1 قراءة دقيقة
الحلقة: الثانية بعد المائة (الجزء الثاني)


نعود إلى تلك المرحلة المهمة من تاريخنا النضالي والسياسي، وقد أشرت في الحلقة السابقة عن محاولات الأستاذ المرحوم جلال الطالباني الحثيثة لكسب وإنضمام أكبر قوتين لعبتا دوراً بارزاً بعد نكسة 1975 في النضال المسلح لضمهما إلى جناحه وإلى حزب الأتحاد الذي أسسه مع مجموعة من مريديه في دمشق وتزعمها(1)، وتلك القوتين كانت هي الحركة الأشتراكية الديمقراطية الكردستانية بزعامة الشهيد صالح اليوسفي(2)، والكوملة (عصبة كادحي كردستان) بزعامة ئارم .
أستطاع مام جلال أن يضمهما تحت جناحه، خاصة بالنسبة لمنظمة كومله ذات النهج اليساري، أما بالنسبة للحركة الأشتراكية الكوردستانية التي ترأسها والدي فقد أنتمت مجموعة من القياديين في الحركة وعلى رأسهم الأستاذ عمر دبابة (الذي كان منذ أنشقاق 1964يميل إلى ذلك النهج) وقد ألتقى بمام جلال في دمشق.
أما كيف وصل عمر دبابة إلى دمشق يذكر الأستاذ عادل مراد: (( كانت سلطات النظام في بغداد وفي اطار أتصالاتها المتكررة بالرموز الوطنية الكردية المعروفة في بغداد، قد كلفت السلطة المرحوم عمر دبابه بأن يقوم بدور الوسيط بينهم وبين السيد مام جلال، فتظاهر عمر دبابه بقبول المهمة، إلا انه توجه مع الدكتور خالد سعيد وبالتنسيق مع السيد علي العسكري من بغداد إلى مدينة كويسنجق يوم 6/8/1977 ومنها إلى المقر الرئيسي للحركة في جبل قنديل (المثلث الحدودي الجبلي بين العراق وايران وتركيا) التي وصلها يوم 21/8/1976 ومن هناك توجه إلى سوريا عبر أراضي كردستان تركيا المتاخمة للعراق وهو يحمل تعليمات من القائد الميداني للحركة السيد علي العسكري بالتنسيق مع قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني في دمشق وكان يرافقه السيد جوهر نامق العضو القيادي الأساسي في القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكردستاني..... وفي دمشق صدر بيان بأنضمام (الحركة الاشتراكية الكردستانية) إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، وقع على البيان السيد عمر مصطفى كمندوب عن قيادة الحركة دون موافقة الشهيد صالح اليوسفي ومعظم مجموعة رسول مامند - عزيز عقراوي، وأصبحت الحركة القوة الرئيسية الثانية في جسد الاتحاد الوطني الكردستاني، وتم تنظيم العلاقات الميدانية بين الكوملة بقيادة ارام والحركة بقيادة علي العسكري..(3))).
ها هو القيادي البارز في الأتحاد الوطني المرحوم عادل مراد يشير بنفسه:(( وقع على البيان السيد عمر دبابة كمندوب عن قيادة الحركة دون موافقة الشهيد صالح اليوسفي ومعظم مجموعة رسول مامند - عزيز عقراوي..) وسيأتي موقف والدي في الحلقة القادمة والتي للأسف لا مام جلال ولا عادل مراد ذكرا تفاصيل رفض والدي.. رغم إن رسائل والدي كانت تقع في أيديهم..! كيف..؟! حقيقة لا أعرف..!
أما عن المناضلين علي عسكري ود. خالد سعيد رغم أنني في الحقيقة لا أعرف التفاصيل عن كيفية أنتمائهما، ولكني واثقة كل الثقة بأنهما بعد الإستماع لرأي والدي عبر الرسائل قد تحذرا بعض الشيء من هذه الخطوة، وأكبر دليل على ذلك حين حصلت مفاوضات في عام 1977 بين حكومة بغداد والحركة الكوردية بقيادة علي عسكري أشار المناضل علي عسكري لصدام من خلال حواره وقال لصدام وجهاً لوجه في نهاية الحوار.. إذا وصلتم إلى حل بلغوا الأستاذ صالح اليوسفي..! وهذا أكبر دليل لولاء المناضل علي عسكري وإيمانه بقيادة والدي(4).
