1 قراءة دقيقة
الحلقة الثامنة والسبعون - الجزء الثالث...مشاهد حية بعد مؤامرة أتفاقية 6 آذار 1975

الحلقة الثامنة والسبعون - الجزء الثالث
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي

مشاهد حية بعد مؤامرة أتفاقية 6 آذار 1975
ينقل المناضل والكاتب فاروق محمود ئاكره يى بعض المشاهد التاريخية الحية والدقيقة خلال هذه الفترة عن مراحل نكسة (أتفاقية 6 آذار 1975).
يذكر الأستاذ فاروق: ((في الصباح الباكر ليوم 7 آذار/ مارس 1975 خرجتُ على أصوات قافلة من السيارات. حيث شاهدت في إنعطافات طريق هاملتون المؤدي إلى حاج عمران والحدود الإيرانية. سيارات عسكرية إيرانية محملة بالجنود وهي تسحب ورائها قطع من المدفعية ومقاومات الطائرات.. الإنسحاب سريع وغير منظم حيث شاهدت حبال الخيم وهي متدلية بكثرة من السيارات بشكل عشوائي..! كان مجموعة من أصدقائنا ومعارفنا من عقرة نائمين في غرفتنا.. نزلت بهدوء من سفح الجبل المطل على الطريق بأتجاه مقر عملنا في بابكرآوا وجلست في غرفتي (أضرب الأخماس في الأسداس) ومع تباشير ضياء الصباح وأنتهاء مرور قافلات السيارات العسكرية الإيرانية.. بدأت الطائرات العراقية بقصف أخاديد الوادي المرافق للطريق ومن داخل الوادي لراوندوز بأتجاه منطقة عملنا في بابكرآوا.. وكان من نصيب مقرنا في الوادي هو صاروخ عملاق خلف غرفتنا..! ووسط المخاوف والغبار..! نودي بأسمي من قِبل الرفاق.. فهرعت مسرعاً بأتجاه علوية سفح الجبل حيث موقع الضربة.. وفي الطريق ناديت الأصدقاء بأني سالم وأطمئنت بأن الجميع سالمون.. وأيقظهم الصوت المزعج للإنفجار(1))).
يضيف الأستاذ فاروق: (( هاهي القصة الكئيبة.. تفضلوا أسمعوها... بأختصار ورؤية شاهد: (( مباشرة بعد إنسحاب القوات الإيرانية – بدأت قاعدة المقاومة الجوية من حاجي عمران بالإنسحاب السريع، ولم تتصدى للطائرات العراقية على المنطقة كعادتها... حدث (هرج.. ومرج) وأنطلقت الشائعات وسيل من الدعايات المهدئة والمحزنة.. بعضها تطمئن بأن هناك تدارك للمخاطر وستسير الأمور دون مخاوف.. والبعض الآخر كانت تفيد بأن البارزاني محجوز في طهران والشاه لا يطلق سراحه إلا بضمانات منه بتصفية الثورة الكوردية وإنهاء العمليات العسكرية ضد العراق. وبعضها تؤكد عودة البارزاني والتشاور مع قيادة الحزب حول تداعيات الحدث الخطير والمفاجئ..
كمياه النهر المتعرج مع طريق هاملتون الهادئ تارة والصاخب مرة أخرى.. والساكت عن معرفة الحقيقة.. تدحرجت الآمال إلى التشائم والذهول والحيرة.. فالقوات العراقية بدأت بالهجوم الشرس والإنزال الجوي.. في بعض المناطق، وكأنها تحاول تسجيل إنتصار عسكري سريع بإحتلال مقرات القيادة بعد تصورها وغرورها بالنصر السياسي في أتفاقية الشئم (6 آذار)، هب الشبان وكونوا مجموعات مساندة للجبهة وضحى عدد منهم بأنفسهم في هجمات شجاعة وجريئة على دبابات العدو رغم جهلهم بالأسلحة.. دافع البيشمركة البواسل عن موقعهم في (كه ريا عمر آغا)، (سه رتيز)، (كورك)، (حوض راوندوز)، وسيطرة (به رسرين) ومواقع أخرى.. بل وكبدوا العدو خسائر فادحة، خاصة أثناء عمليات الإنزال الجوي العشوائية وسطروا ملاحم هامة في البطولة وشجاعة الكورد حيث يكون الأعتماد على نفس خالقاً للإعجاز..! ومتفوقاً على التآمر الإقليمي والدولي على مطاليب شعب آمن يعشق أرضه والسلام والحرية... دامت المعارك لغاية 11 آذار ودحرت هجمات العدو، وأمتلأت الوديان وسفوح الجبال بهياكل السيارات العسكرية والدبابات والمدرعات المحترقة والمعطوبة وبجثث المعتدين(2))).
