1 قراءة دقيقة
الحلقة الثامنة والثلاثون – الجزء الرابع  الحكومة الجديدة تراوغ اللعب على الحبلين..!

زوزان صالح اليوسفي


الحلقة الثامنة والثلاثون – الجزء الرابع
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
 الحكومة الجديدة تراوغ اللعب على الحبلين..! 

 قبل أن أبدأ بتحدي د. عبد الله سلوم السامرائي لجريدة التآخي والعمل على محاولة غلقه بشتى الصور..! أود فقط أن أشير هنا إن حكومة إنقلاب 1968 كانت تراوغ اللعب على الحبلين..! حيث كانت من جهة تلتقي بأعضاء القيادة الكوردية تحت قيادة الزعيم ملا مصطفى البارزاني.. ومن جهة أخرى كانت تلتقي بجماعة جلال الطالباني وأبراهيم أحمد.. وتخدق على الجانبين بالوعود..! وقد ذكر الأستاذ جلال الطالباني عن هذه اللقاءات، وأشار إليها في الكثير من المناسبات وفي مذكراته، وقد ذكر بأنهم تعرفوا على د. عبد الله سلوم قائلاً: ((تعرفنا عن طريق طيب برواري وكانت علاقتنا تأسست عن طريق عبدالله سلوم ومحمد المشاط الذي عين لاحقا سفيرا للعراق في لندن..(1))).
لذا أصبح حينها للقيادة الكوردية غريمان..! احداهما النظام الجديد، الذين بدأوا يماطلون بالوعود كالحكم السابق بعد أشهر قليلة من أستلامهم الحكم..! وأخذوا يبنون آمالهم خفاءاً بمحاولة كسب الأكراد من الجماعة المنشقة، وذلك لأعتبارهم أن طموح وطلبات جماعة الجلاليين أقل من طموح وطلبات القيادة الكوردية، والغريم الثاني هي جماعة الجلاليين نفسهم الذين حاولوا النيل من حصة الكعكة بعد إنقلاب 1968، فأزدادت المشاكل والهوة بين الأطراف الثلاثة..! وبدأ قتال الأخوة وأشتد الصراع بين القيادة والمنشقين..! إلى حد المعارك للأسف الشديد وسيأتي الحديث عن ذلك..
بالرغم من عدم تعامل البارزاني مع حزب البعث، فقد أبقى صالح اليوسفي على صدور جريدة التآخي التي بدأت تنتقد سياسة البعثيين وأنفرادهم بالسلطة وعلاقتهم بالجماعة الكوردية الأخرى المتنافسة، ومع تصاعد المعارضة التي حمل التآخي لوائها، وإندلاع نار الأصطدام مع الثوار الكورد، لم تتحمل سلطات البعث جريدة التآخي أكثر من ذلك، فقرر وزير الثقافة والإعلام (عبدالله سلوم السامرائي) تعطيل التآخي لمدة خمسة عشر يوماً وذلك في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1968(2).
وقد أتهم الوزير د. عبد الله سلوم، في قراره الذي نشر في الصحف العراقية، التآخي بعدة تهم منها: بحجة عدم تجاوبها مع الموقف العربي في فلسطين..!، وعدم إتباعها أسلوب النقد البناء وحرصها على الإثارة والإرباك..!، وإنها أصبحت محور التجمع الرجعي ولا تخدم الأهداف الوطنية العليا في شيء..!، فضلاً عن عدم صدورها باللغتين العربية والكوردية مما حرم المواطن الكوردي منه(3)..!
وكما وصف الأستاذ قيس قرداغي من خلال إحدى تعقيباته (صالح اليوسفي كان مشروعاً دائماً للشهادة..) فهذا ما لاحظته في الحقيقة عن والدي من خلال مذكراته ورسائله، حيث لا يخلوا عهد من العهود في العراق دون أن يكون لصالح اليوسفي بصمة مشروع شهادة فيها سواء لحكام النظام أو من خلال مقالاته المنشورة في التآخي أو من خلال خطبه بعد مرحلة أتفاقية 11 آذار 1970، أو من خلال مذكراته المستمرة إلى النظامين السابقين بعد نكسة 1975 وإلى حين تحقيق مشروع أستشهاده على يد الطاغية صدام حسين في 25 حزيران 1981..
