الحلقة: الثامنة والأربعون
بقلم: زوزان صالح اليوسفي
وفاة سماحة آية الله السيد محسن الحكيم..
قبل البدء في مؤتمر الثامن للحزب الديمقراطي الكوردستاني،وخلال شهر حزيران 1970 توفي سماحة آية الله السيد محسن الحكيم فشارك وفد من القيادة الكوردية للمشاركة في عزاء هذا الشخص العزيز عند القيادة الكوردية فكان على رأس الوفد كل من السادة صالح اليوسفي، مسعود البارزاني، نوري شاوه يس، الشيخ محمد خالد البارزاني، يد الله الكريم فيلي، هاشم عقراوي، محمد محمود عبد الرحمن، جرجيس فتح الله، موفدين من قِبل الزعيم مصطفى البارزاني لحضور مجلس الفاتحة على روح سماحة السيد محسن الحكيم (رضوان الله عليه.
المؤتمر الثامن للحزب الديمقراطي الكوردستاني..
في أجتماع للقيادة واللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني في أيار / مايس 1970 قررت عقد المؤتمر الثامن في بداية شهر تموز (1/7/1970)، بعد أربعة أشهر من أتفاقية آذار 1970، أقيم المؤتمر الثامن للحزب في ناوبردان بالقرب من مقر المكتب السياسي، بمشاركة 400 ممثلاً.. وكان له صدى كبير في كافة المحافل المحلية والدولية، حيث كان أول مؤتمر ينعقد في ظل أجواء السلام والأمان والتآخي، لذا أنهالت الدعوات من الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى العديد من الشخصيات الكوردية والعربية وحتى الأجنبية لحضور هذا المؤتمر، فحضر المؤتمر ضيوف وشخصيات من أتجاهات سياسية مختلفة من العراق ومن خارج العراق وألقيت الكلمات في المؤتمر وساد المؤتمر جو من روح الديمقراطية والسلام.. ومن الشخصيات التي حضرت المؤتمر الدكتور كاميران بدرخان وحرمه(1).
أفتتح الزعيم مصطفى البارزاني المؤتمر بكلمة مسهبة تطرق فيها إلى أوضاع الثورة والحزب وظروف الشعب الكوردي وأتفاقية 11 آذار مع حزب البعث، وتطرق عن الكورد المغدر بهم وضرورة فتح صفحة جديدة معهم ليعودوا إلى صف شعبهم كما ذكر بأنه من مصلحة الشعب العراقي أن تعمل الحكومة العراقية على خلق مناخ ديمقراطي في عموم العراق..(2)).
المؤمرات على صالح اليوسفي من خلال المؤتمر الثامن للحزب.. وشهادات من بعض الأساتذة..
كما ذكرت سابقاً فإن المؤمرات على والدي لم تنتهي بل أستمرت وأزدادت بكل قوة من خلال المؤتمر الثامن، وذلك للعمل لإبعاد والدي عن القيادة وبشتى أنواع التزوير والخداع من خلال الأنتخابات التي جرت خلال المؤتمر الثامن، كما طالت بعض القياديين الآخرين أيضاً..!
