الحلقة الحادية والسبعون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
فؤاد عارف وخطوة السلام..
مع بدايات الحرب أستدعى الرئيس أحمد حسن البكر اللقاء بالأستاذ فؤاد عارف للأستشارة معهُ في بعض أمور إندلاع القِتال والأحداث الجارية، فكان فؤاد عارف يخبرهُ بأن المشكلة الكوردية لا تحل بالسلاح، ويبدو أن الرئيس البكر نفسهُ كان مقتنعاً بذلك حيث عاصر كل الفترات الماضية من أنظمة الحكم ومن سنين الحرب مع الكورد إلى أن وصل إلى قناعة بأن الحل لا يكمن بالحرب، فطلب من فؤاد عارف بالذهاب والألتقاء بالزعيم البارزاني من أجل خطوة السلام، فأخبرهُ فؤاد عارف بأن المنطقة قد أصبحت ساحة حرب وإن المسالك وعرة لإجتيازها وهو رجل كبير بالسن لا يستطيع الذهاب لوحده فطلب منهُ السماح لهُ بأن يرافقهُ أحد أبنائه، فوافق الرئيس بكر على طلبه، فأصطحب فؤاد عارف أبنهُ المهندس آزاد، فخرج فؤاد عارف بطريقة سرية مع أبنه آزاد، كانت حينها الحرب في بدايات مراحلها وكان الحماس الثوري قد طغى على أغلبية أعضاء القيادة الكوردية.. وصل فؤاد عارف إلى حيث المناطق المحررة والتي كانت تحت سيطرة القيادة الكوردية، لا أعرف بتفاصيل ما دار بين الزعيم البارزاني وفؤاد عارف.. ولكن كان واضحاً أن مسلك غايته وخطوته من أجل ذلك قد رفضت، فبقى فؤاد عارف ضيفاً على الزعيم البارزاني حتى الأيام الأخيرة من الحرب على أمل أن تثمر جهودهُ يوماً ما بالسلام ووقف الحرب(1)، وأنظم أبنهُ آزاد المهندس الميكانيكي إلى كادر إذعة الثورة، أما الأستاذ فؤاد عارف فقد أخذ البعض من أعضاء القيادة موقفاً سلبياً منهُ، وكانوا يحاولون إبعاده بشتى الطرق..! لدرجة إن الأستاذ فؤاد عارف أشتكى للزعيم البارزاني منهم عدة مرات(2)، والأستاذ فؤاد عارف كما يعرفهُ الجميع، كان قد عاصر كل الأنظمة في العراق من الحكم الملكي مروراً بالأنظمة الجمهورية وإلى ما بعد السقوط 2003، وكان شخصية بارزة ومحترمة من قِبل الجميع، نزيهاً ومتواضعاً ومحباً للسلام وإنساناً وطنياً وقومياً بحق، شارك في أغلب المفاوضات ما بين القيادة الكوردية وأنظمة الحكم في بغداد، وكان يقوم بزيارات مستمرة لوالدي بعد نكسة 1975 وإلى حين أغتيال والدي. (( وقد زرتُ الأستاذ فؤاد عارف عام 1986 لأسلم عليه، فأستقبلنا أبنهُ أسماعيل وزوجته، وفرح ورحب بي الأستاذ فؤاد عارف كثيراً ولكن الدمعة حصرتهُ وهو يتذكر والدي، ولم يستطيع حتى الحوار معي فأستأذن بعد دقائق بهدوء وذهب إلى غرفته وهو في حالة شديدة من الحزن، ولم أنسى أبداً قسمات وجهه التي أمتلئت بالحزن والدموع.. وما زلتُ أسأل نفسي يا ترى هل كان يعرف بعض الحقائق..؟! (تغمدهُ الله بواسع رحمته)).
مقتطفات من ثورة 1974
كان يبدو أن حكومة الشاه وأمريكا قد وعدت قيادة الثورة الكوردية بتزويدها بأحدث الأسلحة، حيث سبق أن أشار الزعيم البارزاني من خلال إجتماع اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني في 20 كانون الأول/ ديسمبر 1973، وقد ضم الإجتماه قادة القوات العسكرية للمناطق الكوردية (أمراء الألوية)، حيث خطب الزعيم قائلاً: ((سوف نقاتل الحكومة العراقية إذا تجددت الحرب بنفس الأسلحة المتوفرة لدى الجيش العراقي(3))).
وفي بداية حرب 1974 زودت نظام الشاه قوات البيشمركة والقيادة الكوردية بما لديها من أسلحة قديمة وعاطبة ونافذة الصلاحية..! ويذكر الأستاذ شكيب عقراوي: ((ظهرت بنتيجة التجربة بأن الألغام التي وصلت من الخارج للثورة الكوردية كانت قديمة وغير فعالة ولم تستطيع هذه الألغام إعاقة تقدم دبابات الجيش العراقي مما سبب أنتصار الجيش العراقي في عدة معارك خلال موسم الصيف 1974(4))).