 مرة ثانية يرد المناضل صالح اليوسفي بكل جرأة وشجاعة على قرار الوزير (د.عبد الله سلوم السامرائي) بإرسال مذكرة، فند فيها مزاعمه وما جاء في قراره.. ولو أن الرسالة طويلة ولكن أحببت أن أضيفها بالتفصيل دون تقطيع في هذه الحلقة.. وفيما يلي نص الرسالة(4):

 السيد وزير الثقافة والإعلام المحترم
الموضوع / أعتراض على قرار التعطيل – كتاب: العدد / 133 – التاريخ 18 / 11/ 1968
تبلغت بقراركم المرقم 23150 والمؤرخ في 11 / 11 / 1968، ولدى الإطلاع على محتواه ومقارنتهُ مع كتب وزارتكم المحترمة الموجهة إلينا في عهودها المختلفة بنفس المآل لم نجد أي أختلاف يذكر فيما بينها لا من حيث الأسلوب والجوهر ولا من حيث الحجج والمبررات الواهية ولا من حيث أجترار التهم المختلفة المرددة فيها – فالحق يقال أنه لم يكن سوى أمتداد لسلسلة حملات التشكيك والملاحقة التي تعرضت إليها جريدتنا منذ صدورها إلى يومنا هذا.
ومما يزيد من إحراج موقفكم ومدى صدق أدعائكم والعهد الذي تمثلونه توقيت صدور هذا القرار في وقت لا تتردد فيه الحكومة الحالية لحظة واحدة من إطلاق دعواتها وصيحاتها وشعاراتها المتكررة حول عزمها وتصميمها على حل القضية الكردية والألتزام ببيان 29 حزيران / 1966 والتأكيد على حرصها الشديد بتبني شعارات الحرية والديمقراطية والإنفتاح على القوى الوطنية ودعم أواصر الوحدة الوطنية. فقد جاء هذا القرار وهو يكاد ينسف تلك الدعوات من أساسها.
فمن المعلوم لدى كافة الأوساط الوطنية والرأي العام – أن (التآخي) تمثل لسان ثاني القوميتين الرئيستين في العراق رغم قيود الرقابة المفروضة عليها بصدورها خلال ظروف أستثنائية وبعد بيان حزيران/ يونيو 1966 ونتيجة له بنص صريح واضح بأعتبار الصحافة من الحقوق المشروعة للشعب الكردي الذي كان الطرف الثاني من السلطة في التواصل إلى الأتفاقية التي صيغ البيان المذكور بموجبها.
ومن الواضح جداً أنه ليس بالإمكان أثبات صحة تلك الدعوة والألتزامات والشعارات التي أوردناها آنفا في بلد يحاول حكامه خلق الحجج والمبررات والأتهامات التي ما أنزل الله بها من سلطان لإسكات صوت قومية رئيسية صاحبة أعظم مشكلة معلقة حتى في حدود الرقابة المشددة المفروضة عليها بما ينم عن تجاهل وجودها وحق التعبير عن مشاكلها ومشاكل الشعب العراقي التي يرتبط بها أرتباطاً عضوياً وثيقاً.
وأرى من المفيد طرح مجمل تلك الطعون والأتهامات المثيرة التي وردت في قراركم المنشور بتاريخ 12/ 11/ 1968 في صفحات صحفكم على الرأي العام - ليتسنى لنا الأعتراض والرد عليها وتفنيدها بجلاء كحق من حقوقنا الشرعية والطبيعية، وأرجو أن تتقبل دفاعنا هذا بصدر رحب وبروح إيجابية كما هو مفروض منكم بصفتكم أستاذاً ووزير الثقافة والإعلام، فعليه بالإمكان حصر ملاحظتنا على قراركم والطعون والإتهامات التي أحتوته بما يلي:
1 – خلو القرار الإداري المذكور من الإستناد إلى صلب القانون.
2 – طابع الغيظ والملاحقة الذي تجلي في أسلوب القرار.
3 – مقارعة حرية الصحافة وتشديد الخناق عليها جزء من محاربة الحرية والديمقراطية اللتين يعتزبهما الشعب العراقي.
4 – التخيل بأن الغاية من منح جريدتنا إنما هي من أجل أخضاعها لمواكبة السلطة والتسبيح بحمدها.
5 – إتهام جريدتنا بأنها غدت محور التجمع الرجعي ولا تخدم الأهداف الوطنية العليا في شيء.
