يبدو أنني سأظل في معارك شرسة مع بعض الكتاب والإعلاميين والمؤرخين ذوي معلومات شحيحة وأفق ضيقة من خلال آرائهم بما يخص موقف والدي بعد نكسة 1975 بالرغم من أن أغلب هؤلاء الكتاب ذوي مراكز مرموقة ثقافياً وإعلامياً.. فلا أعلم هل هذا قصر نظر أم جهل بالمعادلات السياسية أم معادات أم مجرد تحليلات فلسفية..؟! لقد مررت بعدة محطات من أقلام هؤلاء الكتاب، الذين وللأسف يحللون مواقف والدي حسب تحليلاتهم الشخصية دون أن يستفسروا عن الحقائق..! وهنا سأشير إلى رأيين لكون آراء البقية لا تختلف عنهما.. وذلك من خلال تصريحاتهم بأن الرسائل (التي أشرتُ إليها في الحلقات السابقة) من والدي للرئيس البكر ونائبه صدام قد أضعفت من موقف والدي..؟! والبعض أدعوا أنها كانت بلا جدوى..؟! ويدعون بأن هذه المبادرة للرسائل قد جاءت من جانب والدي..!! كنت أتمنى من هؤلاء الشخصيات أن لا ينظروا إلى الأمور بهذه سطحية ومن خلال تحليلات شخصية، بل كان عليهم أن يتبعوا الموضوع وأن يسألوا ويستفسروا ومن ثم يصرحوا بآرائهم، فمِثال على ذلك يذكر الكاتب والمؤرخ الأستاذ شامل عبد القادر قائلا:(( قيل أن رسائل صالح اليوسفي للبكر وصدام حسين أضعفت من موقفه الشخصي.. وإن القيادة في بغداد تجاهلته تماماً وتجاهلوها كلياً وإن هذا الموقف لم يكن مطلوبا من اليوسفي للقيادة في بغداد..(1)))..؟؟!! حقيقة لا أعرف بأي حق صرح الأستاذ شامل بمثل هذا التصريح..؟؟!!
كما يشير الأستاذ كاميران قره داغي عن رسائل والدي قائلاً:((.. فوجه رسالة طويلة إلى رئيس الجمهورية وقتها أحمد حسن البكر وطلب أن يلتقي قيادات بعثية للبحث في الأمر، لكن مساعيه كانت من دون جدوى وتجاهله النظام تماماً..(2)))..؟! أي تجاهل وأي جدوى أستاذ كاميران إذا كانت القيادات البعثية هي التي طلبت تلك الرسائل..؟! أما كونها دون جدوى..؟! لماذا لم تتوقع بأن تلك الرسائل كانت بتلك الأهمية والقوة بحيث تغاضت عنها القيادة البعثية حينها لقوة مضمونها وجرأتها..؟!
إلى الأستاذين الفاضلين شامل عبد القادر وكاميران قره داغي.. سبق وأن أشرتُ مراراً إن النظام بنفسه طلب الرسائل من والدي عن طريق فاضل البراك (مدير الأمن العام لنظام بغداد حينها) وعضو القيادة القطرية الوزير نعيم حداد، وإن تلك الشخصيتين القياديتين هما اللذان زارا والدي بناءاً على أوامر من صدام نفسه، وطلبا تلك الرسائل من والدي وللإضافة ولمعلوماتكما هذه شهادة أخرى تؤكد على صحة أقوالي وبشكل أدق وأوسع وعن شاهد عيان وهو الأستاذ دلير علي.
يذكر الأستاذ الفاضل دلير علي (مع خالص شكري وتقديري لحضرته) عن التفاصيل الدقيقة كشاهد على العصر ونقلاً عن والدي يقول الأستاذ دلير: (( بدايةً أقف إجلالا لهامة السيدا العالية.. وأركع لجسده الطاهر ولنضاله البارز في قضايا شعبنا حيث كان له الدور البارز في إيصال قضيتنا إلى مواقع متقدمة.