زار عدد من الكوادر القيادية مقرنا وبحثوا مع (اليوسفي) الوضع وتداعياته.. وعقدت أجتماعات مكثفة وتكاد تكون يومية في مقر ( البارزاني) و(المكتب السياسي للحزب) وبحضور أعضاء اللجنة المركزية، علمت من اليوسفي بأن الغالبية قررت الأستمرار في القتال ومواجهة العدو والعمل بالتالي:
1- إعادة تنظيم فروع الحزب بما يتلائم والمرحلة الجديدة ووضع الإمكانيات بتصرفها.
2 - تنظيم البيشمركة والإبقاء على أصحاب الخبرة وخاصة العسكريين والملتحقين من الجيش العراقي وتنظيم الأمور الطبية، ومخازن السلاح والعتاد والمواد الغذائية والإعلام.
3 - في حالة عدم السماح للبارزاني بالعودة يبقى البارزاني رمزاً وقائدا للمقاومة.. وتقسيم المسؤولية بين شرق وغرب كوردستان.
4 - لإمراء الهيزات التقليديين حق الأختيار بين المشاركة في الثورة في ظل المرحلة أو اللجوء إلى إيران.
5 - تبذل الجهود للأتصال بالمقاومة الشعبية المسلحة في إيران ضد حكم الشاه خاصة (الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة قاسملو) ومجاهدي خلق والكوملة ويتم دعمهم بالأسلحة كتهديد للشاه بعدم الإساءة لعوائل الأجئين الكورد في إيران (3))).
يضيف الأستاذ فاروق: (( أظن بأنه كان هناك مجموعة كفوءة ومبدئية تساند آراء اليوسفي وواقعية مخاوفه من الأوضاع لكن لم أسمع التشخيص منهُ، فكان يزورهُ أبراهيم أحمد، رئيس عبد الله برواري، رشيد عارف، ملا محمد عبد القادر، عمر دبابة (معاون في إدارة الأمانة، شيسوار – أعتقد إنه الشهيد آرام لكومةله لاحقاً) والكثير من كوادر الحزب والثورة(4))).
ساد هدوء والحذر جبهات القتال وأرتفعت المعنويات الشعبية وزاد التفاؤل بعودة البارزاني من إيران.. وعمت الفرحة الجميع حيث ذبحت النحائر وأطلقت العيارات النارية وأبتهاجها بأهمية دوره التاريخي في قيادة المرحلة الجديدة، كما عاد مرافقوه أيضاً إلى كوردستان(5))).
عاد الزعيم البارزاني مع وفده في يوم 12 من آذار 1975، يذكر الأستاذ حازم اليوسفي: (( في يوم 13 آذار/ مارس 1975 ذهبت بصحبة السيدا صالح اليوسفي إلى حيث مقر الزعيم البارزاني للقاء به بعد عودته للتشاور مع قيادة الحزب حول الوضع الراهن بعد الأتفاقية.. كان الزعيم موجوداً بعد عودته من إيران.. وكان هناك أجتماع وكل القيادات وأعضاء المكتب السياسي كانوا موجودين حتى القدماء منهم أمثال الأستاذ أبراهيم أحمد.. سلمت على الجميع وخرجت خارج الإجتماع.. حيث كانت تتركز على القيادات فقط.. كان إجتماعاً صاخباً..!(3))).
كان جميع أعضاء القيادة والمكتب السياسي للحزب حاضرين وبحضور الزعيم ملا مصطفى البارزاني في أول أجتماع بعد عودته مع وفده المرافق من طهران.. في البداية الجميع رحبوا بعودة الزعيم سالماً.. ويترقبون الحذر من القادم..! كان أجتماعاً مهماً للتداول حول مجريات وقرارات المرحلة القادمة.. بعد مؤامرة الشاه الخيانية وقراره الجائر على حركة نضال الشعب الكوردي وأسلوبه الفظ من لقائه الأخير بالزعيم ووفده المرافق..
كانوا جميع أعضاء القيادة مصدومين وملتزمين بالصمت من هول الفاجعة.. وكان والدي مسيطراً على الإجتماع بكل قوة وجرأة.. وأخرج كل ما في جعبته من مشاعر الألم من جراء تلك الأتفاقية الخيانية ومن تحذيراته المستمرة لهم.. كان كالأسد الجريح خلال ذلك الإجتماع الصاخب... يتبع

المصادر والهوامش:
(1، 2، 3)من ذاكرة ناشط بارتي فاروق محمود ئاكره يى ص 88،89، 90
(4) من ذاكرة ناشط بارتي فاروق محمود ئاكره يى ص 85
(5) من ذاكرة ناشط بارتي فاروق محمود ئاكره يى ص 91
(6) لقاء في قناة الفلوجة مع د. حميد عبد الله (شهادة خاصة).

تم عمل هذا الموقع بواسطة