1 قراءة دقيقة
الحلقة: الثامنة والخمسون.. أن حزبنا، حزب سياسي ناضج عركته التجارب والأحداث المريرة فهو يعلم بثاقب الوعي والبصيرة أهمية وحدة صف الشعب الكردي ويسعى دوماً إلى تحقيق ذلك...صالح اليوسفي

الحلقة: الثامنة والخمسون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي

في البداية أود أن أرد في هذه الحلقة على سؤال لأحد الأصدقاء يسأل فيها عن ظروف جماعة الأستاذ إبراهيم أحمد وجلال الطالباني وحميد عثمان بعد فترة أتفاقية آذار 1970- 1974، ونظراً لإطلاعي على مقابلة أحد الصحفين من أرشيف والدي، سوف أنشر هذا المقتطف من خلال حوار لوالدي مع الصحفي حول هذا السؤال: (( سؤال الصحفي: من الواضح أن ظروف الأقتتال الدامية قد خلقت تكتلات كردية عديدة مثل جماعة الطالباني وجماعة حميد عثمان وجماعة الفرسان وغيرهم، هل عمل حزبكم معهم بمبدأ الثأر والإبادة أم حاول تطويقهم وصهرهم والتفاهم معهم وما هو مصير الطالباني وأبرهيم أحمد الآن..؟
صالح اليوسفي: أن حزبنا، حزب سياسي ناضج عركته التجارب والأحداث المريرة فهو يعلم بثاقب الوعي والبصيرة أهمية وحدة صف الشعب الكردي ويسعى دوماً إلى تحقيق ذلك وقد أصدر في مناسبات عديدة وعن لسان رئيسه البارزاني ومن موقف القوة بيانات يدعو فيها إلى أن أبواب الصفح والتسامح مفتوحة على مصراعيها لكل الأخوة الذين يرومون التخلي عن أخطاء الماضي والكف عن التصدي لحركة شعبهم والألتفاف حول إرادة شعبهم التي هي أمانة مقدسة في ذمة الجميع، علماً بأن حزبنا الذي كان يقود نضال شعبنا الكردي الدفاعية المسلح كان مضطراً في بعض المناسبات اللجوء إلى العنف بالمثل في نطاق الدفاع الشرعي فقط، وفي أثناء الظروف الأستثنائية والأحداث المؤسفة التي قبرتها أتفاقية 11 آذار، وإن أولئك الأخوة المنشقين على حزبهم وعلى شعبهم سابقاً قد أنضموا جميعاً في صفوفها بروح إيجابية واعية وتقدير دور السلطة الوطنية في العراق لكونها لم تقف موقفاً سلبياً أزاء ذلك أما الأخوان إبراهيم أحمد وجلال الطالباني فهما يقيمان الآن بقرب سيادة البرزاني في قضاء (كلاله) بإطمئنان وأعتزاز ويترددان إلى بغداد أو إلى أي مكان آخر متى شاءا وهما على رأس جماعتهما الذين عادوا جميعاً وأنصهروا في صفوف شعبهم وحزبهم، يسود الجميع روح طيبة من التآخي والتضامن رائدهم خدمة شعبهم..(1))).
كان والدي يعتبر الزعيم ملا مصطفى البارزاني زعيماً رمزياً وقائداً عسكرياً لا منافس لهُ طوال تواجده على دفة هذه المسؤولية، فلم يكن حينها أحد مؤهلاً لمثل ذلك المنصب في القيادة والخبرة العسكرية.
ولم يكن أيضاً حينها أحداً مؤهلاً بالأحتراف والخبرة السياسية والدبلوماسية كشخصية صالح اليوسفي، الإثنان الزعيم البارزاني بخبرته العسكرية والقيادية، ووالدي بخبرته السياسية والدبلوماسية كانا مكملان الواحد للآخر كقوتين أساسيتين لحل القضية الكوردية في كوردستان العراق.
