الحلقة: الثانية والخمسون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
معاناة القيادة الكوردية ما بعد أتفاقية 11 آذار/ مارس 1970
خلال شهر أيار/ مايو 1971 بدأت جريدة الجمهورية بالهجوم على ما تنشره جريدة التآخي من مقالات وعن أسلوبها..!، حيث كتبت الجمهورية مقالت تنتقد فيها أسلوب صحيفة التآخي وكان آخر هذه المقالات من صحيفة الجمهورية مقالة تنتقد فيها التآخي بعنوان: (التآخي.. والأقلام اللئيمة مرة أخرى)، فردت التآخي على هذه المقالة وعلى الصفحة الأولى من طريق التآخي وعلى نفس العنوان الذي نشرته جريدة الجمهورية، وأستمر النقد بينهما لأيام، وكانت التآخي بدورها ترد على هذا الهجوم بعدة مقالات، آخرها كانت مقالة وعلى الصفحة الأولى بعنوان: (الجمهورية والأقلام الخبيثة) بتاريخ 22 أيار/ مايو 1971.
خلال شهر آب/ أغسطس 1971 وبمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني أقيمت حفلة كبيرة على مسرح قاعة الخلد برعاية المناضل صالح اليوسفي، وزير الدولة والمسؤول عن الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وحضر الحفل صدام حسين ونعيم حداد ونوري شاوه يس وحبيب كريم ومحمد محمود عبد الرحمن وعدد من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث، وعدد من الشخصيات الكوردية وجمهور غفير من العرب والأكراد، وألقى اليوسفي خطاباً طويلاً بهذه المناسبة أشار إلى العديد من المراحل التي مرت بها الحزب عبر نضاله، وأشاد بأنتصار أتفاقية 11 آذار 1970، وعزز فيها أواصر الأخوة والسلام وحقوق شعبه الكوردي والوحدة الوطنية وتحقيق الجبهة الوطنية بين كافة القوى والأحزاب، ونبذ الحقد والفتن، وحذر من المؤمرات اللئيمة والتحركات المشبوهة.
إذا نظراً بشكل عام عن واقع الأحزاب السياسية عبر التاريخ، ففي الحقيقة سوف نلاحظ بأنه ليس هناك حزب دون مشاكل أو تباينات في الأفكار والقرارات أو إنشقاقات، وكذلك كان حال الحزب الديمقراطي الكوردستاني كسائر الأحزاب العامة، فيها مشاكل وتباينات في الأفكار وإنشقاقات وهذا شيء طبيعي.
فبعد عام تقريباً من أتفاقية 11 آذار 1970 ظهرت عدة مشاكل داخل القيادة الكوردية وأقليمها من جهة، ومشاكل مع نظام الحكم في العراق من جهة أخرى، ومع كل ذلك أستطاع الجانبان الحافظ على الهدنة ما بينهما إلى نهايتها المقررة مع بدايات عام 1974، رغم حدوث خروقات ومؤامرات كبيرة..!، ولكن بالصبر والتأني أستطاعت القيادة من الصمود ضد الكثير من تلك المشاكل والعقبات، وكان للمناضل صالح اليوسفي الدور الكبير في إخماد نار الفتن وفتيل إشعال الحرب مرة أخرى وهذه شهادة للتاريخ لا جدل فيه مطلقاً، فكان والدي دوماً وبحكم منصبه المهم كمسؤول الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني ووزيرا الدولة العراقي إضافة إلى تسنمه لعدة مناصب أخرى، كان يسارع إلى نجدة إية مشكلة عالقة في المنطقة سواء في أقليم كوردستان أو المناطق المتنازع عليها أو حتى التي تكون قريبة من العاصمة بغداد كما في مشكلة مدينة بابل (حلة) والتي أشرت إليها في الحلقة السابقة، وكان والدي في مقدمة البحث لإيجاد أمثل الحلول في حل المشاكل بالحكمة والجرأة والنفس الطويل والمواقف لا تعد ولا تحصى.
ومن بعض هذه الأمثلة والمواقف ونقلاً من أرشيف أخي شيرزاد: ((خلال فترة المفاوضات 1970 – 1974 كادت لحادثتين أن تسببان أستئناف القتال بين الحركة الكردية والحكومة العراقية ومن بينها حادثة ( ديالى – خانقين ) حيث أستخدمت الحكومة العراقية فيها الدبابات وكان في كل مرة يقوم الشهيد بالأتصال بالسفير الروسي وكان السفير الروسي يتصل باللجنة المركزية للحزب الشيوعي في موسكو وهذه الأخيرة كانت تتصل بالرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر وتطلب بضرورة ضبط النفس وعدم تأزم الأمور وأستئناف القتال..))، هكذا كان والدي مواظباً وحريصاً على السلام والأمن وأستقرار شعبه.. حتى لا يشعل فتيل الحرب مرة أخرى بين الجانبين..)).