تركز القتال الشديد في جبهة بالك وقضاء راوندوز طوال عام 1974 ولم تستطيع قوات الثورة الكوردية في المناطق الأخرى القيام بعمليات واسعة للهجوم على الجيش العراقي لتخفيف الضغط الشديد عن الجبهة الرئيسية في قضاء رواندوز مما فسح المجال للجيش العراقي بوضع ثلاثة فرق من الجيش (الفرقة الأولى والثانية والثامنة) في القاطع الممتد بين أربيل ورواندوز(5).
لذلك فأن الكفأة العسكرية في صفوف بعض الوحدات من الثوار الأكراد نجم عنهُ إنسحاب وحدات من الثورة الكوردية أثناء القِتال في سهل أربيل وجبل سفين ومضيق زاخو بدون مقاومة جدية(6).
زيادة الأعباء على قيادة الثورة الكردية وكثرة المشاكل الإدارية والتموينية بسبب التضخم العددي الذي حصل في صفوف الثورة الكردية أعاقت من جهود الثورة الكردية وقيادتها في تخطيط عمليات ناجحة في مناطق أخرى تبعد عن الجبهة الرئيسية في منطقة (رواندوز) لغرض إرباك الجيش العراقي ومنعه من تحقيق أنتصارات عسكرية في الجبهة المركزية(7).
كانت قد قررت وزارة الدفاع العراقية تشكيل تنظيمات الفرسان في بداية 1974بأسلوب جديد على هيئة أفواج رسمية ترتبط بالجيش وتعيين ضابط عسكري من الجيش لقيادة كل فوج على أن يكون رئيس الفرسان مستشاراً لهُ، وقد أنتسب للتنظيم أكثر من ستة آلاف مقاتل من الفرسان السابقين، وقد أشتركت هذه الأفواج في معارك طاحنة جرت وسببت في حصول الجيش العراقي على بعض الأنتصارات في منطقة دوكان وشقلاوة وسهل أربيل(8).
بعد أن أستطاع الجيش العراقي من التقدم في قواطع راوندوز ورانية وقلعة دزة في صيف وخريف عام 1974 وبعد وصول كتبتين من مدفعية وصواريخ الجيش الإيراني إلى كوردستان العراق لإسناد الجبهة المركزية فأن القيادة الكردية شعرت بخطورة الوضع العسكري وبوجود بعض نقاط الضعف والفوضى في صفوف الثورة الكردية (9).
أعتراض والدي..
في إحدى الإجتماعات للقيادة الكوردية في ظل الحرب، عرض نفس القيادي الذي قام خلال حرب عام 1969 بضرب آبار بترول كركوك (10)، وعرض نفس الأقترح السابق لتلك العملية لضرب الآبار..! فتفجر أبي غاضباً في وجهه..! جعل الجميع يلتزمون الصمت.. ولا أريد التطرق إلى هذا الحوار ولكن مَن بقي يتذكر ذلك الموقف.. وهذه المبادرة من والدي، حيث كان يأمل دائماً بأن يبقى ولو خيطاً رفيعاً بينهم وبين نظام بغداد لعل وعسى أن يضطرا الأثنين لخطوة السلام مرة أخرى، ولم يكن يرغب والدي أن يقطع هذا الخيط الرفيع... يتبع
المصادر والهوامش:
(1)أشار فؤاد عارف من خلال رسالته إلى صدام حسين في آذار 1975- مذكرات فؤاد عارف 279
(2)يذكر الأستاذ فؤاد عارف: (في الواقع كنت أحس بأن عدداً قليلاً من القياديين الكرد يضمرون حقداً نحوي بسبب إنتقاداتي الصريحة، فكانوا يحاولون النيل مني بأي أسلوب كان، وقد بلغ الأمر ببعضهم حد إتهامي بالعمالة للحكومة العراقية لدى شخص البارزاني، بالمناسبة قلت للبارزاني أن قساوة بعض قياديك تدفعني إلى الإعتقاد بأن هؤلاء إذا أحتلوا لا سامح الله، مواقع حساسة في المستقبل فأن الأمر سيؤدي إلى خراب كوردستان، وفي الحقيقة أن هؤلاء ما كانوا يزيدون، لحسن الحظ على عدد أصابع اليد الواحدة، فيما كان معظم القياديين الآخرين من أنقى الكورد، وكانوا يحتفظون بأفضل العلاقات معي، ولقد كشف إتفاقية الجزائر المشؤومة الوجه الحقيقي لهؤلاء الذين كانوا على علاقات مشبوه) مذكرات فؤاد عارف - ص 277
(3)سنوات المحنة في كوردستان شكيب عقراوي ص 371
(4، 5، 6،7)سنوات المحنة في كوردستان شكيب عقراوي ص 373
(8)سنوات المحنة في كوردستان شكيب عقراوي ص 371، 372
(9) سنوات المحنة في كوردستان شكيب عقراوي ص 373
(10) الحلقة الثانية والأربعين.