6 – عدم تجاوبها مع الموقف العربي في فلسطين.
7 – عدم إتباعها أسلوب النقد البناء وحرصها على الإثارة والإرباك.
8 – عدم صدورها باللغتين العربية والكردية سوية مما حرم أستفادة المواطن الكردي من فائدتها المرجوة.
وهنا نقدم ردنا وأعتراضنا على ما جاء أعلاه بالتسلسل كما يلي:
1 – إن قراركم موضوع الأعتراض تضمن عقوبة إدارية. ولما كان من المعروف أن أية عقوبة لابد وأن تستند على نص قانوني ينطبق على فعل محدود معلوم يشكل مخالفة لذلك النص. وحيث أن لا جريمة ولا عقاب إلا بنص حسب القواعد القانونية المعمول بها في كل الدول المتحضرة. ومن إمعان النظر في التهم الموجهة لجريدتنا في قراركم آنف الذكر يستخلص المواطن أن تلك التهم وردت بصيغ عامة لم تتضمن إسناد وقائع معينة أو تحديد مقالة بالذات أو أية عبارة مما نشرته جريدتنا الأمر الذي لا يمكن أن يشكل مخالفة تذكر من الناحية القانونية. كما لايمكن من الناحية القانونية كيل التهم جزافاً دون تحديد الوقائع وبناء الأحكام على تلك التهم العامة الأمر الذي يتضح منه أن قراركم لم يبن على أسس قانونية صحيحة مما يجعلها مخالفة للعدل والقوانين المرعية. هذا على الرغم من تأكيدنا على أن تلك التهم عارية من الصحة ولا ينطبق على الواقع الأمر الذي سنوضحه عند مناقشتنا للجوانب السياسية من أعتراضنا هذا.
2 – مما لاشك فيه إن متطلبات وظيفتكم ومسؤوليتكم الحالية بالإضافة إلى دعواتكم حول الحرية والديمقراطية كلها تفرض عليكم اللجوء إلى أساليب الحوار وتبادل وجهات النظر والنقاش مع أرباب الصحف كوسيلة إيجابية مثمرة بدلاً من اللجوء إلى أساليب التهديد والوعيد العقيمة مع أرباب الفكر والعقيدة التي أثبتت تجارب الشعوب فشلها ومضارها. ونأمل الأعتصام بمثل هذه الأساليب النافعة في المستقبل.
3 – إن حرية الصحافة من أهم دعائم الديمقراطية ومن أبرز مظاهر الحرية اللتين تتوق الشعوب إلى العيش في ظلالهما – والحكم الذي يدعى ويسعى إلى تمكين الإرادة الشعبية من الظهور وفرض سيادتها ويطالب بالتفتح الحقيقي لايمكن أن يحقق دعواته إذا عمد إلى الكبت وكم الأفواه والإرهاب وتضييق الخناق على حريات المواطنين وإنكار حق التعبير أو تعطليه أو إنتزاعه من القوى السياسية الأخرى . ومن المعلوم لدى الجميع أن الشعب العراقي بعربه وأكراده وسائر أقلياته المتآخية ناضل طويلا ودون كلل من أجل الظفر بحرياته الديمقراطية وفي مقدمتها حرية الصحافة وحرية الإجتماع والتظاهر وتأليف الجمعيات والأحزاب والتنظيم النقابي والمهني.
وكان نصيب الشعب الكردي وافراً من هذا النضال وسيبقى يناضل دون هوادة مع بقية القوى القومية والوطنية وكل العناصر المخلصة من أجل سيادة الحرية والديمقراطية لمجموع شعبنا العراقي المجيد. وعلى الرغم من حصول شعبنا الكردي على مثل هذا الحق المشروع البسيط ضمن أتفاقيته مع السلطة فقد لاقت جريدتنا خلال المدة القصيرة من عمرها سلسلة متلاحقة من العنت والمطاردة وتعرضت مراراً للتهديد والتعطيل والإنذارات المتكررة على الرغم من الرقابة القاسية المفروضة عليها دون زميلاتها من صحف القطاع الخاص وأحيل بينها وبين التعبير عن رأيها في كثير من القضايا الهامة وبترت كثير من عباراتها – ولم تشهد مضايقة أشد إيلاما مما هي عليه هذا الظرف بالذات على الرغم من كل الدعوات والإلتزامات بصدد التفتح والحرية والديمقراطية وإن ملاحقة جريدتنا وتعريضها للغلق والملاحقات وحملات التشكيك المتواصلة يعتبر تجاوزاً على حريات الشعب العراقي بصورة عامة والشعب الكردي بصورة خاصة وخرقاً لإلتزامات السلطة التي أعلنت عنها بألتزامها بتطبيق بيان 29/ حزيران/1966، كما يعتبر بادرة خطيرة لايمكن السكوت عنها وينطلق منها ومن الإجراءات الأخرى – أساساً لتقييم طبيعة الحكم القائم .