كنا نسكن في بغداد وفي مدينة الحرية وكانت مدينة الشرطة حيث تسكن عائلتكم فيها كان لي صديق مناضلا عزيزا يزورني كل فترة، وهو من الأكراد المبعدين إلى الرمادي، كان وفيا للمناضل والدك وعمل معه كبيشمركه، سأشير بالحرف الأول من أسمه وهو(ح البنستاني) من زاخو، كنا نخشى أن نزور والدكم سوية لأن المنزل كان مراقب من قبل الأجهزة الأمنية السرية.
كان الوالد رحمة الله مشغولا دائما في الحديقة المنزلية، ذكر بأن الحكومة العراقية تلح على الوالد لأن يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية، وكان يأتي دوماً لزيارة والدك مدير أمن بغداد (فاضل البراك) و (نعيم الحداد)، وكانوا يقولون له.. تعالى وأستلم مهامك فأن الأكراد بخير وإن الحكم الذاتي يسري مفعوله وكالمعتاد..؟
فكان يرد عليهم والدك: أنا لم أشعر بأن شعبي يعيش بخير وأمان وإنه راضي على الحكم الذاتي..
فقالوا له: لنزور شمال العراق (هذا كان الصطلح السائد حينها) وترى بأم عينك بأن الأمور بخير..؟
فرد عليهم الوالد: أنا مُستعد المجيء معكم ولكن بشروط..
فقالوا: وماهية شروطك..؟
قال لهم: لنذهب نحن سوية دون أن ترافقنا الحماية والشرطة ولنلتقي مع عامة الناس ونسألهم هل هم راضين على الوضع الذي هم عليه.. فإذا أجابو بنعم سوف أأتي على الفور وأقبل على العرض وأتولى الأمور المطلوبة..
فرفضوا.. وهنا طرحوا عليه أن يكتب رسالة مطولة إلى رئيس الجمهورية (البكر) وإلى نائب رئيس الجمهورية (صدام)، فكتب هذه الرسالة المعنية حيث قال لصديقي بأن الرسالة تتكون من ستين صفحة وتتضمن شرحا كاملا بمطالب للشعب...)).
هذه هي حقيقة تلك الرسالة المهمة، أي كانت بدعوة وطرح من فاضل براك ونعيم حداد، فلم أفهم معنى القصد من إنها أضعفت من موقف والدي الشخصي..؟! وإن القيادة في بغداد تجاهلته تماماً وتجاهلوها كليا..؟! وإن هذا الموقف لم يكن مطلوبا من اليوسفي للقيادة في بغداد..؟؟!! أو أن مساعيه كانت من دون جدوى وتجاهله النظام تماماً..؟؟!! على العموم لن أطيل.. فقط أقول وللنصيحة لكل الأقلام أتقوا الله في تصريحاتك وكونوا على قدر مسؤولياتكم التاريخية... لو كان لديكم القليل من الفطنة لمثل هذه الأمور المهمة جداً وأستفسرتم ولو قليلاً لأدركتم وأكتشفتم مخزى تلك الرسائل.. وإن النظام هو الذي طالب بالرسائل كما أشار الأستاذ دلير كشاهد عيان وكما سمعتُ.. ولو كنتم حقاً كتاب نجباء لأدركتم ولتوقعتم أيضاً بأنه لا شك بمدى قوة الرسالة التي كتبها والدي للقيادة سواء للرئيس البكر أو نائبه صدام لدرجة أنهما تفاجأ من أسلوب وجرأة والدي فرفضا شروطه.. ويذكر الأستاذ فاروق ئاكره يى قائلا:(( أطلعني سيدا صالح على فحوى تقرير بمنتهى الشجاعة بمطالبة نظام البعث لحل عادل لمعضلة الكورد والعراق ورفض المساومة في حقوق الشعب الكوردي وعرضت عليه السلطة الأموال والمناصب لكنهُ رفض...)).
