1 قراءة دقيقة
05 Nov
05Nov

في المقارنة بين رئاستَي دونالد ترامب وميشال عون يتفوّق الأخير بلا شك. كاتبة في "نيويورك تايمز" عنونت مقالها: "أربعة أعوام مُضاعة على رئيس"، وفي عرضها لما خسره الاميركيون جرّاء سياسات ترامب الداخلية والخارجية بدأت بإدارته الفاشلة لأزمة وباء "كوفيد 19" وتداعياتها على الاقتصاد والوظائف، وبالحرائق التي رُبطت مباشرة بالتغيّر المناخي الذي تجاهله، لكنها ركّزت على "الإفقار الثقافي" الذي ساد عهده. وكان كتّاب وبحاثة آخرون فنّدوا شعارَي "أميركا أولاً" و"أميركا عظمى مجدداً" ليستنتجوا أن أميركا-ترامب تراجعت دولياً وتزعزعت علاقاتها مع حلفائها وأصدقائها. لكن أيّاً منهم لم يخلص الى أن الاميركيين فقدوا ودائعهم وأصبحت غالبيتهم عند خط الفقر أو تحته، ولم يقلْ أيّ منهم إن ترامب يقود أميركا الى "الزوال"... ولا هو قال إنها ذاهبة "الى جهنم".
لا تصحّ المقارنة بين دولة عظمى ودولة صغرى، لكن تزامن المسار والعواقب يفرض نفسه، خصوصاً أن رئيس الدولة العظمى قد يغادر الحُكم ويريح الاميركيين من تنمّره إذا قرّر الناخبون معاقبته، أما إذا أعطوه فرصة ثانية فربما يجنح الى تصحيح سياساته أو يستمرّ عليها بإصرار فتتأجّل المحاسبة أربع سنوات ليدفع حزبه الثمن باهظاً. أما رئيس دولة صغرى كلبنان فلا يبدو الرئيس في صدد تصحيح توجّهاته ولا يخشى محاسبة له أو لحزبه، لأنها تكون عندئذ عقاباً لطائفته، وهذا غير وارد، ولا ترتضيه الطوائف الأخرى خشية تعرّضها أيضاً للعقاب.
بين الفوارق الكثيرة هذا هو الجوهري، فالرئيس الأميركي ذو الصلاحيات الواسعة يتسلّح بإنجازاته ليبقى في المنصب، ولا يستطيع، حتى في حال ترامب، الركون فقط الى قاعدة انتخابية ثابتة يشكّلها البيض والانجيليون المتصهينون أكثر من اليهود. أما الرئيس اللبناني الذي يشكو من أن لا صلاحيات لديه فيستطيع قولبة الدستور ومخالفته، وتعطيل الحكومة وتلغيمها، وإذا "انحشر" فإن عرّابه "حزب الله" يأمر بتعطيل البرلمان فيُطاع. وحتى حين يكون البلد في الهاوية فإن الرئيس، كما في حال ميشال عون، يمكن أن يتمهّل في الإنقاذ، مرضاةً لجبران باسيل، فالإنقاذ في عرفه يكون أولاً لصهره وثانياً لحظوظ صهره الرئاسية و... عاشراً للبلد.
في أي حال، لم تُرجع "الترامبية" أميركا والاميركيين أربعة عقود الى الوراء كما فعلت "العونية" بلبنان واللبنانيين، وهناك من يقول بل إن البلد عاد الى نقطة الصفر في مئويته مع انفجار المرفأ أو تفجيره، ومع مؤشّرات مجاعة مقنَّعة، ومع عملة لا قيمة لها، ومع فساد دمّر الدولة والنظام المصرفي، ومع أنظمة تعليمية وصحيّة تكافح للبقاء. لكن منظومة الحكم تبدو كأنها لا تعترف بوجود كارثة ولا تشعر بها، فالمحاصصات الوزارية أكثر أهمّية عندها من أي اعتبار آخر، بل ان بعض المحاصصين يعتقد أن لبنان، بفضل "حزب الله" وترسانته الصاروخية، سيروّض المبادرة الفرنسية وخطط صندوق النقد الدولي... وإلا فلا حاجة إليهما.

تم عمل هذا الموقع بواسطة