4 – إن منح أمتياز جريدتنا كان جزءاً من ألتزامات السلطة في عهد السيد ناجي طالب تنفيذاً لبند من بنود 29/ حزيران/1966. وكان من المفروض على أية حكومة كانت أن لاتحرم قومية رئيسية من ذلك الحق حتى في حالة إنعدام النص عليه والإلتزام الحكومي.
فإن جريدتنا لم تكون صفحة أو منة من أحد إنما كانت حصيلة حق قومي وألتزام دولة. ونرى إن من حق كل فئة وطنية مخلصة للشعب أن تصدر صحفها الخاصة لإن البلاد من وجهة نظرنا ليست ضيعة لإحد من الناس أو لفئة معينة إنما هي ملك للشعب كله ومن حقه أن يتمتع بحرياته في وطنه. ومعلوم للجميع أن جريدتنا تعبر عن لسان الطلائع التقدمية والديمقراطية للشعب الكردي في نطاقها المحدود ولم ترض أن تصبح في يوم من الأيام مبخرة لإحد وهي تعبر عن آرائها حسب إجتهاداتها ووجهات نظرها في القضايا العامة. وما من حكومة أو حزب يحترم الشعب ويؤمن بحرياته يفرض على الصحافة تأييده وإقرار كل إجراءاته خيرها وشرها. وما من حزب أو فرد يحترم نفسه يرض أن يكون بوقا لمن يملك القوة – ولهذا فإننا في الوقت الذي نسعى ونتمنى أن نجد في عراقنا العزيز حكومة تحترم الشعب وحرياته وصحافته وطدنا العزم على الإيفاء برسالتنا في القضايا السياسية وعلاقات الحكم والدولة وحريات الشعب الديمقراطية وليس بوسع أحد أن يثنينا عن عزمنا – هذا مع العلم أن أزمة الحكم القائم في بلادنا مع ما يرافقها من أزمة سياسية وحرمان القوى القومية والوطنية من حرياتها وصحافتها وإيماننا وحرصنا على إداء واجباتنا الصحفية والعقائدية كل ذلك اوجب علينا أن نتخذ من جريدتنا – وعلى الرغم من المضايقة التي تتعرض لها – لسانا ناطقاً بكل مشاكل الشعب العراقي تسلك سبيل النقد الموضوعي والتوجيه البناء وتشغل الى حد ما بقدر ماتسمح بها ظروف عملها الفراغ الذي ولده غياب زميلاتها من صحف القوى السياسية وان تواصل جريدتنا السير على نهجها القويم وتدعم كل خطوة إيجابية تخطوها السلطة وتنتقد كل جوانب السلبية التي تتخذها أزاء المشاكل الأخرى مع التمسك بأساليب التشخيص والتوجيه والمعالجة الصحيحة في معظم المشاكل التي يشكو منها الشعب دون أن تخشى لومة لائم أوتابه بمظاهر الوعد والوعيد. وقد أكتسبت رضا وأحترام معظم أبناء وطننا العزيز بمختلف قومياته وأتجاهاته وطوائفه وأديانه .