أشرت في الحلقة السابقة إلى ظهور عدد من المنافسين برزوا على الساحة السياسية من أعضاء القيادة الكوردية كانوا ضد تطلعات وآراء والدي في تلك الفترة العصيبة والمهمة من الأتفاقية وهدنة الأربع سنوات، خاصة حين بدأت التحضيرات لحل القضية الكوردية خلال منتصف عام 1973، وكما أشرت في الحلقة السابقة بأنني لست في صدد أن أنتقد أية شخصية سياسية، فلكل حدث حديث ولكل مقام مقال، وكل سياسي لديه طموح ورأي شخصي سواء أتفقنا أو لم نتفق معهُ، ولا أعلم هل هذا الرد السلبي إتجاه والدي كان بدوافع خارجية أو داخلية..! حيث كانت هناك العديد من المشاكل الأخرى التي تعترض قضيتنا والذي كان يتحذر منها والدي كثيراً وينظر إليها ببعد نظر ويحاول مدى الإمكان من إيجاد أفضل الحلول لها ولكن للأسف وكما يقول المثل (يد واحدة لا تستطيع التصفيق).
النظام العراقي ومنذ منتصف عام 1972 أخذ يتقرب من الإتحاد السوفيتي بصورة جلية، ولعدة أسباب منها لكسب الإتحاد السوفيتي نحوها إذا ما حدث أي أعتداء خارجي على العراق، وكذلك لحاجتها في إستيراد الأسلحة منها، فكما هو معروف روسيا وأمريكا هما القطبان المتنفذان والمنتجان لأحدث أنواع الأسلحة.. كانا وما يزالان، ونظراً لقضية فلسطين فقد كان العراق حينها بعيدة عن القطب الأمريكي الموالي لإسرائيل، فحاولت الأقتراب من الإتحاد السوفيتي، وأضطرت حين ذاك أن تعطي بعض الإهتمام والحريات للحزب الشيوعي العراقي لكسب الأتحاد السوفيتي.
قام رئيس الوزراء السوفيتي (أليكسي كوسيجن) في نيسان 1972 بزيارة إلى بغداد للتوقيع على المعاهدة العراقية السوفيتية، وقد أستقبل كوسيجين الوفد الكوردي أيضاً في بغداد من خلال إجتماع موسع أستمر ساعة ونصف في 8/4/1972، وعرض الوفد الكوردي على (أليكسي كوسيجن) بزيارة الزعيم البارزاني للقاء به، ولكنه أعتذر وحمل تحياته إلى الحركة الكوردية والزعيم البارزاني وتحيات الرئيس بريجنيف (سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الأتحاد السوفيتي) وتحيات نيكولاي بادغورني (عضو المكتب السياسي للجنة المركزية ورئيس مجلس السوفيتي الأعلى)، وثمن كفاح الشعب الكوردي في سبيل حقوقه القومية والحقوق الديمقراطية للشعب العراقي، وأكد دعم الأتحاد السوفيتي لكفاح الشعب الكوردي، كما أكد على أهمية تنفيذ بيان 11 من آذار وتكوين الجبهة الوطنية وتطوير علاقات التعاون بين الإتحاد السوفيتي والعراق بما يخدم قضايا السلم والتحرر الوطني والكفاح ضد الأمبريالية، وبناء مجتمع ديمقراطي تقدمي، وقد نشرت الصحف العراقية هذا الإجتماع وكان من ضمن الوفد الكوردي الحاضر في الإجتماع كل من صالح اليوسفي، نوري شاوه يس، علي عبد الله، دارا توفيق، محمد محمود عبد الرحمن، إحسان شيرزاد، وعزيز شريف عن الحزب الشيوعي العراقي(2))).
هذه المعاهدة ما بين العراق والأتحاد السوفيتي سبب القلق لشاه إيران، خوفاً من أزدياد وقوة نفوذ الإتحاد السوفيتي في العراق، وكذلك كان يخشى من تسلح النظام العراقي، فبدأ الشاه بمكائده وتخطيطاته وبدهائه المعهود بالمحاولة بشتى الأشكال، وذلك من خلال محاولته لكسب القيادة الكوردية وقوات الثورة الكوردية لجانبه، ليجعلها قوة للدفاع عن الحدود العراقية الإيرانية لتحقيق مآربه..!
الدهاء والمكايد والسياسة الأمريكية الإيرانية بدأت تنفذ بسمومها منذ الزيارة الخاطفة للرئيس الأمريكي نيكسون لطهران بعد عودته من الإتحاد السوفيتي في نهايات شهر أيار/ مايو 1972، لكي تضمن أمريكا السيطرة على نفوذ عدوتها اللدودة الإتحاد السوفيتي من فرض نفوذها في تلك المنطقة الإستراتيجية، كانت أمريكا مستعدة أن تعمل المستحيل من أجل أن تفرض سيطرتها.