بالنسبة للمشاكل الداخلية في القيادة ففي البداية وكما أشرت سابقاً فقد حصل صراع ومشاكل على المناصب خلال المؤتمر الثامن في تموز/ يوليو 1970، كما أن بعض العشائر التي كانت موالية للحكومة أعلنت ولائها للقيادة والزعيم البارزاني وكانت هذه خطوة جيدة، ولكن البعض الآخر رفضوا مما أدى إلى حدوث صراعات ومشاكل عدة..!، كما حدثت مشاكل أيضاً داخل عائلة الزعيم البارزاني، فأثقلت كل هذه المشاكل كاهل الزعيم والقيادة، كما كانت هناك عدة مشاكل أخرى بين القيادة الكوردية ونظام الحكم أغلبها تتعلق حول نقاط محددة كمسئلة الإحصاء في المناطق المختلطة، أو حول الأنتمائات الحزبية في نفس المناطق حيث بدأ التنافسات بين مقرات حزب البارتي وحزب البعث لكسب الجماهير كل منهما إليه خاصة في محافظات موصل وكركوك نظراً للتعدد القومي والمذهبي والديني..! وكذلك كانت هناك مسئلة عالقة عن حقوق الكورد الفيليين ومنحهم الجنسيات العراقية.
في الحقيقة لم تكن المشاكل حينها ما بين الهرمين، القيادة الكوردية ونظام الحكم في العراق، فكما نعرف ونظراً لأن قضية الأكراد وبجهاتها الأربعة هي قضية واحدة ومتصلة فكراً وأساساً مع بعضها البعض فلا شك أي منهم يتعرض لمحنة فستصل أثرها إلى باقي المناطق الأخرى، وهذا شيء طبيعي والأمثلة عديدة حولنا عبر التاريخ ولحد الآن..! فقد ظهرت مشاكل أخرى بين أكراد الشمال والقيادة، حيث كانت للإختلافات الفكرية والسياسية دوراً في القضاء على أبرز قادة الأحزاب الكردية في تركيا، وهما سعيد الجي والدكتور شفان.
يذكر الأستاذ شكيب عقراوي: (( كان (سعيد الجي) أحد مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردي في تركيا عام 1966وكان يتمتع بشعبية واسعة في صفوف الجماهير الكردية في تركيا، وكان (الدكتور شفان) يقود جناحاً آخر.. وكان قد ألتحق بالثورة الكردية في كوردستان العراق عام 1969، أنشأ د. شفان مستشفى صغير في قرية (قمري) بمنطقة برواري في قضاء العمادية، وكان متأثراً بأفكار (جيفارا) التي تدعوا إلى إندلاع ثورة شعبية من صفوف الفلاحين لسيطرة الجماهير على حكم المجتمع، في حزيران/ يونيو 1971 أغتيل (سعيد الجي) في ظروف غامضة في منطقة زاخو، وبعد أستلام أوراق التحقيق من قبل المكتب السياسي وكان حينها الدكتور محود عثمان يدير شؤون المكتب السياسي، ظهر تورط د. شفان في هذه القضية...(1))).
كما حدثت عدة صراعات بين العشائر الكوردية أغلبها على الأرضي أو السلطة في المنطقة في عام 1971، ومنها يذكر الأستاذ علي سنجاري: ((حدثت صراعات بين العشائر على الأراضي في منطقة عقرة (2))).
مؤامرة أغتيال الزعيم مصطفى البارزاني في 29 أيلول/ سبتمبر 1971..
من أكبر المفاجأت والصدمات التي واجهة القيادة الكوردية والشعب الكوردي كانت مؤامرة أغتيال الزعيم البارزاني..
نقلاً عن شهادة الأستاذ كاوه فتحي: ((المرحوم والدي بحكم مسؤوليته عن تنظيمات البارتي في الفرات الأوسط أبلغ القيادة الكوردية وبواسطة الفرع الخامس مرتين عن وجود مخططات للمحاولتين ﻷغتيال الرئيس مصطفى البارزاني وقبل تنفيذها في عام 1971 وبحكم علاقته القوية مع بعض من أهالي مدينة الحلة الذين أوصلوا إليه تلك المعلومات، وقبل 3 سنوات أكد لي الأخ شكيب عقراوي بوصول معلومات لديهم قبل المحاولتين..)).
