1 قراءة دقيقة
الحلقة: التاسعة والتسعون


بعض المحطات والشهادات من الأساتذة والمناضلين عن تلك المرحلة..

وجدت الكثير من الجماهير والشخصيات الكوردية أن وجود صالح اليوسفي في بغداد هو فرصة طيبة ومتنفس لهم ليظهروا بعض من مشاعرهم نحو ثورتهم القومية وكانت زيارتهم المتعاقبة والكثيرة إلى منزلنا هي بمثابة الحضور إلى الندوات السياسية للحوار والمناقشة في الأوضاع سواء السياسية أو الثقافية أو الأدبية ولم أذكر يوماً قد خلا منزلنا من ضيوف أبي.
يذكر الأستاذ الفاضل نزار بامرني:(( كنا نشعر بالأمان من وجود الأخ المناضل صالح اليوسفي في بغداد لأنه كان يعني أن خيوط الأمل بالتوصل إلى حل لا زالت ممتدة بين الثورة الكوردية وحكومة البعث..))، كان والدي صمام الأمان والقوة التي من خلاله يشعر أبناء شعبه بالأمان والسلام وبأمل لتحقيق الأفضل، وهذا ما كان يحاول والدي العمل من أجله إضافة إلى محاولاته الحثيثة من إنقاذ شعبه من المكائد أو من أية محنة يتعرضون لها.. أخبرني المناضل عبد الله حمو بأنه وخلال تلك فترة ألقى النظام القبض على 17 طالباً وأعتقلتهم وقرر تنفيذ حكم الإعدام عليهم.. كان من بينهم من يعرفهم المناضل عبد الله فجاء وأستنجد بوالدي فأتصل والدي في الحال بالمسؤولين من النظام وأستطاع إنقاذهم من حِبال المشانق.. ومثل هذه المواقف لا تعد ولا تحصى..
يذكر الأستاذ جميل أحمد اليوسفي:((خلال هذه المدة الطويلة ولقاءاتي المتكررة بشخصه لم ألاحظ من خلال ما كان يتمتع به من معنويات عالية وإرادة فولاذية، كان مناضلاً جريئاً في أحلك الظروف وأقساها.. يتحلى بالصبر وبعد النظر وبشجاعة فائقة أثناء المناقشات والتعبير عن الرأي في حضور المناوئين والأعداء، كان يرفع مذكرات الأحتجاج ويوجهها إلى قيادة النظام العراقي دون مبالاة بالعواقب حول قضايا ومأساة شعبه لقد ضحى بأغلى مالديه.. في الوقت الذي كان غيره من الكتاب والسياسين يرتمون في أحضان الأعداء والأجنبي، كان الشهيد مشتبكاً في حرب ضروس بقلمه ولسانه مع عدو شرس في عقر داره(1))).
ويضيف الأخ شيرزداد محمد صالح جبرائيل:(( زرت العم سيدا في داره مرات عديدة بعد نكسة 1975 وكنت أتشرف بالجلوس معه وأستمع إلى آراءه وأدركت مدى حبه وشجاعته حتى في تحدي مخابرات النظام بعدم التنازل لهم ولو بكلمة ضد بني جلدته، كيف وهو الذي أفنى شبابه مؤمنا بالقضية الكردية..؟ أحتفظ بأحاديثه ظهرا عن قلب ولن أنساها ما حييت وكم من مجلس ذكرت آراءه وتطلعاته وكيف إنه لم ييأس من النصر في أحلك الظروف..)).
يذكر الأستاذ (محسن بني ويس) عن تلك المرحلة التاريخية:(( تحية إجلال وتقدير لروح الشهيد سه يدا يوسفي، إن آثار إنتكاسة ثورة أيلول 1975 كانت قاسية على شعبنا الكوردي حيث اليأس والخيبة وضياع الآمال.. وسط هذه الأجواء القاتمة وفي عام 1976 ألتقيت بالمرحوم (عزيز ملا أسماعيل شوان) ليخبرني عن تأسيس (الحركة الإشتراكية الديمقراطية الكردستاني) وعندما سألته عن المؤوسسين..؟ أخبرني بأن المؤسس سيدا صالح اليوسفي، ودون أن أتعمق في التفاصيل أنتميت إلى الحركة لإيماني بنزاهة الرجل وإخلاصه للقضية الكوردية ولأني قد سبق وأن قابلتهُ لمرات بحكم عملي في البارتي في خانقين والتي كانت مرتبطة تنظيمياً ببغداد - الفرع الخامس - والذي كان الشهيد مسؤولهُ قبل عام 1975.
طلبتُ من المرحوم عزيز ملا أسماعيل مقابلة الشهيد اليوسفي، فأصطحبني في إحدى ليالي صيف عام 1977 إلى داره، وخلال اللقاء أكد اليوسفي.. على الألتزام وعدم التهور في العمل التنظيمي وأخبرنا بأنه سيحاور الحكومة من أجل القضية الكردية..)).

