الحلقة: الثالثة والسبعون
بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
شهادة الأساتذة خلال ثورة 1974 - آذار 1975
أشرتُ في الحلقة السابقة عن مدى أهتمام والدي بالثقافة والعلم والأدب من أجل توعية أبناء شعبه الكوردي، وعن مدى أهتمامه بأتحاد أدباء الكورد وجمعية الثقافة الكوردية؛ حتى حين تمر الأمة بمرحلة الثورة، لأنهُ كان يعتبر العلم والثقافة هي أساس قاعدة الأمم، وكان ينصح الطلاب الجامعيين حين بدأت ثورة 1974 بعدم الألتحاق إلى حين أن يكملوا دراستهم، خاصة الطلبة الذين كانوا في سني دراستهم النهائية من الجامعة، كما صرح الأستاذ حازم اليوسفي والعديد من الشباب والطلبة الجامعيين، فكان يعتبر والدي أن سلاح العلم والثقافة لا يقل قوة عن سلاح النضال الثوري، وكان يصرح: (( إننا نعلم إن الكسب السياسي الذي حققه شعبنا غير كافي بمفرده ما لم يقترن بنتائج الإدراك لكسبنا العلمي والثقافي وتطوير ذاتيتنا وتنظيمنا القومي التقدمي...)). يذكر الأستاذ شيرزاد شيخاني: ((أتذكر مواقف والدكِ الوطنية التي كنا نمجدها وخاصة وقوفه كالطود الشامخ في أجتماعات قيادة البارتي للدفاع عن شعبه ومناصرة قضيته، حين نصح القيادة في آخر أجتماعات في المكتب السياسي للبارتي قبل أستئناف القتال في آذار عام 1974 بقبول قانون الحكم الذاتي وعدم خوض القتال وذلك لدرء المخاطر عن الشعب الكردي وقال للقيادة: ((دعونا نرضى بهذا القدر ونعمل على تثقيف وتهيئة شعبنا وتقوية صفوفنا، وحين نكون أقوياء نستطيع أن نرغم حكومة البعث لتوسيع الحقوق القومية وتعديل هذا القانون..)).
يذكر الدكتور ضياء سورملي عن تلك المرحلة من ثورة 1974: ((لم أتأثر في حياتي بشخصية مرموقة مثلما تأثرت بشخصية المناضل الشهيد صالح اليوسفي، لقد عملت معه عندما كان أمينا للعدل في كردستان، كان المرحوم بايز الطالباني مديراً للحسابات والأخ أنور قادر الفيلي رئيس شعبة الحسابات وأنا كنت كاتب حسابات، كان يأمر بصرف مبلغ من المال لكل من يراجعه من الناس كبار السن وكان يحاول حل مشاكلهم بكل تواضع، كان اليوسفي مسالماً وذكياً لامعاً، شجاعاً صلداً ومثقفاً مرهفاً.. صالح اليوسفي كان راية عالية للسلم والسلام ومناديا بكل قوة ضد الظلم والإضطهاد وعضوا في مجلس السلم العالمي..د. ضياء السورملي)).
ويضيف الأستاذ بير خدر: كان اللقاء الثاني بالمناضل صالح اليوسفي في صيف عام 1974 في قرية (ده ربه ند في چومان) قصدناه بمعية فضيلة البابه شيخ حجي والد فضيلة البابه شيخ الحالي والشهيد حسين بابه شيخ حيث كانا في زيارة إلى جومان للقاء بالزعيم البارزاني، وكنت بمعيتهم أثناء زيارة الشهيد صالح اليوسفي وعرفني بابه شيخ بسيادته..
