لا تخيفني الهشاشة البارزة على الوجوه في الآزقة ولا الصراعات المستكينة بين أوردتهم وهي تضخ الألم بشكل متقاطع مُنقسمة إلى أجزاء متفككة
ولم أعد أبالي كثيراً بالأشياء الغير المكتملة
ولا تلك التي قدمنا أنفسنا قُرباناً لتكتمل فمعارك الروح حين تحاوط واجهاتنا تصبح أشد وقعاً من الحروب المسلحة
كنتُ منبهرة بعزلتي التي تعيدُ لي ترتيب الأشياء والأشخاص من تلقاء نفسها إلى موضعها الحقيقي وخطيئتي الوحيدة أعتدتُ منح كُلي دوماً
كالأطفال فحق الحُب علينا إن لا نقابله بشيء من الشك او أحتمالية صدها إلى زوايا مغلقة
وحينما تتلاشىء أمامي سمفونية السذاجة تلك
أعود وحيدة مرة آخرى بقلب بارد ، ويد باردة ، وروح ملتهبة وصمتٍ أحترافي بإتقان
تزدادُ درجة اللامبالاة ولا أشن حرباً من أجل إثبات الذات ولا أمتلك أدوات خارقة تنفي ما تم إدانتي به أمشي في الشوارع دون هدف أو غاية
أنظر إلى الأعلى عبر القلب أرى أشياء غريبة مثل الغيوم التي أضيف لها جانباً من الخيال وأحيكُ من خلالها وجوه غريبة وأرواح أعتقد إنها من نسجي
وحمامات بيضاء تبني بيوت صغيرة من بيادر الخائبون
تتهيء لي فتحة واسعة في السماء
ليلوح من خلالها الأموات وهم يرتدون ثياب بيضاء مرصعة بريش ناعم فتبدو لي من بعيد كهيئة الملائكة
رايتُ وجوه مطبوعة لا تخلوا من نقص واحد ، رايتُ الأماني تحلق نحو السماء بأجنحة بنفسجية
فأدركتُ من تلقاء نفسي إنها ماهي إلا الأماني المتأخرة الذي غادر أصحابها قبل النيل منها ..
أكملتُ رحلتي الصامتة بشفافية مفرطة وركبتُ قطار دّون عليه " رحلة إلى الروح "
لم أجدْ داخلها إلا وجوه قليلة وجوه تحشوها التجاعيد والنوافذ مزركشة بالوان مختلفة فتبدو على هيئة لوحة فنية
صاح رجلاً من بعيد دون أن ندرك موضع الصوت بطاقة إيجابية مبرحة قائلاً:
تماسكوا جيداً وأغمضوا أعينكم فنحنُ على وشك المضي ..
ومضى مسرعاً وتسلل إلينا ضباباً وظلام دامس وعند كل محاولة منا للخروج تحاوطنا أطياف غريبة وأشكال مخيفة لا تبدو على شاكلة البشرِ أنقبضت أرواحنا وأعتصرت خوفاً فالطريق سنسلكه مرغمين لقد قطعنا التذكرة من حياتنا
شيئاً فشيىء أرتخت أعضاءُنا وتلاشىء الظلام وظهر النور وكإننا في حُلم
هل حقاً أرواحنا من النور !؟ هل هي بيضاء بهذا الشكل ؟
توقف القطار وأخيراً وعند خروجنا منه وجدنا قطعة زجاجية لامعة تحجب عنا ما خلفها فأصابتنا الدهشة مما رايناه
ملامحنا تبدلت والتجاعيد قد أختفت بالكامل ووجوهنا تشع نضارة وجمالاً حتى ثيابنا أيضاً وأصابعنا طرية جداً وكإنها لم تفتعل اي عمل أبداً
أختفى الزجاج من أمامنا كالسحر…
الطبيعة كانت في أبهى حالاتها فسكنت أرواحنا شرود هائل ممزوج بشعور متناقض من الوعي واللاوعي كيف أغتال القطار تجاعيدنا وبؤسنا وحاجاتنا الكثيرة في دقائق معدودة ؟! كيف سد عنا ذاك الهلاك بهذه السرعة ؟! وكيف خرجنا من الظلمات إلى النور بهذه الدقائق !
بقينا نتسائل سراً بين ذواتنا دون ان يقتات احداً منا ذاك الشرود
كان شعوراً مثيراً لشهوة الصمتِ لا يُحكى ولا يفسر مر من جانبي خطوطاً من السحرِ فتشكلت فراشة ضاحكة
للمرة الأولى أجدُ فراشات ضاحكة وهل تجيدُ الفراشات الضحك ؟!
قمتُ بملاحقتها بعينان مغلقتين وبخطوات خفيفة تمضي من تلقاء نفسها دون إرشادُ كنتُ في شرود تام قبل أن أصتطدم بذاك الظل
فتحتُ عيناي ونظرتُ بأستغراب أنتَ ماذا تفعل هُنا ؟!
فرد وهو بالكاد يقوى على حمل شيء من حزنه :
__هل يُبرر القدر أفعاله لأحد ! هل تعتذرُ الروح عن أختياراتها المفاجئة لنا
أنا هُنا لأكون أنتِ… وأنتِ هُنا لتكونيني
تباً له أربكني مجدداً ودس في جوفي لعنات من الغباء سوف أتفوه ثانيةً بأمور متناقضة لا تمثلني ، سوف أشعرُ بالخوف مجدداً إضافة لنشوة هذا الحُب وستتكىء روحي على الرياح العاتية وسيساء الظن بها مرة آخرى
أريد الفرار… أريد الفرار يُخيفني هذا الضعف
وانا أحاول الفرار دون أن أتفوه بشيء او ان أنظر إليه
خيطُ آخر من السحر شدني صوبه وكإنني آلة يتحكم بها
وأخيراً نطقتني بعض الكلمات دون أن أنطقها :
أيُها الأحمق خلقني الله لأكونك أنتَ .. أنتَ فقط .