1 قراءة دقيقة
الحلقة: الثانية والثمانون - الجزء السابع من أتفاقية 6 آذار 1975

الحلقة: الثانية والثمانون - الجزء السابع من أتفاقية 6 آذار 1975
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي


مشاهد حية ويوميات المناضلين من أتفاقية 6 آذار..(1)
نقلاً عن المناضل فاروق عقراوي: (( كان اليوسفى يبذل كل جهوده المتبقية لتفادى (الإستسلام)، طمعاً في السلام.. وقال للمترددين أراهن (برأسي) وأتعهد بأن المقاومة ستخذل إيران وأمريكا وإسرائيل وقوعنا في الفخ الدولي له مخرج واحد وهو الإعتماد على أنفسنا في المقاومة، وإلا سندفع غالياً في الإستسلام، والتأريخ سيحاسبنا، كان عنصر خير وسلام لكنه طلب المقاومة الشعبية ضد الخوف والإنهيار النفسي المحزن.. لكنهُ خذل..!)).
يذكر المناضل أحمد شكر أحمد: ((في 7 آذار 1975 وخلال إخلاء قصر السلام من جميع الصحفين الأجانب بإتجاح إيران بموجب الأوامر الصادرة إلينا كنا نستقل عدة سيارات لهذا الغرض وعند وصولنا إلى بابكراوا حيث مقر الأمانة العامة للعدل ومقر الشهيد المرحوم صالح اليوسفي أصر أحد الصحفين وكان أسمه (ألكسندر) ذات جنسية هولندية اللقاء ب الشهيد صالح اليوسفي.. ونزل من السيارة بسرعة باتجاه الوادي الذي وجد فيه المقر.. وقد ألتحقت به فوراً لكي أقنعه بالعدول عن رأيه.. ولكنه كان مصراً وطلب من الأستاذ اليوسفي أن يساعدهُ للوصول إلى منطقة بادينان ولكن الأستاذ نصحه بأن يذهب إلى إيران لإن القوات العراقية قد سيطرت على كافة المواقع الحساسة وعليه أن لا يغامر بحياته فخرج ألكسندر غاضباً ومنزعجاً..! وأصر أن يذهب إلى العمادية ولو بمفرده.. أنقطعت عنا أخباره لمدة أسبوعان وبينما كنا نتابع الأخبار ونحن في مهاباد سمعت من إذاعة بغداد إنه تم القبض على جاسوس أسمه (ألسكندر) يحمل الجنسية الهولندية ويعمل لصالح أسرائيل وتم إعدامه وتسبب ذالك بقطع العلاقات العراقية والهولندية..)).
ويضيف المناضل أحمد شكر أحمد: (( كنت في قصر السلام المطل على قضاء جومان مع عدد غير قليل من الصحفين الأجانب.. بدأت الطائرات العراقية الحربية ترهبنا وتقصف وتدمر وتقتل على طول طريق ناوپردان وجومان ودربند ورايات وعلى مستوايات منخفضة جداً وقد أصاب الناس الهلع والخوف وتزامن ذلك مع سحب بطاريات صواريخ هوك الإيرانية المنصوبة في المنطقة والمقاومة الجوية الإيرانية.
في جنح الظلام بدأت كتائب المدفعية الإيرانية الثقيلة بالإنسحاب وقد خلت الساحة من المقاومة الجوية تماماً وأصبحنا فريسة سهلة للطيران العراقي والتجأنا إلى الملاجئ ولانخرج منها إلا للضرورة..
ولكن الحق يقال في ليلة 11و12 خاضت قوات الپيشمرگة ببسالة معارك بطولية كبدت القوات العراقية عدد كبير من القتلى.. جائنا دار توفيق على عجل وأبلغنا بأن الثورة قد أنتهت ويجب إخلاء قصر السلام من الصحفين والتوجه.. إلى إيران بالسرعة الممكنة..(1))).
