1 قراءة دقيقة
الحلقة الحادية والأربعون – الجزء السابع   محطات قبل حرب 1969


زوزان صالح اليوسفي


الحلقة الحادية والأربعون – الجزء السابع
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
 محطات قبل حرب 1969

 لم يهم الإتحاد السوفيتي كثيراً التغيير الذي حصل في إنقلاب 1968، حيث عقد الحزب البعث والشيوعي العراقي أتفاقاً بينهما بعدم العودة إلى النزاع الدموي كالذي حصل في 1963، مما أدى إلى توثيق العلاقات بين البلدين إلى درجة أصبح فيها الإتحاد السوفيتي واحداً من أهم مزودي العراق بالسلاح والمعدات العسكرية(1).
ففي نهايات عام 1968حدثت تغيرات كثيرة من قبل نظام الرئيس أحمد حسن البكر، حيث تطورت علاقات العراق مع الإتحاد السوفيتي وأخذت تستورد السلاح والعِتاد وبكميات كبيرة وبدون شروط..!
كما أظهر النظام عن نيته في أستئناف القتال وذلك بتحريض وتمويل جماعة جلال الطالباني نحو القتال، وفسحت الحكومة العراقية المجال إلى جماعة الطالباني بإنشاء مقرات عسكرية في مدن السليمانية وأربيل وكركوك ورانية وذلك لإشعال الحرب الأهلية في صفوف الشعب الكوردي(2).
ودارت معارك عنيفة بين القيادة الكوردية وجماعة الجلاليين في منطقة قره داغ في نهايات عام 1968، كان النصر في البداية حليف الجلاليين وسيطروا على العديد من المناطق.. وأستمر الحرب بينهما لستة أيام تكبدت خسائر فادحة في الأروح من كلا الجانبين..!
يذكر الأستاذ علي سنجاري: (( كان الجلاليون قد وزعوا مقرات قيادتهم ما بين (بكره جو) في السليمانية ومدينة كركوك وكانوا يتلقون الدعم من الحكومة التي كانت تراهن عليهم كالرهان على الحصان الخاسر، وكان لهم نشاط في القرى المحيطة بكركوك وكان هناك تنسيق كامل بينهم وبين منظومة أستخبارات المنطقة الشمالية ودائرة الأمن في كركوك وقوات الجيش.. كانوا جماعة الجلاليين أخذوا يطلقون الوعود للحكومة بأنهم سوف يحتلون منطقة كركوك – قره داغ كمرحلة أولى ومن ثم التوجه نحو المناطق المحررة في السليمانية كمرحلة ثانية وفي المرحلة الثالثة سيتوجهون إلى (كه لاله) لإعتقال الزعيم الملا مصطفى البارزاني(3)، ففي فجر 3 / 10 / 1968 تقدمت قوات (الجلاليين) من كركوك بإتجاه مناطق قره حسن وجباري وتمكنت من أحتلال معظم الأراضي المحررة هناك وصولاً إلى قمة جبل (سلباتو) في منطقة جباري.. ويضيف الأستاذ السنجاري: بعد ثلاثة أيام من الهجوم الذي شنهُ قوات الجلاليين أمرهُ الزعيم البارزاني بالتوجه فوراً إلى قره داغ لتسلم قيادة هيز قره داغ، وفي يوم 7 / 10 / 1968 خطط للقيام بشن هجوم على مواقع الجلاليين في جبل سلباتو.. وأستمرت المعارك لستة أيام بأسم (خطة الشهداء(4)).
هنا أود أن أشير على مدى ثقة وأحترام الزعيم البارزاني لآراء والدي (في فترة الستينيات)، بعدما رأى الزعيم إخلاص والدي وقوة شخصيته ونزاهته وجرأته وقدراته السياسية والدبلوماسية، وتفانيه المستمر للنضال ومحاولة كسب ثقة الأنظمة العراقية من خلال المفاوضات من أجل تحقيق حقوقه شعبه.. فكان الزعيم البارزاني يترك كل الحرية والثقة في إعداد والدي لكلماته على صفحات جريدة التآخي وفي أية مناسبة، وإن أغلب كلمات وخطب الزعيم كان والدي يكتبها بأسم سيادته من خلال الجريدة أو في المناسبات.
كان والدي صريحاً وصادقاً مع الزعيم حتى آخر لحظات لقائهما الأخير بعد أنتكاسة 1975 خلال نهايات شهر آذار / مارس 1975 وسيأتي الحديث عن ذلك في حينه.
صرح الأستاذ حبيب محمد كريم (سكرتير الحزب في الستينيات)، يشير إلى مدى ثقة الزعيم بوالدي منذ تلك الفترة حيث يذكر الأستاذ حبيب: (( ألتقيت بصالح اليوسفي للمرة الأولى في المؤتمر الرابع لحزبنا الديمقراطي الكوردستاني الذي أنعقد في مطلع تشرين الأول عام 1959 بعد ثورة 14 تموز وألتقيت به للمرة الثانية في المؤتمر الخامس في مايس 1960 وفي بغداد أيضاً، ولاحظت خلال هذين المؤتمرين مدى ما كان يتمتع به من تأييد وشعبية في منطقة بهدينان بصورة عامة ولدى مندوبي الفرع الأول للحزب إلى المؤتمرين المذكورين بوجه خاص..! ففي الجلسات الختامية لكل مؤتمر كما هو معلوم تتم صياغة قرارات وتوصيات المؤتمر لعرضها على التصويت وعند إجراء عملية التصويت كنا نلاحظ إن مندوبي الفرع الأول يتطلعون إلى معرفة رأي الأستاذ صالح، فإذا رفع يدهُ بالموافقة يسارع الجميع إلى التأييد، وهذا لا يعني بطبيعة الحال التأييد العشوائي وغير المدروس لرأي كاك صالح في كل شيء، بل إن الأمر كان يشير إلى مدى ثقة المندوبين بقدرته السياسية والمبدأية وتقديره الصائب لسير الأحداث ومجريات الأمور... وكان في تلك الفترة وحتى إستشهاده موضع تقدير وثقة البارزاني الخالد، فعلى سبيل المثال عند ما جرى التصويت على أنتخاب أعضاء اللجنة المركزية للحزب، في ختام المؤتمر الخامس شارك البارزاني في عملية التصويت شخصياً سألناهُ من باب الفضول إلى مَن أعطى صوته فأبتسم قائلاً لشخصين فقط هما صالح اليوسفي وناهدة شيخ سلام(5)، وبقي اليوسفي طوال حياته الساسية عضواً فاعلاً في قيادة الحزب وكنا على صلة وثيقة من الناحيتين الحزبية والشخصية لفترة طويلة من الزمن..(6)).
هذا وكان والدي خلال فترة ترأس جريدة التآخي قد أكتسب أيضاً أحترام وثقة أغلب الأحزاب والأطراف العراقية وأغلب الشخصيات البارزة بكل مذاهبها وطوائفها وأحزابها، وحتى على صعيد النظام كان قد كسب ثقة وأحترام الرئيس البكر وصالح مهدي عماش وعبد الخالق السامرائي ومرتضى الحديثي وغيرهم، كان والدي في بدايات 1969 يصب كل جهده هو ودارا توفيق من أجل أن لا يشعل فتيل الحرب مرة أخرى..!
يقول د. فاضل البراك: ((زارني دارا توفيق في القصر الجمهوري في أوائل عام 1969، وكانت الظروف في وقتها غير أعتيادية في منطقة كردستان، قال: نريد أن نتفاوض، ونريد أن نحل الأمور..
قلت له: قل ما عندك نسمع منك..؟
قال: نريد فك الحصار الأقتصادي ونريد أن ترجعوا الموظفين إلى وظائفهم..
قلت: هذا هو..؟
قال: نعم هذا هو..
قلت: لا الشعب الكردي لم يثر من أجل أن يفصل من وظائفهم، إنما هناك حقوق قومية، نحن ننظر إليها بإنها مشروعة عندما تكون في إطار وحدة العراق، ولكنها تصبح غير ذلك، إذا كانت مرتكزاً لفصل أي جزء من العراق....(7))).
 وفي نفس الوقت كان والدي يحاول وبأستمرار عن طريق لقاءاته مع صالح مهدي عماش (نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية) للوصول إلى حل سلمي بينهما، من خلال المفاوضات واللقاءات المستمرة من أجل السلام وحقوق الشعب الكوردي، وبعد آخر لقاءات والدي مع عماش ووصول الأثنين إلى الطريق المفتوح لإعلان حقوق الشعب الكردي في الحكم الذاتي... وعودة والدي إلى القيادة الكوردية للأتفاق سوياً حول هذه المسألة... فإذا بمفاجأة غير متوقعة يصدم والدي ويثير غضبه...!!!! يتبع 