بالنسبة عن خطوة الأتحاد.. أود أن أضيف أن والدي لا شك كان يؤيد كل خطوة تؤدي إلى وحدة الصف الكوردي ولا جدل في ذلك بالنسبة لرأي والدي.. ولكن للأسف الشديد موجة الغرور والصراع للأستحواذ بالسلطة وفرض الآراء الشخصية والأصرار عليها سادات هذه المرحلة كثيراً..! خاصة لمِن كان يتستر تحت جناح وعبائة الدول الأقليمية، مما تسبب في إنزعاج والدي من هذه الخطوة التي صُمم عليها دون دراسة ودون أعتبار أو إهتمام لرأي والدي، وكأنه كان كل هم الأتحاد القضاء على زعامة والدي وحركته والأستحواذ على قواته وبأي ثمن..! مما أدى بعد ذلك إلى حدوث عدة نكبات مؤلمة وتداعيات سلبية لا حصر لها..! وقد توقع والدي كل ذلك حيث كان على خبرة سنين طويلة ودراية ودراسة عميقة بكل النفسيات القيادية وشخصياتها.
حوار مع مام جلال (رحمه الله)..
عندما أعلن الأستاذ جلال الطالباني عن هذا الأتحاد، بعض من أعضاء قيادة الحركة الأشتراكية الديمقراطية الكوردستانية أنتموا إليها وليست القيادة بزعامة والدي، وقد أشارا عادل مراد وكذلك مام جلال إلى ذلك من خلال مذكراته قائلاً: (( تحت أسم (الحركة الإشتراكية الديمقراطية الكردستانية) فقد قرروا إلحاق حركتهم بالإتحاد الوطني، وكان ذلك أحد شروط عمر وعلي والدكتور خالد كي يتسنى فيما بعد لرسول مامند وصالح اليوسفي ومن معهما لينضموا الى الإتحاد الوطني ويكونوا جزءا منه وفي الحقيقة لم نكن راضين عن ذلك (5)))..؟؟!!
أعتقد الحقيقة واضحة حول هذا الأتحاد ولن أعلق عليها..! والدي ورسول مامند لم يؤيداها، ولكن فقط أقول.. هل من المنطق والعقل أن ينظم قائد مثل صالح اليوسفي تحت لواء وجناح الأتحاد الوطني..؟!وهو كان أصلاً كان الرجل الثاني في القيادة الكوردية بعد الزعيم ملا مصطفى البارزاني كما كانت تصرح من خلال وسائل الأعلامية الخارجية.. وإذا كان أصلاً والدي قد أسس وتزعم أكبر حركة نضالية ثورية والأكثر شعبية في المنطقة بعد النكسة ومع عمالقة القيادات السابقة..؟!
ثم يضيف مام جلال:(( فقد كانت خطتنا هي جعل الإتحاد الوطني تنظيما جماهيريا كبيرا واحدا يستوعب العصبة كتنظيم ماركسي لينيني وكذلك شخصيات ديمقراطية ثورية أخرى، أي أن يكون هناك تنظيم موحد، ولكن مجيء هؤلاء الأخوة فرض علينا واقعا قبلناه على مضض وخاصة أن هؤلاء إتفقوا في الداخل بهذا الشأن مع آرام وجماعة العصبة، وحين جاء عمر دبابة إلينا في دمشق وإجتمعنا نحن القيادة معه قلنا له بأننا راضون بإنضمام الحركة الإشتراكية الديمقراطية إلينا، ولكننا طلبنا منهم أن يغيروا اسم الحركة على إعتبار أن (الحركة الإشتراكية الديمقراطية) هي أسم لحزب عراقي آخر، أضف الى ذلك أن هذه الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية لا تخوض عادة الكفاح المسلح وهي على خلاف عميق مع الحركات الشيوعية، ولذلك فإن هذا الإسم غير مقبول في بلدنا، ولذلك غيروا الإسم الى (الحركة الإشتراكية الكردستانية) وإشترطنا عليهم أن يقبلوا ببرنامج ومنهاج وسياسات الإتحاد الوطني..(6)))..!
ولماذا تقبلونهم على مضض (أي مكرهين) مادمتم غير مقتنعين بهم..؟! ثم الأستاذ عمر دبابة لا يمثل القيادة الرئيسية (أي رأي زعيم الحركة) ولا يمثل رأي باقي أعضاء القيادات في الحركة..؟! إنه يمثل شخصهُ فقط حول هذا القرار، ثم عفواً مام جلال.. أسم الحركة الأشتراكية الكوردستانية وضعها والدي منذ البداية وليس نقلاً عن طلبكم وأقتراحكم وهذا المصطلح موجود في رسائل والدي.. وأنت نفسك تذكر هنا: (( في هذه الفترة أرسل إلينا صالح اليوسفي بيد صلاح بدرالدين بيانا أصدروه في الداخل بأسم الحركة الإشتراكية الكردستانية ووضعها بداخل غلاف أصفر، ولذلك سميناه تندرا ب (الرسالة الصفراء) قرأنا فيه بعض المباديء الإصلاحية حيث طرحت بلغة معتدلة تجاه الحكومة خاصة حين يتطرق إلى " أن هذه ليست ثورة بل حركة مسلحة للدفاع عن النفس لجأ إليها المواطنون مرغمين للدفاع عن أنفسهم، وفتح الباب على مصراعيه لأية إتفاقات أو مصالحة مع الحكومة..(7)))..!