يذكر المناضل عوني البرزنجي: (( الأيام الأخيره لثورة أيلول 1975 كانت مؤلمه جداً.. لا يستطيع أحد أن يوصف المواقف المؤلمة عندما أمرونا أن نتخلى عن مدفعنا وننسحب..! أستغربنا وبعد حين قمنا برمي كثيف على الأهداف المسجلة لدينا حتى آخر قنبلة وكان الدفع من عيار 122 ملم روسي وكان آمر المفرزة أحد طلاب جامعة السليمانية وهو من كركوك وأسمه (شوان نافع - وهو الآن أستاذ جامعي في جامعه صلاح الدين في أربيل) وكان مختص في الإحدثيات المدفعية وأنا كنت مساعداً في المفرزة لكوني أجهل الإحداثيات وبعدها قمنا بالإنسحاب وكانت صعبة لا يوصف أبدا..! وأخذنا بعض أدوات المدفع لإعطالها.. ثم أنسحبنا مسافة ووصلنا إلى (دولى بيشي) وبقينا ساعات وقلنا عسى أن يأتينا خبر ونرجع ونستمر في الدفاع ولكن بدون جدوى وبدون أمل ووصلنا إلى جومان ورأينا كأنه زلزال وكأنه دار المجانين..!!)).
يذكر المناضل شيرزاد محمد صالح جبرائيل: (( في ليلة 6/7 آذار 1975 وردت أخبار تقول بأختصار.. لقد باع شاه إيران الكرد وإتفق مع صدام حسين في الجزائر على إنهاء الحركة الكردية..! كنت حينها في مقر البتاليون الذي إنتسب إليه جالساً مع آمر البتاليون المرحوم ملازم (غازي عزيز ميرزا أتروشي وملازم عمر عثمان (زعيم علي)) عندما وصلنا الخبر لم نصدق ما يشاع وألتزمنا الصمت ولا أحد منا تفوه بكلمة، في اليوم الثاني ليلاً بدأت كتيبة مدفعية إيرانية على مقربة من مقرنا بالإنسحاب وحينها تأكدنا من حجم المؤامرة التي حيكت ضد الثورة الكردية، وقفت على طرف طريق الإنسحاب الإيراني ليلاً والدموع تنهار بغزارة من عيوني، ولم يكن لدي سوى إطلاق كلام لا شعوري لا أنساه، قلت فيه: ( أذهبوا أيها الجبناء فإن ثورتنا ستستمر من دون مساعدتكم وإن الله معنا..) بنفس الوقت كانت كتيبة المدفعية الإيرانية ١٢٨ ملم تقصف جبهات تواجد الجيش العراقي في سهل ديانا.. وكان كل مدفع ينهي ذخيرته وإطلاقها على الجيش العراقي ومن ثم ينسحب وعلى التوالي..!
حادثة جديرة بالذكر.. في اليوم الثاني وبعد بدء إنسحاب كتيبة المدفعية الإيرانية سمعنا صوت إطلاقة نارية واحدة..؟! قريبة منا، وبعث آمر البتاليون لتقصي الموضوع.. جاء الخبر صادماً..!! بأن أحد أفراد البيشمركة وأسمه (فرهاد)، سأل صديقه: هل أنتهت الثورة..؟؟!!
أجابه: نعم... فوجه فرهاد مسدسه إلى رأسه وأطلق النار على نفسه وأنهى حياته..!! حيث لم يتحمل الصدمة المؤامرة..!! بقينا ننتظر الأوامر..؟ أيام قليلة مضت ونحن في ذهول ونواجه المجهول، كانت أيام مؤلمة حقاً لا تنسى..!
في أول الأمر قيل لنا أن العوائل وكبار السن عليهم الإنسحاب إلى إيران ويبقى المقاتلون الشباب والثورة تستمر..؟ في اليوم التالي، كلفت أحد البيشمركة أن يحلق رأسي صفرا، إستعداد للمضي كمقاتل ضمن صفوف مقاتلي البيشمركة.