5 – أما الضجة المفتعلة التي يلجأ إليها بعض إخواننا المسؤولين في توجيه التهم جزافاً إلى العاملين فيها بأفكارهم النيرة وأقلامهم النظيفة ووطنيتهم المشهودة بحجة وجود التجمع الرجعي حولها مع عجز أؤلئك المسؤولين المطلق عن إيراد مثل واحد على ذلك وحتى عن تفسير المفهوم الواقعي للرجعية والرجعيين والذي هو من وجهة نظرنا بالضبط كل المعالم والأفعال والمظاهر التي تعادي الحرية والديمقراطية وكل الداعين إليها والمناوئين لأعدائها بمختلف صورهم وأشكالهم – والذي لا شك فيه أن كل العاملين في جريدتنا هم من الأبناء البررة للحرية والديمقراطية. هذا بالإضافة إلى أن كل ما يحرر فيها خاضع لتوجهنا وإشرافنا وإسهامنا المباشر. وإن الشعب العراق هو الذي يحكم علينا وعلى غيرنا بشأن الإتهام بالرجعية وغيرها من التهم والأراجيف التي تطلق جزافاً. كما أنه هو الذي يملك الوعي والإنصاف فيقول كلمته فينا وفي غيرنا فيما إذا كانت جريدتنا تخدم أهدافه العليا أم لا..؟ وإن القوى الديمقراطية الكردية التي تنطق الجريدة بإسمها رغم نطاق الرقابة الضيق – معروفة بوطنيتها وثوريتها العالية وبعداءها للإستعمار والرجعية وهي التي أكتوت بنيرانها أكثر من الجميع ولا زالت. وقد قارعت تلك القوى طيلة ربع قرن وتعرضت لشتى ضروب العنت والحرمان والإضطهاد وصمدت ببطولة نادرة أمام كل الضربات المسددة إليها ولا زالت وستبقى توجه الضربات المميتة إلى قوى الإستعمار والرجعية مهما كان القناع الذي تلبسه – وقد لمس شعبنا العراقي النبيل الواعي من خلال صدور التآخي بعد شقيقتها (خه بات – النضال) المواقف المبدأية الثابتة للحركة الديمقراطية الكردستانية والتي أتسمت بالدعوة السباقة للجبهة الوطنية والتجمع الديمقراطي ومعادات التسلط والإحتكار السياسي والأستئثار بالحكم ومدى مناوئتها لكل ضروب التعسف والدكتاتورية.
ان الرجعية التي نعرفها ويعرفها غيرنا تعادي الحرية والديمقراطية كما قلنا وتضطهد الشعب وتضيق الخناق على الحريات وتحول بينه وبين التعبير عن رأيه أو تنظيم نفسه. وإن الشعب الذي رفع أعلى أشكال النضال ويصر على حكم الشعب وسيادته وتوطيد النظام الديمقراطي لكل العراق ويقارع الشوفينية والعنصرية والإستعلاء القومي ومفاهيم الصهر والدمج والإلحاق وكل مظاهرها. هذا الشعب لايمكن أن يكون رجعياً أو يهادن قوى الإستعمار.
6- إن جريدتنا وقفت وتقف بصلابة وإيمان بعيداً عن التهريج والغوغائية إلى جانب أشقائنا العرب في كفاحهم العادل المجيد ضد الصهيونية والإستعمار وكرست جريدتنا كل طاقاتها وصفحاتها في أيام العدوان الغادر على الإمة العربية للقضية الفلسطينية وفي كل المناسبات وطالبت بإبراز الحق العربي والوقوف إلى جانبه ومناصرته على الرغم من محنة الشعب الكردي وكوارثه وتجديد الخناق عليه، وهذا الموقف لم يكن من قبيل التزلف والتملق والرياء أو من قبيل منة منه إنما ينبع ذلك من مواقفه المبدئية والتقدمية والإنسانية والدينية، التي تملي عليه هذه الواجبات العديدة. وإن شعبنا وطليعتنا التقدمية وجريدتنا كلها سوف تظل أمينة على أهدافها ومبادئها وشراكتها الأخوية للشعب العربي الشقيق في سرائه وضرائه، هذا مع العلم إننا حسب أعتقادنا نعتبر أؤلائك الذين يحاولون تجميد القضية الكردية وتمييعها وإلهابها بشتى الوسائل المفتعلة نقول إن مثل هذه السياسة والقائمين بها هي التي لا تخدم قضية فلسطين ولا قضايا الأشقاء العرب الأخرى لكون القائمين بها يحاولون تبعا لإهوائهم شل جزء كبير من طاقات الجيش والشعب الكردي معاً ويحولون دون زجها وإسهامهما في معارك الشعب العربي المصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين. ومع ذلك فإنهم يحاولون إلقاء اللوم على غيرهم جزافا لتغطية تقاعسهم عن هذا الواجب النبيل.