جاءت تأسيس الحركة الأشتراكية كضرورة تاريخية وموضوعية ليملأ فراغاً في الساحة الكوردستانية وكان والدي يرسم هذه الحركة بالحركة التصحيحية، ولعب دوراً بارزاً في وقف الأنهيار والأنتكاسة التي لحقت بالثورة الكوردية من خلال نكسة 1975 وواصل كفاحه المشهود بكافة الطرق، حيث قام بتجميع خيرة المناضلين رغم الجراح التي لحقت بأبناء شعبنا وذلك للأرتقاء مرة أخرى إلى مطاف طموحاتهم القومية والديمقراطية.
خلال صيف 1976 قامت مجموعة من القيادات والشخصيات الكوردية وبعلم مؤوسس الحركة الشهيد صالح اليوسفي بترك منفاهم سراً والتوجه إلى جبل قنديل لإعادت التنظيمات وتشكيل مفارز مسلحة وبدأ الثورة من جديد في جبال كوردستان، وبعد مدة قصيرة من تأسيس هذه الحركة قامت بأرسال أول مفرزة من البيشمه ركة إلى جبال كوردستان في 8/8/ 1976 وذلك بأمرة المناضل الشهيد علي عسكري، وتعتبر هذه أول مفرزة للبيشمركة تشتبك مع القوات الحكومية بعد إنتكاسة 1975(2) كانت الأتصالات مستمرة ما بين والدي في بغداد وبين قيادات الحركة الاشتراكية في المنفى أو في المناطق المحررة من كوردستان، حرص والدي أن يتحمل المسؤولية وهو في بغداد ويدير شؤون الحركة ويخطط لها ويتخذ القرارات، وكان يتم ذلك بمنتهى الحذر والسرية التامة، كانت الأتصالات وتبادل الأراء والمعلومات والتقارير بين والدي وقيادات الحركة الاشتراكية تتم عن طريق مندوبين ومناضلين أبطال وضعوا أرواحهم بين أكفهم عندما كانوا يأتون إلى منزلنا في بغداد ويجتمعون بوالدي ومن أبرزهم الشهداء علي هزار وكاردو كلالي وبرهان مرشد..
يذكر الأستاذ ناظم باجلان:(( الشهيدين علي هه زار و كردو كلالي كانا من أعز أصدقائي في أربيل حتى بعد إنهيار الثورة.. جاءني الشهيد علي هه زار إلى البيت أذكرها للتاريخ خرجنا سوية إلى ريستورانت المحطة في أربيل في ذلك الوقت وعرض عليَّ المشاركة في مؤتمر الحزب الاشتراكي وبعد نقاش وتبادل الآراء لعدة ساعات لم نتوصل إلى نتيجه وهنا بيت القصيد حيث قلت له لايمكن مزاولة نشاطنا الحزبي في ظل هذا النظام المجرم علماً بأنني كنت أعلم بأن الشهيد والدكم سكرتير الحزب ولكنه سرّي ومعه الشهيد دارا توفيق وكنت صائباً في توقعاتي.. إن استشهاد صالح اليوسفي الاسم اللامع في تاريخ الحركه الكرديه كانت خساره كبيره لجميعنا بدون استثناء لاننا نعتبره مانديلا العصر مانديلا ناضل في السجن والشهيد اليوسفي ناضل في المدن والسجون والجبال هذا كان قدره الف الف تحيه الى روحه الطاهره..)).