  المصادر والهوامش:
(1)كتاب الأتحاد السوفيتي والعراق: السعي السوفيتي من أجل النفوذ – مركز البيان للدراسات والتخطيط – عبد الله عبد الأمير.
(2)شكيب عقراوي – سنوات المحنة في كوردستان – 253 – 254.)
(3)علي سنجاري – القضية الكوردية – وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – ص 385 – 386
(4)علي سنجاري – القضية الكوردية – وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – ص 387 – 388
(5)السيدة ناهدة الشيخ سلام من مدينة السليمانية وهي زوجة المناضل نوري شاوه يس، وأبنة الفيلسوف والشاعر والمترجم والثائر القومي الكوردي الشيخ سلام عازباني الذي قاتل مع المناضل الكبير محمود الحفيد، أنتمت السيدة ناهدة إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع زوجها المناضل، وفي شهر كانون الأول 1952 أسست أتحاد نساء كوردستا مع مجموعة من النساء من أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأنتخبت السيدة ناهدة الشيخ سلام كأمينة عامة للأتحاد ولأول مرة في التاريخ، وبقت في صفوف البارتي مع زوجها وأصبحت عضوة في اللجنة المركزية للحزب، وأنضمت مع زوجها في الإنشقاق الأول عام 1964 مع جماعة أبراهيم أحمد، وسحبت أسمائهما من العضوية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني خلال المؤتمر السابع للحزب أثر الإنشقاق، إلا أنهما عادا مرة ثانية إلى صفوف الحزب مع المناضل علي عبد الله، بجهود مجموعة من زملائهم من أعضاء المكتب السياسي وعلى رأسهم المناضل صالح اليوسفي..
(6)المناضل صالح اليوسفي كما عرفته، حبيب محمد كريم، 5 حزيران 2004
  (7)د. فاضل البراك (مصطفى البارزاني – ص 191).



تم عمل هذا الموقع بواسطة