الحلقة الخامسة والأربعون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي..
بادر النظام العراقي بفتح الحوار والمفاوضات مع القيادة الكوردية لإيقاف القتال ولحل القضية الكوردية حلاً سلمياً والأعتراف بالحقوق القومية للشعب الكوردي في كوردستان العراق، ومن الأسباب التي أدى إلى قيام الحكومة بمثل هذه الخطوة، فهي من جهة كما أشرت في الحلقات السابقة بأستمرار مقاومة الثوار الأكراد وعجز الحكومة التصدي أمام هذه القوة، ومن جهة أخرى كانت لمحاولة الإنقلاب الفاشلة في بداية عام 1970 التي قام بها (عبد الغني الراوي وعبد الرزاق النايف)، أدى إلى مخاوف الحكومة من حدوث إنقلابات أخرى، وكان لشاه إيران يداً في هذه المحاولة الإنقلابية(1)، فقامت الحكومة بمحاولة أتفاقية 11 آذار لكسب الشعب الكوردي إلى جانبها.
ذكرت في الحلقة السابقة هذا المقتطف عما ذكرهُ والدي: (( كان دوري الإيجابي الفعال طوال فترات المفاوضات ولحين بيان 11 آذار علماً بأنه كانت هناك أولاً محاولة تخريبية بعدم إشراكي في وفد المفاوضات لموقفي السلمي المعروف والودّي وبتحريض الأوساط الرجعية... ثم بعد توصلنا إلى التفاهم في المرحلة الأخيرة فقمت بدور رئيسي فعال مع بقية الأخوة والآخوان نوري شاوه يس وعزيز عقراوي والمرحوم نافذ جلال ويد الله كريم وغيرهم فأفسدنا المحاولة للمرة الثانية، ومن ثم ركزت جل جهودي وأستخدمت كل قوتي وشخصيتي الحزبية والشعبية مع الرفاق المناضلين ذوي المبادئ والكوادر المتقدمة من بعض مسؤولي وأعضاء الفروع واللجان المحلية المعروفين من أجل إرساء أمتن العلاقات والوشائج المصيرية..(2))).
وحسب ذكر والدي من خلال مذكرته فقد ظهرت بعض الشخصيات الأنتهازية متسللة في القيادة، وهذا شيء طبيعي في كل الأحزاب، ويبدو أن هولاء المجموعة كانت موالية للنظام الإيراني، وحين علم نظام الشاه بقوة شخصية والدي ونهجه ومدى تأثيره وشعبيته عن طريق هؤلاء، أخذت تحرّض القيادة من خلالهم لإبعاد والدي وبشتى الأشكال..!، وذلك بإبعاده من مشاركته في المفاوضات بهدف إفشال أتفاقية 11 آذار..!(3)، وبعد نجاح أتفاقية 11 آذار 1970 حاولوا عدم إشراك والدي في الوزارة المقبلة المزعم وضعها بعد أتفاقية 11 آذار..!، وإبعاده من المسؤوليات الرسمية الأخرى كمحاولتهم لعدم إشراكه في لجنة السلام..! وحتى إبعاده فيما إذا ترأس جريدة التآخي..!.
وقد أشار والدي إلى ذلك قائلاً: (( وقد جرت عدة محاولات ضدي شخصياً عدم إشراكي في المفاوضات.. وبعد إنهاء المفاوضات مباشرة الأولى، بعدم إشراكي في الوزارة.. وإبعادي من المسؤوليات الرسمية.. والثانية عدم إشراكي في لجنة السلام رغم تسميتي عبر الحركة الكوردية بحمام السلام ودوري المؤثر فيها وعلاقتي الوثيقة معكم وكذلك تأثير ثالث عدم إناطة مسؤولية الجريدة بي رغم كوني صحفي معروف باللغتين وسبق وتوليت مسؤولية أمتيازها ورئاسة تحريرها، وذلك كلها إرضاء للأوساط الرجعية الإيرانية وأخيراً عدم إناطة المسؤولية الأولى العلاقات مع قيادة حزبكم والدولة، بل حصره في شخص يعتبر من أبرز الثلاثة مشعلي الفتن وتخريب العلاقات فيما بيننا وتحريض وإثارة ملا مصطفى، مع بقية رفاقه المشبوهين الآخرين – وهو......... – الذي هو من أحد أبرز الطارئين والأنتهازي على الحركة الكردية والحزب معاً وأن إنجرافه في مضمار التزلف والتملق...... جعلهم من معتمدين الثلاثة / ولو كنت أبذل معشار هؤلاء من التزلف نحوهم شريطة فقدان كرامتي وشخصيتي والسير وفق مشيئتهم لكنت أصبحت ثاني الأثنين في الحركة والحزب ودون أي جدال نظراً لقوة شخصيتي الحزبية والشعبية وعراقتي وأصالتي ولكن لم يكن بمقدوري القيام بمثل هذه الأدوار التخريبية ولا يمكن أن أكون أنتهازياً في يوم من الأيام أضحي بكرامتي وبعقيدتي من أجل مصالحي الشخصية ومن ثم تعرضت إلى شتى محاولات الدس والوشايات من قِبل تلك العناصر الطارئة والمشبوهة والأوساط الرجعية(4))).