صدرت الأوامر لي بأخذ سريتي ومسك جبل (مامەروت) الذي يسيطر على طريق القادمين من مناطق بهدينان.. وفعلت.. وكانت طائرات التوبوليف (باجر) الروسية تنزل حمم قنابلها النابالم الحارقة على قرى كردستان حتى بعد توقيع الإتفاقية الخيانية بالجزائر..!(2)))
ويضيف المناضل شيرزاد محمد صالح: (( ذكريات عن نكسة 1975 الحلقة وتفاصيلها وزمنها يعد من أكثر الأوقات حرجاً في تاريخ ثورة أيلول، فبعد أتفاقية الجزائر المشؤومة كانت قيادة الثورة وعلى رأسها زعيمها الملا مصطفى البارزاني، قد قرروا في البداية استمرار المعارك، وكنتُ حينها آمراً للسرية في جبل هندرين وكنت في فترة استراحة (تبديل القوات)، فتوجهت مع بعض البيشمركة إلى جبل سه رتيز (يسميه الجيش العراقي جبل تاتان) يقع مباشرة خلف جبل زوزك، ويشرف على (كةلى عمر ئاغا - وعسكريا معروف بظهرالسمكة)، بعد الاتفاقية مباشرة قام الجيش العراقي بهجمات متتالية على قوات البيشمركة ودون توقف مستخدماً كل آلته الحربية من مدافع الميدان والطائرات والمشاة الآلي، إلا أن البيشمركة وقفوا وقفة أبطال ولم يتزعزعوا من أماكنهم وقاموا بصد الجيش وإفشال هجماته الواحدة تلو الأخرى، والإحباط من مؤامرة الجزائر لا يفارق خيالنا، رغم ذلك كنا بمعنويات عالية لم نشعر بمثيلها خلال فترة الثورة التي أمتدت حوالي العام، وسطر البيشمركة صفحات خالدة من مآثر البطولة والفداء لم يشهد التاريخ الكردي لها مثيلاً..! قام الزعيم الملا مصطفى البارزاني بزيارة إلى شاه إيران في طهران.. كثرت الدعايات، منها أنه تم حجزه من قبل الشاه.. لكن بعد ثلاثة أيام عاد ليعلن تعليق الثورة وإنهائها.. وخير الناس بالتوجه إلى إيران أو العودة إلى العراق.. لكن التوصية كانت تفضل التوجه إلى إيران.. وبدأ الإنسحاب من جبهات القتال.. وعشرات الآلاف من العوائل والأفراد بدأت تزحف من كل صوب إلى إيران. أما الذين فضلوا العودة إلى العراق، فقد توجهوا كل ضمن مناطق تواجدهم نحو سيطرة نظام صدام حسين. وامامهم أيضا المجهول..؟
في يوم 22 آذار صدرت الأوامر لنا بالإنسحاب والنزول من الجبل والتوجه إلى إيران، ودخلت إيران بتاريخ 23/ آذار 1975، وأشد ما آلمني هو عند وصولي إلى مدينة نغدة الإيرانية شاهدت قافلة طويلة من العجلات العسكرية العراقية بأسلحتها تتجه من مهاباد إلى النقطة الحدودية في پیرانشهر لتدخل العراق من هناك..؟! حيث سمح نظام الشاه لتلك القوات بدخول إيران من منطقة خانقين والالتفاف حول مقر قيادة قوات الثورة الكردية ودخلوا إلى العراق من حاج عمران الحدودية، وبذلك أسدل الستار على أكبر ثورة كردية في التاريخ المعاصر... وحينها قال لي سيدا صالح اليوسفي كلمته الشهيرة: (( لو وضعوا تاج الشاه على رأسي لن تطئ قدماي إيران، ووضعوا في طريقي 20 مشنقة فسأذهب إلى بغداد ولن أترك الذين عادوا للعراق وحيدين وبدون راع لعلي أستطيع فعل شيء... ))، كلماته تلك إنما تدل على عظمة ذلك الإنسان الكبير وشجاعته المنقطع النظير.. وقد كان شعوره بخيانة الشاه للقضية الكردية لا يوصف والتي طالما حذر منها قبل ذلك.. وكان ذلك اللقاء الأخير لي به خلال فترة ثورة أيلول...)).
المصادر والهوامش:
(1)مقالة بعنوان شاهد على ماحدث في 6 آذار 1975 - الأستاذ أحمد شاكر.
(2)مقالة بعنوان 6 آذار 1975 اليوم الشؤوم – الأستاذ شيرزاد محمد صالح جبرائيل صوفي.

تم عمل هذا الموقع بواسطة