7- من الطرافة حقاً أن إخواننا المسؤولين الذين يضيقون ذرعاً ويستشاطون غيضاً من صوت الجريدة وسداد نقدها وتوجيهها البناء ذلك الأسلوب الذي ينبع من صميم الحرية والديمقراطية التي يتبناها رجال العهد الحالي حسب دعواتهم المتكررة – نقول يعتبرون النقد الموضوعي المعروف اثارة وارباكا. وكم كان بودنا أن يتفضل السيد الوزير بإيراد أمثلة أو مثال على الأقل على ذلك. فالذي نعلمه ويعلمه الشعب العراقي ونؤمن به ونحافظ عليه هو حرصنا وإخلاصنا الشديدان على عدم خرق نطاق النقد البناء لكونه جوهر الحرية التي نفتخر بها وتعتز بها البشرية التقدمية أجمع.
8- وأخيراً هناك نقطة جديرة بالعناية والملاحظة طالما تعكز عليها المسؤولون في العهود السابقة وعادت نغمتها من جديد وهي تستهدف عبر محاولات التضييق والخناق على جريدتنا اظهار الحرص المفتعل بحجة حرمان المواطنين الأكراد من الإستفادة المرجوة منها لعدم صدورها باللغتين العربية والكردية في آن واحد، فنرى من حقنا إماطة اللثام عن مثل هذا الدعوة المبطنة.
يتضح جلياً من أصل الطلب الذي قدمناه بصدد منح أمتياز جريدتنا والقرار الذي أصدرته الوزارة بموجبه قبل أكثر من عام ونصف إنه سمح بإصدارها باللغة العربية لمدة ستة أيام وباللغة الكردية ليوم واحد وفعلا باشرت بالصدور بمثل هذه الصورة إلى أن تعرضت حرية الصحافة ككل إلى التنكيل الشامل في عهد سلفكم كما تعلمون جيداً وكنتم مع مسؤولي السلطة ومختلف الأوساط الوطنية في مقدمة الذين أديتم تبرمكم وشجبكم لإخضاع الصحافة تحت تصرف السلطة لإحتكارها وللتطبيل بحمدها وبحجة تنظيمها وتطويرها وذلك في أعقاب إصدار قانون المؤسسة العامة لتنظيم الصحافة والطباعة رقم 155 لسنة 1967 والذي ألغيت بموجبه أمتيازات الجرائد كلها، فقدمنا طلبنا من جديد وعلى نفس الأسلوب السابق، وعلى الرغم مما لاقيناه من المماطلة والتسويق ورفضنا جميع أشكال المضايقات من هذا القبيل وغيرها وكشفنا النقاب عن تلك المزاعم التضليلية المطالبة بإصدارها باللغتين سوية والتي لم تكن الغاية منها أبدا حرص المسؤولين وعطفهم حسب إدعاتهم على المواطنين الأكراد – بل كان القصد الرئيسي منه فرض القيود والعراقيل في طريق جريدتنا من جميع السياسية والطباعية والفنية وغيرها. نظراً لكونها بحكم حرصها وإخلاصها الشديدين على سياستها الديمقراطية المتفتحة وصراحتها وأستقامتها وجرأتها وموضوعيتها المعهودة وإشغال حيز زميلاتها من الصحف الوطنية المحرومة إلى حد ما وتبني مشاكل الشعب العراقي بأسرها إيفاءا بمبدأها وإنعكاساً للحركة الكردية الوطنية ذاتها التي تتبنى تلك المشاكل كلها غدت منذ صدورها من أوسع وأكثر صحف القطاع العام والخاص رواجا وإقبالا لدى مختلف قطاعات شعبنا العراقي الكريم على الرغم مما لاقته من قيود الرقابة والملاحقات المستمرة، لذلك كانت مصدر قلق المسؤولين ومطمح مضايقتهم للتنكيل بها وحرمان الرأي العام العراقي بالأخص الأوساط العربية منها من مثل هذا الجزء الضئيل من التعبير عن حرياتهم ومشاكلهم لتأثيره على إنعكاس وتنمية قوة المعارضة أزاء السلطة من جهة وعلى كساد صحفها والصدود عن قرائتها. هذا بالإضافة إلى إلقاء العراقيل الطباعية والفنية في طريقها – فشرعت تطالب تحت شعار الحرص والتباكي على حقوق المواطنين الأكراد وحرمانهم من الفائدة المرجوة في الوقت الذي تلقى القضية الكردية ذاتها طي التمييع والإثارة والإلهاب وتجنيد كل وسائل الإرتزاق للنيل منها من الواضح الذي لا يرتقي إليه الشك أننا أصحاب القضية الكردية والمضحون من أجلها والمدافعون عنها والمطالبون بحقوقها ونحن الذين نقدر مصلحتها في كل كبيرة وصغيرة – ونعتقد بأننا في غنى عن توصية من هذا القبيل حيث لم نكن نتردد لحظة واحدة للقيام بكل ما يوفر مصلحتها.