وعندما سمع بأني كاتب وباحث في الشأن الإيزدية أنفتحت أسارير وجهه الكريم وقال: عليك الإنتساب إلى إتحاد الأدباء الكورد وزودني برسالة إلى الهيئة العاملة وإلى السيد أدريس البارزاني المشرف على الهيئة العاملة لكي يوصي بتعيني في إذاعة صوت كوردستان وهذا ما حصل في هذا اللقاء الودي بين بابه شيخ حجي والشهيد صالح اليوسفي والذي تركز على آخر المستجدات على الساحة الكوردستانية كان الشهيد اليوسفي غير راضي من الموقف الإيراني ومشكك من نوايا الشاه وكان يرفض إستلام راتبه بالعملة الإيرانية وقال لفضيلة البابه شيخ كان رأيي في القيادة أن نختار أهون السيئين أي نؤجل قضية كركوك ولا ننجر إلى هذا الأقتتال لإني أخشى من نوايا الشاه الغير سليمة تجاه القضية الكوردية.. وأضاف وكان رأيي أن ننتهز فرصة مجيء مبعوث الرئيس السادات السيد أشرف مروان والذي كان يحمل مقترح بإيقاف القتال بعد أن تكبدت القوات العراقية أفدح الخسائر على يد قوات البيشمه رگة لكن لعدم قناعة الزعيم البارزاني بنوايا سلطة البعث لم يؤخذ بهذا المقترح.. تحية الى روح شهيد الكوردياتي الكاتب والمفكر والسياسي المحنك صالح اليوسفي في الوقت ذاته أشد على يد أختنا العزيزة كريمة الشهيد صالح اليوسفي زوزان بإقدامها على إلقاء الضوء على سيرة وجهد وعصارة فكر والدها الكريم..الأستاذ بير خدر)).
زيارة نجيب بابان.. ورسالة مام جلال لوالدي..
زار المحامي نجيب بابان خلال ثورة عام 1974 القيادة الكوردية قادماً من مصر عن طريق طهران ومنها إلى المناطق المحررة في كوردستان العراق للقاء بأعضاء القيادة، حيث كان الأستاذ نجيب بابان حينها يسكن في مصر، وفي أحد الأيام زارنا الأستاذ نجيب بابان في مدينة نغدة وكان والدي في فترة إجازته، وكانت هذه الزيارة خاصة، حيث كان قد أرسل مام جلال عن طريق الأستاذ نجيب بابان رسالة خاصة وشخصية إلى والدي.. لا أعرف تفاصيل ما جاءت في الرسالة.. ولكن كل ما أعرفه كانت هناك بعض المقتطفات في الرسالة لم تكن تعجب والدي.. وكل ما توصلت إليه نقلاً عن والدتي وأختي.. بأن مام جلال كان على علم بأن القيادة لم تستمع إلى آراء والدي ولم تقدر زخم موقعه ومواقفه خلال تلك الفترة ويبدو إنهُ كان قد سمِع بأن والدي كان مجمداً حينها.. لذا حثهُ من خلال الرسالة على ترك القيادة..
ولكن هذا الأقتراح وفي تلك الظروف العصيبة التي كانت تمر بها الأمة الكوردية لم تكن من شيم والدي أن يترك القيادة مهما كانت الأسباب ومهما كانت معاملة وتجاهل القيادة لآراء وشخص والدي، فلم يفكر يوماً أن يترك شعبه في مثل هذه المحنة، خاصة وكان يعرف المصير القادم ولا بد من وجوده الضروري حينها.. كما لم أظن أن والدي فكر يوماً بترك الزعيم، رغم سيطرة بعض القياديين على زمام الأمور سيطرة تامة..!
الكل يعلم أن القيادة الكوردية كانت بأمس الحاجة لتلك القوتين العسكرية بقيادة الزعيم البارزاني والسياسية والدبلوماسية بقيادة والدي، الأثنان كانا مكملان للآخر دون أي جدل من أجل أستمرار النضال.. وإن إبعاد أي قوة من هاتين القوتين عن بعضهما البعض حتما سيؤدي إلى إختلال التوازن ثم الإنهيار.. وهذا ما حصل فعلاً وللأسف..! فلولا تدخلات وتجاوزات بعض الشخصيات المحددة داخل القيادة وفرض آرائها.. ومحاولاتها الحثيثة على إبعاد الأثنين عن بعضهما البعض..! لدرجة أنهما كانا يمنعان والدي حتى من مقابلة الزعيم...! لذا في النهاية أدت النتيجة إلى نكسة 1975.
على العموم تداول وتناقش والدي مع الأستاذ نجيب بابان حول الوضع والمصير القادم على الأمة لا محالة.. وشرح والدي للأستاذ نجيب عن رغبته في زيارة مصر ومحاولة اللقاء مع السادات، أو محاولة السفر إلى الإتحاد السوفيتي إن تطلب الأمر.. لعل وعسى بأستطاعته أن ينقذ ما يمكن إنقاذهُ قبل حدوث ما لا يحمد عقباه.. فشجعهُ الأستاذ نجيب بابان وتفأل جداً بهذه الخطوة وأخبرهُ أنه على أتم الأستعداد لإستقباله والقيام بما يستطيع القيام به من الترتيبات.. فقط إن أستطاع والدي الحصول على موافقة السفر والخروج من طهران بأي حجة.....يتبع