يذكر الأستاذ علي سنجاري: (( في اليوم الثاني من عقد المؤتمر ظهر تكتل من قِبل بعض الشيوعيين السابقين في الحزب.......، وكان التكتل موجهاً بالدرجة الأولى ضد د.محمود عثمان، وبعض الكوادر القيادية المعروفة أمثال صالح اليوسفي وعلي سنجاري وعزيز عقراوي وهاشم عقراوي ويد الله فيلي وغيرهم.. إلا أن هذا التكتل لم يحضى بتأييد معظم مندوبي المؤتمر لأن أصحاب التكتل ليست لهم خلفية نضالية في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأنعكس سلباً عليهم ولولا التزوير لما وصل البعض منهم إلى عضوية اللجنة المركزية في هذا المؤتمر.. وقد جرت عملية التزوير من قِبل اللجنة المشرفة على فرز أصوات الناخبين وهم (حسن بشده ري وفرنسو حريري وحمه عزيز وملا أحمد نيروي)، وكان التزوير يتم خلال قراءة أوراق الناخبين المدون فيها أسماء مَن أنتخبوهم وعند قراءة الورقة من قبل لجنة الفرز كانوا على سبيل المِثال يتجاهلون أسم (صالح اليوسفي) كما هو في الورقة ويقرأوا بدلاً عنه أسم (دارا توفيق) أو غيره ويتم كتابة الأسم المُعلن على لوحة أسماء المرشحين ويتم تمزيق الورقة وكبها في سلة المهملات ومن ثم حرقها..! لقد كشفنا التزوير بعد فرز نصف الأصوات...!، وقد حضر الزعيم البارزاني إلى قاعة المؤتمر وقال إنه يشجب كل إدعاء بإسمه بأنه ضد هذا المرشح ومؤيد لغيره والخ... رغم ذلك فقد تم أختيار هؤلاء السادة أعضاءاً في اللجنة المركزية كل من: (صالح اليوسفي، نوري شاوه يس، علي عبد الله، د.محمود عثمان، حبيب محمد كريم،علي سنجاري، عزيز عقراوي، رشيد سندي، أدريس بارزاني، مسعود بارزاني، شكيب عقراوي، هاشم عقراوي،عبد الوهاب أتروشي، فارس باوه، إسماعيل ملا عزيز، دارا توفيق، فاخر ميركة سوري، صديق أمين، عبدول سوراني، محمد محمود عبد الرحمن، زكية أسماعيل حقي)، أما أعضاء الأحتياط فكانوا كل من: (علي هزار، نعمان عيسى، محمد ملا قادر، رشيد عارف أتروشي، جرجيس فتح الله، شيخ رضا كولاني، شعبان سعيد، عريف حميد برواري، قادر جباري)(3))).
وقد أكد ذلك الموقف أيضاً الأستاذ جرجيس فتح الله قائلاً: (( كان اليوسفي بطيبة قلبه وصفاء سريرته يسمو على جميع أقرانه ومع هذا لم يسلم من كيد محور قيادي داخلي سيأتي الحديث عنهُ بالتفصيل..(4))
كما ويضيف الأستاذ جرجيس أيضاً: (( تألفت قيادة الحزب في بغداد من خمسة أعضاء للمكتب السياسي وهم صالح اليوسفي، نوري شاوه يس، حبيب محمد كريم، علي عبد الله، ، محمد محمود عبد الرحمن والثلاثة الأخيرون وزراء يلحق بهم دارا توفيق عضو اللجنة المركزية، وبسبب تصريح معين لصالح اليوسفي لا أذكر تفاصيله أثار أستياءً ولم يقع موقع رضى، صدر الأمر من مقر البارزاني بحصر مسؤولية الإدلاء بالتصريحات والمقابلات الصحفية بمحمد محمود عبد الرحمن، ورتب أن يكون الناطق الرسمي بأسم الحزب والثورة في حينه..(5))..!!
وعن شعبية والدي من الشباب الكورد يذكر الأستاذ محمد ملا قادر: (( تطورت معرفتي وصداقتي مع هذا الرجل الشهم والكبير وتعمقت وبلغت ذروتها في الحادي عشر من آذار 1970 وبالأخص عند إنعقاد المؤتمر الثامن للحزب الديمقراطي الكوردستاني في ناوبردان وقد وثق به بشكل كبير مجموعة من شباب البارتي كإنسان عادل وصريح وتقدمي..(6))).