يذكر الأستاذ شكيب عقراوي: (( في نهاية شهر آب/ أغسطس 1971 ورد تقرير من مصدر للمعلومات في بغداد إلى قيادة الثورة الكردية بأن قيادة حزب البعث تخطط للقضاء على البارزاني.. ولم يتضح في ذلك الوقت فيما إذا كان أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية كان مطلعاً على المؤامرة لأن التخطيط أنحصر بين صدام وناظم كزار مدير الأمن العام وكان قد جرى الإستعانة بخبرة أجنبية للإعداد لها دون كشف هوية الهدف الذي سيجري القضاء عليه... في 15 أيلول وصل لزيارة البارزاني في مقره في حاج عمران كل من عبد الجبار الأعظمي، وعبد الحسين الدخيلي، من رجال الدين بسيارة يقودها سليمان كوخي الذي أطلع على مقر وغرفة أجتماع البارزاني مع ضيوفه.. وفي 28 أيلول/ سبتمبر 1971 وصل أعضاء الوفد لمقابلة البارزاني بسيارتين يقودهما سليمان كوخي ومحمد كامل أسماعيل وكانا من ضباط ومنتسبي مديرية الأمن العامة وكان قد جرى أعدادهما وتدريبهما بصورة خاصة لإداء هذه المهمة في يوم الأربعاء 29 أيلول/ سبتمبر 1971... وقبل مقابلة هذا الوفد للبارزاني بحجة تذليل العقبات الموجودة في المفاوضات بين قيادة البعث والبارزاني فأن الأستاذ مسعود البارزاني قدم أسماء أعضاء الوفد إلى أبيه وهم: عبد الجبار الأعظمي، عبد الوهاب الأعظمي، عبد الحسين الدخيلي، باقر المظفر، أبراهيم الخزاعي، غازي الدليمي، أحمد الهيتي، نوري الحسيني، أحمد قاسم.. حضر البارزاني للإجتماع بالوفد في غرف الضيوف في حوالي الساعة الرابعة وخمسة وأربعين دقيقة، وحصل الإنفجار في حوالي الخامسة عصراً 29 أيلول 1971، وكان أبراهيم الخزاعي يحمل المتفجرات وأنفجرت به في غرفة الضيوف، سبب مقتل أربعة أشخاص ثلاثة منهم من أعضاء الوفد والآخر هو النادل الذي كان يصب الشاي ويقدمه للضيوف يدعى (محمود شريف نزاري)... وكان برفقة البارزاني د. محمود عثمان.. وعند خرجوهما من غرفة الإجتماع بعد الإنفجار فأن سائق سيلرة (تويوتا) ذكر إلى سائق سيارة (شوفرليت) بأن البارزاني لم يقتل، فألقى بقنبلة (رمانة يدوية) على البارزاني مما أدى إلى إصابته بجرح بسيط من شظية القنبلة اليدوية.. وعند رمي الرمانة اليدوية فأن حراس البارزاني قتلوا سائق تويوتا والشخصين الآخرين بعد محاصرتهما (3))).
ونقلاً عن الأستاذ شكيب عقراوي: (( لقد أنكرت الحكومة العراقية القيام بهذه المؤامرة ففي 30 أيلول بعثت القيادة القطرية برقية تهنئة لنجاة البارزاني من هذه المحاولة كما أرسل الرئيس أحمد حسن البكر الدكتور عبد الستار الجواري (وزير التربية) إلى البارزاني لتهنئته بنجاته، كما قام الأستاذ عزيز شريف ومن بعده وفد من الأتحاد السوفيتي رفيع المستوى لتهنئة البارزاني بالسلامة والطلب منه المحافظة على الهدوء وعد الألتجاء إلى القِتال مع الحكومة العراقية(4))).
وقد رافق والدي الدكتور عبد الستار الجواري مبعوث الرئيس أحمد حسن البكر في زيارة سريعة إلى حيث الزعيم البارزاني للتهنئة بسلامته ونجاته، وكذلك كل من المناضلين نوري شاوه يس نافذ جلال وعزيز عقراوي ودار توفيق ورشيد وسليمان سندي وعدد كبير من الشخصيات والقيادات الكوردية ووفود عدة، وكان حينها والدي في أشد حالات القلق من هذه المؤامرة الصادمة ومن نتائجها السلبية، وكان على ثقة أن المحاولة مدبرة من قِبل صدام حينذاك حيث كان يتهيء لهُ أن الخلاص من الزعيم البارزاني معناها الخلاص من أعضاء القيادة الكوردية اللذين كان يخافهم صدام أكثر حتى من الزعيم، وقد صرح صدام بمشاعره تلك وذكراها مام جلال في مذكراته.
حاول والدي مدى الإمكان من تهدئة الوضع بين الجانبين حتى لا يؤدي إلى نشوب الحرب مرة ثانية... يتبع
المصادر:
(1)سنوات المحنة في كوردستان، شكيب عقراوي، ص 312
(2)القضية الكوردية وحزب البعث العربي الأشتراكي في العراق، علي سنجاري، ص 427
(3)سنوات المحنة في كوردستان، شكيب عقراوي، ص 315
(4)سنوات المحنة في كوردستان، شكيب عقراوي، ص 321