(( كنت مع عدد من أعضاء المكتب واللجنة المركزية وبعض الكوادر المتقدمة في الفروع واللجان والمنظمات المحلية ندرك الذين حافظوا على سلوكهم ومبادئهم ولم يستطيع الأنتهازين التأثير عليهم وكانوا يمثلون نخبة لا يستهان بها فيما لو تحولت إلى تيار ثوري منظم داخل الحزب.. زرتهما رغم توجيه الضغوطات الشديدة عليهم.. كنا ندرك جيداً أخطاء وتناقضات الحركة الكردية والحزب نظراً للظروف والأوضاع الذاتية والدولية المعقدة المتفاعلة منها فرغم كون الأولى تعتبر في حد ذاتها ومن صميم طبيعتها وجوهرها وأهدافها في عداد حركات التحرر الوطني المدافعة عن حقوق وطموح وتطلعات شعب مضطهد وتناهض الأستعمار والرجعية، وكون الثاني حزب قومي تقدمي معروف بمنهاجه ونظامه ودوره البارز في مجمل الحركة القومية والوطنية في العراق المناهض للأستعمار والرجعية والتخلف غير أنهما كانتا تنوءان تحت وطأ أحابيل ومؤمرات الأمبريالية والرجعية الإيرانية وضغوطاتها المغرية وبالأخص بعد التوصل إلى أتفاقية آذار وتآلف الحركتين وطليعتهما الثوريتين والشروع في إنهاء الظروف الأستثنائية وأستباب الأمن والسلام في المنطقة وإرساء قاعدة الحكم الذاتي فيها الأمر الذي يهدد مصالحهم الآثمة في الصميم الدؤوب من أجل إنهاء الظروف الأستثنائية في المنطقة الكردية وأستتباب السلام فيها حيث كنت أعتقد جازماً أن ظروف السلم تعتبر عنصراً مهماً لتصفية العناصر الطارئة والمشبوهة والأنتهازية التي تسللت داخل الحزب والحركة الكردية في أوضاع شاذة والتي تتغذى وتنمو وتتقوى في ظروف حرب أقتتال الأخوة أو خلال فجوات أوضاع اللاحرب واللاسلم وتتلاشى لإشباع مطامعها الخاصة تحت شعار المزيدات التهريجية بعدم تسلط الأضواء عليها وتتلاشى وتتبدد في ظروف أنوار السلام التي تلاحقها وتكشف عن زيفها وتآمرها..(5))).
المشكلة لم تتوقف على وجود هذه العناصر المعادية في القيادة الكوردية لوالدي فقط، بل كان هناك غريم آخر في النظام العراقي أيضاً في شخص صدام حسين، كان يحترس ويتضايق من وجود أسم والدي في الوفود المفاوضة وقد شرحت بعض المواقف السابقة في الحلقات الماضية حيث كان لوالدي مواقف شجاعة في مواجهة سلبيات صدام وجهاً لوجه خلال تلك الفترة الزمنية، يذكر الأستاذ هارون محمد: (( كان صدام يتضايق من سماع أسم اليوسفي عند زيارات الوفود الحزبية والرسمية إلى (كه لاله) في شمال العراق عندما وافق البارزاني على الدخول في مفاوضات مع حكومة بغداد.. وينقل عن نعيم حداد عضو قيادة حزب البعث والسكرتير العام الجبهة التي ضمت البعث والحزب الشيوعي إنه أوجز لصدام حسين نتائج جولة من المباحثات أجراها مع قيادات حزب البارزاني محاولة لإقناعها بالإنضمام إلى الجبهة وجاء ذكر اليوسفي الذي أمتدحه حداد ووصف موقفه بأنه إيجابي على عكس رفاقه الآخرين الذين وضعوا شروطاً معقدة (على حد قول نعيم حداد) لمشاركة حزبهم في الجبهة فما أن سمع صدام بأسم اليوسفي حتى غضب وثار وقال لنعيم حداد: لا تصدقه أنه ثعلب السياسة ويتصنع البراءة والبساطة وأنه أشد البارتيين لؤماً وحقداً علينا..(6)))..!!
ظل إيمان عدد كبير من أعضاء القيادة الكوردية القريبين من والدي يلتزمون به وبآرائه ونهجه وكما ذكر والدي البعض منهم بالأسماء أمثال (نوري شاوه يس وعزيز عقراوي والمرحوم نافذ جلال ويد الله كريم وغيرهم..)، ومن جهة أخرى كانت نفس الشيء بالنسبة لأعضاء الوفد من النظام العراقي حينها وعلى رأسهم (عزيز شريف، عبد الخالق السامرائي، مرتضى الحديثي، نعيم حداد، محمد محجوب وإلى حد ما سعدون غيدان)، يؤمنون بزخم موقع والدي في هذا الظرف المهم ومشاركته المهمة.. إضافة إلى قناعة الزعيم ملا مصطفى البارزاني والرئيس أحمد حسن البكر بوجود شخص والدي في هذه المفاوضات، حال إلى إفشال خطة هؤلاء المتآمرين على والدي من كلا الجانبين... يتبع
المصادر والهوامش:
(1)القضية الكوردية وحزب البعث العربي الأشتراكي في العراق – ص 39 – الجزء الأول.
(3)ذكر د. محمود عثمان أعتراف الشاه الصريح حول شعوره وأتفاقية 11 آذار، أثر مقابلته الأخيرة مع الزعيم ملا مصطفى البارزاني في آذار 1975
(2، 4، 5) مقتطفات من مذكرة صالح اليوسفي (1975 – 1976).
(6)الكردي الصوفي الذي قتله بطرد بريدي ملغوم – هارون محمد – 18 / 10 / 2003