم القومي ومهمتكم الأساسية بأحتضانها وتقويتها والأخذ بيدها للسير وفق مسارها القويم وضمن إطار توصياتكم وتوجيهاتكم وبالتشاور والتفاهم والتعاون المتبادل بالثقة...........)).هذه الرسالة التي قدمها والدي للرئيس البكر والتي جاءت بعد شهور قليلة من عودته..

وعن أستفسار من الأستاذ عماد علي ونقلاً عن الأستاذ فریدون عبدالقادر فی مذكراته صفحة 352 یذكر:(( كان المرحوم (صالح یوسفی) ومجموعه‌ من الرفاق المناضلین المعروفین في ثوره‌ أیلول فی محاولهة محثوثة مع الحكومة العراقية لبقاء ما يتمكنون من بقاء شيء ينقذونه من الأمر ويمكن أن يقنعوا النظام على إنعاش أو بقاء حزب كوردي مثل الحزب الديموقراطي الكوردستاني أو بأي أسم آخر وأن يتولوا هم تطبيق قانون الحكم الذاتي الذي أصدره النظام في حينه، إلى أن يأسوا من ذلك بعد حين وأنعكفوا على تأسيس الحركة الاشتراكية الكوردستانية، أي كانت عصبة الكادحين لوحدها موجودة إلى تلك اللحظة كتنظيم بمنهج وتوجه نحو الدفاع والمقاومة وإندلاع ثورة جديدة... فهل هذا صحيح ست زوزان.. وهل تعرفين شيئاً عن محاولة أبيك مع النظام لإرضائه في تأسيس حزب أو يعترف بالحزب الديمقراطي الكوردستاني بأمرته أو أي حزب بأي أسم كان ويطبقوا هذا القانون..؟ )).
أقول.. نعم هذا الكلام صحيح وكان والدي قد كتب للقيادة العراقية حينها وحاور بعض من شخصياتهم.. بأنه على أستعداد لتحمل المسؤولية ما بعد 75 على شرط أن تقوم الحكومة العراقية بتطبيق الحكم الذاتي الحقيقي في كوردستان وتطبيع الأوضاع داخل كوردستان وإلغاء جميع القرارات والقوانين التعسفية مثل التعريب والتهجير والنفي وعودة المفصولين وإعادة تقسيم المحافظات المحاذية لكوردستان مثل ديالى وكركوك وموصل.. وإن هذه التفاصيل كلها لمح والدي من خلال رسائله للنظام.. وأن الكثير من هذه التفاصيل التي كان يعتبرها والدي خطوط حمراء كان يجاهر بها علناً.... وللعلم هذا القرار من جانب والدي لم يأتي منه شخصياً فقط بل جاءت أيضاً بتشجيع من العشرات من الشخصيات السياسية والقيادات العسكرية الكوردية التي فضلت العودة بعد خيانة الشاه.. وحتى بتشجيع مجموعة من القيادات التي ظلت خارج العراق.. حيث كان صالح اليوسفي أملهم المرتقب حينذاك بعد نكسة 1975.....وحين يأس والدي من إقناع الحكومة بالطرق السلمية... فجر هدير الحركة الأشتراكية من قلب العاصمة بغداد في أيار 1976..... يتبع

تم عمل هذا الموقع بواسطة