ويشير أيضاً الأستاذ (أمين جاوره ش) كشاهد عيان قائلاً:(( ترأس اليوسفي الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكوردستانية في أيار/ مايس 1976 مع رفاقه وتم أنتخابه سكرتيراً للحركة، وبذلك واصل نضاله ضمن الحركة التحررية الكوردستانية، وعندما قدم إلى بغداد كان في البداية ينصح السلطة ويحذرها من نهجها الخاطئ في التبعيث والترحيل والتعريب.. وقد كنتُ قريباً منه في تلك الفترة ومن محاولاته في هذا المجال، وأذكر أنه قدم مذكرة أحتوت على أكثر من (60) صفحة إلى مجلس قيادة الثورة شارحاً فيها وضع كوردستان والحلول المقترحة للقضية الكوردية محذرا النظام من التمادي في إضطهاد شعب كوردستان فعلق أحد المسؤولين وقال له: يكلمنا صالح اليوسفي وكأن من وراءه ستون ألف مقاتل..(3)(4)).
ويضيف الأستاذ حسن نزاركى:(( بعد نكسة 1975 ومن خلال زيارة المرحوم والدي والأستاذ ملا علي بروشكي لزيارة والدكم وكنت حينها برفقتهما، خلال هذه الزيارة أخبرنا الشهيد صالح اليوسفي بأنه زاره وفد حكومي رفيع المستوى برئاسة نعيم حداد وبتكليف من صدام حسين لزيارة الأستاذ اليوسفي لإقناعه بالموافقة على قبوله بأكثر من منصب وبرئاسة أتحاد أدباء الكورد ولكن الشهيد اليوسفي رفض..)).
ويذكر الكاتب محمد الملا عبد الكريم:(( في بغداد وطوال سنوات وجود اليوسفي فيها ولحين أستشهاده الذي هزنا جميعاً من الأعماق، كنت أزورهُ بصحبة الأخ الدكتور (عز الدين مصطفى رسول) بين الحين والآخر في داره، كنت أجدها عامرة بالزوار الذين كنت أعرف بينهم إناسا على صلة بالنظام، ورغم ذلك فقد كنت أجد اليوسفي يتحدث إليهم بكل حرية ودونما وجل وفي إحدى المرات وجدته يتلو مذكرة إنتقادية كان قد وجهها إلى السلطة على سلوكها في المنطقة الكوردية واتجاه سكانها العزل مِن كل مَن يحميهم من بطشها، أما أنا فقد كنت أحجم عن الإسهام في الحديث لأني كنت واثقاً من أنه ما من يوم لا يرفع فيه أحد العملاء تقريراً عن كل ما يقال في تلك المجالس..(5))).
ويضيف الأستاذ نوزاد برواري:(( إنها عصارة فكر وقلب الشهيد صالح اليوسفي وتعبير عن مدى نبله وشعوره بالمسؤولية حيال شعبه في ذلك الزمن الصعب، الرسالة التاريخية هذه التي وجهها الشهيد اليوسفي إلى حاكم بغداد تحمل قيم وأبعاد جوهرها الجرأة الواقعية والتفاني.. إنها جديرة بأن تدرس في المعاهد والجامعات كما أشار إليها الدكتور مظهر.. أترقب دائماً ماتسطرين من أحرف وكلمات وجدانية ومؤثرة بأسلوبك المميز لكي أتوقف عند كل كلمة وأتمعن فيها بدقة لكي أشاطر حياة عائلة قدمت الغالي والنفيس من أجل غد مشرق لأمة ذاقت الكثير من الويلات، أختي زوزان أشد على يداك لهذه الكتابات التي سوف تكون كتاريخ لفترة زمنية كان للخالد والدك بصمته في الكثير من مراحلها ويجب أن تدرس للاجيال المتعاقبة)).