يذكر الأستاذ شكيب عقراوي: (( وضعت المعاهدة بين العراق والإتحاد السوفيتي الشاه في موضع قلق وهلع من أزدياد طاقات العراق العسكرية وأزدياد نفوذ الأتحاد السوفيتي في العراق، وبدأ الشاه يشعر بأنه سيكون بحاجة إلى البارزاني وقوات الثورة الكوردية للدفاع عن حدود إيران مع العراق، وأثناء زيارة نيكسون إلى إيران في منتصف عام 1972، طلب شاه إيران من الرئيس نيكسون بتقديم المساعدة للثوار الكورد في العراق..!! (3))).
لا من أجل سواد عيون الشعب الكوردي والقيادة الكوردية، بل لجعلهم أداة لتحقيق مآربه الخبيثة وتحقيق أهدافه وأطماعه..!
هذا التنافس الدولي في المنطقة خلق جواً ضبابياً مبهماً..! أدرك والدي بتلك التخطيطات وأخذ يحللها ببعد نظره، وأدرك إن شعبه سيكون قريباً ضحية لإطماع الشاه لا محالة..! نقلاً عن أخي شيرزاد: ( كان والدي وبحكم موقعه كمسؤول للفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني، كانت تصلهُ الأخبار والتقارير من شتى المنافذ فيحللها وينظر إليها ببعد نظر، ومنذ عام 1972 بدأ يرسل عدة تقارير إلى الزعيم البارزاني والمكتب السياسي للحزب، وكان يخبرهم في تقاريره: ((أحذروا وأنتبهوا جيداً وإلا أصبحنا فريسة لمناورة دولية..))..!، وكان يطلب من الزعيم البارزاني والمكتب السياسي بعدم الثقة بشاه إيران، وكان يحلل حسب ما كانت تأتيه الأخبار أن الشاه بدأ ليرمي إلينا المكيدة للإيقاع بنا..! علينا أخذ كل الحذر منهُ..)).
زار والدي من جانبه مصر عام 1973 على أساس العلاج بسبب آلام ظهره من التعذيب، في الحقيقة لم يكن في نية والدي القيام بهذه الرحلة في سبيل العلاج ولكن كان يخطط للقاء بالرئيس أنور السادات للإجتماع به بما يخص هذا الأمر من أجل قضية شعبه.. وعلى أثر زيارته تلك إلى القاهرة ونقلاً عن أخي شيرزاد الذي كان حينها متواجداً في مصر للدراسة، ألتقى والدي بالسيد (حافظ أسماعيل) مستشار الرئيس المصري أنور السادات وكان اللقاء ودياً وناجحاً تناقش والدي من خلالها عن الأوضاع السائدة وتطرق إلى بعض الأحداث التي تجري على الساحة السياسية، فأخبرهُ السيد حافظ أسماعيل: ((لو كان السيد الرئيس السادات موجوداً في القاهرة كان من المحبذ لقائك به إلا أنهُ وللأسف الآن في مصيفه في مرسى مطروح))، للأسف لم تسنح الوقت المحدد من رحلة والدي باللقاء مع السادات.
أخذت أمريكا تلعب بالخفاء كما هي عادتها.. وتحرض الشاه ضد عدوتها اللدودة الإتحاد السوفيتي..! والشاه المقبور لا حدود لإطماعه حتى ولو حققها على دمار أمة كاملة.. حلفاء أمريكا أخذوا يعاونه على هذا الهدف..! سيطرة أمريكا بنفوذها على منطقة الخليج العربي، الرئيس المصري أنور السادات بدأ بالتقرب نحو القطب الإمريكي بعد زيارة نيكسون لمصر، تركيا قللت من تعاملها مع العراق، ومثلما زودت الأتحاد السوفيتي العراق بالإسلحة المتطورة، بالمثل زودت أمريكا مباشرتاً إيران بالإسلحة الأمريكية المتطورة..!!... يتبع

المصادر:
(1)الصحفي (غازي جاسم) من صحفية الهدف الكويتية في لقاء مع صالح اليوسفي تحت عنوان: (وزير الدولة العراق – والرجل الثاني عند الأكراد – البيشمركة أصبحوا جزءاً من الجيش العراقي) (ص – 10) عام 1971.
(2)الخبر واللقاء منشور في جريدة التآخي خلال أعداد الشهر الرابع (نيسان/ أبريل) 1972.
(3)سنوات المحنة في كوردستان - شكيب عقراوي - ص 328.


-7:09



تم عمل هذا الموقع بواسطة