كانت هناك شخصيات مناضلة بارزة لعبت دوراً مع والدي وبسرية تامة، من الذين كانوا يقيمون في بغداد وأنتموا إلى الحركة، وكان والدي يخشى عليهم من الإدلاء بأسمائهم خوفاً عليهم من الواشين الأنذال ومن بطش النظام، وكان على رأسهم الشهيد دارا توفيق والشهيد لقمان البارزاني والشهيد شوكت عقراوي والمقدم عزيز عقراوي وعبد الرحمن كومشين ويد الله كريم والأستاذ نجم الدين عوني والعشرات من المناضلين أنتموا للحركة دون خوف أو وجل.. هكذا هم الأبطال المناضلين لا يهمهم أي شيء حتى حياتهم ترخص لديهم.. فدءاً من أجل حقوقهم وقضيتهم لأن مشاعرهم القومية وشعورهم بالغدر تسموا على كل شيء.. فعجبي مِن مَن يستغرب من نضال هؤلاء العملاقة في عقر دار العدو..!!
يذكر الأديب والإعلامي الأستاذ عباس البدري من خلال إحدى زيارته لوالدي:(( زرته في بيته ببغداد برفقة بعض الأصدقاء بعد ثلاثة سنوات من نكسة 1975، كان اليأس القومي في تلك الأيام يطفئ في نفوس الكثيرين حتى بقايا الجذوة المستعرة تحت الرماد الإخفاق والإنكسار.. رأيت المناضل صالح اليوسفي شامخاً في أحاديثه وتحليلاته السياسية وأستشراقته للأحداث الآتية التي لا ريب فيها.. لم يكن يعلم أحد أن (صالح اليوسفي) في سكونه العملي الظاهري المطلق في بيته ببغداد، إنما يقود في الحقيقة حركة ثورية مسلحة.. وهذا ما يكشف الحزب الأشتراكي النقاب عنه لأول مرة في البيان المذكور المكرس لحادثة الأغتيال الدامي.
في ذلك اللقاء تحدث (صالح اليوسفي) عن تداخلات الوضع القيادي في الحركة الكوردية والسلوك المعلن والخفيّ للقائد الطيب الذكر ملا مصطفى البارزاني وعن نتائج مؤامرة تذبيح الشعب الكوردي في صالة مغلقة، حيث كان الشاه اللعين يحمل سكيناً فيما يحمل صدام خطفات لتعليق أوصال الجسد.. كانت أضواء المرارة في أحاديثه تخطف القلب والبصر معاً.. ولكن شموخ الأمل كان أشد إضاءة في تلك الظلمات.
كانت وقائع تهجير أبناء شعبنا الكردي إلى الجنوب والبادية الغربية تعصف بمشاعرنا الجريحة المهانة بلا رحمة، وقال المناضل صالح اليوسفي إنه بعث بمذكرة إلى السلطة يشجب فيها هذا الإجرام القومي، كما إنه بعث ببرقية إلى إتحاد الأدباء الأكراد، كانت متوقدة بالجرأة والجسارة والشموخ. إن أغتيال ( سيدا صالح اليوسفي ) يذكّر الإنسان بلحظات ألمه جميعاً(3))).
يذكر الأستاذ الملقب ب روز نامة نووس: (( صالح اليوسفي مناضل بمعنى الكلمة.. في عام 1977 كان لي شرف عظيم أن أنتمي لحزب (الحركة الاشتراكية) بزوتنه وه ى سوسيالست في بغداد، وشرف أعظم ألتقيت بالشهيد في مسكنه بواسطة علي وكلالي والشهيد برهان ملا مرشد والأخير أستشهد مع شقيقه برزان ملا مرشد بحادثة السير المخطط لهما من قِبل النظام البائد... والتقيت بالشهيد (سيدا صالح اليوسفي) وتحدث لنا وأصر أن تكون التنظيمات في بغداد أواسط الكورد الفيليين.. وا أسفاه لم يكمل المشوار.. وقاموا بأغتياله غدراً.. وعندما سمعنا النبأء هز عرش الكون..
يذكر الأستاذ حسن قورباني: (( كان سيدا صالح اليوسفي مدرسة في الكوردايتي، كان عزيزا شهما جريئا وقائداً.. عرفته عندما كنت مسؤول منظمة رمادي للحزب (ب د ك)، بعد إنتكاسة الحركة الكوردية أبعدت إلى قضاء الحمزة بين الديوانية والسماوة، زرت سيدا صالح مع الشهيدين علي هژار وكاردو گلالي، لا زال صورته بالروب ماثلة أمامي، بعد استشهاده أصبحت مسؤول (حسك)))... يتبع

هوامش ومصادر:
(1)أختيار الشهادة في سبيل الوطن ( صحيفة خه بات ) العدد 961 بقلم جميل اليوسفي
(2)وفي تلك الفترة ومن مدن كردستان خرجت مجموعات من الشباب الثوريين في ربيع 1976 إلى الجبال لتجوب القرى والهضاب للإعلان عن بدء المقاومة ضد النظام ونشر أفكار الثورة الجديدة وتعبئة الفلاحين، خرجت هذه المجموعات من مناطق مختلفة إلى الجبال بتخطيط من منظمة الكوملة وبتنسيق مع الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكردستانية بزعامة الشهداء ( صالح اليوسفي - علي العسكري - علي هزار- عمر مصطفى دبابة - رسول مامند - الدكتور خالد سعيد - طاهر علي والي - كاردو كلالي وسيد كاكا). من طليطلة إلى بـغداد - عادل مراد..
(3)مقتطفات من مذكرات الأستاذ الراحل عباس البدري (رحمه الله) وكما وردتني من أبنه الأستاذ بارزان عباس البدري


تم عمل هذا الموقع بواسطة