قيادات الحزب الأشتراكي الديمقراطي الكوردستاني وأنتماء الشباب الثوري.
كانت للحركة الأشتراكية الديمقراطية الكوردستانية ثقلاً جماهيرياً واسعاً، ومن أبرز قادتها كان المؤوسس الشهيد صالح اليوسفي ومجموعة من القادة من بينهم علي عسكري ود.خالد سعيد وعلي هزار وكاردرو كلالي ودارا توفيق ورسول مامند والحاكم نظام الدين كلي وملا ناصح والشيخ محمد شاكلي وقادر شورش ونورالدين عبد الرحمن وماموستا أمين قادر وأحمد فقي وأحمد كورده والمقدم عزيز عقراوي والمهندس شوكت عقراوي وعبد الرحمن كومشيني ويد الله كريم وسعد عبدالله وسيد سليم راوندوزي إضافة إلى عدد من الكوادر العسكرية مثل الشهيد سعدي كجكه وملازم طاهر علي والي والنقيب عثمان وسيد كاكه ومام ياسين والعريف عثمان.. إضافة إلى المئات من خيرة المناضلين، كما وألتحق بالحركة طبقة من الشباب الثوري الواعي أمثال خسرو فارس الذي أنتمى إلى صفوف الحزب عام 1977 وكان مسؤول التنظيم الخطي في عقرة، وشيرزاد شيخاني الذي ذكر:(تحية إكبار وإجلال لروح الشهيد سةيدا صالح اليوسفي، أتذكر ونحن في الحزب الإشتراكي الكوردستاني أيام النضال القومي بجبال كوردستان ونحن نعلق صورة الشهيد سةيدا في مقراتنا، وكان هذا الحزب هو أمتداد للحركة الإشتراكية التي قادها الوالد العظيم، وأتذكر مواقفه الوطنية التي كنا نمجدها.. وخاصة وقوفه كالطود الشامخ للدفاع عن شعبه ومناصرة قضيته))، كما كانت هناك مجموعة من الشباب الثوري الجريء وهم في مراحل دراستهم الجامعية، وأذكر منهم على سبيل المثال آري كاكائي وزميله الشهيد برهان مرشد (الذي كان يرافق أحياناً الشهيدين علي هزار وكاردو كلالي إلى بيتنا في نقل الرسائل بين والدي وقيادات الحزب) كانوا يناضلون بكل شموخ في قلب العاصمة بغداد دون خوف أو وجل، هكذا كان الشباب الثوري ضمن صفوف الحركة والحزب الأشتراكي من مدرسة الشهيد صالح اليوسفي، وقريباً سوف يسطر الأخ آري كاكائي يوميات نضاله عن تلك المرحلة وبرفقة زميله الشهيد برهان مُرشد الذي دبر الجهاز الأستخبارتي للنظام وببركة الواشين الأنذال عملية أغتياله مع أخيه شيروان، كما وكان هناك العشرات من الشباب الذين ألتحقوا... يتبع
مصادر وهوامش:
(1)أتفاقية الجزائر والأسرار الكاملة لانهيار الحركة الكردية المسلحة في آذار 1975 بعد اتفاقية الجزائر - صحيفة المشرق - شامل عبد القادر.
(2)كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد(11): نهاية مرحلة.
(3)وقيل أن صاحب هذا القول هو الرئيس المخلوع صدام حسين نفسه.
(4)مقالة من جريدة خه بات ( العدد 879 ) بعنوان: في ذكرى رحيله ( صالح اليوسفي.. سياسياً وأديباً وصحفياً ) إعداد: أمين جاوره ش.
(5) الشهيد صالح اليوسفي كما عرفه بعض معاصريه - شخصيات مناضلة تتحدث عنه وتدعو إلى دراسته أكاديمياً ( جريدة التآخي ) العدد 4709 أعد الصفحة: أحمد لفتة علي – شرين البدري- يتحد الكاتب محمد الملا عبد الكريم