إذن كان هناك هدف وتخطيط للمؤامرة على والدي وأبعاده بشتى الأشكال عن القيادة والحزب..! ليحلوا لهؤلاء المتآمرين الأجواء ليسيطروا على القيادة وعلى الشخصيات الضعيفة في داخلها ويتصرفوا كما تشتهي آمالهم.. ولكن القياديين المناضلين الأكبر من هؤلاء المجموعة خبرة وعمراً ونضالاً (والذين أشار إليهم والدي وأشرت إليهم في الحلقات السابقة) كل من (نوري شاوه يس ونافذ جلال وعزيز عقراوي ويد الله كريم فيلي وغيرهم...) كانوا يدركون جيداً مدى نفوذ وقوة شخصية والدي وأهميته في القيادة وإخلاصه لقضية أمته، ونضاله الدؤوب والمهم على الجبهتين، القيادة الكوردية من جهة، وثقل مركزه في الحكومة المركزية وعلاقاته مع القادة والشخصيات العراقية بكافة فئاتها ومذاهبها وأحزابها، إضافة إلى شعبيته الواسعة عند كل فئات الشعب الكوردي، وإن أية مبادرة لإبعاد صالح اليوسفي عن النضال والسياسة معناها فتح الأبواب أمام بزوغ قيادة أخرى من مريدي المناضل صالح اليوسفي، وهذا كان رأي تلك المجموعة الموالية لوالدي.. فهؤلاء القياديين كانوا يعرفون جيداً أن روح النضال وقضية الشعب الكوردي كانت تسير في دماء والدي وإنه لن يتنازل قيدة شعرة عن هذه المهمة التي كرس لها حياته منذ نعومة أظفاره وضحى من أجلها بالغالي والرخيص.. وإن هذه الأشكال لم ولن تخيف والدي إلا إذا سمحت ضمائرهم الغدر به..!
كان والدي أحياناً يصرح بهذه المعلومات لوالدتي.. ولخوف والدتي عليه كانت تخبرهُ أتركهم فهم لا يعرفون قيمتك وأخشى أن يدبروا لك مؤامرة غادرة..! ولكن هيهات لهذه النصيحة أو التحذير يؤثر في والدي.. فكان يبتسم لوالدتي بكل حنان ويقول لها: (لا تخشي لطيفة ليس هناك كائن من يكون يتجرأ أن يقف وجهاً لوجه أمامي أو يتأمر عليّ أو يخيفني وهم يدركون جيداً أن أية مؤامرة ضدي سيؤدي إلى تشتت القيادة، نظراً لشعبيتي عند أصدقائي وشعبي، وإن حصل شيء لا سمح الله فهذا قدري وأنا أؤمن به، هكذا كان والدي يطمئن والدتي وكانت والدتي أيضاً على معرفة بقوة شخصية والدي وشعبيته، وكانت تعلم جيداً بأنه لو تنطبق الأرض على السماء من المحال أن يترك والدي السياسية وقضية أمته.. (وأنا أصرح بهذه الأقول لأن والدي أشار في مذكراته بأن حياته كانت مهددة دوماً للغدر به..)... يتبع
المصادر والهوامش:
(1)الدكتور كاميران بدرخان من الشخصيات الكردية المعروفة في باريس وقد أنشأ مركزاً للأبحاث الكردية ومقعداً دراسياً في جامعة سوربون في باريس، حضر المؤتمر عن طريق بغداد، وعندما غادر العراق غادر عن طريق إيران، مما أغاظ مسؤولي حزب الحاكم هذا التصرف.
(2)القضية الكوردية وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – الجزء الثالث – علي سنجاري – ص 408.
(3)القضية الكوردية وحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق – الجزء الثالث – علي سنجاري – 409.
(4)جرجيس فتح الله، عضو السابق في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني (زيارة للماضي القريب) الطبعة الأولى/1977 - ص 157
(5)زيارة للماضي القريب - الطبعة الأولى/1977 – جرجيس فتح الله – ص 169
(6)محمد ملا قادر 4/5/ 2004 – من أرشيف نجم الدين اليوسفي.