من المعلوم إن مصلحة المواطنين من القراء الأكراد تكمن في إعدادهم الأسبوعية الخاصة بهم كما إن مصلحة المواطنين العراقيين كافة وفي مقدمتهم إخواننا العرب الذين يشكلون الأكثرية تنحصر في الأعداد الخاصة باللغة العربية التي يتتبعها الجميع وليس من مصلحتهم جميعاً دمجها لأن المواطنين الأكراد الذين يتقنون اللغة الكردية يتناولون نسخهم الخاصة والمواطنين الآخرين الذين يجهلون اللغة الكردية ليس لهم شأن بتلك الصفحات الكردية التي يجهلونها إن لم تكن غاية السلطة منها الإمعان في تضييق الخناق على الجريدة ووضع العراقيل الطباعية والفنية وغيرها في مسالكها.
هذا ما وجب توضيحه، مع العلم إن جريدتنا حافظت على أصل أمتيازها كما ذكرناه. آنفا وإن كتابكم المرقم 1176 والمؤرخ في 15/ 9/ 1968 المصدق من قبلكم والذي ينص على (ضرورة القيام بإصدار صحيفتكم باللغة الكردية إضافة إلى العربية في يوم معين من الإسبوع على أن تعرض على هيئة الرقابة في ديوان الوزارة جميع الأخبار والمقالات المعدة للنشر فيها) فلم نقدم على أية مخالفة تذكر لا من هذه الجهة ولا من جهة خرق الرقابة المفروضة عليها في يوم من الأيام. وكان من المفروض طالما أن الجريدة خاضعة للرقابة الحكومية أن لا تتعرض مطلقاً إلى المحاسبة والتعطيل الإداري إلا في حالة تحديها لتلك الرقابة ذاتها. وإن كنا من أشد الداعين إلى إلغاء قيود الرقابة وإطلاق الحريات الخاصة والعامة بما فيها حرية الصحافة للصحف القومية الوطنية السياسية.
يتضح من أستعراض الكتب والحجج التي عمدت إليها وزارة الثقافة والإعلام في عهودها إنها تنطلق من نفس الأسلوب المعادي لحرية الصحافة. ولهذا نرجوا أن يعاد النظر في قرار التعطيل الإداري الآنف الذكر المجحف والمجافي لروح العدل والواقع والمحصلة العامة. سيما في هذه الظروف التي تواجه القضية الكردية بالذات طائفة من المشاكل الأستفزازية المثيرة وعسى أن يكون هذا الإجراء خاتمة للإجراءات الإدارية التعسفية المعادية للحريات الديمقراطية وضد الصخافة بالذات وإعاقة تقدمها وتطورها وفتح صفحة حقيقية من التفتح والتآخي ونبذ الأحقاد والضغائن وتخطي مآسي الماضي ومحنه وآلامه من أجل إرساء دعائم حكم ديمقراطي راسخ لعراقنا العزيز يرفل الجميع في ظله بنعيم الحرية والإزدهار. وتفضلوا بقبول خالص التحيات.
 صالح اليوسفي – رئيس تحرير جريدة التآخي

 المصادر والهوامش:
(1)مذكرات الأستاذ جلال الطالباني – حوار العمر – صلاح رشيد.
(2)فيصل حسون، شهادات في هوامش التاريخ، تقديم نجدة فتحي، ص 357 (مقص الرقابة – الأستاذ فرهاد محمد أحمد).
 (4)مذكرة صالح اليوسفي إلى وزير الثقافة والإعلام في:جريدة خه بات، العدد(507)، كانون الأول 1968 (مقص الرقابة – الأستاذ فرهاد محمد أحمد).



تم عمل هذا الموقع بواسطة