سأتغاضى هذه المرة أيضاً عن أي تعليق من جانبي حول هذا التصريح تقديراً لمقام مام جلال (رحمه الله)، ولكن عجبي من عدم ذكره للتفاصيل المهمة عن رأي والدي من خلال رسائله..؟! أليس من المفروض نقل الحقائق بأمانة للتاريخ.. وقد أكتفى بهذا الرأي المختصر وكأن كل همه أن يشير بأسلوب أستهزائي وإهانة علنية عن الإشارة للظرف الأصفر..؟! ولا أعرف الغرض من ذلك..؟! وأصلاً رسائل والدي لم تكن تغلف في مظاريف..! بل كانت تطوى وتلف بشكل دقيق على قدر علبة كبريت نظراً لسريتها.. وقد رأيت من تلك الرسائل على مكتبة والدي.
أما تعقيبي على الجملة الأخيرة.. من الإشارة إلى محاولات والدي بالطرق السلمية مع الحكومة، التي لا تقل أستهزاءاً عن سابقتها من (الظرف الأصفر)..! أود أن أقول أن حزب الأتحاد الوطني وغيرها من الأحزاب حينها كانوا مستعدين من تقبيل أيادي النظام لكي يقبلوا بالتفاوض معهم (وسيأتي ذكر ذلك من خلال رسائل والدي)..!! ... يتبع

مصادر وهوامش:
(1)عقد الاجتماع الرسمي الأول بتاريخ 22/5/1975 في مقهى طليطلة بمنطقة ابو رمانه في العاصمة السورية دمشق برئاسة مام جلال، وحضور الدكتور فؤاد معصوم وعبد الرزاق عزيز وعادل مراد، إذ قرر المجتمعون بعد نقاشات مطولة وتبادل الآراء ان يطلق اسم (الاتحاد الوطني الكوردستاني) على التنظيم.. الجديد - عادل مراد - كوردستان والاتحاد الوطني الكوردستاني ... تأريخ وأفاق - صحيفة الأخبار.
(2)دعى الشهيد صالح اليوسفي إلى اجتماعات سرية في صيف 1975، مع عدد من الكوادر الاساسية للثورة الكردية، لتدارس الاوضاع، ودشن لقاءاته السرية بالسادة (علي العسكري، رسول مامند، نور الدين عبد الرحمن، الدكتور خالد سعيد، عمر مصطفى دبايه، الشيخ محمد شاكلي، نجم الدين كلي، طاهر علي والي، سيد كاكه سيد اسماعيل، سعدي عزيز كجكه، اللواء عزيز عقراوي، ملا ناصح اسماعيل سيد احمد، علي عبد الله علي (علي هزار)، عارب عبد القهار (كاردو كلاللي)، عبد الرحمن كومشيني، يد الله كريم وعن طريق هؤلاء تم تدارس الاوضاع مع المئات من المناضلين منهم سيد مجيد ومحمد بحركة ومام ياسين والد بهروز كلالي والعريف عثمان والعريف سليم واحمد حاجي علي ومامه حمد امين واحمد ماهي وسليم اغوب والملا عمر حويزي وسعد عبد الله وسيد سليم روزاندوي واخرين على انفراد او عن طريق شخص ثاني.. وقد تقرر تنظيم الكوادر للتصدي سلمياً للأجراءات العنصرية للنظام، وتقرر تشكيل تنظيم بأسم (الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكردستانية). عادل مراد - كوردستان والاتحاد الوطني الكوردستاني ... تأريخ وأفاق - صحيفة الأخبار.
(3)عادل مراد - كوردستان والاتحاد الوطني الكوردستاني ... تأريخ وأفاق - صحيفة الأخبار.
(4)حوار فضائية الفلوجة مع الأستاذ حازم اليوسفي (شهادة للتاريخ) د. حميد عبد الله.
(5،6،7)من كتاب مذكرات الأستاذ جلال الطالباني.

تم عمل هذا الموقع بواسطة